الإخوان في مفترق طرق.. والانقسامات تتسع

«الشرق الأوسط» تنشر مراسلات سرية لقادة الإخوان تكشف عن حجم الخلافات والصراعات

مظاهرات «الإخوان» تحولت إلى عنف في الشارع المصري
مظاهرات «الإخوان» تحولت إلى عنف في الشارع المصري
TT

الإخوان في مفترق طرق.. والانقسامات تتسع

مظاهرات «الإخوان» تحولت إلى عنف في الشارع المصري
مظاهرات «الإخوان» تحولت إلى عنف في الشارع المصري

أثار القرار الجريء الذي اتخذته حركة النهضة التونسية بفصل الدين عن السياسة تساؤلات عما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين في مصر ستسير على خطى النهضة. إذ يرى المراقبون أن الأزمة الحالية التي تمر بها الجماعة في مصر قد يدفع قادتها إلى التفكير في اتخاذ خطوة مماثلة.
وبينما أشارت بعض القيادات الإخوانية في المنفى إلى دراستهم لفكرة فصل الأنشطة السياسية عن الدينية، في حين رفض آخرون الفكرة باعتبارها غير واقعية وغير قابلة للتطبيق. وبغض النظر عما ستؤول إليه المناقشات الجارية حاليا حول القضية، على افتراض أنه قيد النقاش، فإن الحركة ستواجه الكثير من العقبات التي ستحول دون اتخاذ قرار مماثل لحزب النهضة.
في غضون ذلك، قال خبراء في شؤون الجماعات الإسلامية إن «الانقسامات داخل صفوف الإخوان ستمتد لأعوام قادمة.. وإن المشهد داخل الجماعة (مفكك) فضلا عن تصارع 4 تيارات». بينما تنشر «الشرق الأوسط» مراسلات سرية لقادة الإخوان حصلت عليها من عدة دول، تكشف عن حجم الخلافات والصراعات، ومطالبات البعض بضرورة وجود حلول سريعة لأحوال الجماعة التي باتت غير واضحة المعالم.
ويشار إلى أن دعوة «فصل الدين عن السياسة» داخل الإخوان ليست بالجديدة، فالكثير من القيادات الإسلامية مثل محمد سليم العوا وطارق البشري وعبد الله النفيسي، حثوا جماعة الإخوان المسلمين على ترك السياسة والتركيز على الدعوة والتربية. وكان السبب الرئيسي وراء انشقاق حزب الوسط عن جماعة الإخوان المسلمين عام 1996 هو تحول الحركة إلى كيان سياسي، إذ قال رئيس حزب الوسط في مقابلة صحافية أجريت معه مؤخرا إن «نشاط الإخوان المسلمين ينبغي أن يقتصر على الدعوة».
ومنذ الأربعينات من القرن الماضي، دست جماعة الإخوان أنفها في كل المناحي السياسية. والمزج بين الدين والسياسة ليس بالأمر الغريب على أعضاء الجماعة، كما قد يبدو للعين الخارجية؛ بل على العكس تماما، فالإخوان تفتخر بمزج الدين والسياسة كجزء من آيديولوجيتها الشاملة، فالإسلام في وجهة نظر حسن البنا المؤسس وأعضاء الإخوان المسلمين دين شامل يغطي كافة مناحي الحياة، بما في ذلك النواحي السياسية.
من جهته، قال د. كمال الهلباوي الأمين العام السابق للتنظيم العالمي لـ«الإخوان» في الغرب عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان حاليا في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» من لندن إن جماعة الإخوان المسلمين، ليس لها أي وجود حاليا في مصر بحكم القانون، موضحا أن الجماعة مصنفة في مصر حاليا تنظيمًا إرهابيًا، ولم يعد لها مقر للقيادة، وجميع مقراتها تخضع للحكومة المصرية.
وصنفت الحكومة المصرية، الإخوان كجماعة إرهابية، وتشير المعلومات إلى تحول قطاع عريض من شباب جماعة الإخوان والتيار الإسلامي الرافض لعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي إلى تبني العنف.
وأضاف الهلباوي أن قيادات الجماعة إما في السجون أو هاربون للخارج، ولا أحد يقود الشباب في مصر، لافتا إلى أن قيادة الجماعة وهو محمود عزت غير معروف محل إقامته، ويقال: إنه هارب في الخارج، في تركيا أو غزة، وقال ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» أين محمود عزت، بأنه سؤال أمني في المقام الأول لا يستطيع الإجابة عنه، موضحا أن قادة الجماعة تتركز صراعاتهم حاليا على الاستئثار بالسلطة والإعلام والمال من جهة تبرعات أعضاء الجماعة، والنفوذ والعلاقات الخارجية حيث يوجد الإخوان في الغرب وإسطنبول وقطر. وعن المال قال الهلباوي: «نعم هناك أموال بيد القيادات في الخارج، وهناك صراع أيضا للاستحواذ عليها».
ونوه بأن قيادة الإخوان لم تكن سرية طوال تاريخها، ولا تعمل من الخارج، مشيرًا إلى أن الصراعات على المناصب والأموال تضرب الجماعة الآن، لا سيما في ظل انشطارها إلى ثلاث مجموعات، مؤكدا أن جميعهم يبتعدون عن منهج الإمام المؤسس حسن البنا؛ بل ربما يتمسحون به من أجل إضفاء الشرعية ومحاولة الاستئثار بالسلطة.
