سعيد يقطين: دخول العصر لا يعني تقليد الغرب

الباحث والناقد المغربي الفائز بـ«جائزة الشيخ زايد للكتاب»

غلاف الكتاب  -  سعيد يقطين
غلاف الكتاب - سعيد يقطين
TT

سعيد يقطين: دخول العصر لا يعني تقليد الغرب

غلاف الكتاب  -  سعيد يقطين
غلاف الكتاب - سعيد يقطين

يعتبر الدكتور سعيد يقطين من أهم الأسماء المغربية التي فرضت حضورها وقيمتها على الساحة الأدبية العربية، وقد أغنى المشهد الثقافي العربي بمؤلفات قيّمة كثيرة، تلامس أغلب الحقول والأجناس الأدبية، نذكر منها «تحليل الخطاب الروائي» (1989) و«انفتاح النص الروائي» (1989) و«الرواية والتراث السردي» (1992) و«من النص إلى النص المترابط» (2005)، و«السرديات والتحليل السردي» (2012)، ثم «الفكر الأدبي العربي.. البنيات والأنساق» (2014)، الذي حاز «جائزة الشيخ زايد للكتاب» في مجال «الفنون والدراسات النقدية». هنا حوار معه:
* جعلتم من فوزكم بـ«جائزة الشيخ زايد للفنون والدراسات النقدية» مناسبة للفت الانتباه إلى «أعطاب الممارسة الإعلامية والثقافية والأدبية، في العالم العربي»، وانتقاد «غياب الاختصاص الدقيق في ممارساتنا الإعلامية والثقافية والأدبية»! وهو غياب رأيتم أنه يرجع إلى نوع التكوين الذي نتلقاه في المدرسة والجامعة؛ إذ نحن، إما «موسوعيون» نعرف كل شيء ولا نعرف شيئا، وإما مختصون في مجال محدد، نعرف عنه «كل» شيء، ولا نعرف أي شيء خارج الاختصاص؟
- هذا صحيح إلى حد بعيد، ولقد كان هذا همي منذ أن بدأت الكتابة. إن تناول واقعنا الثقافي والاجتماعي والأكاديمي، من وجهة نظر تقف على أعطابه ومشكلاته يدخل في صلب اهتمامي وهمومي الفكرية. وانتهاز هذه الفرصة كان مهمًا لأهمية الحدث وخصوصيته إعلاميا وثقافيا.
* إلى أي حد ساهمت الجوائز في التقريب بين المثقفين والفاعلين والمسؤولين على مستوى الوطن العربي؟
- يمكن اعتبار الجوائز حدثا ثقافيا. فالكل، بدافع الفضول، أو المتابعة، يهمه التعرف إلى نتائجها. ويكون من آثار ذلك التعرف إلى أسماء جديدة، أو إعادة النظر في بعض الأسماء، تقديرا وإكبارا، واعترافا. أما عن مسألة التقريب بين المثقفين فلا أظن أن الجوائز تلعب ذلك الدور. فالمفروض في المثقفين أنهم يعرفون بعضهم عن طريق القراءة، أو المشاركة في أنشطة ثقافية عامة. لكن بعض الأسماء الجديدة أو التي ليس لها حضور فاعل في الواقع الثقافي العربي، تمكنها الجائزة، أحيانا، من تثبيت حضورها، أو لفت الانتباه إليها.
* بغض النظر عن إيجابيات ونواقص الجوائز التي تسلم في الوطن العربي، كيف يمكن استثمار الجوائز في تنشيط المشهد الثقافي العربي؟
- لا تزال آثار الجوائز محدودة في الوطن العربي؛ وذلك لأسباب كثيرة، من بينها مثلا مصاحبة التشكيك في بعض النتائج من لدن بعض المتنافسين أو الإعلام الثقافي، ومنها ضعف المواكبة الإعلامية على نطاق واسع. فالكثير ممن يكتبون عن الجوائز ليس لهم اطلاع على الأعمال الفائزة، فلا تكون كتاباتهم عنها إلا من خلال ما تقدمه تقارير اللجان. وعندما لا يلعب الإعلام دوره المنوط به، ولا سيما السمعي – البصري (المسموع - المرئي)، في عقد لقاءات وندوات حول الكتب الفائزة، ولا تقوم المكتبات بالعمل نفسه في تقديم هذه الكتب بكيفية ملائمة، على نحو ما نشاهد في البرامج الأجنبية، لا يمكن أن يكون للجوائز سوى دور محدود في التنشيط الثقافي.
* يتناول مؤلفكم الجديد «طريقة تعاملنا مع الأدب والدراسة الأدبية منذ عصر النهضة إلى الآن بهدف الوقوف على ما يَـعـْـتـَـورُ وعينا الأدبي، ويسهم في إعاقة تطوره». ويبدو أنكم اعتمدتم صيغة المحاكمة والنقد لمرحلة حساسة من تاريخنا لها ارتباط بواقع عام، وبدرجة الوعي التي تعوق التطور؟
- إذا كانت دلالة المحاكمة والنقد مؤسسة على قراءة فاحصة وموضوعية فأنا أقبل هذه الصفة. إن مرادي في هذا الكتاب هو التفكير في ممارسة تحققت عبر زمان (نحو قرن، تقريبا). وهذا التفكير ينشد أولا معرفة ما تحقق والعمل على تشخيص الدوافع، والأسباب التي جعلت ممارستنا تعيش واقعا متأزما. كان المنطلق هو ما يعرفه واقعنا الثقافي والأكاديمي حاليا، بهدف الذهاب إلى المستقبل. ولقد استدعى ذلك مني الرجوع إلى بدايات التشكل الأولى في العصر الحديث، فعملت على تتبع أنماط التفكير والممارسة لأنتهي إلى الخلاصات التي وقف عليها الكتاب. لقد كان هدف تلك «المحاكمة»، وهذا «النقد»، هو الفهم الدقيق أولا، بعيدا عن الإكراهات الفكرية والإيديولوجية، وكانت قراءة الآثار في صيرورتها محاولة لتلمس الشروط والملابسات المحيطة بها ثانيا. وثالثا، كانت الرغبة في الإمساك بالخيط الرفيع الذي يربط بين مختلف مكوناتها وهي تتطور حتى آلت إلى ما آلت إليه حاليا، حيث المأزق الذي يسلم به الجميع.
* لا توفرون فرصة انتقاد واقع الدراسة الأدبية في العالم العربي؛ لذلك تتخلل كتاباتكم نبرة محذرة ومنبهة، تدعو إلى الأخذ بأسباب التطور، في النظرة وفي الممارسة؟
- هذه النبرة وليدة موقف فكري - نقدي من التسرع في اتخاذ القرارات وبناء التصورات. إنه الحذر الإبستيمولوجي الذي يدفعنا إلى التفكير في الظواهر بمنأى عن الانطباع، ويعمل على تجنيبنا الانصياع للأهواء والتصورات الجاهزة والمسبقة. لذلك؛ أرى أن إصدار الأحكام، وتأويل الظواهر لا يمكن أن يتأتى لنا إلا بعد الفهم والتفسير، والنظر في البنيات والأنساق. ودون ذلك الكثير من الجهد الذي يستدعي التوقف أمام الوقائع من أجل التثبت منها عبر معاينتها في تطورها، ومقايستها بغيرها، وافتراض ما يمكن أن تكون عليه في ضوء احتمالات متعددة.
* توظفون، في كتاباتكم، عددا من الكلمات «المفاتيح»، التي تركز، في جانب منها، على «ضرورة دخول العصر»؟
- إن إيماني بنسبية الأفكار، والحقائق، وهو جزء من الإيمان بتطور الأفكار يدفعني دائما إلى القول بأن أي تفكير، مواكب وقابل للتطور، لا يمكن أن يتحقق إلا في ضوء «العصر المعرفي» الذي ينجز في نطاقه. فطه حسين مثلا، لأنه كان ابنا شرعيا (فكريا) لنهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، لا يمكنه أن يفكر في الأدب والمجتمع إلا في ضوء ما تحقق فيه. وبعض الذين انتقدوه، وإن كانوا معاصرين له، لم يكونوا أبناء العصر المعرفي الذي عاشه طه حسين بوعي. كانوا أبناء عصور معرفية أخرى. ويمكن قول الشيء نفسه عن المتطرفين حاليا، أيا كانت اتجاههم الطائفي أو الديني أو الآيديولوجي. إنهم ليسوا أبناء «العصر المعرفي» الذي نعيش فيه، حتى وإن كان بعضهم يستثمر التكنولوجيا الجديدة للمعلومات والتواصل. فهم يستعملونها باعتبارها «وسائل» لا «وسائط». فالوسيلة أداة يمكن التعامل معها بأي ذهنية. أما الوسيط فلا يمكن توظيفه إلا بالذهنية التي تتلاءم معه. حين أنادي بـ«دخول العصر»، لا أعني بذلك تقليد الغرب، ولكني أقصد الانخراط فيه من أجل المشاركة فيه، والمساهمة في تطور الوعي الإنساني باستثمار ثقافتنا، وتفاعلنا مع الثقافة الحديثة والمعاصرة.
