«قصر الحكم» و«حي البجيري» يسترجعان ذاكرة الرياض أيام عيد الفطر المبارك

العرضة السعودية والشعراء والرواة والمنشدون يحيون ليالي الفرح

جموع الجماهير التي تقاطرت على ساحات قصر الحكم (تصوير: خالد خميس)
جموع الجماهير التي تقاطرت على ساحات قصر الحكم (تصوير: خالد خميس)
TT

«قصر الحكم» و«حي البجيري» يسترجعان ذاكرة الرياض أيام عيد الفطر المبارك

جموع الجماهير التي تقاطرت على ساحات قصر الحكم (تصوير: خالد خميس)
جموع الجماهير التي تقاطرت على ساحات قصر الحكم (تصوير: خالد خميس)

تستضيف منطقة «قصر الحكم» و«حي البجيري» بالدرعية التاريخية فعاليّات عيد الفطر المبارك بمدينة الرياض ضمن حزمة من البرامج والأنشطة التي تمزج بين أصالة الماضي الظاهرة في قيمة المكانين وخصوصيتهما الوطنيّة والوجدانيّة والتراثية، وبين روح المعاصرة البارزة في استخدام الوسائل التكنولوجيّة الحديثة ضمن معظم الأنشطة الترفيهية والتعليمية والتثقيفية الموجهّة إلى شرائح المجتمع بهدف توفير بيئة احتفاليّة حضاريّة وآمنة تنسجم مع تطلّعات سكّان مدينة الرياض وزوارها.
وأوضح المهندس عبد الله الركبان مدير إدارة التطوير العمراني بالهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض أن منطقة قصر الحكم ستحتضن فعاليات العيد الرسمية بمدينة الرياض لما تمثله المنطقة من أهمية كبرى وقيمة وطنيّة وتراثيّة تضم عددًا من المعالم التاريخيّة البارزة في مقدمتها قصر الحكم وحصن المصمك اللذين واكبا انطلاقة الدولة السعوديّة الحديثة على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن.
وقال: «إن فعاليّات منطقة قصر الحكم ستنطلق خلال أيام العيد الثلاثة من الساعة الرابعة عصرًا وحتى 12 مساءً، وتتسم بتنوّع البرامج والأنشطة التي تلبي احتياجات وتطلعات مرتادي المنطقة باختلاف فئاتهم العمريّة، وتتوزّع الأنشطة بطريقة متقنة في ساحة المصمك وميدان العدل بتناسق يتيح للزوّار إمكانيّة التنقّل فيما بين الفعاليّات بسلاسة ومرونة، إلى جانب توفير ما يزيد عن 2700 مقعد متاح للزوّار في مناطق متفرقة بالقرب من الفعاليّات التي تستضيفها المنطقة لتوفير مساحة مناسبة للاسترخاء والراحة».
وبيّن مدير إدارة التطوير العمراني بالهيئة، أن ساحة المصمك بمنطقة قصر الحكم ستشهد تدشين أمير منطقة الرياض لعيد المدينة الرسمي بمشاركة الأهالي والسكّان وسط أجواء احتفاليّة يواكبها عرض تفاعلي على جدار المصمك يحمل عنوان «ذاكرة الرياض»، يتزامن معه مشاركة الراوي بحكايات ترصد التحول الذي شهدته مدينة الرياض في مختلف الجوانب، وتبرز النمو الحضري والنقلة النوعيّة التي أسهمت في تغيّر نمط الحياة في المدينة.
وأكد أن العرضة السعوديّة ستكون حاضرة خلال فعاليّات العيد، وستقام في ساحة المصمك طيلة الأيام الثلاثة بتنفيذ من فرقة الدرعية للفنون الشعبيّة، وستأتي هذه الفعاليّة متناغمة مع المؤثرات البصريّة الرقمية والعروض الصوتيّة لإيجاد جوٍ من الابتهاج لدى زوّار منطقة قصر الحكم أثناء مشاهدتهم للفلكلور الشعبي السعودي، كما وفرت الهيئة قرابة 1300 مقعد ليتسنى للمرتادين قضاء وقت ممتع خلال تفاعلهم مع الأنشطة المقامة في ساحة المصمك.