وأوضح أن المجموعة الأولى هي الأقوى بحكم أنها تضم القيادات التاريخية، وتتحكم في أموال الجماعة، وتضم المرشد العام الجديد محمود عزت، ومحمود حسين الأمين العام للجماعة، والقيادات التي تعمل في لندن.
فيما قال أحمد بان الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية بالقاهرة لـ«الشرق الأوسط»، إن الانشقاقات التي تشهدها جماعة الإخوان في مصر وتركيا وسوريا تدل على انتقال الجماعة من حالة التماسك الفكري والوحدة التنظيمية إلى حالة من حالات التململ من طول الجمود الفكري والتنظيمي، والتعاطي مع الواقع المتغير في كل هذه الدول، بالشكل الذي يكاد ينتج مدارس فكرية وتنظيمية جديدة تختلف تماما عن الشكل القديم الذي عرفنا به جماعة الإخوان عبر عقود، مضيفا: أن الجماعة تعرضت لأكثر من زلزال تنظيمي، فقدت الحكم بعدما وصلت إليه في بعض البلدان، شاركت في الحياة السياسية وحصلت على ثقة الناخبين في بلدان أخرى، ودخلت الحكومة في بلدان.. هذا التباين في التجربة أنتج هذا التشظي أو الانقسام الذي لا أظن أنه سوف يتوقف؛ بل قد تمتد حالة السيولة في الانقسام لأعوام قادمة، قبل أن يحدث التجدد المعنوي والسياسي والتنظيمي والتفاعل مع الواقع بصيغة جديدة.
وتشهد جماعة الإخوان حالة من الانقسام والصراع داخليا، بالتزامن مع تعرضها لضربات أمنية وسياسية قاسية في مصر والدول العربية، لا سيما مع تصنيفها تنظيما إرهابيا في نهاية العام 2013 في مصر، واتخاذ دول الإمارات والمملكة العربية السعودية القرار نفسه لاحقا.
ومع اشتداد الضربات الأمنية ضد الإخوان، وتعرض غالبية القيادات للسجن، ولا سيما المرشد العام محمد بديع، وخيرت الشاطر، ومحمد البلتاجي، ورشاد البيومي نائب المرشد ومهدي عاكف المرشد السابق بالإضافة إلى الرئيس المخلوع محمد مرسي، والآلاف من الأعضاء، تترنح الجماعة وصارت تعاني الانقسامات، خاصة أنها تقع تحت قيادة محمود عزت، القائم بأعمال المرشد العام، وهو شخصية غير محبوبة في أوساط شباب الجماعة، ويحمّلونه مسؤولية انهيارها. وانقسمت الجماعة إلى جماعتين أساسيتين، هما الجماعة التي يقودها محمود عزت، وهي الجماعة الأكبر والأكثر عددًا، بسبب سيطرة عزت على أموال الجماعة، واستخدامها في تقريب الشباب إليه.
ويقود الجماعة الثانية، محمد كمال ومحمد منتصر، وتضم هذه الجماعة غالبية الشباب الرافضين للمسلك الحالي للجماعة، لكنهم ليسوا في قوة ونفوذ جماعة محمود عزت.
غير أن القاسم المشترك بين المجموعتين، أن قياداتهما هاربون للخارج، ويقيمون ما بين تركيا وقطر ودول أوروبا مثل بريطانيا والنمسا.
وتلقت الجماعة ضربة داخلية جديدة زادت من انقسامها، بإعلان محمد كمال، القيادي في الجماعة، وقائد المجموعة الشبابية، استقالته من كافة مواقعه داخل الجماعة، لا سيما أنه عضو في مكتب الإرشاد.
وقال كمال في تسجيل صوتي: «أدعو اللجنة الإدارية العليا لإعفائي من مهامي»، مضيفا: «وأعلن عدم التقدم لأي منصب في الإدارات المقبلة».
وكشف كمال للمرة الأولى أن الجماعة تعاني خلافات ومشاكل كثيرة، وقال: «لم أكن يومًا حريصا على موقع، بل كنت أريد الدفاع عن مؤسسية الجماعة وتصحيح أوضاع خاطئة وممارسات أضرّت بالجماعة وسمعتها وجارت على مبادئها»، داعيا القائم بأعمال المرشد محمود عزت إلى «التراجع خطوة للوراء وتسليم الراية للشباب فرسان الميادين»، على حد قوله.
وأضاف أن «كافة المبادرات التي تم طرحها لحل أزمة الصراع داخل الجماعة أوصت بتقديم الشباب وتراجع القيادات السابقة»، وقال: إن «عجلة الإصلاح بدأت في الدوران».
