«اقتصاد البريكست».. قادة متفائلون ومواطنون خائفون من الغد

الزعماء يريدون «انفصالاً متحضرًا».. وثقة المستهلك البريطاني تنهار إلى «سالب 9»

مئات البريطانيين يتظاهرون احتجاجا على التصويت بخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي في وسط لندن .. وفي الاطار رئيس الوزراء البريطاني  (أ.ف.ب)
مئات البريطانيين يتظاهرون احتجاجا على التصويت بخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي في وسط لندن .. وفي الاطار رئيس الوزراء البريطاني (أ.ف.ب)
TT

«اقتصاد البريكست».. قادة متفائلون ومواطنون خائفون من الغد

مئات البريطانيين يتظاهرون احتجاجا على التصويت بخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي في وسط لندن .. وفي الاطار رئيس الوزراء البريطاني  (أ.ف.ب)
مئات البريطانيين يتظاهرون احتجاجا على التصويت بخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي في وسط لندن .. وفي الاطار رئيس الوزراء البريطاني (أ.ف.ب)

تتوالى تصريحات قادة العالم في محاولة دؤوبة لبث الطمأنة على المستوى الدولي عقب الزلزال المدوي الذي أحدثه إعلان نتيجة الاستفتاء البريطاني المؤدي إلى الانفصال عن الاتحاد الأوروبي قبل نحو أسبوعين، وهو الحدث الذي فاقم متاعب الأسواق العالمية المثقلة أصلا بأعباء الركود وهبوط أسعار النفط والاضطرابات الاستثمارية الناجمة عن قلق أمني وسياسي في بقع كثيرة حول العالم.. لكن تلك «التصريحات الوردية» بدت خلال الفترة الماضية كجرعات مسكنة للألم، لا تشفي من العلة الأصلية، حيث استمرت الأسواق في أدائها السيئ وإن توقف عن الانحدار العنيف، وتواصل القلق الداخلي للمواطن البريطاني من المصير المقبل. وبالأمس، قال صندوق النقد الدولي إن الغموض الناتج عن الخطوة البريطانية سيتسبب في تقلص النمو الاقتصادي بمنطقة اليورو إلى 1.4 في المائة في 2017. من 1.6 في المائة هذا العام، مشيرا إلى أن المخاطر النزولية «تتزايد».
وقال الصندوق في مراجعته السنوية بشأن المنطقة التي تضم 19 دولة إن استمرار التباطؤ في النمو العالمي قد يحبط التعافي الذي يقوده الطلب المحلي بالمنطقة، وإن النمو قد يتأثر أيضا بمزيد من آثار خروج بريطانيا وزيادة اللاجئين وتفاقم المخاوف الأمنية وضعف القطاع المصرفي. وقال محمود برادهان، نائب مدير الإدارة الأوروبية بالصندوق، إنه «إذا طال أجل مفاوضات الانفصال بين الاتحاد وبريطانيا، واستمرت في دفع المستثمرين للعزوف عن المخاطرة بالأسواق المالية، فإن النمو بمنطقة اليورو سيتباطأ أكثر».
وأضاف أن سيناريو النمو بنسبة 1.4 في المائة للعام 2017، يفترض مفاوضات سلسة نسبيا تحفظ لبريطانيا الوصول الكامل دون تعريفة جمركية لسوق الاتحاد الأوروبي. متابعا أنه حتى هذا السيناريو الذي يعد «أفضل تصور»، سيسبب تباطؤا في الاستثمار ويؤثر على ثقة المستهلكين والسوق.
* اقتصاد ما بعد الصدمة:
«اقتصاد ما بعد الصدمة» هو عنوان المرحلة بحسب كثير من المراقبين، الذين يرون الوضع حاليا مرتبكا على المدى القصير، لكنه مطمئن على المستوى البعيد. ويقول مايكل كارتر، وهو باحث اقتصادي في جامعة «إل إس إي» البريطانية، لـ«الشرق الأوسط» إن «ما نراه يحدث حاليا وكل ما تلا يوم الاستفتاء طبيعي إلى حد بعيد، الأسواق تأثرت، وبعضها تأثر بشدة، لكنها ما زالت متماسكة ولم تنهر.. وهذا في حد ذاته أمر جيد للغاية. الشيء الوحيد الذي كان غير منطقي في الأمر كان بدايته، حين غلب صوت الانفصال من أوروبا في الاستفتاء، هذه هي النقطة الوحيدة التي كانت غير متوقعة بشكل كبير على مستوى شعبي واسع، والتي لم يجر التمهيد لاحتماليتها القوية من قبل القادة بشكل جيد.. ولذلك حدثت الصدمة».
ويشير كارتر إلى أن أحد الأمور الهامة التي تفاقم حالة الوضع الاقتصادي الداخلي في بريطانيا حاليا وتجعله في وضع مضطرب، هو «شعور الخديعة» الذي أصاب الكثير من البريطانيين عقب الاستفتاء، خاصة مع تراجع أبرز قادة المعسكر المؤيد للانفصال عن تصريحات لهم أشعلت حماس تابعيهم، قائلين إنها «أسيء فهمها».. بل وانسحاب هؤلاء «القادة» رسميا من الحياة السياسية، و«خذلان» المواطنين في تحمل تبعات القرار.
ويرى الباحث الاقتصادي البريطاني أن «رد فعل الأسواق لا يتجاوز المعقول حتى الآن، وكذلك رد الفعل الشعبي خاصة في بريطانيا وأوروبا، من حذر استثماري واحتضان لرؤوس الأموال وتخوفات شعبية.. والكل ينتظر مرور الفترة العصيبة واستقرار الأوضاع للعودة مجددا إلى النشاط. أما على مستوى قادة العالم فهم يفعلون المطلوب منهم تماما لبث الثقة على قدرة الاقتصاد العالمي على امتصاص الصدمة ووقف الانحدار السوقي، ثم تجاوز الأزمة لاحقا».

