الخيال والواقع

الخيال والواقع
TT

الخيال والواقع

الخيال والواقع

* كثيرًا ما يُطرح السؤال حول السبب الذي من أجله ليس لدينا أفلام خيال علمية خاصة بنا. هل هو توجه معادٍ للخيال والعلم؟ هل هو موقف مرفوض لسبب معين؟ أم خوفًا من التكاليف العالية التي قد لا يستطيع فيلم من هذا النوع إذا ما تم إنتاجه عربيًا، أن يستردها؟
* النقد الذاتي قد يكون هدّامًا إذا لم يأخذ بعين الاعتبار المحيط الأكبر من الظروف. في الأساس ليست السينما العربية وحدها التي لا تحفل بالخيال العلمي (رغم أن لديها محاولات قليلة جدًا في هذا الإطار). هناك أيضًا السينما الهندية، وباستثناء قلة قليلة أخرى، لا نجد السينما الصينية تقبل على هذا النوع ولا الإسكندنافية. أما السينمات الأوروبية الأخرى فمجالها ضيق في هذا الاتجاه. وكل هذه السينمات تنتج أفلامًا أكثر تشاهدها نسبة أعلى من رواد السينما.
* على ذلك، قد يختلف السبب عندنا عن السبب في بقاع أخرى من العالم. مثلاً، نحن شعوب تعاني من الواقع. كل الروايات والقصص والكتابات واقعية. كل الأفكار الفنية كذلك. هناك فنانون وكتاب قليلون يخرجون عن هذا الإطار. وبالنسبة للجمهور، وللمثقفين أيضًا، فإن الخيال العلمي هو رديف للهرب من الواقع في حين تعلمنا أن «الواقع» شيء لا مهرب منه.
* الخيال العلمي هو نتيجة «بارانويا» ممتعة في خانتها الإيجابية، بينما نظرتنا إلى الحياة واقعية، إلا عندما نصرف النظر عن الحاضر لنعتبر أن المستقبل لا بد أنه سيكون أفضل منه. إذن المرة الوحيدة التي نخرج فيها عن النظرة الواقعية، هي المرّة التي نتمسك فيها بأمل ما.
* ثم إن هناك فرقًا بين الخيال والخيال - العلمي. الأول زارنا في حكايات «ألف ليلة وليلة» وقضى بعض مثقفينا عليه بوصفه فانتازيا غير واقعية. وهو بالفعل كذلك، لكن هذه ليست تهمة. أما الخيال العلمي فهو مزاوجة عملية التفكير المتحرر من قواعد الواقع بالعنصر العلمي لتكوين أفعال تستخدم العاملين لتكوّن أحداثًا تستند إلى العنصر الثاني من دون أن تتخلى عن سوريالية ورمزية وفانتازية العنصر الأول.
* لكن الواقعية ليست مقياسًا، وكثير من الحكايات التي تدور في الحارات أو تحمل على كاهلها طرح «مشكلات المجتمع» ليست واقعية. الكوميديا ليست واقعية. الأفلام الغنائية والاستعراضية ليست واقعية، والأفلام العاطفية ليست واقعية. لو كانت لفشلت.
* ما يشفع لغياب سينما الخيال العلمي عندنا هو عدم وجود أرضية شعبية لمثل هذه الأفلام. نعم، هناك جمهور كبير بات يقبل على أفلام هذا النوع الأميركية (وعدد مشاهدي «ستار وورز» الأخير أضعاف أضعاف عددهم في عام 1977 عندما تم إطلاق الفيلم الأول من السلسلة)، لكن الغالب هو أنه لن يكترث لفيلم هندي أو فنلندي أو صيني أو عربي من هذا النوع. وسيكون معه حق إلا إذا اشتغل المبدع المحلي على الأسلوب الأميركي، وفي هذه الحالة دخل في مشكلات أخرى.



شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
TT

شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)

معطراً بالنعناع ★★☆

رسائل شفهية في عتمة الأماكن

فيلم محمد حمدي الأول مختلف جداً عن أي فيلم مصري (أو عربي) حٌقّق في تاريخ السينما العربية. الاختلاف بحد ذاته لا يمنح الفيلم درجة التقييم. من الممكن أن يكون مختلفاً وبديعاً أو مختلفاً ورديئاً وهو أقرب إلى التصنيف الثاني. فيلم داكن في الصورة وفي الذوات البشرية التي تسكنه. يجد المخرج لها مبررات مناسبة. هذا لأن أبطاله يتقدمهم دكتور محبط (علاء الدين حمادة)، يعيشون حالات من الكآبة المطلقة تزداد عبثاً مع تناولهم الحشيشة طوال الوقت. أي نحو 90 دقيقة من مدة عرض الفيلم (التي تبلغ 113 دقيقة). وعوض استمتاعهم بهذه «السلطنة» تبقى أدمغتهم واعية وقادرة على الحديث في مسائل وجودية وسياسية (على الخفيف) مع قليل من الشّعر وكثير من الذكريات التي تتشابك بحيث لا تتضح لها زاوية فعلية تنطلق منها أو تعود إليها.