وفي الرسالة الأولى التي تنشرها «الشرق الأوسط» بالإضافة إلى عشرات من المراسلات الخاصة، التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» والتي تم إرسالها إلى قيادات إخوانية خارج مصر تقول من شخص يدعى مدحت الحداد وهو مسؤول المكتب الإداري لـ«الإخوان» المصريين بتركيا المحسوب على جبهة القائم بأعمال المرشد محمود عزت، «أرى أن إخواني قد تجاوزوا كافة الخطوط الحمراء بلا استثناء، وأضاعوا كل فرص إيجاد حلول لجمع الصف؛ بل تمادوا في إجراءات شق الصف بلا هوادة.. فعلى المسؤول الذي حمله الله هذه المسؤولية إما أن يكون قادرا على حسم هذه الأمور ووقف هذا العبث بمقدرات الأمة ووضع الحدود الفاصلة لهذه المهاترات، وإما أن يترك مكانه لمن هو أقدر على الحسم».
وحول مصالحات مع الإخوان في مصر، قال الدكتور خالد الزعفراني الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية ليس هناك أي مصالحات مع الإخوان ولا حتى نية مصالحات سواء من الدولة المصرية أم من الإخوان، لافتا إلى أن الدولة لا تستطيع أن تبدي أي مصالحة مع الإخوان بسبب رفض كثير من الشعب لذلك، فضلا عن الانشقاقات الموجودة داخل الإخوان والمزايدات، ولا يستطيع أي فصيل في الجماعة حتى الفصيل الأساسي الذي يتزعمه عزت نائب المرشد ومحمود حسين وإبراهيم منير لا يستطيع أن يأخذ قرارا لأن فيه مزايدة على الطرف الآخر في الجماعة وهو طرف قوي وهو محمد كمال، موضحا أن الإخوان لا يستطيعون أخذ أي قرار في هذا الشأن ولا الدولة المصرية نفسها تستطيع أن تأخذ أي قرار.
وقال الزعفراني إن كل ما يحدث من كلام عن المصالحات ليس له أي أساس، لافتا إلى أن المشهد داخل الجماعة الآن مفكك، وأصبحت أربعة أقسام، قسم ضخم وهو يقف يتأمل ومجمد موقفه وما زال ينتمي للجماعة لكنه لا يقوم بأي فعاليات ويرى أن الجماعة أخطأت في أشياء كثيرة؛ لكنه ليس لديه استعداد للابتعاد عن الجماعة، وقسم ثانٍ وهم الجماعة الأساسية وهو متمسك بكل شيء وعلى رأسه محمود عزت وهو قسم ضخم وهو الأكبر، أما الثالث فهو محمد كمال ومعهم مجموعة من الشباب صاحب الفكر الثوري وهؤلاء عمرهم قصير وسوف ينقسمون على بعض لأنه لا يوجد فكر واحد يجمعهم وعدد كبير منهم «ملوث» بالأفكار التكفيرية والجهادية أما المجموعة الرابعة وهي التي قررت الابتعاد عن الإخوان وهي مجموعة كبيرة.
ويقول مراقبون إن ثمة عقبة ثانية تتمثل في التلقين الآيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين، فعلى النقيض من الجماعات الإسلامية المسكينة تتبنى جماعة الإخوان المسلمين برنامجا مسيسا إلى حد كبير يضمن تفاعل الأعضاء إلى حد كبير مع الحياة السياسية بشكل يومي. وتروج برامج التلقين في الجماعة إلى بعض القيم التي تتجاوز الدين وتساعد في خلق هوية سياسية. علاوة على ذلك، فإن جماعة الإخوان لا تقتصر على تدريب أعضائها ليكونوا دعاة فقط، بل أيضا يشمل التدريب إعداد ناشطين اجتماعيين وسياسيين. ومن ثم، فإن التخلي عن السياسة سوف يعني تغييرًا جذريًا في برامج التلقين والتنشئة الاجتماعية الخاصة بالإخوان المسلمين، وهو ما تستطيع الجماعة تحمل القيام به.
وتابع الخبراء أما بالنسبة للمعضلة الثالثة، فتتمثل في الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين، فلطالما تلقت الجماعة ألوان المديح على تماسك وانضباط هيكلها، الذي مكنها من البقاء على قيد الحياة في مواجهة قمع النظام لها لعقود من الزمان. ومع ذلك، فيمكن لهذا الهيكل أن يفضي إلى نتائج عكسية. ففي أعقاب ثورة يناير 2011. أنشا الإخوان «حزب الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، جميع أعضائه من الإخوان ولا يوجد ثمة دليل على انضمام أعضاء من خارج الجماعة إلى عضويته. وقد اعتمد الحزب الناشئ بشكل كبير على هيكل الإخوان المسلمين وتكتيكات التجنيد والحشد التي تنتهجها الجماعة.
فإن قررت جماعة الإخوان المسلمين أن تصبح جماعة دينية فقط، فسوف تفقد تميزها في السوق الدينية. وعندما كتبت عن الجماعة عام 2007. رفض الكثير من قياداتها فكرة اقتصارها على الدور الديني فحسب، بينما أعرب بعضهم عن امتعاضهم من فكرة فصل الدين عن السياسة واعتبروها شكلا من أشكال العلمانية. وقد انضم هؤلاء الأعضاء إلى جماعة الإخوان المسلمين بسبب طابعها الشمولي، وبالتالي فإن فصل الدين عن السياسة سينفر كثير من الأعضاء، وخاصة في المناطق الريفية والضواحي.