* دعوتم إلى تصحيح المسار وتغيير الرؤية واستشراف آفاق جديدة لمستقبل الفكر الأدبي العربي، على أساس «المقايسة» بين دخول العصر في بدايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين، فدعوتم إلى عدم تكرار أخطاء التجربة الأولى؟
- سؤال دقيق وجيد. إنه يعبر عن جوهر ما أدعو إليه. لقد كانت هناك إكراهات سياسية واقتصادية وثقافية فرضت على تفكيرنا في عصر النهضة ألا يقبل بالدعوات التي انتبهت إلى ضرورة دخول العصر الحديث. إن الدعوات إلى تحرير العقل والمجتمع والمرأة، ومقاومة الاستبداد، وتجديد التعليم والدين والسياسة، كلها فهمت على أنها دعوات إلى «التغريب» والتشبه بالآخر المستعمر. ومن هنا كانت المقاومة الشديدة لهذه الدعوات. حين أعود الآن إلى تأمل فكر النهضة العربية، لا يمكنني سوى إيجاد مبررات لتلك المقاومة: فالمستعمر كان عنيفا في محاولة فرض قيمه وتصوراته. وأنصار تلك الدعوات كانوا بدورهم عنيفين في التصدي للفكر المحافظ (تصورات طه حسين عن الأدب الجاهلي، مثلا). لذلك كان الفكر المحافظ الذي يستمد شرعيته من الوعي السائد المشترك قويا في الرفض والمعارضة. ويمكن أن أضرب مثالا لامتداد هذه الدعوات التجديدية مثلا مع ظهور اليسار العربي في أواسط القرن العشرين: لقد كان عنيفا جدا ضد الدين وضد القيم السائدة. ولذلك لم يفلح في فرض وجوده ثم تراجع نهائيا. وبما أن الصراع تجاذبته قيم التاريخ والعصر، وكأنهما نقيضان، لم يكن بد من التوفيق الذي نعيشه: تاريخ عصري، وعصر تاريخي؟ فلا تاريخ ولا عصر؟ وحين نقارن التجربتين اليابانية والصينية بالعربية - الإسلامية، نجدهما أنهما معا، وكل منهما كانت تنتمي إلى معسكر مناقض للآخر، نجحتا في دخول العصر، دون التفريط في تاريخهما. هذا التوفيق الذي مارسناه منذ عصر النهضة إلى الآن، هو ما أدعو إلى تجاوزه، والوعي به، عبر الاستفادة من التاريخ، والعصر معا، فنفكر في كيفية جديدة ومختلفة في التعامل مع التكنولوجيا الجديدة للمعلومات والتواصل، فنتعامل مع هذا العصر الرقمي الذي نحن بصدد الانخراط فيه، بوعي أو بغير وعي، عن طريق التعامل معه ليس باعتباره عصر وسيلة جديدة، ولكن بصفته عصر وسائط جديدة، أهم سمتها «التفاعل»؟ ولا يمكن دخول هذا العصر من دون تغيير رؤيتنا للتعليم الذي هو بوابة تحول المجتمعات وتغيرها.
* لكن، هل يمكن القول إن «الآمال» التي علقت على الإبداع الرقمي، في العالم العربي، قد تراجعت... في زمن عربي يبدو منتصرًا للورقي والإبداع «التقليدي»؟
- هي لم تبدأ حتى تتراجع، وليس هناك زمن ورقي وآخر رقمي. السؤال الحقيقي هو: كيف نحقق تفاعلا إيجابيا بين الزمنين لدخول زمن آخر، هو زمن الإبداع الحقيقي؟
* كيف تنظرون إلى الدعوات، التي تزايدت في السنوات الأخيرة، والقائلة بضرورة إعادة التفكير في تاريخنا الحديث، ومن ذلك قول محمد جاسم الموسوي، مثلا، بأن «أدب الانحطاط» أسطورة روج لها دعاة «النهضة»، وأن هناك حاجة إلى «تجاوز هذا (الجرح) الذي حال دون التمعن في المنتج الثقافي، وقاد إلى شطب تاريخ كامل من دون تدقيق أو تمحيص»؟
- لقد قادت طريقة التفكير التي مارسناها منذ عصر النهضة إلى الآن أن ولدنا أساطير لا حصر لها. ويشترك في صنع هذه الأساطير دعاة الأصالة والمعاصرة معا. ولعل أكبر أسطورة في رأيي: الأنا والآخر. الأنا المقدس، والآخر المدنس، عند فئة، ونقيضها عند فئة أخرى. هذه الأسطورة التي ستتولد عنها كل الأساطير. أصحاب الأسطورة الأولى مارسوا «الانغلاق المميت»، والآخرون مارسوا «الانفتاح القاتل». الأوائل رأوا أننا بشر مختلف عن البشرية. والأواخر اعتبرونا تابعين لها. وبدا ذلك في قراءتنا للتاريخ: صرنا نرى التاريخ والفكر في ضوء منجزات الغرب. فصار تقسيمنا للتاريخ حسب العصور كما يقدمها الغربيون. في ملتقى مع المستشرقين السوفيات في موسكو، اعترضت على حديث كوديلين عن عصور الانحطاط في الغرب حين عممها على تاريخ البشرية، فقلت له: لقد كانت عصور ازدهار في التاريخ الإسلامي. فقبل ذلك على مضض لأنه يعتبر التاريخ الأوروبي، وكأنه تاريخ البشرية. والشيء نفسه في الحديث عن الأجناس الأدبية.
* تناولتم في مؤلفكم الجديد بعض الأصوات التي «تنادي بأزمة الأدب وبأنه في خطر»، قبل أن تجد لها بعض الأصداء في الوطن العربي، وشددتم على أن «المشكل ليس في تفشي مثل هذه الأفكار في عصر من العصور، ولكن في كيفية التجاوب معها»؟
- هذا صحيح. فهناك فرق بين الحديث عن الأزمات، وعن الكيفيات التي نتجاوب معها. إن التجاوب مع الأزمات يعني الفهم والتفسير اللذين يؤديان إلى التجاوز. لكن ادعاء الأزمة يعني النهاية التي تستدعي تفكيرا آخر.
* تحدثتم عن المنجزات الفكرية الأدبية الحديثة، في منطلقاتها الغربية، ورأيتم أنها تعكس توجهات وأفكارًا قابلة للنقاش والتحليل، وليست «حقائق» ينبغي التسليم بها؟
- نعم، آن الأوان لتجاوز النظرة التقديسية لما ينتج في الغرب. لقد أدى بي انغماسي في السرديات وتتبع جزئياتها وتفاصيلها في الكتابات الغربية إلى الانتهاء إلى أنهم بشر يصيبون ويخطئون، وفي هذا تأكيد لما قلته عن نسبيتها وتطورها.
* دعوتم إلى تجاوز أعطاب الفكر العربي، والانتقال من جمع المعلومات ومراكمتها وتنظيمها، إلى إنتاج المعرفة الأدبية؟
- تتطلب هذه الدعوة تصويب المسار الذي نفكر في نطاقه. لقد صارت المعلومات مطروحة في الطريق، تماما كالمعاني، وعلينا الانتقال إلى طرق تنظيم المعلومات وإنتاج المعارف، وإلا سنظل أسارى التلفيق والجمع الذي لا يؤدي إلى التطوير.
* تزايد في السنوات الأخيرة منسوب الجدل بصدد ثنائية زمن الشعر - زمن الرواية.. كيف تنظرون لهذا السجال.. وهل هو مفيد للمشهد الإبداعي، أم أنه يركز على الهامش ويترك جوهر الممارسة الإبداعية؟
- بعض الناس تعجبهم الأساطير الحديثة، والأقوال المتسرعة، وكلٌ يتمسك بها لغايات ومقاصد. أما التفكير في مثل هذه الأساطير فمطلب أساسي للتدقيق والتحقيق.



الثقافة السعودية 2025... الاستثمار والابتكار والانفتاح على العالم

تدشين أكاديمية آفاق للفنون والثقافة بالتزامن مع تكريم الفائزين بمسابقة المهارات الثقافية
تدشين أكاديمية آفاق للفنون والثقافة بالتزامن مع تكريم الفائزين بمسابقة المهارات الثقافية
TT

الثقافة السعودية 2025... الاستثمار والابتكار والانفتاح على العالم

تدشين أكاديمية آفاق للفنون والثقافة بالتزامن مع تكريم الفائزين بمسابقة المهارات الثقافية
تدشين أكاديمية آفاق للفنون والثقافة بالتزامن مع تكريم الفائزين بمسابقة المهارات الثقافية

حمل تقرير «الحالة الثقافية في المملكة العربية السعودية»، الذي أصدرته وزارة الثقافة السعودية في سبتمبر (أيلول) 2025، عنوان: «الأثر الثقافي»، ويُسلّط التقرير الضوء على الحِراك الثقافي السعودي في العام السابق (2024)، مع رصدٍ لتطوراته، ومنجزاته، والتحديات التي واجهته خلال العام.

وضمّ التقرير ستة فصول، هي: الإدارة والصون، والإبداع والإنتاج الثقافي، والمعارف والمهارات، والمشاركة الثقافية، والاقتصاد الإبداعي، والأثر الثقافي.

وركز التقرير على قياس الأثر الثقافي واستعراض التجارب والممارسات العالمية في هذا الاتجاه، وأكد على أهمية بناء إطارٍ وطنيّ شامل لتقييم الأثر الثقافي؛ «يتجاوز النهج التقليدي، ويستند إلى مؤشّرات كمية ونوعية ترصد التغيّرات التي أحدثتها الثقافة في حياة الأفراد والمجتمع، وذلك في ظل اكتمال البناء المؤسسي للقطاع».

«الاستثمار الثقافي»

الحدث الأكثر بروزاً على الصعيد الثقافي، أيضاً، تنظيم مؤتمر الاستثمار الثقافي في دورته الأولى خلال الفترة من 29 إلى 30 سبتمبر في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض، والذي يهتم ببحث التوجّهات المستقبلية للاستثمار الثقافي، والإنتاج الإبداعي المستدام، على المستويين المحلي والدولي.

ويُعدُّ هذا المؤتمر الأول من نوعه في المملكة مناسبةً سنويّة تفاعليّة بطابعٍ عالمي، حيث يجمع بشكل سنوي أطراف المنظومة الثقافية من جهات حكومية وخاصة، مع المستثمرين، والممارسين، والمبدعين، والمهتمين بالشأن الثقافي المحليين والدوليين.

«تحدي الابتكار الثقافي»

وفي 25 مايو (أيار) 2025، أطلقت وزارة الثقافة السعودية «تحدي الابتكار الثقافي (بوليسيثون)»، وهو حدثٌ تفاعلي يهدف إلى إشراك عموم المجتمع الثقافي في هاكاثون لتصميم السياسات الثقافية، بمشاركة نخبةٍ من الكفاءات الوطنية والخبراء العالميين؛ وذلك لدعم نمو القطاع الثقافي، وتحقيق تنمية شاملة ومستدامة.

ويُعنى «تحدي الابتكار الثقافي» بتنمية مهارة تصميم السياسات الثقافية من خلال إشراك أبرز المبدعين والمواهب والمهتمين بالثقافة في منافسةٍ إبداعية تُركّز على تقديم حلولٍ وسياساتٍ قادرةٍ على حلِّ التحديات أو استغلال الفرص القائمة لدعم نمو القطاع الثقافي وازدهاره، وذلك بحضور نخبة من الكفاءات الوطنية وطلاب الجامعات، والخبرات المحلية والدولية، حيث تركز التجربة على زيادة الوعي بأسس تصميم السياسات الثقافية، وفهم منهجية صناعة سياساتٍ مبتكرة ونوعية حسب أبرز الممارسات في المجال.

وخصصت الوزارة جوائز مالية بقيمة تتجاوز الـ500 ألف ريال سعودي، يتم توزيعها على الفائزين.

«حاضنة الثقافة»

وفي 28 مايو 2025 أطلقت وزارة الثقافة مبادرة «حاضنة الثقافة»، وهي مبادرة تسهِم في تمكين المنظمات الثقافية غير الربحية والمبادرات الثقافية الاستراتيجية؛ لتواكب التطوّر في القطاع الثقافي وقطاع الأعمال بما يتوافق مع مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للثقافة، ولتفتح آفاقاً جديدة للقطاع الثقافي.

