إذا كنت تعتقد أن المرأة وحدها مهووسة بالأحذية وتعاني من عقدة إيميلدا ماركوس، التي كانت تمتلك آلافًا منها من دون أن تشبع أو تقنع، فأنت على خطأ، لأن الرجل دخل على الخط وبات ينافسها في هذا الهوس إلى حد ما. فالإحصائيات تفيد بأن المرأة تُقبل عليها إما من باب التنويع والموضة، أو بحثًا عن المريح والأنيق الذي يراوغها في أغلب الأحيان، مما سيجعل الأحذية نقطة ضعف مزمنة بالنسبة لها. ويبدو أن الرجل بدأ أيضًا يعاني في السنوات الأخيرة من الضعف تجاه هذا الإكسسوار، بعد أن كان يتعامل معه مثل الذهب. فقد كان يشتري واحدًا أو اثنين فقط على شرط أن يتميزا بجودة عالية تضمن له الأناقة والراحة. الآن ورغم أرقام المبيعات التي تؤكد اهتمامه المتزايد به، فإن قلة منهم يعترفون بضعفهم تجاهه. جيسوبي سانتوني، ليس من هذه القلة، فقد صرح أخيرًا بأنه يمتلك ما لا يقل عن 400 حذاء بتصاميم مختلفة جمعها عبر السنوات.
ردة الفعل عند سماع هذا الرقم لأول مرة قد تصيب بالدهشة والصدمة في الوقت ذاته، لكن إذا عرف السبب بطل العجب وخفت الصدمة. فجيسوبي سانتوني هو الرئيس التنفيذي لواحدة من أهم شركات الأحذية في العالم «سانتوني»، ومن المفترض أن يجرب كل التصاميم التي تصدر من معامله، بينما يبرر هو هذا الرقم بأنه جمعها على مدى سنوات «فأنا أحب الأحذية ولا تطاوعني نفسي أن أتخلص منها، الأمر الذي يفسر هذا الرقم. ولأنها مصنوعة بحرفية عالية تبدو دائمًا عصرية». ويتابع: «أنا أيضًا لست من الناس الذين يبخلون عند شراء هذا الإكسسوار تحديدًا، لأني أعتبره من أساسي لا يجب التقتير فيه، والدليل أن الإنجليز يقولون إنه يمكن التعرف على شخصية الرجل من خلاله.
والحقيقة أن جيسوبي سانتوني لا يختلف عن أي رجل في العالم. فهناك اهتمام كبير بالأحذية بشتى أنواعها، على شرط أن تتميز بالجودة والراحة، وبغض النظر إن كانت كلاسيكية بألوان مضمونة أو رياضية و«كاجوال» بألوان صارخة، فالمهم بالنسبة له أن تميزه وتمنحه الراحة، على أساس أنها هي التي تُسند ظهره وقوامه في الوقت ذاته. لا بد من الإشارة إلى أن سبب إقباله يعود أيضًا إلى موضة البنطلونات القصيرة التي اجتاحت أوساط الشباب، ولم يعد بالإمكان معها إخفاء شكل الحذاء.
يعلق جيسوبي سانتوني أنه أكثر من يعرف أهمية الراحة والأناقة، مضيفًا، في حديث جانبي مع «الشرق الأوسط»، عنصر الترف «فالتميز لا يتأتى دون الترف.. ترف الجلود وترف الحرفية التي تتجسد في كل غرزة تُنفذ باليد لتمنح القدم الإحساس كما لو أنها جزء منها».
كان اللقاء مع جيسوبي على يخت «رايدر» الجديد، كما لو أنه أراد أن يؤكد على مفهوم الترف، وأن أحذيته مصممة للأثرياء من أصحاب اليخوت والرؤساء التنفيذيين ورجال الأعمال الناجحين، علمًا بأن المناسبة كانت تعاونًا بينه وبين شركة «رايدر» التي دشنت أخيرًا يختها الجديد. بعد مرور دقيقتين على اللقاء، يستغني عن التلميح بانتماء زبونه إلى هذا العالم، ويصرح بأنه لا يهتم بمغازلة النجوم والنجمات حتى إن كانوا من الدرجة الأولى، ويرفض أن يقدم لهم هدايا من أجل الحصول على دعاية مجانية، لأنه بكل بساطة لا يحتاج إلى هذه الدعاية. «فزبوني رجل أعمال ناجح، والدعاية لي تتم من خلاله، ولا بأس من الإشارة إلى أن هذا الزبون يتعرف على تصاميمي من النظرة الأولى». كان جيسوبي، خلال اللقاء، يرتدي «بلايزر» أزرق داكنًا وبنطلونًا أبيض مع حذاء مستوحى من «كلين آيكون» (Clean Icon) الرياضي، الذي أعاد تصميمه، هذه المرة، بنعل خاص وتقنيات جديدة حتى لا يتسبب في أي خدش لأرضيات اليخوت. كل ما في جيسوبي كان يوحي بأنه يستمتع بحياة الترف واليخوت، قبل أن يشير إلى أنه لا ينسى بدايته وماضيه. فقد أسس والده، أندريا، الشركة في عام 1975، وكانت مهمته عندما التحق بها بعد تخرجه من الجامعة أن يحلق بها إلى العالمية، لهذا يعرف جيدًا، كأي إيطالي أن «الجديد لا يكتمل دون القديم ومن ليس له ماضٍ يجد صعوبة في بناء أسس قوية للحاضر والمستقبل». فوالده، الذي لا يزال نشطًا ويعمل في جانب الإنتاج، يمثل التقاليد والأساس، بينما يجاري الابن متطلبات عصره، بتبني التقنيات الحديثة ومخاطبة الأسواق الجديدة.