ولكن اليوم تواجه الجماعة مزيدا من الخلافات والانشقاقات بين قادتها، رغم أن معظم قادة الجماعة في السجن، والكثيرون منهم يواجهون حكم الإعدام، وكثيرون هربوا لدول متعاطفة معهم مثل قطر وتركيا.
وأشار الهلباوي إلى أن المجموعة الأولى تعرف تتصارع على السلطة الآن، وكشف أن هذه المجموعة تتحدث وتقود ما تصفه بـ«الحراك الثوري». ونبه إلى أنهم «لا يؤمنون بالثورة، بل يؤمنون بالعنف، ويستهدفون ضباط الشرطة والجيش والمؤسسات المختلفة، ويسعون إلى إسقاط الدولة».
وذكر أن المجموعة الثانية يقودها شخصان هما محمد منتصر ومحمد كمال، وهي المجموعة التي تتصارع مع مجموعة محمود عزت على المناصب والأموال، وتحاول كل مجموعة منهما استقطاب الشباب إليها.
ولفت الهلباوي إلى أن المجموعة الثالثة تقف حائرة بين المجموعتين الأولى والثانية، وتسمي نفسها «جماعة التوقف والتبين»، مشيرا إلى أنهم يرفضون العنف والصراع على السلطة، وتضم عشرات الآلاف من الشباب، وهذه المجموعة تتعرض لضغوط هائلة من السلطة في مصر وقيادات الإخوان في الوقت نفسه.
ويرى المراقبون أن ما زاد الأمور تعقيدا هو اختلاف الإخوان المسلمين حول من يتحدث باسمهم، حيث إنه في نهاية العام الماضي، عزل عدد من قادة الجماعة المتحدث الصدامي، واسمه المستعار هو محمد منتصر، فيما رفض آخرون القرار، الذي قالوا: إنه مخالف للتعليمات.
فيما يعتقد خبراء الجماعات الأصولية أن «الخلاف بين قادة الإخوان هو عرض لنزاع عميق داخل الجماعة، حول القيادة والأولويات، حيث إنه بعد 88 عاما من النشاط الديني والسياسي والاجتماعي، الذي ألهم بإنشاء جماعات مماثلة في المنطقة، فإن الجماعة تمزق نفسها».
وعن التضارب الذي يحدثه محمود عزت نائب المرشد (الهارب) في مصر وتصريحاته التي يتحدث فيها أنه المرشد وهل لهذا تأثير على الشباب في الجماعة، أضاف أحمد بان لـ«الشرق الأوسط» نحن أمام انقسام تنظيمي في مصر مثلا يتعزز يوما بعد يوم بين مجموعتين، مجموعة تعبر عن الحرس القديم داخل الجماعة، وهذه المجموعة ربما يحركها هاجس الحفاظ على التنظيم أكثر من أي شيء آخر، مقارنة بمجموعة أخرى أقرب إلى جيل الشباب تحركه دوافع الثأر ويبدو مقتنعا بأن النمط الإصلاحي الذي درجت عليه جماعة الإخوان لم يعد مناسبا وأن الجماعة يجب أن تكون جماعة ثورية في أفكارها ووسائلها وأساليبها، هذا التباين يتعزز يوما بعد يوم، والقطيعة تتسع بين الفريقين، حتى أن قضية المصالحة والحوار مع الدولة المصرية لا تكاد تجد لها فريقا محددا بسبب هذا التنازع.
في ذات السياق، يقول القيادي الإخواني عمرو دراج، وهو أحد القياديين الذين يعيشون في إسطنبول، وهو يقف مع جناح المواجهة، قوله إن «جمود» الجماعة، في ظل القيادة القديمة، عامل يدفع الشباب نحو العنف، مشيرا إلى أن هناك من يتهم الحرس القديم بالتفاوض مع النظام، وهي تهمة ينفيها قادته.
وعن المراجعات التي قد تتم مع شباب الإخوان من قبل الدولة المصرية، قال الدكتور خالد الزعفراني لـ«الشرق الأوسط» إن هذه المراجعات يقوم بها مجموعة من العلماء المتخصصين ونحن نطالب بها، وهذه المراجعة للشباب عن الفكر التكفيري وفكر العنف والأفكار البعيدة عن الإسلام الوسطي، لافتا إلى أن هذه المراجعات التي بدأ منها شيء بسيط؛ لكن ليس هناك مراجعات جدية حتى الآن، والدولة المصرية مقصرة تماما في موضوع المراجعات.
فيما قال أحمد بان إن المراجعات قد تنجح إذا انطلقت من دوافع ذاتية داخل الجماعة وتوفرت لها الأجواء المناسبة تنتج أثرها، لكن حتى الآن لا توجد بيئة حاضنة لقضية المراجعة بشكل واسع وشامل داخل الجامعة وداخل الدولة المصرية أيضا.
من جهته، أكد إبراهيم منير نائب المرشد العام لـ«الإخوان»، الأمين العام للتنظيم العالمي للغرب في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» أنه على الرغم من أن الجماعة فكرها واحد وأدبياتها واحدة واتجاهها واحد؛ لكن هناك اختلافات في العمل السياسي، لكن قنوات الحوار والاتصالات لم تنقطع أبدا.