وصُمّمت الحاضنة لتكون محركاً للتمكين، ووسيلةً لتسريع نمو الكيانات الثقافية، وقد استهدفت في دفعتها الأولى الجمعيات المهنية الثقافية، والتي يُتوقع تخرّجها في يناير (كانون الثاني) 2027، وذلك ضمن مجالات تركيزها التي تغطي الكيانات الفاعلة كافة في قطاع الأعمال بالمنظومة الثقافية والمنظمات غير الربحية، وتقدم لها الدعم والإرشاد اللازم، بينما تقع مسؤولية التقدّم والاستفادة على الكيانات المشاركة.

«إنترفيجن» للموسيقى

في 21 سبتمبر 2025، فازت السعودية باستضافة النسخة الثانية من المسابقة الموسيقية الدولية الكبرى (إنترفيجن)، التي من المقرر أن تُقام العام المقبل، وتُمثّل منصةً عالمية تحتفي بالتنوع الفني، وتعزز التبادل الثقافي عبر الموسيقى، وتبرز المواهب الغنائية والإبداعية في سياقٍ دولي يجمع شعوب العالم تحت مظلة الفن.

وتُعدّ «إنترفيجن» العالمية التي أُقيمت نسختها الأولى لهذا العام مسابقةً موسيقيّةً دوليّةً كبرى، تسعى إلى إبراز المواهب الغنائية والموسيقية من مختلف أنحاء العالم؛ لتعزيز التبادل الثقافي الدولي عبر الفن. وتجمع سنوياً عدداً من الدول المشاركة لتقديم عروض فنية حيّة أمام جمهورٍ عالميٍّ واسع؛ ما يجعلها منصة رائدة للاحتفاء بالتنوع الموسيقي والتقارب بين الشعوب.

«الثقافة من أجل الصحة»

شهد الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، إطلاق وزارة الثقافة سياسةَ «الثقافة من أجل الصحة»، وهي أحد مخرجات مختبر السياسات الثقافية، وذلك في خطوةٍ تعكس توجُّه الوزارة نحو تعزيز آليات التعاون بين قطاعات الثقافة والرعاية الاجتماعية والصحية، عبر إدماج العروض الثقافية في المنشآت الصحية، والاستفادة من الأثر الإيجابي للفنون والثقافة في تحسين الصحة العامة والنفسية للمرضى.

«مهرجان الدرعية للرواية»

وفي منتصف نوفمبر 2025، أُقيم «مهرجان الدرعية للرواية» الذي يجمع كتّاباً ومؤلفين محليين وعرباً وأجانب، في تظاهرة تحتفي بالرواية والفنون السّردية بمختلف أشكالها، لتلتقي الرّواية بالموسيقى والفنون البصرية في أمسيات تفاعلية، تتناول فن السّرد بوصفه أحد أهم أشكال التعبير الإنساني، وتربط بين الإرث الرّوائي الشفهي العريق وأدوات السرد الحديثة.

ويُعدّ المهرجان أحد أبرز برامج موسم الدرعية (2025 - 2026) ملتقى للكتّاب والرواة والقرّاء من المملكة والعالم، حيث يحتفي بالكلمة والسرد. ويجمع المهرجان بين العروض القصصية والقراءات الأدبية وورش العمل والحوارات الثقافية؛ ليُبرز دور الحكاية في صون الهوية السعودية ونقلها للأجيال.

رئيس تنفيذي للمجمع الملكي للفنون

وفي 9 أبريل (نيسان) 2025، أعلنت وزارة الثقافة عن تعيين دوغلاس غوتييه رئيساً تنفيذياً للمجمع الملكي للفنون بحديقة الملك سلمان بالرياض، حيث سيتولى غوتييه مهام إدارة وتشغيل المجمع وتطوير برامجه الثقافية انطلاقاً من خبراته الواسعة في إدارة الأصول الثقافية على مستوى العالم.

وشغل غوتييه منصب الرئيس التنفيذي والمدير الفني لمركز مهرجان أديلايد للفنون في أستراليا، حيث أسس مهرجان أوز آسيا، الذي أصبح اليوم من المنصات الرائدة للتبادل الثقافي بين أستراليا وآسيا. وعُرف بشغفه في توسيع نطاق الفنون ليصل إلى جمهور أوسع من خلال برامج ثقافية مبتكرة ترتكز على التنوع والإبداع، إلى جانب جهوده في تعزيز الشراكات الدولية لدعم الحراك الثقافي العالمي، كما يشغل منصب رئيس رابطة مراكز الفنون الأدائية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ (AAPPAC) منذ عام 2013.

جسور للتواصل الثقافي

على الصعيد الرسمي، عززت الثقافة السعودية في عام 2025 حضورها الدولي، وأبرمت عدداً كبيراً الشراكات الثقافية مع دول من أنحاء العالم. وتسعى وزارة الثقافة التي تقود العمل الثقافي في المملكة من خلال هذه الاتفاقيات التي شهدت طفرة واسعة خلال العام؛ لمدّ جسور التواصل الثقافي مع مختلف الشعوب، وتمكين الثقافة السعودية من الحضور على الساحة الدولية، إلى جانب تعزيز التبادل الثقافي بصفته أحد أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة.

وزير الثقافة السعودي يشارك في الدورة 43 للمؤتمر العام لمنظمة اليونسكو في أوزبكستان

الحق في الثقافة

ففي 12 فبراير (شباط) 2025، تسلّمت المملكة رئاسة المؤتمر الثالث عشر لوزراء الثقافة في العالم الإسلامي 2025، بعد أن عُقد في جدة مؤتمر وزراء الثقافة في العالم الإسلامي، تحت شعار: «أثر الثقافة على التنمية الاجتماعية والاقتصادية»، بمشاركة وزراء الثقافة في دول العالم الإسلامي ورؤساء المنظمات الإقليمية والدولية. وكان أبرز أعمال المؤتمر بحث مبادرة «إيسيسكو» للحقوق الثقافية والحق في الثقافة بدول العالم الإسلامي، ووثيقة تحليلية حول قائمة مواقع التراث العالمي المعرضة للخطر في العالم الإسلامي، بالإضافة إلى الوثائق المقدمة من قِبل السعودية والتي شملت وثيقة رقمنة المعاجم الثنائية اللغة في دول العالم الإسلامي، والمعجم التاريخي المصوَّر لفن الخط العربي ووثيقة تعزيز استرداد الممتلكات الثقافية في العالم الإسلامي.

المعجم التاريخي المصوَّر

وبهذه المناسبة، وقّعت وزارةُ الثقافة السعودية برنامجاً تنفيذِيّاً مع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)؛ للتعاون في المعجم التاريخي المصوَّر لفن الخط العربي.

وتضمّن البرنامج التنفيذي مجالاتٍ عدة للتعاون بين الوزارة والمنظمة، من أبرزها التعاون في ترشيح خُبراء فن الخط العربي من شتى المؤسسات والمعاهد المعنيّة بالخط العربي في العالم الإسلامي للمساهمة في المعجم التاريخي المصوّر لفن الخط العربي كتابةً، وتحريراً، ومراجعة. بالإضافة إلى التعاون بين وزارة الثقافة و«إيسيسكو» في إعداد تصوّرٍ لأشهَر مصادر الخط العربي من مخطوطاتٍ، ونقوشٍ كتابية، ولوحاتٍ فنيّة وغيرها في العالم الإسلامي. كما وقّعت وزارةُ الثقافة السعودية برنامجاً تنفيذِيّاً مع «إيسيسكو» للتعاون في دعم المثقفين والأدباء والفنانين من الدول العربية والإسلامية.

