تركيا تفرض نفسها على الإعلام الروسي

بعد سلسلة خطوات تطبيع سريعة ومهمة بين موسكو وأنقرة

الإعلام الروسي يواكب سرعة التطبيع مع أنقرة بالاستعداد لسفر آلاف السائحين إلى المنتجعات التركية («الشرق الأوسط»)
الإعلام الروسي يواكب سرعة التطبيع مع أنقرة بالاستعداد لسفر آلاف السائحين إلى المنتجعات التركية («الشرق الأوسط»)
TT

تركيا تفرض نفسها على الإعلام الروسي

الإعلام الروسي يواكب سرعة التطبيع مع أنقرة بالاستعداد لسفر آلاف السائحين إلى المنتجعات التركية («الشرق الأوسط»)
الإعلام الروسي يواكب سرعة التطبيع مع أنقرة بالاستعداد لسفر آلاف السائحين إلى المنتجعات التركية («الشرق الأوسط»)

لم يعد ترامب «بطل الشاشات الروسية»، ولم تعد تداعيات نتائج الاستفتاء البريطاني «مسلسلا يوميا» يتكرر بحلقات مختلفة كل ساعة على تلك الشاشات وفي الصحف اليومية والمواقع الإلكترونية الروسية، فالأخبار حول التطبيع بين موسكو وأنقرة تطغى على كل شيء وفي كل مكان. وكما جرت الأمور بين البلدين بسرعة فائقة وكأن أحدهم «كبس زرًا» فتغير كل شيء، الأمر ذاته في الإعلام الروسي الذي اختفت منه الحملات ضد تركيا والاتهامات المباشرة وغير المباشرة لها بدعم الإرهابيين في سوريا. فجأة يتغير كل شيء، وبرز حرص في الإعلام الروسي على مواكبة الخطوات «فوق السريعة» التي اتخذتها موسكو للتطبيع مع تركيا، بعد رسالة وجهها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لنظيره الروسي، أكد الكرملين أنه اعتذر فيها عن حادثة إسقاط مقاتلات تركية لقاذفة روسية في سوريا خريف العام الماضي.
في التغطية الإعلامية الروسية للتطبيع مع تركيا، كان لافتًا بالدرجة الأولى الحرص الذي أظهرته قنوات التلفزة والصحف في التعامل بأكبر قدر من الاحترام مع «رسالة الاعتذار» التي وجهها إردوغان لبوتين، حيث كان متوقعًا بعد 7 أشهر من القطيعة، تناول خلالها الإعلام الروسي تركيا وقادتها بصورة سلبية جدًا، أن يعمد هذا الإعلام إلى التعامل مع رسالة إردوغان انطلاقًا من فكرة «أرأيتم، لقد خضع لنا، ذل نفسه واعتذر»، إلا أن شيئا من هذا لم يحدث. حتى في تناول نص رسالة إردوغان لبوتين، وما إذا كانت قد تضمنت عبارة اعتذار مباشرة، كان الإعلام الروسي حذرًا، ولم يذهب إلى التشكيك، وهو ما قامت به، على سبيل المثال لا الحصر، وكالة «ريا نوفوستي» التي نشرت تقريرًا بعنوان «ما الذي أجبر إردوغان على الاعتذار»، ذكرت فيه واقعة تسلم بوتين لرسالة من إردوغان عن إسقاط تركيا للقاذفة الروسية «سو – 24» خريف العام الماضي في سوريا، وانتقلت الوكالة بعد ذلك للحديث عن العبارة التي جاءت في الرسالة وتدل على «الاعتذار»، وانطلقت في تناولها هذا الأمر من تصريحات دميتري بيسكوف السكرتير الصحافي للرئيس الروسي، الذي قال إن «الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استخدم كلمة «اعذرونا»، وتضيف الوكالة، في مقال رأي أعده روستيسلاف إيشينكو، أن هذا التفسير الذي قدمه الكرملين «يدل على أن روسيا مستعدة للنظر إلى نص رسالة إردوغان على أنه ذلك (الاعتذار) الذي أصرت عليه موسكو كشرط لتطبيع العلاقات بين البلدين».
في غضون ذلك كان واضحا أن وسائل الإعلام الروسية عملت على تفادي القضايا الشائكة في حديثها عن «رسالة إردوغان»، إذ لم يظهر اهتمام كبير في الإعلام بتفاصيل النص، كما لم يتساءل أحد لماذا قرر بوتين بهذه السرعة أن يجري اتصالا مع إردوغان، رغم أنه كان قد وصف ما قامت به تركيا في وقت سابق بأنه «طعنة في الظهر»، وكان مستاء جدًا من الممارسات التركية، وبصورة خاصة عندما حمل الأتراك مسؤولية تدفق مقاتلين وعتاد عسكري إلى تنظيم داعش الإرهابي عبر الحدود التركية، بل وحتى إنه لمح إلى تعاون تجاري بين مسؤولين أتراك و«داعش» في مجال النفط، بينما اتهم الإعلام الروسي عائلة إردوغان وتحديدًا ابنه بشراء النفط من ذلك التنظيم الإرهابي. هذا كله وغيره أصبح من الماضي، والإعلام الروسي تلقى رسالة ورغبات بوتين في كيفية تغطية التطور الإيجابي الجديد في العلاقات بين موسكو وأنقرة، حين قال إن «رسالة إردوغان شكلت مقدمات لطي صفحة الخلاف بين البلدين»، وبالفعل أغلق الإعلام الصفحة «الأزماتية السوداء»، وأخذ يركز على جوانب أخرى في العلاقات الروسية - التركية.