وحول دور الشباب في المرحلة الحالية والمقبلة في مسيرة الجماعة، قال منير، إنه رغم وجود شيوخ الجماعة وراء القضبان؛ فإنه لا يمكن التقليل من أهميتهم، فمهدي عاكف المرشد السابق فوق الـ90 عاما وبديع المرشد الحالي فوق الـ75 عاما، وحكم عليه حتى الآن بنحو 4 أحكام إعدام والسجن لما يزيد عن 400 عام، فضلا عن رشاد البيومي 83 عاما وهو نائب المرشد، ويعانون الحبس في السجون المصرية، ومجال الدعوة مفتوح لمن يستطيع أن يبذل فيه من جهود بالنسبة للشباب، والمسؤولية في الجماعة منذ القدم بالانتخابات من أصغر مسؤولية إدارية حتى أعلى مستوى من المناصب، حتى اختيار المرشد بالانتخاب وله دورتان فقط، ولا أحد يسعى إلى تولي مسؤولية، إنما المسؤولية تسعى إلى الناس، بحسب الانتخابات التي تجرى داخل الجماعة، بحسب اللوائح وحسب الطاقة الموجودة لدى أعضاء الجماعة.
وأوضح منير أن مكتب الإرشاد مكون من 17 لمن هم فوق الثلاثين عاما وبالانتخاب بحسب لائحة الجماعة، ولا يمكن التقليل أيضا من دور الشباب، وليس هناك مجالات مغلقة أمام الشباب، وأمام نصائح مشايخ الجماعة المتبقين خارج السجون.
واعتذر إبراهيم منير نائب المرشد العام لجماعة الإخوان في لقائه مع «الشرق الأوسط» عن تصريحاته أمام مجلس العموم البريطاني، التي حمل فيها الجماعة الإسلامية مسؤولية العنف خلال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وذلك لبحث تأثير نشاط الإخوان على المصالح البريطانية.
وقال منير: «لعله كان من الواجب لحظتها الإشارة إلى أن الأمر بالنسبة للجماعة الإسلامية قد حدث بعد اغتيال المتحدث الإعلامي باسمها الدكتور علاء محيي الدين عام 1990 بدم بارد، وقبل المراجعة الشرعية التي قامت بها الجماعة الإسلامية وإعلانها نبذ أي مظاهر للعنف من خلال مراجعتهم المشهورة، ثم مشاركتهم العمل السياسي بعد عام 2011 من خلال حزب سياسي قانوني».
وذكر منير، أنه في منتصف الثمانينات خلال فترة حكم الرئيس الأسبق مبارك كانت هناك أزمة اقتصادية واجتماعية، وبدأت الجماعة الإسلامية العنف وكاد النظام يسقط فعلا، والكثيرون دفعوا الإخوان، وتساءلوا: لماذا لا تشاركون في هذه الأمور فهي فرصة لإسقاط النظام العسكري؟، ومع ذلك رفض الإخوان المشاركة، لأنه ضد مبادئهم، حتى لو كان مبارك يظلمهم. وأثارت تصريحات منير، ردود فعل غاضبة داخل الجماعة الإسلامية مما دفعها وحزبها السياسي «البناء والتنمية»، لإصدار بيانات استنكار وإدانة لها.
وفي إحدى الرسائل التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» جاءت من شخص يدعى إسلام الغمري، وقال فيها «قدر محبتنا لكم، ولكن التصريحات التي جاءت عن الدكتور إبراهيم منير عن الجماعة الإسلامية أثارت حالة من السخط في أوساط إخوة الجماعة الإسلامية وغيرهم، وقد طلب الإخوة مني إيصال احتجاج الإخوة عندنا على هذه التصريحات، وطلب التوضيح من دكتور محمود حسين الأمين العام حرصا منا على دعم أواصر المحبة والأخوة بيننا ودفعا لنزغ الشيطان».
وهناك رسالة أخرى أرسلها الدكتور عاشور الحلواني أمين حزب الحرية والعدالة بالمنوفية في مصر، قال فيها «أثبتت التجارب أن هذه الجماعة ليست مرتبطة بأشخاص مهما كان قدر الأشخاص قيمة وقامة وفضلا»، مضيفا: «آلمني وآلم كل حر متجرد للحق أن جماعتنا تمر بمنعطف خطير ومحنة غير مسبوقة ومؤامرة كبرى داخلية وخارجية، وتزداد المسألة صعوبة لهول الصدمة وغياب المؤسسات المتوافق عليها الفاعلة القادرة على حل هذه الخلافات، وهذه المؤسسات ما غابت بإرادتنا ولكن بتغييب أعضائها في المعتقلات أو المطاردات أو حتى الموت.. وقسم الصف الإخوان إلى فريق مستبشر بنصر الله وثابت على الحق يؤدي واجبه داخل السجن وخارجه يدعو لوحدة الكلمة ووحدة الجماعة مشغول بأوراده داعيا لإخوانه أن يجمع الله شملهم، وفريق آخر أصابه الاكتئاب العام والحزن على ما آلت إليه الأمور وإن أظهر أنه منتظم في أداء واجباته المطلوبة منه ومعظم هذا الفريق خارج السجون أصابه الفتور وقعد عن العمل المثمر الفعال، فيما هناك فريق ثالث مشغول لأذنيه بالاختلافات بين القيادات وترديد أقوال ونشر أخبار قد تكون صحيحة أو لا تكون وقد يظهر أنه ملكي أكثر من الملك في تبريره هذه الأقوال أو الأفعال أو حتى اختلاق شائعات للأسف الشديد».
