يدور رمضان في الهند حول عنصرين أساسيين قد يبدوان في تناقض: الصيام وإعداد الولائم. ورغم أن عدد ساعات الصوم بالهند تمتد لأكثر من 15 ساعة، فإن عشاق الطعام ومحبي إعداده تتوافر أمامهم خلال هذا الشهر الكريم خيارات لا حدود لها عندما يحين وقت الطعام. وبالفعل، تعج الموائد المنتشرة بشوارع المدن الكبرى بشتى الأطباق الشهية. وبالنسبة للكثير من الهنود، تعد ضاحية بهوري موهالا بمدينة مومباي التي يشكل المسلمون غالبية سكانها، من المناطق التي تتعين زيارتها خلال رمضان لتناول الطعام في الهواء الطلق. ففي تلك الضاحية، تمتلئ الشوارع بمئات الطاولات ويجري وضع شتى أنواع الطعام عليها، ويجتمع الناس حولها لتناول الطعام وتبادل الحديث والاحتفال بحلول رمضان حتى منتصف الليل.
وتعتبر بهوري موهالا واحدة من أقدم ضواحي مدينة مومباي، وتشتهر على نحو خاص بالأطباق المنتمية للمطبخ المغولي خاصة طبقي «بارا هاندي» و«بايا روتي». كما يطلق على الضاحية «وجهة اللحوم» في الهند لما تتمتع به من أطباق ونكهات متنوعة لأطباق اللحوم على وجه التحديد. كما ينتشر بمختلف المحال الدجاج المنقوع في ماء مملح، استعدادًا لتحميره أو شيه أو طهيه على البخار.
كما توجد آنية ضخمة تضم لحوم ضأن وماشية، بجانب قطع متنوعة من لحوم الطير على أسياخ الشواء. أما الكبد فيجري تقديمه في صورة قطع صغيرة مطهوة بالكاري. وبمجرد أن يصدح صوت الأذان، يهرع المسلمون أصحاب المطاعم على مسجد سايفي القريب - أحد أكبر مساجد الهند، والذي يتميز بنقوش قرآنية بخط اليد على الجدران. وبعد أداء الصلاة، يفطر المئات معًا على الموائد الممتدة بالشارع، ويصبح الجو العام بالضاحية مفعمًا بالبهجة. واللافت أن كل طبق ومطبخ مميز هنا يحمل تاريخًا كاملاً وراءه.
«سورتي بارا هاندي» يمزج أطعمة من 12 وعاء
من بين أبرز العناصر المميزة لهذه الضاحية «سورتي بارا هاندي»، الذي أصبح بمثابة أيقونة المكان، مثلما أصبح مبتكره الذي يدعى نعيم، والذي قال بنبرة لا تخلو من فخر: «مرت 80 عامًا ويزيد منذ ظهور هذا الطبق هنا. كان جدي قد جلبه إلى مومباي من سورات عام 1938، بعد أن حصل على مطعم كهدية له لحفظه القرآن الكريم».
ويعد «بارا هاندي» واحدًا من الأطباق التي يتطلب إعدادها مجهودًا كبيرًا، حيث توزع المكونات على 12 «هاندي» أو وعاء وتدفن بالأرض. وتضم الآنية مكونات متنوعة ما بين يخنة ثرية وكوارع الغنم وكفل الحيوان وذيله وقطع من اللحم السميك في المرق ولب العظام.
وشرح نعيم أنه: «يمكن إعداد مزيج من شتى أنواع المرق واللحوم أو الاكتفاء بكوارع الغنم». ويصبح مذاق «بارا هاندي» أفضل ما يكون لدى تناوله مع خبز «خميري روتي» مقرمش، وهو طبق ينتمي في الأصل للمطبخ الإيراني.
«باتريل كي برياني» طبق غاب عنه الأرز
برياني من دون أرز؟ هذا صحيح! داخل مطعم «فيروز فارسن»، يمكنك معاينة هذا الطبق المميز الذي يحمل قدرًا كبيرًا من الابتكار والإبداع، ويتكون من لحم الغنم وأوراق نبات القلقاس وتوابل. ويقال إن الأوراق تأتي خصيصًا من قرية باسين النائية. ويتطلب إعداد الطبق جهدًا كبيرًا، حيث يجري تحمير الأوراق وطهيها مع اللحم. ويمكن إعداد الطبق نفسه باستخدام الدجاج.