وكالة «إنتر فاكس»، على سبيل المثال، ركزت على رد فعل سوق المال التركية على التقارب بين موسكو وأنقرة، وكتبت في تقرير لها إن «هبوط الليرة التركية مقابل الدولار تباطأ بعد الإعلان عن إرسال إردوغان رسالة يعتذر فيها من بوتين». وفي تقارير أخرى ركزت الوكالة على الخطوات التي انطلقت للتطبيع بين البلدين، إذ أشارت إلى التعليمات التي وجهها بوتين أو رئيس حكومته مدفيديف للوزارات بغية العمل على اتخاذ خطوات للتطبيع مع تركيا، وذكرت «إنتر فاكس» في هذا السياق أن الرئيس الروسي أصدر مرسومًا يقضي بإلغاء حظر سابق على سفر المواطنين الروس إلى تركيا، وكلف الحكومة باتخاذ الإجراءات الضرورية لإلغاء حظر الرحلات التجارية (تشارتر) بين البلدين. وقد تناولت كل وسائل الإعلام الروسية الخبر حول المرسوم الرئاسي، الذي يعني عمليا السماح من جديد للمواطنين الروس بالسفر بغرض السياحة إلى تركيا.
على ضوء تلك المستجدات دأب الإعلام الروسي على تقديم دراسات ومعطيات اقتصادية، تشير بما في ذلك إلى أهمية القرار بإلغاء حظر السياحة الروسية إلى تركيا. صحيفة «آر بي كا» ذكَّرت بهذا الصدد بأن دخل قطاع السياحة التركي تراجع في الربع الأول من عام 2016 بقدر 16.5 في المائة، وذلك بسبب الحظر الروسي الذي أدى إلى وقف تدفق ملايين السياح الروس إلى المنتجعات التركية. إلا أن خسائر تركيا نتيجة أزمتها مع روسيا لم تتوقف على السياحة، بل وشملت مجالات أخرى كثيرة، ما أدى في نهاية المطاف إلى تراجع حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 45 في المائة، خلال الفترة من شهر يناير (كانون الثاني) وحتى شهر أبريل (نيسان) 2016، حسب «آر بي كا».
وأخذت النبرة الإيجابية في تغطية الإعلام الروسي للتطبيع بين روسيا وتركيا منحى تصاعديًا، وبينما كانت بعض الصحف تكتب حول الآفاق الواعدة للتعاون بين البلدين، منذ لحظة التطبيع، ذهبت صحيفة «كوميرسانت» إلى خطوة لافتة جدًا، حين نشرت على صفحاتها مقالا كتبه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، يستعرض فيه طبيعة وتاريخ العلاقات بين البلدين والشعبين، ويؤكد على أهمية التعاون بين موسكو وأنقرة، ويشير إلى أن «العالم أمام تحديات معقدة جدًا يصعب مواجهتها وحيدًا». أما وكالة الأنباء الروسية «إيتار تاس» فقد سارعت إلى الوقوف عند التطورات الاقتصادية المتسارعة في سياق خطوات التطبيع، وتناولت بإسهاب «استئناف بيع الرحلات السياحية للمواطنين الروس»، ونقلت الوكالة عن شركات سياحية استعدادها لإرسال أولى مجموعات السياح من روسيا إلى تركيا اعتبارًا من الثاني من يوليو (تموز)، أي بعد يومين فقط على مرسوم بوتين حول إلغاء الحظر السياحي على تركيا.
بشكل عام فإن تغطية التطورات في العلاقات بين روسيا وتركيا في الإعلام الروسي جاءت نسخة «إعلامية» عن الخطوات المتسارعة التي أقرها الكرملين للتطبيع مع أنقرة، مثال على ذلك تبقى السياحة في تركيا. حيث جاء إعلان الكرملين عن إلغاء حظر سفر المواطنين الروس إلى تركيا، وخلق تساؤلات كثيرة لدى المراقبين، الذين أعادوا للأذهان أن السبب الرئيسي الذي قال الكرملين إنه يقف خلف حظر سفر المواطنين الروس إلى تركيا هو «القلق على أمن وسلامة المواطنين الروس في تركيا التي تشهد أعمالا إرهابية من حين لآخر». إلا أن الإعلام الروسي لم يتوقف كثيرًا عند هذه النقطة، بل ركز على عبارات قالها رئيس الحكومة الروسية مدفيديف حول «ضرورة أن يقدم الجانب التركي ضمانات لأمن المواطنين الروس» قبل أن يتم استئناف الرحلات السياحية، ومن ثم نقلت القنوات الروسية تصريحات لافروف التي أكد فيها أن الجانب التركي قدم ضمانات في هذا المجال. وهكذا انطلق التطبيع بين تركيا على المستوى الرسمي، ما جعل أنقرة تطرق أبواب الإعلام الروسي لتدخله مجددًا بصفة الصديق والشريك الاستراتيجي المهم، وذلك بعد أشهر من قطيعة لم يرحم خلالها ذلك الإعلام تركيا وقياداتها.



كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
TT

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

هذا الدور ليس بجديد على الإعلام، حيث وثَّقته ورصدته دراسات دولية عدة، «فلطالما كانت لوسائل الإعلام علاقة خاصة بالحروب والصراعات، ويرجع ذلك إلى ما تكتسبه تلك الحروب من قيمة إخبارية بسبب آثارها الأمنية على الجمهور»، حسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2000.

الدراسة أوضحت أن «الصراع بمثابة الأدرينالين في وسائل الإعلام. ويتم تدريب الصحافيين على البحث عن الخلافات والعثور على الحرب التي لا تقاوم. وإذا صادفت وكانت الحرب مرتبطة بهم، يزداد الحماس لتغطيتها».

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بدور وسائل الإعلام في نقل ما يدور من أحداث على الأرض، بل بترويج وسائل الإعلام لروايات بعضها مضلِّل، مما «قد يؤثر في مجريات الحروب والصراعات ويربك صانع القرار والمقاتلين والجمهور والمراقبين»، حسب خبراء وإعلاميين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «الإعلام في زمن الحروب يتخندق لصالح جهات معينة، ويحاول صناعة رموز والترويج لانتصارات وهمية».

يوشنا إكو

حقاً «تلعب وسائل الإعلام دوراً في الصراعات والحروب»، وفق الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، الذي قال إن «القلم أقوى من السيف، مما يعني أن السرد حول الحروب يمكن أن يحدد النتيجة».

وأشار إلى أن قوة الإعلام هي الدافع وراء الاستثمار في حرب المعلومات والدعاية»، ضارباً المثل بـ«الغزو الأميركي للعراق الذي استطاعت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تسويقه للرأي العام الأميركي باستخدام وسائل الإعلام».

وأضاف إكو أن «وسائل الإعلام عادةً ما تُستخدم للتلاعب بسرديات الحروب والصراعات للتأثير في الرأي العام ودفعه لتبني آراء وتوجهات معينة»، مشيراً في هذا الصدد إلى «استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسائل الإعلام لتأطير الحرب ضد أوكرانيا، وتصويرها على أنها عملية عسكرية وليست حرباً».

لكنَّ «الصورة ليست قاتمة تماماً، ففي أحيان أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً مناقضاً»، حسب إكو، الذي يشير هنا إلى دور الإعلام «في تشويه سمعة الحرب الأميركية في فيتنام مما أجبر إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاعتراف بالخسارة ووقف الحرب».

وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عُقدت الحلقة الدراسية الإعلامية الدولية الثلاثية للأمم المتحدة حول السلام في الشرق الأوسط بجنيف، لبحث التحديات في متابعة «حرب غزة». وأشارت المناقشات إلى «تأطير الإعلام إسرائيل على أنها بطل للرواية، حيث تكون إسرائيل هي الأخيار وفلسطين وحماس الأشرار»، ولفتت المناقشات إلى أزمة مماثلة خلال تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية. وقالت: «من شأن العناوين الرئيسية في التغطية الإعلامية أن تترك المرء مرتبكاً بشأن الوضع الحقيقي على الأرض، فلا سياق للأحداث».

ستيفن يونغبلود

وهنا، يشير مدير ومؤسس «مركز صحافة السلام العالمية» وأستاذ الإعلام ودراسات السلام في جامعة بارك، ستيفن يونغبلود، إلى أن «الصحافيين يُدفعون في أوقات الحروب إلى أقصى حدودهم المهنية والأخلاقية». وقال: «في هذه الأوقات، من المفيد أن يتراجع الصحافي قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ويتمعن في كيفية تغطية الأحداث، والعواقب المترتبة على ذلك»، لافتاً في هذا الصدد إلى «صحافة السلام بوصفها وسيلة قيمة للتأمل الذاتي». وأضاف أن «الإعلام يلعب دوراً في تأطير الحروب عبر اعتماد مصطلحات معينة لوصف الأحداث وإغفال أخرى، واستخدام صور وعناوين معينة تخدم في العادة أحد طرفي الصراع».