وتابع الحلواني في رسالته: بعض القيادات قادت الجماعة في طريق خطأ وأدت إلى كوارث وتجاوزت الصلاحيات وتجاوزت القيادة الشرعية وتريد شق الجماعة أو اختطافها وهناك شكوك حول بعض الأفراد فيها وأن محمد منتصر والفريق الإعلامي معه «يدغدغون» العواطف على غير الحقيقة ويتعمدون الكذب ونشر وتسريب المعلومات المغلوطة أو المجتزأة وعلى الجميع السمع والطاعة للقيادة الشرعية، مقترحا في نهاية رسالته التي تضمنت عبارات تتعلق بعودة مرسي ولقاءات تتم بين عناصر لـ«الإخوان»، مقترحا تشكيل مكتب يضم إبراهيم منير القائم بعمل المرشد مشرفا، وحلمي الجزار رئيسا، وعمرو دراج نائبا، وعضوية عبد الموجود الدرديري، وجمال حشمت، ويحيى حامد، وأحمد عبد الرحمن، وأشرف بدر الدين، وأحمد عبد العزيز، وأحمد عبده، وصلاح عبد المقصود (وزير الإعلام الأسبق).
وتواجه جماعة الإخوان المسلمين بمصر (تأسست عام 1928)، حاليًا خلافات داخلية متصاعدة، وصلت ذروتها خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عقب إعلان مكتب الإخوان المسلمين في لندن، إقالة الشاب محمد منتصر (اسم حركي مقيم داخل مصر)، من مهمته كمتحدث إعلامي باسم الجماعة، وتعيين طلعت فهمي (55 عامًا) متحدثًا جديدًا بدلاً منه.
وتلا ذلك تدشين موقع إلكتروني جديد للجماعة، واستمرار إصدار بيانات مضادة بين قيادات بالجماعة، ومكاتب تنفيذية بها، حول إدارة التنظيم، وشكل الثورة التي ينتهجونها ضد السلطات المصرية الحالية.
ودفعت أزمة الخلاف الداخلي المتصاعد في جماعة الإخوان المسلمين في مصر، الجماعة الإسلامية (حليفها الأبرز) لأن تُصدر بيانا تحذر فيه من أثر هذا الخلاف على التحالف الوطني الداعم لشرعية الرئيس محمد مرسي والرافض للانقلاب، كما تضمن البيان تهديدا غير مباشر بالانسحاب من التحالف بإشارتها إلى أن ذلك «قد يدفع قوى إلى مراجعة الموقف إزاء الاستمرار في التحالف».
وظهرت أزمة جماعة الإخوان للعلن في منتصف 2015، على خلفية تباين وجهات النظر بين قادة الجماعة.
وقالت الجماعة الإسلامية في بيانها إن هذا الموقف «يأتي في ظل استغراق أطراف الخلاف في دوامة الأزمة وتعقيدات جذورها وفروعها»، لافتة إلى أن ما تحمله الأزمة من مخاطر قد تؤثر سلبا على المصالح العليا للوطن.
وأكدت أن تداعيات الأزمة ستؤثر على علاقة الإخوان بالتحالفات التي تجمعها مع غيرها من القوى الفاعلة في المشهد المصري، والتي قد تدفع هذه القوى إلى إعادة النظر ومراجعة مواقفها من الاستمرار في تلك التحالفات.
في غضون ذلك، وعن تلويحات بعض المسؤولين في الحكومة المصرية بوجود اتجاه للتصالح مع الجماعة، قال أحمد بان، وهو قيادي منشق عن الجماعة، لا أحد يعلم من الذي يستطيع تسويق هذا الانقسام بين فريقي الجماعة.
وعن مزاعم وجود لقاءات من مسؤولين بمصر بأعضاء من الإخوان للتصالح، أكد بان، أتصور أن الحوار يجري ربما بشكل سري منذ فترة وأتصور أن هناك بالفعل تواصلا ما بين الجماعة وأطراف داخل الدولة المصرية، لافتا إلى أن هذه الاتصالات لأعضاء من الجماعة داخل وخارج مصر.
وهاجر العشرات من أعضاء جماعة الإخوان إلى سوريا أثناء حكم مرسي، وانضموا إلى تنظيم جبهة النصرة، ثم تحولوا إلى «داعش» لاحقًا، وشغلوا مواقع قيادية في التنظيم.
وعن سير الإخوان على خطى راشد الغنوشي بإبعاد الدين عن الدولة، قال بان «للدقة راشد الغنوشي لم يقل بإبعاد الدين عن الدولة أو بفصل الدين عن الدولة، فقط يدعو للفصل الوظيفي بمعنى أن تتخصص مجموعة من الجماعة للعمل السياسي وتتخصص مجموعة أخرى للعمل الدعوي دون المزج بينهما»، مضيفا: أتصور أن إخوان مصر رغم حديثهم عن هذا الأمر إلا أنه ينسف أساس الفكرة الإخوانية التي تعتمد على قضية الشمول وقضية العالمي، ومن ثم هم بعيدون عن هذا الأمر.