واشتمل البرنامجُ التنفيذيُّ على مجالاتٍ عدة للتعاون بين الوزارة والمنظمة تُسهِمُ في دعم المثقفين، والأدباء، والفنانين من الدول العربية والإسلامية، ومن أبرزها التعاون بين وزارة الثقافة و«إيسيسكو» في مجال بناء القدرات للفنانين والأدباء من الدول العربية والإسلامية ودعمهم، إلى جانب تضافر الجهود بينهما في المشاركات الدولية.

«إكسبو 2025 أوساكا»

وضمن الحضور الدولي للثقافة السعودية، افتتح وزير الثقافة السعودي في 13 أبريل 2025 جناح السعودية المشارك في معرض «إكسبو 2025 أوساكا»، الذي يعدّ ثاني أكبر جناح بعد جناح اليابان، تحت شعار «اكتشف السعودية»، حيث يسلّط الضوء من خلال تصميمه على الكثير من الصفات المشتركة والتناغم بين المملكة واليابان. وقدم الجناح السعودي في «إكسبو 2025 أوساكا»؛ تجربةً متعددة الحواس تُرّكز على رحلة المملكة التحولية في إطار «رؤية السعودية 2030»؛ لتسليط الضوء على التزامها بتعزيز جودة الحياة من خلال الابتكار، والتحديث التقني، بالإضافة إلى تجربةٍ مكانية تعكس استكشاف المُدن والقرى السعودية، وتُجسّد التراث الثقافي الغني للمملكة.

التكنولوجيا من أجل الثقافة

وفي خطوةٍ تهدف لدعم وتمكين القطاع الثقافي والفني السعودي، وقّعت وزارة الثقافة في 21 أبريل 2025 اتفاقية تعاون مع شركة «تيك توك» لتعزيز التعاون في مختلف المجالات، وتسعى الاتفاقية إلى تسخير التكنولوجيا الرقمية لتعزيز التجارب الثقافية، وزيادة الوعي المجتمعي حول القيم الثقافية والتراثية.

ويُظهر أحدث تقرير لنا أن 39 في المائة من مستخدمي «تيك توك» في السعودية يتفقون بشدة على أن المنصة ساعدتهم في «التعبير عن هويتهم الثقافية».

السينما السعودية في البندقية الإيطالية

واستضافت وزارة الثقافة ضمن فعالياتها الثقافية التي تُقدمها في مبنى «أبازيا» بمدينة البندقية الإيطالية، معرض «تعرَّف على السينما السعودية: إرث السينما السعودية وحاضرها» خلال الفترة من 28 أغسطس (آب) إلى 6 سبتمبر 2025، الذي يشهدُ عرضاً لتسعةِ أفلامٍ سعودية قصيرة، بالإضافة إلى تنظيم جلساتٍ حواريّةٍ لصُنّاع هذه الأفلام، وندوة حواريّة بعنوان: «صناعة السينما السعودية: صياغة النجاح السينمائي» بالتعاون مع هيئة الأفلام، لتسليط الضوء على تطوّر السينما السعودية، وإبداعات المواهب المحلية في هذا المجال.

أبحاث ثقافية مع الصين

وتفعيلاً للبرنامج التنفيذي بين وزارة الثقافة السعودية والمركز الصيني - العربي لدراسات التعاون الثقافي والسياحي ولدعم البحث العلمي المتخصص في العلاقات الثقافية بين السعودية والصين وتعزيز الحوار الأكاديمي أعلنت وزارة الثقافة18 السعودية في 18 سبتمبر 2025 نتائج منحة «أبحاث العلاقات الثقافية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية»، التي أطلقتها، ضمن مبادرة العام الثقافي السعودي - الصيني (2025).

وارتكزت الأبحاث المشارِكة على دراسة أبعاد العلاقات الثقافية المشتركة بين المملكة والصين، من خلال المجالات البحثية الخمسة، التي غطتها المنحة، وهي: التاريخ والتراث الثقافي، والفنون البصرية والأدائية، والأدب والترجمة، والاقتصاد الثقافي والصناعات الإبداعية، إضافةً إلى دور المنصات الرقمية في التبادل الثقافي المعاصر.

الثقافة في قمة العشرين

في 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2025 شاركت وزارة الثقافة في الاجتماع السادس لوزراء الثقافة لدول مجموعة العشرين، الذي عُقد في مدينة ديربان بجنوب أفريقيا.

وخلال الاجتماع، أُعلن عن استضافة المملكة مؤتمر «يونيسكو» العالمي للسياسات الثقافية والتنمية المستدامة (موندياكولت 2029)، بما يجسّد التزام المملكة باستكمال الإنجازات المحققة في المكسيك وإسبانيا، والهادفة إلى تحويل الثقافة محركاً اقتصادياً مستداماً يخدم المجتمع الدولي ويعزز التنوع الثقافي والحوار الحضاري.

• التعاون مع «يونيسكو»

وفي الأول من أكتوبر 2025، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) استضافة السعودية الدورة المقبلة لمؤتمر «يونيسكو» العالمي للسياسات الثقافية والتنمية المستدامة (موندياكولت)، التي ستنعقد في عام 2029، ويعدّ هذا المؤتمر تجمعاً دولياً يهدف إلى تعزيز الحوار حول الثقافة ودعم السياساتٍ الثقافيّة، إذ عُقد المؤتمر الأول في المكسيك عام 1982، وأسهمت المملكة في إعادة إحياء مؤتمر «موندياكولت» من خلال دعم الولايات المتحدة المكسيكية لاستضافة المؤتمر في عام 2022، وترؤس المملكة للمشاورات الإقليمية للمنطقة العربية في تلك الدورة.

وفي 4 أكتوبر 2025، شاركت السعودية ممثلة وزارة الثقافة في الدورة الـ43 للمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو)، في مدينة سمرقند بأوزبكستان.

وفي 5 أكتوبر 2025، زار وزير الثقافة السعودي معرض «بينالي بُخارَى» للفن المُعاصر في مدينة بُخارَى بأوزبكستان، حيث قام بجولة في أجنحة البينالي الذي يُعدّ منصةً جديدة للفن المُعاصر في آسيا الوسطى، ويجمع أكثر من 200 مشاركٍ من 39 دولةً في دورته الأولى، ويعدّ بينالي بخارى موقعاً يُجسّد اندماج الفن المعاصر في عمق التاريخ والحِرف التقليدية، حيث تتزين هذه المواقع بالفنون المتعددة مثل اللوحات، والمنحوتات، والفنون الأدائية التقليدية، والحِرف اليدوية.

• حضور دولي

وفي 8 مايو التقى وزير الثقافة في مدينة البندقية، أليساندرو جولي، وزير الثقافة الإيطالية، وذلك ضمن مشاركة وزارة الثقافة في معرض بينالي البندقية للعمارة 2025، نسخته التاسعة عشرة للعمارة.