وتحدث يونغبلود عن «التباين الصارخ في التغطية بين وسائل الإعلام الغربية والروسية بشأن الحرب في أوكرانيا»، وقال إن «هذا التباين وحرص موسكو على نشر سرديتها على الأقل في الداخل هو ما يبرر تأييد نحو 58 في المائة من الروس للحرب».

أما على صعيد «حرب غزة»، فيشير يونغبلود إلى أن «أحد الأسئلة التي كانت مطروحة للنقاش الإعلامي في وقت من الأوقات كانت تتعلق بتسمية الصراع هل هو (حرب إسرائيل وغزة) أم (حرب إسرائيل وحماس)؟». وقال: «أعتقد أن الخيار الأخير أفضل وأكثر دقة».

ويعود جزء من السرديات التي تروجها وسائل الإعلام في زمن الحروب إلى ما تفرضه السلطات عليها من قيود. وهو ما رصدته مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، في تقرير نشرته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت فيه إلى «ممارسة إسرائيل تعتيماً إعلامياً على قطاع غزة، عبر استهداف الصحافيين وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية».

خالد القضاة

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، يرى أن «الدول والمنظمات التي تسعى لفرض الإرادة بقوة السلاح، عادةً ما تبدأ حروبها بالإعلام». وأوضح أن «الإعلام يُستخدم لتبرير الخطوات المقبلة عبر تقديم سرديات إما مشوَّهة وإما مجتزَأة لمنح الشرعية للحرب».

وقال: «في كثير من الأحيان تُستخدم وسائل الإعلام للتلاعب بالحقائق والشخوص وشيطنة الطرف الآخر وإبعاده عن حاضنته الشعبية»، وأشار إلى أن ذلك «يكون من خلال تبني سرديات معينة والعبث بالمصطلحات باستخدام كلمة عنف بدلاً من مقاومة، وأرض متنازع عليها بدلاً من محتلة».

وأضاف القضاة أن «تأطير الأحداث يجري أيضاً من خلال إسباغ سمات من قبيل: إرهابي، وعدو الإنسانية، على أحد طرفَي الصراع، ووسم الآخر بـ: الإصلاحي، والمدافع عن الحرية، كل ذلك يترافق مع استخدام صور وعناوين معينة تُسهم في مزيد من التأطير»، موضحاً أن «هذا التلاعب والعبث بسرديات الحروب والصراعات من شأنه إرباك الجمهور والرأي العام وربما التأثير في قرارات المعارك ونتائجها».

ولفت إلى أنه «قياساً على الحرب في غزة، يبدو واضحاً أن هذا التأطير لتغليب السردية الإسرائيلية على نظيرتها في الإعلام الغربي». في الوقت نفسه أشار القضاة إلى «إقدام الإعلام على صناعة رموز والحديث عن انتصارات وهمية وزائفة في بعض الأحيان لخدمة سردية طرف معين، وبث روح الهزيمة في الطرف الآخر».

منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كان «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» قد أشار في تقرير نشره في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى أن «اللغة التحريضية لتغطية وسائل الإعلام الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تؤثر في تصور المجتمعات المختلفة بعضها لبعض ويمكن أن تكون سبباً لأعمال الكراهية». وأضاف: «هناك تحيز في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف إثارة رد فعل عاطفي، بدلاً من تقديم رؤية حقيقية للأحداث».

حسن عماد مكاوي

عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، يرى أن «توظيف الدول وأجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام أمر طبيعي ومتعارف عليه، لا سيما في زمن الحروب والصراعات». وقال إن «أحد أدوار الإعلام هو نقل المعلومات التي تؤثر في اتجاهات الجماهير لخدمة أهداف الأمن القومي والسياسة العليا». وأضاف أن «وسائل الإعلام تلعب هذا الدور بأشكال مختلفة في كل دول العالم، بغضّ النظر عن ملكيتها، وانضمت إليها حديثاً وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجري توظيف شخصيات تبدو مستقلة للعب نفس الدور ونقل رسائل الدولة أو الحكومة».

وأشار مكاوي إلى أن «هذه العملية لا تخلو من ترويج الشائعات ونشر أخبار مضللة، والتركيز على أمور وصرف النظر عن أخرى وفق أهداف محددة مخططة بالأساس». وضرب مثلاً بـ«حرب غزة» التي «تشهد تعتيماً إعلامياً من جانب إسرائيل لنقل رسائل رسمية فقط تستهدف تأطير الأحداث في سياق معين».