كنز من المجوهرات الضائعة يعرض في متحف لندن

يعود إلى القرن السابع عشر وصاحبه مجهول الهوية

كنز من المجوهرات الضائعة يعرض في متحف لندن
TT

كنز من المجوهرات الضائعة يعرض في متحف لندن

كنز من المجوهرات الضائعة يعرض في متحف لندن

ما أكثر ما سمعنا عن قصص الكنوز المدفونة، التي يجدها كل ذي حظ عظيم بالصدفة مخبأة في انتظاره تحت بيت قديم، أو في مغارة. ولكن تلك القصص التي كانت تلهب خيالنا كأطفال لها من الواقع نصيب أيضا، والمثال معروض هذه الأيام في متحف لندن (ميوزيام أوف لندن) على هيئة مجموعة ضخمة من المجوهرات والقطع الذهبية النفيسة. المجموعة لها قصة وتاريخ واسم أيضا، وهو «كنز تشيب سايد»، في إشارة إلى منطقة تشيب سايد التي تقع في الحي المالي بوسط لندن، التي كانت مركز للصاغة وتجار المجوهرات.
كما أن لكل كنز قصة، فكذلك الأمر هنا، ولكن قصة كنز تشيب سايد ما زالت تحمل جوانب غامضة، على الرغم من كل الأبحاث التي أجريت لمعرفة تاريخ محدد له وهوية صاحبه. القصة تعود إلى عام 1912، عندما اكتشف عمال بناء كانوا يقومون بإزالة بعض المباني القديمة في الشارع باب قبو مهجور، وعند فتحه لاحظوا بريقا ينبعث من بين التراب، وبالحفر عثروا على 500 قطعة من المجوهرات الكريمة والذهب. حمل العمال ما استطاعوا حمله من الكنز، واتجهوا إلى تاجر مشهور يلجأ إليه العمال عادة عندما يعثرون على أشياء قيمة. ولكن التاجر عرف بعين خبيرة قيمة المجوهرات التي أحضرت إليه، فأخذها لمتحف لندن القريب من المنطقة لعرضها على الخبراء هناك، وبعد البحث المستفيض رجح الخبراء أن تكون المجوهرات ملكا لأحد تجار المجوهرات المعروفين في المنطقة، وأنها تعود إلى أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر. وهكذا أصبحت المجموعة في حوزة المتحف، الذي عرض منها قطعا على مر السنوات، ولكن المعرض الحالي يقدم الكنز كاملا للمرة الأولى بمناسبة مرور مائة عام على العثور عليه.
المعرض المقام تحت اسم «كنز تشيب سايد: جواهر لندن الضائعة»، يستفيد من أبحاث جديدة حول ماهية القطع وتاريخها، ويعرض إلى جانب قطع الكنز متعلقات تعود إلى الفترة التاريخية نفسها، فقد اختارت القيمة على المعرض ربط القطعة بمعروضات تعود إلى الفترة التاريخية نفسها تلقي الضوء على الحياة في لندن خلال العصر الإليزابيثي وما بعده، وعلى أهمية لندن كمركز للحرف والتجارة، على الرغم من كثير من الغموض يحيط بالكنز؛ سواء ماهية صاحبه، ولماذا جرى إخفاؤه، وأيضا لماذا لم يقم صاحبة باسترجاعه.
وخلال جولة في المعرض، نرى الطريقة البديعة للعرض التي اختارتها قيمة المعرض هازل فورسايث، فقد نظمت القطع المتشابهة معا في خزانات منفصلة؛ فالقلائد الذهبية تعرض متدلية من أعلى الخزانة، كذلك الجواهر المتدلية الصغيرة، تقول فورسايث إنها قامت مع مساعديها بـ«لضم» قطع الذهب في خيط من نوع خاص لإعادة تكوين السلاسل المكسورة لشكلها الطبيعي، وتضيف: «حاولت قدر الإمكان استخدام قطع مكملة مشابهة لقطع الكنز. أيضا تعمدت عرض القطع في مجموعات؛ فالسلاسل تعرض معا والخواتم معا، وكذلك الأساور».