* آمال غربية
وتناول الرئيس الأميركي باراك أوباما في مقال له أمس بصحيفة «فايننشيال تايمز» الوضع البريطاني بعد الاستفتاء، معربا عن ثقته في «خروج منتظم» لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي حفاظا على الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي العالمي. وكتب أوباما: «أيا كانت المصاعب، لدي الثقة في قدرة بريطانيا والاتحاد الأوروبي على التفاوض من أجل تحقيق الانتقال بصورة منتظمة إلى علاقة جديدة، فيما تبقي بلداننا جميعها نصب أعينها الاستقرار المالي ونمو الاقتصاد العالمي».
وحذر أوباما من جهة أخرى خلال تواجده في وارسو، بأنه «ليس من مصلحة أي من كان أن تجري مفاوضات خلافية ومطولة»، متحدثا في ختام لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر قبل قمة للحلف الأطلسي، ومضيفا أن «العلاقة المتميزة بين الولايات المتحدة وبريطانيا ستستمر. لا شك لدي في أن بريطانيا ستكون واحدة من أكثر الأعضاء فعالية في حلف شمال الأطلسي». ومن المحتمل أن يجتمع أوباما مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون على هامش الاجتماعات، حيث سيستعرض القادة أيضا المفاوضات الجارية حول اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والمعروفة باسم «الشراكة التجارية والاستثمارية عبر المحيط الأطلسي»، وذلك في آخر زيارة أوروبية على أجندة أوباما قبل مغادرة منصبه في مطلع العام المقبل. وتأتي تصريحات أوباما المتفائلة بعملية انفصال ناعمة ومتحضرة لا تهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي، مؤازرة لتصريحات سبقتها بيوم واحد من المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، التي استبعدت حدوث انكماش اقتصادي عالمي نتيجة الانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي، لكنها دعت بروكسل إلى توخي الشفافية إزاء خيبة أمل البريطانيين باختيارهم الخروج من الاتحاد.
وقالت لاغارد ردا على سؤال حول وطأة اختيار البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي «إنه من مصادر المخاطر الرئيسية في الوقت الحاضر، لكننا نرى أن الاحتمال ضعيف بحصول انكماش عالمي». ورأت لاغارد أن التبعات «الآنية» للتوجه البريطاني ستظهر أولا في بريطانيا، مع «انعكاسات» في منطقة اليورو، وحضت البريطانيين والأوروبيين على التوصل في أسرع وقت ممكن إلى تفاهم حول جدول زمني للخروج من أجل إنهاء حالة الغموض. موضحة أن «الكلمة المفتاح في قضية بريكست هذه هي الغموض، وكلما استمر هذا الغموض، ازدادت المخاطر».
ورغم الغموض المحيط بالوضع الاقتصادي، أبدت لاغارد «تفاؤلا»، مشيرة إلى أن خروج بريطانيا قد يشكل «حافزا» يدفع دول الاتحاد الأوروبي إلى ترسيخ تكاملها الاقتصادي.
وبدورها، أشارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى أن مساوئ الانفصال البريطاني بالنسبة للاقتصاد الألماني «يمكن احتواؤها». وذلك عقب أن عقدت اجتماعا يوم الأربعاء الماضي مع قيادة الرابطة الاتحادية لأرباب العمل في ألمانيا (بي دي إيه) للتشاور حول النتائج المترتبة على الاستفتاء البريطاني.
وأشارت تقديرات ميركل وإنجو كرامر رئيس الرابطة إلى أنها تعتقد أن حالة عدم الاستقرار جراء خروج بريطانيا «ستكون محدودة»، فيما قال كرامر إن التأثيرات الناجمة عن هذه الخطوة بالنسبة لألمانيا وللاتحاد الأوروبي ستكون أقل بصورة ملحوظة منها بالنسبة لبريطانيا نفسها.
وحذرت ميركل وكرامر من ردود الفعل المتعجلة على الخروج الوشيك لبريطانيا. وحث كرامر على إيجاد حلول تجعل الاتحاد الأوروبي ملما بالأمور على المدى السنوات الخمس إلى العشر المقبلة. وفي خطوة عملية، قال وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله إن مجلس الوزراء برئاسة ميركل وافق الأربعاء على التمسك بخطط للاستمرار في ميزانية متعادلة على مدى السنوات الأربع القادمة رغم صدمة الاستفتاء.
وقال مسؤولون إنه في إطار خطة زيادة الإنفاق الحكومي تدريجيا من دون ديون جديدة حتى 2020 تريد الحكومة الألمانية أن ترسل رسالة «مصداقية واستمرارية» بعد قرار بريطانيا بالخروج من التكتل الذي يضم 28 دولة.
ويتعارض الاتجاه الألماني مع التوجه في بريطانيا، حيث قال وزير ماليتها جورج أوزبورن بعد الاستفتاء إنه تخلى عن هدفه بالقضاء على عجز الميزانية البريطانية بحلول 2020. والذي كان حجر الزاوية في سياسته المالية.
وقال شويبله في مؤتمر صحافي: «لا تزال ألمانيا جديرة بالثقة.. ونعزز قدرة الدولة على العمل من دون ديون جديدة»، مضيفا أن الحكومة تزيد الإنفاق على البنية التحتية والأمن ودمج المهاجرين. فيما تتوقع برلين خفض إجمالي الدين العام لأقل من 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2002، مستوفية المستوى المستهدف في معاهدة الاستقرار والنمو الأوروبية.

* قلق داخلي
لكن على المستوى الشعبي، يظهر الجانب الآخر من الصورة، حيث الخوف من المستقبل هو الذي يغلب على الأسواق وحركة الأعمال. وأظهرت دراسة نشرها بالأمس مكتب «جي إف كيه» للأبحاث حول المستهلكين، تراجع حاد بثقة المستهلكين البريطانيين «بشكل غير مسبوق» منذ 21 عاما بعد قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وبحسب الدراسة التي أجريت بين 30 يونيو (حزيران) الماضي و5 يوليو (تموز) الجاري لتقصي معنويات البريطانيين بعد قرار «بريكست»، فإن انتصار مؤيدي البريكست في الاستفتاء أدى إلى تراجع مؤشر الثقة بثماني نقاط، وصولا إلى «سالب 9». وقال مكتب الأبحاث «لم يحصل تراجع أكثر حدة منذ 21 عاما»، وتحديدا منذ ديسمبر (كانون الأول) عام 1994.
وأشارت النتائج التفصيلية إلى أن البريطانيين الذين صوتوا للبقاء في الاتحاد هم «بالطبع» الأكثر إحباطا، محققين نسبة «سالب 13» نقطة، في حين أن أولئك الذين أيدوا الخروج كانوا أقل تشاؤما، بمعدل «سالب 5» نقاط.
وقال مسؤول ديناميات الأسواق في مكتب الدراسات جو ستاتون: «شهدنا في هذه الفترة من الغموض تراجعا كبيرا للثقة، مع هبوط كل العناصر الرئيسية في المؤشر، والتراجع الأشد يتعلق بالوضع الاقتصادي بصورة عامة للأشهر الـ12 المقبلة»، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
ويتوقع 60 في المائة من الأشخاص المشمولين بالدراسة أن يتدهور الاقتصاد البريطاني خلال الأشهر الـ12 المقبلة، ارتفاعا من نسبة بلغت 46 في المائة في يونيو الماضي. كما أن نسبة الذين يعتقدون أن الأسعار ستسجل ارتفاعا سريعا ازدادت 20 نقطة من 13 إلى 33 في المائة.
وجاء في الدراسة: «تحليلنا يوحي بأن إحدى العواقب الفورية للاستفتاء هي أن قطاعات مثل السفر والأزياء والديكور والأشغال اليدوية والتوزيع، تتأثر بصورة خاصة بخفض إنفاق المستهلكين».

* محاولات إنقاذ الموقف
وتسعى الحكومة البريطانية «الحالية» إلى محاولة تقليص الآثار الجانبية للاستفتاء إلى حدها الأدنى الممكن، قبل تسليم الدفة إلى رئيس الوزراء الجديد في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، للمضي قدما في إجراءات الانفصال؛ أو ربما التراجع عنها كلية.
وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إن حكومته وسفاراتها تبذل كل ما بوسعها لاستكشاف صفقات تجارية جديدة مع الأسواق في شتى أنحاء العالم بعد الاستفتاء، موضحا أمام البرلمان الأربعاء أن تعليمات واضحة صدرت لسفارات بريطانيا وكياناتها التجارية ببدء العمل لترتيب صفقات تجارية جديدة قبل أن تخرج البلاد من التكتل الذي يضم 28 دولة. وقال: «يجب فعل كل ما بوسعنا للتواصل قدر المستطاع مع العالم للبدء في التفكير بشأن الصفقات التجارية وصفقات الاستثمار والاستثمارات الداخلية التي نود أن نراها في بريطانيا».
ولا تزال مؤشرات الأسهم البريطانية تواصل هبوطها وتتكبد الخسائر، ولو تحسن الوضع قليلا عن الأسبوع الأول الذي تلا الاستفتاء، وبدأت الأمور في التحسن صباح أمس. وتأمل الأسواق في تخطي موجة الهبوط قليلا، لكن وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله وجه طعنة جديدة إلى بورصة لندن التي أثخنتها الجراح، مبديا تشككه حيال أن تصبح العاصمة البريطانية لندن المقر الرئيسي لبورصتي لندن وفرانكفورت بعد اندماجهما. وقال شويبله الأربعاء إنه في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا بد من ضمان تطبيق التعليمات التنظيمية الأوروبية بالنسبة للبورصة.
في الوقت نفسه، أكد شويبله أن مقر الشركة القابضة، بغض النظر عن القضايا التنظيمية، لا يمثل النقطة الأكثر أهمية من وجهة نظره لكن الشيء الأكثر أهمية من وجهة نظره هو مجالات الأعمال التي لا تزال متاحة في فرانكفورت أو لندن.
وتابع الوزير المنتمي إلى حزب المستشارة أنجيلا ميركل المسيحي الديمقراطي أن وزارته ستنتظر ما ستسفر عنه عملية المراجعة التي تقوم بها الهيئات الرقابية لخطط الاندماج، مؤكدا أن نجاح البورصة الألمانية مهم للغاية بالنسبة لألمانيا ولفرانكفورت كمركز مالي.
وعلى المستوى الصناعي، فإن الإعلان أول من أمس عن نمو الإنتاج الصناعي البريطاني بأسرع وتيرة له في ست سنوات خلال الأشهر الثلاثة حتى مايو (أيار)، كان بمثابة «الكوميديا السوداء»، حيث إنه كان من الواضح أن القطاع كان في طريقه إلى المساهمة بقوة في النمو الاقتصادي قبل التصويت، إلا أن قرار «الطلاق الأوروبي» يبدو أنه «أجهض» مثل هذه الطموحات، على الأقل في المستقبل القريب.
وارتفع الإنتاج الصناعي بنسبة 1.9 في المائة في ثلاثة أشهر حتى مايو، مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة عليها، وهي أعلى نسبة زيادة منذ مايو 2010 وتعكس نموا قويا شهده شهر أبريل (نيسان).