وفي 29 يونيو (حزيران) 2025 وقّعت وزارة الثقافة برنامجاً تنفيذياً مع المركز الصيني - العربي لدراسات التعاون الثقافي والسياحي في الصين؛ لتأطير سُبل التعاون الثقافي بين الجانبين تزامناً مع العام الثقافي السعودي - الصيني 2025، ولتعزيز التعاون المشترك في عددٍ من المجالات الثقافية.

وفي 24 يوليو (تموز) 2025، شاركت وزارة الثقافة في الدورة الـ39 من مهرجان جرَش للثقافة والفنون 2025 في الأردن. وتضمنت المشاركة تنظيم حفل موسيقي لفرقةٍ موسيقية سعودية على مسرح الساحة الرئيسية بجرَش، يُقدم من خلاله مقطوعات من الموسيقى العربية الأصيلة، يجتمع فيها نُخبة من العازفين على آلات العود، والقانون، والكمان، والناي، والإيقاع.

كما وقَّعت وزارة الثقافة 28 أغسطس 2025 برنامجاً تنفيذياً للتعاون الثقافي مع «خدمة التراث الكوري» وذلك في إطار توطيد أواصر العلاقات الثقافية مع كوريا الجنوبية، وتفعيل بنود مذكرة التفاهم الموقعة سابقاً بين الجانبين في مدينة سيول خلال عام 2019.

في 2 سبتمبر 2025 أجرى مسؤولون في وزارة الثقافة السعودية ونظراؤهم البريطانيون مباحثات في لندن للتعاون الثقافي في مختلف المجالات الثقافية، كما أجرى وزير الثقافة في 5 سبتمبر مع وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي، مباحثات لتعزيز التعاون الثقافي بين البلدين، وتمّ اللقاء على هامش إقامة حفل روائع الأوركسترا في قصر فيرساي في العاصمة الفرنسية باريس.

وافتُتح في سبتمبر الماضي في العاصمة الألبانية تيرانا الأسبوعَ الثقافي السعودي الذي نظمته وزارة الثقافة، في مبنى الكونغرس «قصر المؤتمرات».

وفي 9 نوفمبر، تمّ توقيع مذكرة تفاهمٍ بين وزارة الثقافة في السعودية ووزارة الثقافة في الهند، للتعاون والتبادل الثقافي في عددٍ من المجالات الثقافية، من بينها التراث، والمتاحف، والمسرح والفنون الأدائية، والأفلام، والأزياء، والموسيقى، وفنون الطهي، والفنون البصرية، والعمارة والتصميم، والمكتبات، والأدب والنشر والترجمة، والفنون التقليدية والحرفية، وتعليم اللغة العربية. إضافةً إلى تبادل الخبرات في المشاريع المتعلقة بالمحافظة على التراث بجميع أنواعه، وتبادل المشاركات في المهرجانات والفعاليات الثقافية في البلدين.


رئيس هيئة الأدب والنشر لـ«الشرق الأوسط»: المملكة تتحول لمركز جذب مهني للناشرين والمؤلفين

معارض الكتاب في السعودية شهدت طفرة نوعية مع تنوع المعروض (الشرق الأوسط)
معارض الكتاب في السعودية شهدت طفرة نوعية مع تنوع المعروض (الشرق الأوسط)
TT

رئيس هيئة الأدب والنشر لـ«الشرق الأوسط»: المملكة تتحول لمركز جذب مهني للناشرين والمؤلفين

معارض الكتاب في السعودية شهدت طفرة نوعية مع تنوع المعروض (الشرق الأوسط)
معارض الكتاب في السعودية شهدت طفرة نوعية مع تنوع المعروض (الشرق الأوسط)

تقود هيئة الأدب والنشر والترجمة حراكاً للخروج بالقطاع إلى مساحات أكبر وأشمل تتجاور فيها سلاسل الإمداد مع جماليات النص، والحقوق مع أثر الترجمة، والاستثمار مع حضور القارئ.

وتعتمد استراتيجية الهيئة على التطوير والتحفيز والتنظيم للقطاعات الثلاثة، وفقاً للدكتور عبد اللطيف الواصل، الذي أكد أن الهيئة استحدثت مؤشرات أداء لقياس ما الذي تغير فعلياً في بنية القطاع وسلوكه تبعاً لتأسيس الهيئة، موضحاً أن الرهان الأساسي كان على الانتقال من التدخلات المؤقتة إلى بناء منظومة مستدامة؛ لذلك صُممت البرامج والمبادرات لتعمل على مستويات متعددة «الفرد، والمؤسسة، والسوق، والبيئة التنظيمية».

وفي حوار مع «الشرق الأوسط»، قال الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة إن الهيئة تعتمد على مجموعة من المؤشرات الكمية والنوعية لقياس الأثر، منها حجم السوق في القطاعات الثلاثة وأعداد الوظائف المستحدثة، وتحليل استدامة المشاريع المدعومة، وتتبع استبيانات رضا المستفيدين وتحولهم إلى نماذج عمل مستقلة قادرة على التوسع. إضافة إلى متابعة معدلات المشاركة في المعارض المحلية والدولية، ونمو عدد دور النشر الفاعلة، وحجم العناوين الصادرة والمترجمة، مؤكداً أنه على الرغم من أهمية المؤشرات فإنها لا تكفي وحدها.

الندوات الأدبية والحضور المتنوع من الداخل والخارج لمعارض الكتاب عزز مكانة السعودية في النشر والترجمة (الشرق الأوسط)

تحول تدريجي

وتابع الواصل أن الهيئة تتبع الأثر النوعي، مثل تحسن جودة النص ونضج الممارسة المهنية ومدى نمو وعي المترجم والناشر بحقوقه ومساراته، موضحاً أن الرصد كشف عن تحول تدريجي في الذهنية، «من طلب الدعم إلى بناء نموذج عمل، ومن الإنتاج الفردي إلى التفكير المؤسسي، ومن النشر المحلي إلى التفكير في الحقوق والترجمة والتوزيع العالمي، ونعتقد أن هذا التحول هو المقياس الحقيقي لنجاح طويل المدى».

لاعب مؤثر دولياً

وعن مدى التحول الإقليمي والدولي، أشار الواصل إلى أن صناعة النشر السعودية تشهد نقلة نوعية ونمواً لافتاً في المنطقة، مدعومة ببيئة تنظيمية حديثة وحراك ثقافي متسارع، ويظهر ذلك في ارتفاع الحضور السعودي في معارض الكتاب العالمية، وتزايد اتفاقيات الحقوق والترجمة، ودخول ناشرين سعوديين في شراكات خارجية، إضافة إلى الاهتمام الدولي المتنامي بالمحتوى السعودي.

وأكد أن الصناعة السعودية ليست «الوافد الجديد»، لكنها أيضاً لا تدعي أنها وصلت إلى الذروة، «نحن في منطقة وسطى حالياً، نملك طموحاً واضحاً، وحضوراً متنامياً، ووعياً بما ينقصنا».