يقول وهو ينظر إلى الحذاء الأبيض الذي كان يلبسه: «إنه عصري، أليس كذلك؟ لكنه في الحقيقة مستوحى من حذاء رياضي طرحناه في عام 1998». ويتذكر وهو يُجهض ابتسامة زهو كانت تحاول أن ترتسم على وجهه، أنه عندما اقترح هذا التصميم على والده حينذاك لم يرحب به كثيرًا، على أساس أنه لا يعبر عن شخصية دار «سانتوني» الكلاسيكية. لكنه في قرارة نفسه كان يعرف أن الوقت تغير، وأن هناك جيلاً جديدًا لا بد من التوجه إليه، لهذا لم يمانع في تنفيذه وتسويقه، ليصبح اليوم من القطع الأيقونية في الدار، إلى حد أن الأب يلبسه في كل مشاويره اليومية الآن.
قلة منا يمكنها أن تتصور ثقل العبء الذي قد ينوء تحته أي شاب يتسلم مقاليد شركة في حياة والده، ويزيد ثقل العبء إذا كان الأب لا يزال نشيطًا ومنتجًا. يعلق جيسوبي كأنه قرأ أفكاري: «والدي يصل إلى الشركة مرتديًا هذا الحذاء الرياضي، ويُشرف على كل ما يتعلق بالإنتاج بنشاط وهمة. من أهم سماته أنه رجل متفتح يعرف جيدًا أن لكل جيل لغته وناسه». لهذا وثق في ابنه ومنحه الحرية المطلقة لكي يأخذ «سانتوني» إلى مرحلة العالمية. ولم يخيب ابنه آماله، فعندما تسلمها كانت تخاطب السوقين الأوروبية والأميركية فقط، أما الآن فهي تخاطب كل العالم. وإذا كانت لفرنسا دار «هيرميس»، فلإيطاليا الآن دار «سانتوني». والفضل يعود إلى أن الأب والابن على حد سواء لا يتوقفان عن البحث عن تقنيات للتجويد والتلوين والدباغة، لإيمانهما بأن التطوير ضروري، وإلا فإن المنتج يصبح تقليديًا ومملاً يفتقد إلى الجديد. ويرفض جيسوبي أن ترتبط تصاميم الدار بالموضة وحدها، «بل يجب أن تكون بمثابة تحف تُدخل السعادة على صاحبها».
كرئيس تنفيذي، يعترف بأن التعامل معه سهل وصعب في الوقت ذاته. سهل لأنه لا يُحب تعقيد الأمور بقدر ما يؤمن بأن كل شيء ممكن بالاجتهاد والبحث والشغف. ثم إن كل من في المعمل يخاطبه باسمه الأول، جيسوبي عوض السنيور سانتوني. فرغم أن الشركة توسعت لضم نحو 500 موظف تقريبًا، فإنهم يعرفون بعضهم بعضًا جيدًا وتجمعهم نفس الأهداف والآمال.
أما كونه صعبًا، فتعود إلى أنه لا يقبل بالحلول الوسط، ويتطلع دائمًا إلى الأفضل، «فعندما نعطي أفضل وكل ما عندنا، تكون النتيجة دائمًا رائعة».
يعرف جيسوبي جيدًا أن هناك شركات كثيرة متخصصة في الأحذية، لهذا لزامًا عليه أن يتميز حتى يبقى ندًا لها وليس مجرد منافس يتطلع إلى مستواها. وما يميزه، حسب قوله: «الدقة، فحذاء يحمل توقيع سانتوني لا يقبل خطأ غرزة واحدة في غير مكانها، حتى إن كانت بـ0.2 ملليمتر. فهي ستُشوهه وتؤثر عليه، لأن العين العارفة تشعر بتشويش حتى إن لم تعرف ماهيته». يفخر أيضًا بأنه يتعرف على من نفذ كل فردة بمجرد معاينتها ولمسها، «لأن طريقة حياكتها تكشف عن هوية صاحبها مثل خط اليد تمامًا، لهذا أعتبر العاملين معي فنيين يتمتعون بنظرة عين ثاقبة وثبات يد وإحساس عالٍ بالمسؤولية». ما يجعل العملية في صالحه وصالح العمل، أنهم يعرفون جيدًا أن كل حذاء يمر على نحو 100 شخص قبل اكتماله، وبالتالي فإن خطأ عامل واحد سيؤثر على جهد 99 من زملائه.
* قد تُراوغ الراحة المرأة كثيرًا عندما تتعلق بالأحذية، غالبًا بسبب الكعوب العالية والفنية التي لا تستغني عنها حتى إن جاءت على حساب صحتها. بالنسبة للرجل فإن الراحة حق مكتسب بعد أن تنازل عن الزخرفات والألوان للحصول عليه. لكن مع تغير الأذواق والأسواق وظهور شرائح جديدة من الزبائن يريدون كل ما من شأنه أن يميزهم ويمنحهم الإحساس بالترف، كان لا بد من ألوان جديدة وتفاصيل إضافية على شكل زخرفات أو تطريزات وما شابه، لتلبية رغباتهم، وهذا ما تبارى عليه المصممون. لحسن حظ الرجل أن النتائج لم تأت على حساب راحته، بدليل حذاء صممته دار «سانتوني» هذا الصيف خصيصًا لمجلة «رايك». فهو أنيق ولافت، بتصميم الـ«مونك» الكلاسيكي العصري ووزنه الخفيف ولونه الأزرق الذي يستحضر أجواء البحر والشواطئ. الأهم من كل هذا أنه يتشرب العرق، كونه من جلد الشامواه عوض جلد البقر.