في دقائقه الـ10 الأولى يؤسّس أسلوب عمله من حالات شخصية وتصوير (قام به بنفسه) وإيقاع. هذا الإيقاع خافت باستمرار والمُشاهد عليه أن يفتح أذنيه جيداً ليتمكّن من التقاط الكلمات المتبادلة. هذا لأن الإيقاع الخافت يشمل كذلك الأداء والتلقين وتشخيص الحالات. الدكتور وأصحابه (من ثلاثة لأربعة حسب المشاهد) يركضون في الظلمة مثل جرذان هاربة من مطاردين (لا نعرفهم) ويأوون دوماً إلى خرابات تضمّهم بعتمتها أو إلى شِقق هي بدورها تبدو كخرابات كلّ شيء فيها قديم وباهت. حتى في ساعات النهار فإن النور مبتسر تأكيداً أو ترميزاً للحالة التي يمر بها أشخاص الفيلم.

الصورة، على الرغم من سوداويتها، هي أهم وأفضل من الموضوع المطروح. صحيح أن رجال الفيلم يتعاطون، لجانب الحشيش، مسائل تهمّهم، لكن ليس كل ما يهم شخصية ما في فيلم ما يهم المشاهدين. بالضرورة. لذا تنحصر الحسنات في الصورة. بينما تمرّ المَشاهد بإيقاع خافت ورتيب، مما يحدّ كثيراً من قدرة الفيلم على التواصل مع مشاهديه.

* عروض حالياً في مهرجان مراكش

Maria ★★★

العمق العاطفي لماريا كالاس

«ماريا» هو ثالث فيلم بيوغرافي ينجزه المخرج التشيلي بابلو لاراين (حسب اللفظ الأسباني) بعد (Jackie) «جاكي»، 2016 و(Spencer) «سبنسر»2021. مثل سابقيه هو فيلم عن امرأة ومثلهما هو عن شخصية حقيقية هي مغنية الأوبرا ماريا كالاس (هناك حفنة أفلام عنها أهمها «Maria By Callas» لتوم وولف، 2017) إلى جانب فيلم إيطالي آخر في التحضير بعنوان «Maria‪/‬Callas» لروبرت دورنهلم.

«ماريا» (ذِ أبارتمنت)

معالجة لاراين تختلف كونها متّصلة بالكيفية التي يحاول فيها تقديم رؤيته لشخصياته فهو يسعى دائماً إلى التقاط العمق العاطفي أكثر مما يهتم لسرد السيرة حكائياً. على ذلك، «ماريا» كما يقدّمه هنا يبقى على السطح أكثر من الدخول في عمق شخصيّته. ما يشغله في سرد الأيام الأخيرة من حياة بطلته هو التصاميم الفنية والديكوراتية وتحريك الكاميرا عبرها وهذا جيد لولا إنه يأتي على حساب تحديدٍ أفضل لمن هي ماريا كالاس.

يسرد الفيلم أحداثها الأخيرة وبعض مواقفها الشخصية والفنية لكن الحكاية يمكن لها أن تكون عن أي شخصية لمغنية وإن كانت خيالية. بطبيعة الحال، وكما بات مألوفاً، يعمد المخرج إلى مشاهد استرجاعية (الفلاشباك) بالأبيض والأسود لكن أهم عنصر في هذه الدراما هي محاولة ماريا التغلّب على ذكرياتها مع أرسطو أوناسيس (الذي تركها للزواج من جاكي كينيدي، شخصية فيلم لوراين السابق).

* عروض حالياً في مهرجان البحر الأحمر

TROIS AMIES ★⭐︎

حوارات ومشاهد تُراوح مكانها

لا يبتعد المخرج موريه في فيلمه «ثلاث صديقات» عن التيمة التي اختارها سابقاً لمعظم ما حقّقه من أفلام مثل «تغيير عنوان» (Changement d'adresse) 2007، و«هل نُقبّل» (Shall We Kiss) 2007، و«الأشياء التي نقولها، الأشياء التي نفعلها» (Les Choses qu'on dit, les Choses qu'on fait) 2020. التيمة المذكورة لا تخرج عن نطاق تداول وتناول العلاقات المتأرجحة ما بين الحب والجنس، أو الحب من دون جنس أو العكس.

«ثلاث صديقات» (موبي دَك فيلمز)

القصّة في عنوانها: 3 صديقات جوان (إنديا هير)، ريبيكا (سارا فورستييه) وأليس (كامل كوتان) والعديد من الحكايات السابقة (تشعر جوان إنها مسؤولة عن موت حبيبها السابق إريك لأنها تركته)، وفي الحكايات الحاضرة يتداولن التجارب التي مررن بها مع آخرين. لا الأحداث مهمّة ولا الحوار (يمتد بلا نهاية) يعني كثيراً. كل ذلك يَرِد مثل قراءة صفحة واحدة من مجلة إشاعات ومن دون لمسات فنية تذكر. بدورها كل لقطة تشبه، تأسيساً وإدارة. ما يسبقها وما يليها.

* عروض: حالياً في صالات فرنسية

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز