مجلة «الهلال» المصرية: مساءلة العصر الليبرالي

غلاف المجلة
غلاف المجلة
TT

مجلة «الهلال» المصرية: مساءلة العصر الليبرالي

غلاف المجلة
غلاف المجلة

لا يمر شهر يوليو (تموز) سنويا مرور الكرام، لا يمر إلا ويرتبط بإثارة قضايا قديمة متجددة عن قضاء ما جرى في 23 يوليو 1952 على «تجربة ديمقراطية» مصرية بدأت مع صدور دستور 1923، ويسهل تعميم الأمر على ثورات وانقلابات عسكرية في العالم العربي، استهدفت التحرر من الاستعمار البريطاني، ثم قيل إنها نسفت جهودا وبذورا كان يمكن أن تنمو، وتتحول إلى تجارب ديمقراطية في العالم العربي، وتستوي على سوقها. أم أن هناك نخبة أصابتها «نوستالجيا ديمقراطية»، كما يقول الكاتب الفلسطيني سلامة كيلة، في مقاله بالعدد الجديد (يوليو 2016) من مجلة «الهلال»، مفسرا ذلك بأن النخبة لها «منظور ليبرالي يرى المسار التاريخي مقلوبا». في ملف «مساءلة العصر الليبرالي»، الذي نشرته «الهلال» في عددها الجديد، يستعرض عبد العزيز جمال الدين «الحياة الديمقراطية» بالوقائع، في ضوء العلاقة الشائكة بين «القصر والاحتلال وأحزاب الأقلية» من جهة، وحزب الوفد وعموم الشعب من جهة أخرى، ويكتب د. مصطفى نور الدين عن إدارة الثورة الإقصائية للتيارات والأحزاب السياسية. وتنشر المجلة مقالا عنوانه «ثورة 1952 في عيون غربية»، كتبه الدكتور طه حسين قبل أقل من أسبوعين على «الحركة المباركة» كما كان الضباط الأحرار يطلقون عليها، ولكن عميد الأدب العربي حسم الأمر منذ البداية، وأطلق عليها اسم «الثورة».
أما سعد القرش، فيكتب عن فلسفة «الهلال»، مفسرا حيويتها وانتظام صدورها منذ 124 عاما بأنها تنظر إلى المستقبل، وتراهن عليه، ولا تتورط في النظر إلى الوراء، فتغرق في معارك الماضي المفضية إلى التعثر، وإن كانت تعيد النظر في قضايا قديمة متجددة باعتبارها تاريخا لا مجرد ماض، مضيفا أن هذا الملف ليس تكرارا للغو مجاني يثار في ذكرى «23 يوليو»، ولكنه استعراض لأبرز ملامح المرحلة السابقة، وهل كانت مؤهلة للنمو في ظل استعمار مزدوج؟ لكي نطوي تلك الصفحة، وننتبه إلى المستقبل.
ويرصد الدكتور عبد الخالق عبد الله جبة أوجه التشابه بين الحالة الصليبية والحالة الصهيونية، كما يتتبع الدكتور سامي السهم رؤية الشيخ مصطفى عبد الرازق لأوروبا، من خلال ما كتبه عن زيارته لباريس قبل أكثر من مائة عام، ويتناول الدكتور عمر مصطفى لطف جهود المؤرخ محمد عبد الله عنان، ويكتب فايز فرح عن ملامح التجربة الإنسانية لمحمد إقبال، ويقدم محمد رضوان إضاءات على تجربة الشاعر الراحل حسن كامل الصيرفي. واستكمالا لمتابعات «الهلال» لعام شكسبير، تنشر مقالين عن شكسبير في العالم العربي «من ترجمات مديري العموم إلى محمد عناني» للدكتور محمد فتحي فرج، والثاني توثيق لمعالجات أعماله واستلهامها في المسرح العربي عبر مائة عام للدكتور عمرو دوارة.
وفي العدد سياحة مع الطقوس الغرائبية التي تميز احتفالات المكسيكيين بيوم الموت، يكتبها الدكتور محمد الخطابي عضو الأكاديمية الإسبانية - الأميركية للآداب والعلوم في كولومبيا، وسياحة فنية في فنون المعلقات التشكيلية يكتبها الشاعر أسامة عفيفي في نقده لمعرض التشكيلية المصرية سماء يحيى، أما الدكتور نبيل حنفي محمود فيوثق جوانب من الحفلات الغنائية التي صاحبت السنوات الأولى لثورة 1952. كما يناقش الدكتور رفعت السيد كتاب «التقويم المصري.. مفتاح فك شفرة النقوش المصرية القديمة». ونشرت الهلال نصوصا لكتاب، منهم عبد الغني كرم الله (السودان)، آمال فلاح والأخضر بركة (الجزائر)، سامية شرف الدين (تونس)، هيفين تمو (سوريا)، لؤي عبد الإله (العراق).



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.