«ستاندرد آند بورز»: نمو قوي للإقراض في الإمارات بدعم من السياسة النقدية

منظر عام لبرج خليفة وأفق مدينة دبي (رويترز)
منظر عام لبرج خليفة وأفق مدينة دبي (رويترز)
TT

«ستاندرد آند بورز»: نمو قوي للإقراض في الإمارات بدعم من السياسة النقدية

منظر عام لبرج خليفة وأفق مدينة دبي (رويترز)
منظر عام لبرج خليفة وأفق مدينة دبي (رويترز)

توقعت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال رايتنغز» في تقريرها عن توقعات القطاع المصرفي لدولة الإمارات العربية المتحدة لعام 2025 تحت عنوان «توازن النمو والمخاطر في ظل التوسع الاقتصادي»، أن يستمر النمو القوي للإقراض في عام 2025، بدعم من استمرار تيسير السياسة النقدية والبيئة الاقتصادية الداعمة، مشيرة إلى أن البنوك شهدت زيادة ملحوظة في الودائع خلال الأعوام الثلاثة الماضية، مما سيدعم زخم نموها القوي. ومع ذلك، فإن بعض الودائع خارجية وقد تكون عرضة للتقلبات بسبب جوانب الضعف الاقتصادية.

كما توقعت أن يظل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للإمارات قوياً في الفترة من 2025 إلى 2027 مع زيادة إنتاج النفط والغاز، بدعم من النشاط القوي في القطاع غير النفطي. وتعتقد أنه على الرغم من احتمال التعرض لتصعيد مفاجئ في التوترات الجيوسياسية الإقليمية ولانخفاضات كبيرة في أسعار النفط، فإن المخاطر الاقتصادية ستظل قابلة للإدارة بدعم من المرونة التي أظهرتها المنطقة خلال فترات انخفاض أسعار النفط وتفاقم عدم الاستقرار الجيوسياسي في الماضي.

استمرار تحسن جودة الأصول

بحسب الوكالة، من المتوقع أن تظل القروض المتعثرة وخسائر الائتمان في البنوك الإماراتية منخفضة، وذلك لأن الأداء القوي للقطاعات غير النفطية والخفض المتوقع الأسعار الفائدة سيساعدان في تحسين جودة الأصول الأساسية.