وتشير فورسايث إلى خزانة تحمل قارورة صغيرة الحجم ومغطاة بشبكة من اللؤلؤ قائلة: «هذه زجاجة عطر فريدة، ولخلق الجو التاريخي الملائم لجأت إلى صانع عطور مشهور، وهو روج دوف، ليقوم بتركيب عطر يتناسب تاريخيا مع الزجاجة. وبالفعل قام بتركيب عطر فريد يمكنكم استنشاقه هنا».
ومن جانبه، يعلق دوف قائلا: «المعروف أن الملكة إليزابيث الأولى كانت تستخدم عطرا يحمل مزيجا من الورد والخزامى والمسك، وحاولت بالتالي أن أكوّن خليطا قريبا إلى ذلك العطر»، وأشار إلى أن العطر يمكن استنشاقه من خلال كوة في الحائط، وأضاف ضاحكا: «يمكنكم فقط شم الرائحة في المعرض، ولكنك لن تستطيعوا لمس الزجاجة أو الاقتراب منها». بالنسبة لدوف، العطر يشترك مع المجوهرات في أنه يربط الإنسان بلحظات معينة في الماضي.
من القطع الفريدة في المعرض نلمح قطعة مكعبة من الزمرد بداخلها تجويف تستقر فيه ساعة دقيقة الصنع، تعلق عليها فورسايث بقولها: «نستطيع القول إن الزمرد أُحضِر من كولومبيا، وإن الساعة تعود إلى القرن السابع عشر. هي قطعة فريدة من نوعها، الوحيدة في العالم على ما نعتقد، ومن الطبيعي في هذه الحالة أن تكون صنعت لملك أو ملكة».
وتضيف أن الساعة هي القطعة الوحيدة في المجموعة التي تحمل إشارة إلى الوقت الذي صُنعت فيه، حيث إنها تحمل شعار مالكها.
«الساعة كما تشير الأبحاث تم دفنها في الفترة بين 1640 و1666، وتحمل شعار (فيكونت أوف ستافورد ويليام هاورد)».
وبعرض تلك المجموعة بأكملها لأول مرة منذ 100 عام، قام المختصون بالمتحف باستخدام التقنيات الحديثة لاستكشاف كل خبايا القطع، مثل طرق الصياغة التي كانت شائعة في تلك الفترة، إلى المعلومات التي يمكن استخلاصها عن تجارة المجوهرات وأيضا تاريخ حي تشيب سايد، والصاغة المشهورين فيه.
ولخلق جو أقرب إلى محال الصاغة، نرى نموذجا لورشة صياغة الذهب والمجوهرات ضمن المعروضات، وبهذا تصبح صفوف القلائد والخواتم والأساور كلها داخل جو معين، يعود بنا إلى أحد محال تشيب سايد في لندن القرن السابع عشر.
هناك أيضا لوحات من تلك الفترة، لسيدات أنيقات يرتدين قلائد وبروشات وخواتم شبيهة بالمعروضة أمامنا. الجهد التاريخي والبحثي الذي قامت به القيمة هازل فورسايث امتد لسنوات طويلة، درست فيها خطابات وقوائم بمقتنيات محال المجوهرات، ولجأت إلى كتب عن الفترة نفسها، وهو ما نرى أثره في طريقة العرض والمعلومات المصاحبة لكل قطعة أمامنا. ولتأمل كل قطعة، يلزمنا بعض الوقت لتأمل دقة الصناعة وجمال الصياغة وأيضا لقراءة المعلومات الخاصة بها، مما يجعل من المهم تخصيص وقت كاف عند زيارة المعرض للاستمتاع به، وتقدير الجهد الذي بذل لتنظيمه.
- معرض «كنز تشيب سايد: جواهر لندن الضائعة» يقام في «متحف لندن» (ميوزيام أوف لندن)، ويستمر حتى 27 أبريل (نيسان) 2014.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».