المعارضة السورية تُشعل حلب لتخفيف الضغط عن فصائلها في الشمال

الهجوم شمل 4 محاور وعشرات القذائف على الأحياء الغربية التي يسيطر عليها النظام

سكان حي يسيطر عليه النظام في حلب يتفحصون الدمار في أعقاب سقوط قذائف من المعارضة أمس على المدينة (أ.ف.ب)
سكان حي يسيطر عليه النظام في حلب يتفحصون الدمار في أعقاب سقوط قذائف من المعارضة أمس على المدينة (أ.ف.ب)
TT

المعارضة السورية تُشعل حلب لتخفيف الضغط عن فصائلها في الشمال

سكان حي يسيطر عليه النظام في حلب يتفحصون الدمار في أعقاب سقوط قذائف من المعارضة أمس على المدينة (أ.ف.ب)
سكان حي يسيطر عليه النظام في حلب يتفحصون الدمار في أعقاب سقوط قذائف من المعارضة أمس على المدينة (أ.ف.ب)

بدأت فصائل المعارضة في حلب هجوما كبيرا وغير مسبوق في المدينة الواقعة شمال سوريا ردا على التقدم الذي تحققه قوات النظام والمجموعات الموالية لها على طريق الكاستيلو، وهو المنفذ الأخير لها باتجاه الريف والحدود التركية. وأمطرت هذه الفصائل الأحياء التي يسيطر عليها النظام بمئات القذائف، ونفذت مجموعات منها عمليات تسلل وفجرت أنفاقا، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى من جنود النظام، فيما أفيد عن مشاركة الطيران الروسي بالعمليات المحتدمة على أكثر من جبهة.
وقال مدير المكتب الإعلامي في «تجمع فاستقم كما أمرت»، ورد فراتي لـ«الشرق الأوسط»، إن ما يحصل داخل حلب «عملية عكسية ينفذها الثوار لإشعال كل جبهات حلب ردا على المحاولات المتكررة للنظام لحصار المدينة من 4 جبهات، جبهة مخيم حندرات، الكاستيلو، الملاح، والشيخ مقصود»، لافتا إلى أنه وبعدما تمت محاصرة طريق الكاستيلو ناريا «ارتأت المعارضة شن عملية واسعة ضمن المدينة تقودها وبشكل أساسي غرفة عمليات حلب». وأضاف: «هناك حظر إعلامي بالتعاطي مع المعركة، وبالتالي لا يمكن الحديث عن أهدافها وتفاصيلها».
وأوضح فراتي أن «جبهة النصرة» موجودة في المعركة في منطقة الملاح، ولكن بنسب غير كبيرة، تماما كما في المعركة داخل المدينة.
وترافق الهجوم الذي بدأته المعارضة فجر الاثنين، وشمل 4 محاور مع إطلاق عشرات القذائف على الأحياء الغربية التي تسيطر عليها قوات النظام، ما أسفر، وفق التلفزيون الرسمي السوري، عن سقوط ثمانية قتلى وأكثر من 80 جريحا. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن فصائل المعارضة أطلقت «نحو 300 قذيفة على الأحياء الغربية، وبينها السريان والميريديان والمشارقة وغيرها»، لافتا إلى أن المعارك شملت منطقتي سيف الدولة وبستان القصر، وهما خطا تماس في الجزء الجنوبي من المدينة.
وشهدت منطقة حلب القديمة التي تتقاسم قوات النظام والفصائل المعارضة السيطرة عليها اشتباكات عنيفة. وذكر بيان نشرته «الجبهة الشامية» أن مجموعة من عناصرها نفذوا «عملية نوعية، وذلك بتسللهم إلى داخل قلعة حلب التي تتحصن بها قوات النظام، واستهداف المنطقة المحيطة بها». وأكدت الجبهة مقتل عدد من عناصر قوات النظام خلال العملية، كما أحد عناصر المجموعة المتسللة.
وعلق المسؤول الأمني في «الجبهة الشامية» عمار عارف على العملية، وقال لوكالة «آرا نيوز» إن العملية «تم تخطيطها منذ احتدام المعارك والاشتباكات في ريف حلب الشمالي، وأنها جاءت لتخفيف الضغط عن فصائل المعارضة في الشمال».
من جهتها، قالت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا»، إن «وحدة من الجيش العربي السوري فجرت نفقا في مدينة حلب القديمة أدى إلى مقتل وجرح العشرات من الإرهابيين الذين حاولوا التسلل إلى قلعة حلب».
وأعلنت «غرفة عمليات فتح حلب» تفجير مقاتلي المعارضة «نفق تحت مقرات عصابات الأسد على جبهة (العقبة) في مدينة حلب ومقتل العشرات منهم وسط انهيارات في صفوفهم». وأكد مسلم أبو سلوم، أحد مقاتلي المعارضة في حلب، أنهم تمكنوا من تفجير النفق بعد حفره تحت مجموعة من الأبنية في منطقة العقبة بحلب القديمة: «ما تسبب بمقتل وجرح العشرات من عناصر قوات النظام»، لافتا إلى أنه «تخلل التفجير دخول عشرات المقاتلين إلى منطقة ساحة الحطب التي حولتها قوات النظام إلى ثكنة عسكرية، لتدور فيها معارك طاحنة بين الجانبين».
وتحدث مدير المرصد رامي عبد الرحمن عن عدم تحقيق المعارضة أي خرق يُذكر لـ«القصف الجوي لقوات النظام على مناطق الاشتباك» وعلى أحياء أخرى في الجهة الشرقية.
وقال أحمد، أحد سكان حي السريان، بعدما تعرض منزله للقصف ولم يعد صالحا للسكن، لوكالة الصحافة الفرنسية: «انهالت القذائف على الأحياء الغربية منذ الساعة الرابعة والنصف فجر الاثنين»، ووصف الوضع بـ«المحزن».
وأكد محمود أبو مالك، من المكتب الإعلامي لحركة نور الدين الزنكي المقاتلة المعارضة في حلب، أن «كتائب الثوار استخدمت في هجومها على وسط مدينة حلب كل أنواع المدفعية الثقيلة والرشاشات»، مشيرا إلى أن الهدف من الهجوم «تخفيف الضغط عن جبهة الملاح وحندرات»، في إشارة إلى المعارك الدائرة في منطقة الكاستيلو. وأغلقت قوات النظام الخميس طريق الكاستيلو بعدما تمكنت من السيطرة عليه ناريا، وواصلت التقدم باتجاهه لتصبح حاليا على بعد نحو 500 متر منه.
وبدأت أزمة النقص في المواد الغذائية كما في المحروقات تتفاقم داخل مناطق سيطرة المعارضة في حلب. وأظهرت صور التقطها مراسل وكالة الصحافة الفرنسية أسواقا فارغة بمعظمها من المواد الغذائية والخضار. ويعيش نحو 300 ألف شخص في أحياء حلب الشرقية، وتسعى قوات النظام إلى تطبيق حصار كامل عليها.
وقالت المعارضة إن الطائرات الروسية شنت غارتين على حيي العامرية والأنصاري بمدينة حلب، في حين «قصفت طائرات حربية أماكن في منطقة آسيا بريف حلب الشمالي، كما استهدفت الطائرات الحربية مناطق في حي بني زيد وسيف الدولة».
في هذا الوقت، لفتت التهديدات التي أطلقها عبد الله المحيسني، أحد قضاة «جيش الفتح» والقيادي في «جبهة النصرة»، متوعدا بـ«حرب طاحنة» داخل مدينة حلب، مهددًا بإفشال مخططات قوات النظام الساعية لقطع خطوط إمداد فصائل المعارضة وحصارها داخل مدينة حلب.
وذكر الناشط الإعلامي وائل محمد، من مدينة حلب، لوكالة «آرا نيوز» أن المحيسني أرسل رسالة صوتية لأهالي حلب، وقال فيها: «يا أهالي حلب الشهباء لسنا من يخذلكم والله لو تعلمون آلاف المجاهدين والانغماسيين الذين يستعدون الآن لاقتحام جبهات مدينة حلب وريفها الشمالي. لن تحاصر حلب بإذن الله، ألا تعرفون ما هي حلب؟».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.