وعلى مدى العامين الماضيين، استخدمت البنوك ربحيتها العالية للاحتفاظ بمخصصات للقروض القديمة وقامت بشطبها، مما أدى إلى انخفاض قروض المرحلة الثالثة لأكبر 10 بنوك إلى 4 في المائة من إجمالي القروض كما في 30 سبتمبر (أيلول) منخفضة من أعلى مستوى لها في عام 2021 حين بلغ 6.1 في المائة.

بالإضافة إلى ذلك، أدى تحسن البيئة الاقتصادية إلى ارتفاع معدلات التحصيل من القروض المشطوبة، مما أسهم في خفض الخسائر الائتمانية الصافية.

كما تحسنت ربحية البنوك مع تشديد السياسة النقدية، حيث ساعد ارتفاع أسعار الفائدة في زيادة هوامش الأرباح. وتوقعت الوكالة أن تظل تكلفة المخاطر منخفضة، وبالتالي من المتوقع أن تظل ربحية البنوك مرتفعة، وإن بمستويات أقل من الذروة التي وصلت إليها في عام 2023.

الرسملة تظل عامل دعم

دَعَّمَ رأس المال القوي البنوك الإماراتية في السنوات الماضية، مع تعزيز هوامش رأس المال من خلال توليد رأس مال داخلي مدفوع بالربحية العالية ودعم المساهمين. كما تمتلك البنوك الإماراتية مركز أصول خارجية قوي، مما يخفف تأثير تقلبات أسواق رأس المال. وتمثل الودائع الأجنبية 29 في المائة من المطلوبات، فيما يشكل الاقتراض بين البنوك وتمويل السوق 20 في المائة. وعلى الرغم من المخاطر الجيوسياسية، تقدر الوكالة قدرة البنوك على تحمل الضغوط.

كما شهدت الإمارات ظهور البنوك الرقمية والتكنولوجيا المالية، مع زيادة في المنتجات الرقمية من البنوك التقليدية. وتمهد الموافقة على خطة تسجيل العملات المستقرة لإصدار العملات المدعومة بالدرهم الإماراتي. ومن المتوقع أن تكمل البنوك الجديدة وشركات التكنولوجيا المالية البنوك التقليدية، بينما يواصل مصرف الإمارات المركزي الحفاظ على استقرار النظام المصرفي وتشجيع التحول الرقمي.

ويمكن إدارة الإقراض المباشر من البنوك المحلية للقطاعات المعرضة لتحول الطاقة، حيث يمثل نحو 11 في المائة من إجمالي الإقراض في 2023، رغم التركيز العالي على النفط والغاز. كما أن التنويع الاقتصادي، والثروة العالية، والأصول السائلة الضخمة، وزيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة، ستسهم في تقليل مخاطر الانتقال من المصادر الملوثة للكربون.

كما ارتفعت أسعار العقارات في الإمارات خلال الأربع سنوات الماضية، مع تسليم عدد كبير من الوحدات في الأشهر الـ12-24 المقبلة، مما قد يزيد من مخاطر فائض العرض. ومع ذلك، تظل المخاطر للبنوك محدودة لأن معظم المعاملات تتم نقداً، ويتم تمويل 30-40 في المائة من المبيعات الجاهزة عبر الرهن العقاري. كما انخفض انكشاف القطاع المصرفي على العقارات والبناء إلى 15 في المائة من إجمالي الإقراض في يونيو (حزيران) 2024، مقارنة بـ20 في المائة عام 2021.

التقييم لمخاطر القطاع المصرفي

ترى الوكالة اتجاهاً إيجابياً للمخاطر الاقتصادية في الإمارات بفضل الأداء القوي للاقتصاد غير النفطي، مما حسّن جودة الأصول المصرفية وقلل الخسائر الائتمانية. ويشير تصنيف الوكالة الائتماني للبنوك إلى استقرارها حتى عام 2025، مدعومة بنمو الإقراض والربحية المرتفعة، لكن هناك مخاطر من التوترات الجيوسياسية وتقلبات أسعار النفط.