وقال الزعفراني إن فصل الدين عن الدولة في الإخوان، مستبعد نهائيا عند جماعة الإخوان، وظني أن الجماعة مستقبلها غير طيب في مصر، وأنها مع الأيام سوف تزداد بعدا عن الشعب المصري.
وحول حال الإخوان الآن في مصر، قال بان هي حالة من حالات التشاور الفكري والتنظيمي وعدم القدرة على تصميم بناء فكري وتنظيمي يلائم الواقع، وبالتالي هي حالة فشل قد تقود إلى حالة من حالات المراجعة بالشكل الذي نستطيع أن نتحدث فيه عن صيغ و«بنى» جديدة لأفكار الإخوان تختلف أو ليست وثيقة الصلة بالبنى التي اعتمدت عليها الجماعة عبر تاريخها.
من جهته، قال الدكتور خالد الزعفراني الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية والقيادي المنشق عن الإخوان، كان متوقعا أن تحدث مثل هذه الانشقاقات التي تشهدها صفوف الجماعة في مصر وسوريا ولندن وإسطنبول لأن الإخوان أنفسهم سمحوا لخطاب غريب عن الخطاب التقليدي للجماعة التي كانت عليه في سبعينات وتسعينات القرن الماضي، وهو الخطاب الذي كان في ميدان «رابعة العدوية» بمصر (اعتصام أنصار مرسي عقب عزله شرق القاهرة) وكان من أشخاص ينتمون إلى تنظيمات الجهاد ومن التكفيريين وأصبحوا من الأبواق التي كانت تخطب في «رابعة» وقد سمعهم كثيرون من شباب الإخوان وهذا قد أحدث تغيرا كبيرا في فكر كثير من شباب الإخوان، مضيفا: ممارسات الإخوان في مصر عملت في وقيعة كبيرة بين الإخوان كتنظيم والشعب المصري، فالشعب أصبح هناك عداء مع الإخوان وعدم ثقة كبيرة في الإسلام السياسي، والخطاب التكفيري والجهادي أثر كثيرا على الإخوان في مصر، فأصبحت جبهة محمد كمال ومحمد منتصر، مخالفة للخط التقليدي الخاص بالجماعة، هي جماعة كانت تتبع الأسلوب الهادئ وأسلوب عدم التكفير وعدم الإثارة وتعتمد على النفس الطويل، فهذا أحدث شرخا في أفكار الإخوان التقليدية وبين أفكار واردة على الإخوان، وظهرت المجموعات النوعية وغيرها وهي التي تنتمي لـ«الإخوان» ظاهريا لكن أفكارها تتسم بالعنف.
وأضاف الزعفراني، وهو قيادي منشق عن جماعة الإخوان، أن الإخوان في الكويت لهم علاقات طيبة بالحكم والشعب الكويتي، عندما رأوا القطيعة التي حدثت لإخوان مصر فضلوا أن يبتعدوا عن الإخوان في مصر تماما، حتى لا يحدث بينهم وبين الشعب الكويتي وقيعة، وكذلك إخوان البحرين نفس الوضع وأيضا إخوان الأردن. أما الإخوان في المغرب يسلكون مسلكا آخر، وأيضا إخوان تونس، لافتا إلى أنه من منذ صعود التيار القطبي 2010 وهو تطور غريب على نهج الإخوان الذي كان عليه عمر التلمساني ومن بعده من المرشدين، موضحا أن هذه الانشقاقات التي حدثت في إخوان مصر سوف تزداد الأيام المقبلة؛ إذا لم يأخذ الإخوان قرارا شجاعا ويتم تغيير أسلوبهم ونظام الجماعة الشاملة، والجماعة التي بها السمع والطاعة بالشكل الإجباري، وأنها تبقى تنظيما سريا ولها ميزانية لا أحد يعرفها، هذا الشكل لن يقبل به الشعب المصري مرة أخرى، أيضا استحالة أن ترضى الدول العربية أن تكون الإخوان جماعة تقف ضد الأنظمة وتصبح دولة داخل الدولة.
وتنشر «الشرق الأوسط» رسالة خاصة عن الوضع الحالي لـ«الإخوان» في تركيا من شخص يدعى أسامة سليمان، ويقول فيها «لا شك أن الوضع غير صحي وينذر بما لا يرضاه أي مخلص لجماعته»، متابعا: على الجميع أن يتفهم ما آلت إليه الأمور وأن على كل من اختاره الله في موقع المسؤولية أن يبادر ولا يمل أو يفوض غيره أو يصمت أمام الإصرار في البحث عن حل يجمع الصف ويقويه لا يضعفه، مضيفا: لذا وكوني أخا جنديا في الجماعة أدعوكم لتبني العمل على اجتماع عاجل خلال الساعات القادمة يجمع فيه من ترونه أهلا له وتطرح فيه المقترحات ويتخذ بشأنها قرارا يراعي المصلحة العامة ويحتوي الموقف الناشئ إبراء للذمة وما تفرضه المسؤولية علينا جميعا تجاه جماعتنا.