ويحتفظ المطعم بوعاء كبير به عند المدخل يوجد به «باتريل بي برياني»، حيث يمكن لمرتادي المطعم الاستمتاع بالرائحة الشهية والطعم اللذيذ وطلب الحصول على طبق أو أكثر. ويحرص المطعم على تقديم أطباق كبيرة الحجم من «كاتريل بي برياني»، في إشارة لسخاء القائمين عليه.
ويمكنك حمل الطبق معك إلى المنزل. ويعتبر مطعم «فيروز فارسان» الوحيد على مستوى الهند الذي يبيع «باتريل بي برياني»، بل والعالم بأسره.
12 ساعة لتحضير «كيشدا» المستلهم من المطبخ العربي
يعود عمر هذا الطبق إلى ألف عام، وتنتمي جذوره إلى المطبخ العربي، ويتطلب هو الآخر مجهودًا ليس باليسير لإعداده.
يتكون هذا الطبق من لحم وقمح وعدس وحليب وتوابل والزعفران، ويجري غلي جميع المكونات معًا ببطء على نار الحطب لمدة تصل إلى 12 ساعة حتى يصير المزيج أشبه بالعصيد. ويزين الطبق بقطع من البصل المحمر لدرجة تجعل لونه أقرب إلى لون الكراميل. وعادة ما يفضل عشاق هذا الطبق الثري تناوله في الصباح، لأنه يبقي بداخلهم شعورًا بالشبع طوال اليوم.
لحوم مشوية وتوابل هندية
تجذبك رائحة نكهة لا تقاوم إلى مطعم «جيلاني فاست فود» البالغ عمره 40 عامًا، حيث تصطف شوايات تمتلئ بقطع اللحم والدجاج المتبلة. ويحتشد الزبائن للحصول على قطع اللحوم والدجاج المشوية التي يبيعها المطعم أسرع ما يمكنه إعدادها!
ومهما بلغ حجم الإغراءات أمامك، يكمن التحدي في عدم الإفراط في تناول الطعام داخل مطعم واحد. ومن المطاعم التي يتعين عليك المرور عليها مطعم عبد المختلف، والذي يقدم طبقًا فريدًا وثريًا يطلق عليه اسم «حليم» عبارة عن مزيج من اللحم والقمح والتوابل. ويحرص عبد المختلف على إعداد هذا الطبق في منزله قبل الانتقال به إلى بقعة محددة كل رمضان على مدار الأعوام الـ40 الماضية. يقدم طبق «حليم» شديد السخونة ويزين بأوراق نعناع طازجة.
كباب «سارفي» الأشهر على مدى نحو قرن
يعود تاريخ مطعم «سارفي» إلى قرابة 90 عامًا، ومن بين أشهر الأطباق التي يقدمها كباب مشوي على السيخ يعد الأفضل مذاقًا على مستوى المدينة بأكملها. ويتميز بقوام مقرمش من الخارج وطري من الداخل. كما يقدم طوال أيام رمضان طبق كوارع بالطريقة الإيرانية.
ويتميز المطعم هنا بمزجه بين أطباق من مطابخ متنوعة، حيث تجد كل شيء بداية من قطع الدجاج الملفوف والكباب الروسي، بل وتوجد بعض الأطباق ذات النكهة الصينية. أما الطبق المميز حقًا فهو السمان المحمر.
داخل بهوري موهالا، تزدحم الشوارع بالناس والسيارات ويشبه الجو العام أجواء الكارنفالات. وتعد هذه الضاحية بمثابة نموذج مصغر لمدينة مومباي بأكملها. وتجمع الضاحية بين الغني والفقير، والسيارات الفاخرة وسيارات الأجرة البسيطة. وكثيرًا ما يظهر بالضاحية نجوم من بوليوود يتناولون أطباقهم المفضلة بجوار أناس عاديين، إلا أن الإفطار الحقيقي في رمضان لا يكتمل من دون آيس كريم.
مثلجات يمنية مصنوعة يدويًا
يعود تاريخ إنشاء هذا المتجر المعني بالحلوى والمثلجات إلى 125 عامًا ماضية. وأنشأته أسرة مهاجرة من اليمن.
يقدم المطعم آيس كريم مصنوع يدويًا وطازج مع إضافة الفواكه الموسمية إليه. ويجري إعداد المثلجات بالطريقة التقليدية المتمثلة في خضخضة المكونات. ويوجد لدى المحل جهاز صنع يدويًا عام 1848 لإعداد المثلجات. ومع تقديمه النكهات التقليدية من فراولة ومانجو، يقدم المطعم كذلك نكهات مبتكرة مثل كاسترد التفاح.