وأضاف الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة: «إقليمياً، أصبحت المملكة نقطة جذب للناشرين والمؤلفين والمهنيين، ليس فقط بسبب حجم السوق، بل أيضاً بسبب جدية التنظيم، وتطور البنية التحتية، ووضوح الرؤية»، مشدداً على أن معارض الكتاب السعودية باتت منصات مهنية حقيقية، تُعقد فيها الصفقات، وتُبنى الشراكات، وتُختبر فيها الاتجاهات الجديدة.

وعلى المستوى الدولي، بات المحتوى السعودي يُقرأ بوصفه محتوى يحمل سرديات مختلفة، لا بوصفه «تمثيلاً جغرافياً» مع ارتفاع اتفاقيات الحقوق، وتزايد الاهتمام بالأدب السعودي في اللغات الأخرى، ودخول ناشرين سعوديين في شراكات خارجية، كلها مؤشرات على أننا ننتقل من مرحلة التعريف إلى مرحلة التأثير.

حظيت المطابع بدعم كبير ورفع المقابل المالي لزيادة انتشارها (الشرق الأوسط)

نموذج مختلف

ويؤكد الرئيس التنفيذي أن السعودية لا تسعى لمنافسة العواصم التقليدية بنسخ نماذجها، بل تسعى إلى بناء نموذج مختلف، يستفيد من التجارب العالمية دون أن يفقد خصوصيته، مضيفاً: «استراتيجيتنا تقوم على بناء منظومة متكاملة، تبدأ بالتشريع ولا تنتهي بالمنتج، حيث نعمل على تحديث الأنظمة، وتحسين بيئة الأعمال، وتسهيل الإجراءات؛ لأن النشر صناعة قبل أن يكون نشاطاً ثقافياً. بالتوازي مع هذا، نطور سلاسل الإمداد، والخدمات اللوجيستية، والطباعة عند الطلب، والتوزيع الذكي، بما يرفع كفاءة السوق ويقلل المخاطر، كما نولي أهمية كبيرة لربط النشر بالصناعات الإبداعية الأخرى «السينما، والكومكس، والمانجا، والمحتوى الرقمي؛ لأن النص اليوم لا يعيش في كتاب فقط، بل في منظومة سردية أوسع».

وشرح الواصل هذا الحراك بقوله: «نعمل على إعادة تعريف دور معارض الكتاب لتكون منصات مهنية، لا موسمية، تخلق قيمة اقتصادية ومعرفية مستدامة، كما نعمل على المراجعة الدورية للأنظمة واللوائح بهدف تسهيل إجراءات الدخول إلى السوق ورفع التنافسية والجودة في المعروض».

وأضاف أن الهيئة تعمل على تمكين الوكلاء والوكالات الأدبية باعتبارهم عنصراً محورياً في تنظيم الحقوق وتوسيع فرص الترجمة، وربط المحتوى السعودي بالأسواق الإقليمية والعالمية بشكل احترافي، كذلك العمل مع المطابع المحلية على تخفيض تكاليف الطباعة، ورفع كفاءة التشغيل، مستفيدين من الدعم الحكومي الموجه للقطاع الصناعي بشكل عام، الذي شمل اعتماد إلغاء المقابل المالي المقرر على العمالة الوافدة في المنشآت الصناعية المرخصة، الأمر الذي سيسهم في خفض التكاليف التشغيلية، وتعزيز تنافسية المطابع وصناعة النشر داخل المملكة.

الندوات الأدبية والحضور المتنوع من الداخل والخارج لمعارض الكتاب عزز مكانة السعودية في النشر والترجمة (الشرق الأوسط)

الشركات الدولية

وتولي هيئة الأدب والنشر والترجمة أهمية كبيرة للعلاقات الدولية والشركات وفقاً للواصل، الذي أوضح أن الهيئة تسعى إلى بناء علاقات نشر عالمية ووكالات أدبية، بهدف تسويق المحتوى السعودي وترخيصه بلغات متعددة، وفتح قنوات توزيع جديدة تعزز حضوره في الأسواق العالمية.

وشدد على أن «الشراكات الدولية بالنسبة لنا ليست علاقات عامة، بل أدوات استراتيجية نحرص على أن تكون عادلة للمؤلف والناشر والمترجم السعودي، وتحفظ حقوق الملكية الفكرية، وتُراعي الفروق الثقافية، بحيث يكون المحتوى السعودي حاضراً في العالم بسياقه الكامل».

ولا يقتصر دور الهيئة على بناء الشراكات على مستوى الجهات، بل العمل على التمكين الفعلي للعاملين في المنظومة كما يقول الواصل، وذلك من خلال تسهيل ارتباط دور النشر السعودية والجمعيات المهنية بنظرائها دولياً من خلال المشاركة في معارض الكتاب والفعاليات الثقافية الدولية، كذلك دعم شراكات دور النشر مع الوكلاء والوكالات الأدبية، ومع المؤلفين ودور النشر العالمية والمحلية، إلى جانب تمكين الجمعيات المهنية من بناء علاقات مع الاتحادات والجمعيات الدولية، وفتح قنوات تعاون مع مؤلفين يمكن نشر أعمالهم محلياً، ومع مكاتب ترجمة متخصصة تسهم في نقل المحتوى السعودي إلى المتلقي العالمي باحترافية.

الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة عبد اللطيف الواصل

قيادة الترجمة

تنسق هيئة الأدب الجهود في مجال الترجمة من خلال مبادرات مؤسسية ذات بعد إقليمي ودولي، فقد أنشأت الهيئة، وفقاً للواصل، المرصد العربي للترجمة بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) بوصفه منصة تنسيقية ومعرفية تهدف إلى توثيق ورصد حركة الترجمة في العالم العربي.

الاستثمار الأجنبي

في هذا السياق، قال الواصل إن الاستثمار الأجنبي في القطاع خطوة واعدة، خاصة في مجالات الطباعة المتقدمة، والتوزيع، والنشر الرقمي، وتُعد فرص دخول الشركات التقنية الدولية، لا سيما في منصات المحتوى الرقمي، والكتب الإلكترونية، والحلول التقنية الداعمة لصناعة النشر من أهم الفرص التي تعمل الهيئة باستمرار على دعمها.

وأكد أن القطاع اليوم أكثر جاهزية من أي وقت مضى لاستقبال الاستثمار الأجنبي، «لا نبحث عن رأس المال فقط، بل نبحث عن المعرفة، ونقل التقنية، وبناء القدرات المحلية». وشدد على أن دخول الشركات التقنية الدولية إلى السوق السعودية يمثل فرصة لبناء نماذج مشتركة، تُختبر محلياً، ثم تتوسع إقليمياً عبر مساحات نمو حقيقية.

ويتعزز هذا التوجه في ظل البيئة الاستثمارية الداعمة التي تعمل عليها الدولة؛ حيث أسهمت القرارات الحكومية الأخيرة، قائلاً إن ذلك يعزز ثقة المستثمر الأجنبي، ويجعل السوق السعودية أكثر تنافسية لاستقطاب الشركات الدولية الباحثة عن بيئة مستقرة، وواضحة التنظيم، وقابلة للنمو.