وأشار الركبان إلى أن ميدان العدل سيحتضن الكثير من الفعاليات البارزة، من أبرزها استضافة 48 أسرة سعوديّة منتجة وحرفيّة، ضمن برامج دعم الكفاءات الوطنيّة التي توليه الهيئة اهتمامًا بالغًا، لذلك عمدت إلى تهيئة مناخ استثماري محفز وآمن تتوفّر من خلاله احتياجات الأسر والزوّار، إضافة إلى اختيار المواقع المخصصة لمنصّات البيع بعناية، حيث ستتوزّع على ثلاثة مواقع محيطة بالميدان، وتحيط بكثير من الفعاليّات البارزة التي ستحتضنها منطقة قصر الحكم خلال أيام العيد.
وأضاف: «تتضمن ساحة ميدان العدل مساحة ترفيهيّة ابتكاريّة تشمل أربع خيام تعليميّة مخصصة للأطفال، هنّ (خيمة الطبيب، خيمة العالم، خيمة الفنان، خيمة الإعلامي)، وتهدف إلى منح الأطفال جوًا يمزج بين التعليم والترفيه عبر تقديم المعلومة بشكل تفاعلي تحت إشراف نخبة متخصصة في المجالات العلميّة والفنيّة والإعلامية».
وأوضح مدير إدارة التطوير العمراني بالهيئة أن «حي البجيري» بالدرعية التاريخية أكمل استعداداته وارتدى حلّة الابتهاج تأهبا لاستقبال سكّان العاصمة وزوّارها خلال أيام العيد.
وقال: «احتضان الحي لفعاليّات العيد يأتي للعام الثاني على التوالي، بعد أن شهد في السنة الماضية إقبالاً كبيرًا تجاوز 60 ألف زائر يوميًا، وسيحمل العيد في الحي هذا العام عنوان (هل هلاله)، تعبيرًا عن مشاعر الفرح والسرور المصاحبة لقدوم هلال عيد الفطر المبارك، وتجسيدًا لمكانة الحي بوصفه من أبرز المعالم الحضاريّة والتي أصبحت إحدى المقاصد الرئيسية لسكّان مدينة الرياض».
وأفاد الركبان أن حي البجيري يضم الكثير من الفعاليّات المتنوّعة ذات الطابع الثقافي والأدبي والتراثي، ومنها «خيمة المدهال» التي تحتضن نخبة من الشعراء والرواة والمنشدين في ميدان الشعر والرواية، التي ستتيح للزوّار والمرتادين فرصة الاستمتاع بالبيئة التي تزاوج بين عراقة الماضي وروح الحاضر دون أن تغفل دورها المعرفي في الحفاظ على الموروثات والإسهام في نقلها من جيل إلى آخر.
وكشف مدير إدارة التطوير العمراني بالهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، عن أن الهيئة خصصت مساحة للمقاهي والجلسات التراثيّة داخل حي البجيري واستوحت في تصميمها النمط العمراني النجدي الذي يمثّل الهوية العمرانيّة لمنطقة الدرعيّة التاريخيّة، وتقع بالقرب من موقع فعاليّة درب الفنون التي تأتي بالتعاون مع مركز «جادة أما للفنون» بهدف دعم التجارب الواعدة في الفنون البصرية من تشكيل وتصوير ضوئي وتصميم ونحت وغيرها، إضافة إلى منح الزوّار فرصة التعرّف على أعمال المبدعين السعوديين في مجالات الفنون المختلفة، وهي إحدى المنصّات التي تسعى لنشر الوعي والثقافة بقالب فنيّ.
ولأن الطفل يمثل أحد أبرز الشرائح الاجتماعيّة المستهدفة في فعاليّات العيد المقامة بحي البجيري، بين الركان أن الهيئة وضعت ضمن أنشطتها عروضًا للطفل يقع في حديقة المطويّة التي تُعد من المعالم البارزة في الحي، وسيضم المسرح الكثير من الأنشطة الترفيهية والتعليمية والتثقيفية تتنوع فيما بين عروض ومسابقات، ومن المقرر أن تنطلق فعاليّاته خلال أيام العيد عقب صلاة المغرب، ابتداءً عرض «السنافر»، وتليها عروض لمهارات كرة القدم إضافة إلى المسابقات الحركيّة وعروض البالون الراقص، إلى جانب عمل مخصص للأطفال سيجري عرضه على شاشة ضخمة بساحة حي البجيري، وغيرها من الفعاليّات الجاذبة للأسرة والطفل.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».