معارض الكتاب في السعودية شهدت طفرة نوعية مع تنوع المعروض (الشرق الأوسط)

تطوير الحلول

وعن هيمنة الشركات التكنولوجية الكبرى عالمياً، أكد الواصل أن الهيئة تعي تماماً حجم التحولات التي تقودها الشركات التقنية الكبرى، «ندرك مخاطر أن تكون الأسواق الثقافية مجرد مستهلكة لهذه التقنيات؛ لذلك تتجه الهيئة إلى أن تكون شريكاً في تطوير الحلول، لا مجرد مستخدم لها، كما ندرس شراكات في مجالات الابتكار والذكاء الاصطناعي الداعم للترجمة والتحرير، مع التأكيد على الجودة، والسياق الثقافي، والأخلاقيات المهنية».

الكتب الصوتية

وتولي الهيئة اهتماماً خاصاً بسوق الكتب الصوتية، ليس فقط بوصفه سوقاً نامية، بل كوسيط ثقافي جديد يعيد تعريف علاقة الجمهور بالنص، وهذا ما دعا الهيئة إلى إطلاق مبادرة «رقمنة الكتب لدور النشر السعودية» لتعمل على توسيع قاعدة القراء بطرق لم تكن ممكنة سابقاً.

معاهدة مراكش

وفي هذا السياق، تقوم الهيئة السعودية للملكية الفكرية بدورها في تفعيل «معاهدة مراكش» بما يحقق تيسير النفاذ إلى المصنفات المنشورة لفائدة ذوي الإعاقة البصرية ضمن إطار يحفظ حقوق المؤلفين والناشرين، وبالتوازي عملت هيئة الأدب والنشر والترجمة بالتعاون مع هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة على إطلاق «منصة قارئ» كحل تقني عملي يتيح الوصول إلى المحتوى المقروء والمسموع لهذه الفئة، ويعكس تكامل الأدوار بين التنظيم والتنفيذ.

مبادرات مشتركة

تتجه الهيئة إلى تعزيز حضورها القيادي في المعارض الدولية الكبرى، ليس فقط عبر الأجنحة الوطنية، بل من خلال مبادرات مهنية مشتركة، حددها الواصل بـ«برامج تبادل، ومنصات حوار تسهم في ترسيخ صورة المملكة كشريك ثقافي فاعل على الساحة العالمية»، وتساعد على وصول المبدع والمنتج السعودي إلى قاعدة جماهيرية واستهلاكية أوسع، مؤكداً أن وجود المملكة في هذه المعارض هو وجود شريك مبادر، يضيف قيمة، ويقترح أفكاراً، ويشارك في صياغة مستقبل الصناعة، لا الاكتفاء بالتمثيل الرمزي.

نجحت هيئة الأدب في استقطاب شرائح المجتمع المختلفة بتنوع برامجها وفعالياتها في جميع المدن السعودية (الشرق الأوسط)

أدوات الربط

يرى رئيس هيئة الأدب أن ما يربط القارات عبر المملكة منظومة تجمع الإنسان المؤهل، والمعيار المهني، والاقتصاد القوي وحين تجتمع يعبر المحتوى وحده بثقة، موضحاً: «نراهن في استراتيجيتنا القادمة على حزمة من المشاريع النوعية كمنظومة التدريب التخصصي والاعتماد المهني في مجالات الأدب والنشر والترجمة، التي تهدف إلى تأهيل ممارسين سعوديين بمعايير عالية ومعترف بها، بما يجعل الكفاءة المحلية قادرة على العمل بثقة في الأسواق الدولية، فالمحتوى لا يعبر العالم ما لم يُنتج باحتراف، ويُدار بمنطق مهني مستدام».

وتسعى الهيئة لإدارة الحراك الترجمي بوصفها سياسة معرفية، تسد فجوات حقيقية، وتربط العربية بلغات آسيا وأفريقيا وأوروبا بجودة ومعايير موحدة، مع تمكين المترجم السعودي ليكون جزءاً من هذا التدفق لا وسيطاً خارجياً عنه.


رحيل مكي حسين... نحات أجساد الضحايا

مكي حسين في مشغله
مكي حسين في مشغله
TT

رحيل مكي حسين... نحات أجساد الضحايا

مكي حسين في مشغله
مكي حسين في مشغله

فجع الوسط الثقافي والتشكيلي العراقي بالرحيل المفاجئ والمأساوي للنحات مكي حسين، الذي مات وحيداً في شقته التي كان يقطنها بالملجأ الألماني، ولم تكتشف جثته إلا بعد أربعة أيام بعدما اقتحمت الشرطة الشقة، تاركاً خلفه إرثاً إبداعياً ضخماً في مشغله يواجه مصيراً مجهولاً.

ولد الراحل في مدينة البصرة عام 1947، ودرس فن النحت في معهد الفنون الجميلة، الذي تخرج فيه عام 1968. وأصبح عضواً في جمعية التشكيلين العراقيين منذ سنة تخرجه، ثم عضواً في هيئتها الإدارية في عام 1971. غادر العراق، مثل مئات المثقفين العراقيين، بعد حملة النظام العراقي السابق على معارضيه، ثم التحق بحركة الأنصار اليسارية المسلحة في كردستان العراق، وبعدها رحل إلى سوريا ثم إلى منفاه الأخير في ألمانيا.

في عقد السبعينات من القرن الماضي، شارك مكي حسين مع فنانين عراقيين في معارض عديدة، وواصل نشاطه بعد مغادرته العراق عام 1979، وكان آخر معرض شخصي له في مدينة لاهاي الهولندية، عرض فيه تمثاله «صرخة من عمق الجبال» الذي أدان فيه مجزرة «بشتاشان» ضد فصائل الأنصار في كردستان.

من أعماله

تميزت تجربة مكي حسين، كما يتفق معظم النقاد، بـ«قدرة استثنائية» على جعل «البرونز» قناة إيصال إنسانية. فمنذ عمله الأول «الرجل صاحب الجناح» انهمك في صراع فني لتطويع الخامة في خدمة موضوع «الجسد المحاصر». إن منحوتاته، كما يقول أحد النقاد، لا تقدم احتفاءً جمالياً مجرداً، بل هي «أجساد منتزعة من عذابات الضحايا، حيث تعكس حالة اللاتوازن مع عالم مضطرب ومطعون في أخلاقياته».

ويقول الناقد العراقي عادل كامل عن أعماله: «لم يقم مكي حسين بقراءة كنوز وادي الرافدين، بدءاً بتماثيل الأسس، والأختام، وتماثيل بوابات المدن، والآلهة فحسب، بل اشتغل على استنطاقها لتتبع مساراتها الداخلية المخبأة، وقدراتها على منح (التعبير) المكانة ذاتها للفنون المتكاملة. فلم يعزل النحت عن حقائق التقدم العلمي لتلك المجتمعات عند فجر السلالات في سومر، مع اختراع الكتابة، نظام الري، سبك المعادن، التعليم، الطب، الفلك، مجلس الشيوخ بجوار مجلس الشباب، حقوق المرأة... إلخ، كما ذكرها صموئيل كريمر بتدشينات مبكرة للحضارة العراقية، ولها أسبقية، مقارنة بما كانت تنتجه الحضارات الأولى، قبل ستة آلاف عام. فلقد وجد مكي حسين نفسه يتلقى المعارف في المتحف العراقي، ذاكرته الجمعية، كي يواصل إكمال مشروعات جيل الرواد: جواد سليم ومحمد الحسني وخالد الرحال والكيلاني».