وهناك رسالة أخرى من المكتب الإداري لـ«الإخوان» في تركيا، جاء فيها تقديرا من المكتب الإداري المنتخب بتركيا لطبيعة المرحلة الحالية والتي تدعو للوحدة والالتفاف حول القضايا المصيرية، فقد تم اتخاذ خطوات عدة لرأب الصدع وتجميع الصف، وعلى الرغم من صدور بيان عن أمانة مجلس الشورى يؤكد بطلان الدعوة والتي رفضها 26 عضوا من أصل 38 عضوا، وأن الداعين 9 فقط من أعضاء الشورى بحسب ما تم نشره وتداوله، فإن أيادي المكتب ممدودة للجميع حتى اللحظة، وقد تم التواصل من مسؤول المكتب مع عدد من الداعين لتلك الجلسة للتوصل لحل يرضي جميع الأطراف إعلاء لوحدة ومصلحة الصف، والتفرغ لحل المشكلات التي يعاني منها بعضنا، ومواجهة عدونا المشترك، والاستجابة لمبادرة أخ فاضل من القامات التي يجمع عليها جميع الأطراف وهو عضو شورى أيضا، وتم التواصل من خلال شخصه الكريم مع المجموعة المتصدرة للحدث، حيث قاموا بترشيح ثلاثة من الإخوة لاتخاذ القرار المناسب، وطلب عقد جلسة طارئة للشورى بحضور ممثلين من إدارة الرابطة لمناقشة البنود الخمسة المختلف عليها بين مشروع اللائحة واللائحة المعتمدة والسعي لإقناع إخواننا في الرابطة على استثناء لائحتنا في بعض الأمور نظرا لخصوصية المكان والمهمة والتوقيت، وشروع لجنة تحقيق مستقلة في اتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه أي مخالفات حدثت في الانتخابات التي جرت ويكون لهذه اللجنة الحق في اتخاذ أي قرار تراه.
ورفض المكتب في رسالته الإملاءات الفردية التي يتم تلبيسها بثوب العموم تحت مسميات ليست دقيقة سواء «دعوة باسم مجلس الشورى» أو دعوة «الجمعية العمومية».
ويقول مراقبون بأن ثمة عقبات وتحديات تقف أمام «المصالحة المفترضة» بين مصر وتركيا، تتمثل في سقف الشروط العالي الذي قدمته تركيا، والمرتبط بالديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر بما يشمل إلغاء عقوبات الإعدام والمؤبد الجماعية وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وهو ثمن لا يبدو النظام القائم في مصر حاليا قادرا على – أو راغبا في – تقديمه، فضلا عن الموقف الشخصي للرئيس التركي رجب طيب إردوغان من شخص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والحدة الكبيرة في سلسلة طويلة من التصريحات التي تنال منه مباشرة، ورفض الرئيس إردوغان حتى الآن لقاءه أو التعامل معه، وتأكيده على ذلك في كل المناسبات.
بالإضافة إلى الاشتراطات المصرية المتعلقة بتسليم بعض القيادات الإخوانية المقيمة في تركيا وإغلاق وسائل الإعلام التي تهاجم الانقلاب قبل أي مصالحة.



في ذكرى 7 أكتوبر... «إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة»

TT

في ذكرى 7 أكتوبر... «إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة»

دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)
دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

بعد يومين اثنين من هجوم «حماس» على البلدات والمواقع العسكرية القائمة في غلاف غزة، يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، طلب عدد من الضباط الإسرائيليين الاجتماع بنظرائهم من أجهزة الأمن الفلسطينية، وأبلغوهم بأن «إسرائيل التي يعرفونها حتى اليوم لم تعد قائمة. ستتعرفون على إسرائيل أخرى».

لم يقولوا هذه الكلمات بلهجة توحي بمضمون العداء والتهديد. لكنها قيلت بمنتهى الصرامة. كان الوجوم طاغياً على الوجوه. فهؤلاء الضباط يعرفون بعضهم جيداً. هم الطاقم الذي يمثّل حكومة إسرائيل، من جهة، والحكومة الفلسطينية، من جهة ثانية، والمهمة الموكلة إليه هي القيام بما يعرف على الملأ بـ«التنسيق الأمني» بين الطرفين. اجتماعات هؤلاء الضباط مستمرة منذ توقيع اتفاقات أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية قبل 30 سنة، وهي تُعقد تقريباً بشكل يومي.

وعلى عكس الانطباع السائد لدى كثيرين، لم يقتصر التنسيق بينهم أبداً على الملفات الأمنية. كانوا يجتمعون في البداية لغرض تطبيق الاتفاقات ومنحها طابعاً إنسانياً. اهتموا بقضايا تحسين العلاقات التجارية والاجتماعية والاقتصادية، وأيضاً الأمنية. اهتموا ذات مرة بمنح تصاريح العودة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين عادوا من الشتات واستقروا في الوطن. واهتموا بتسهيل خروج وعودة الطلبة الفلسطينيين الجامعيين وجلب عمال فلسطينيين إلى إسرائيل واستيراد البضائع الفلسطينية إلى إسرائيل أو تصديرها إلى الخارج. نظموا دوريات مشتركة لضمان سلطة نفاذ القانون التي كان فيها الضباط والجنود يتناولون الطعام معاً، وصاروا فيها يتقاسمون رغيف الخبز.

دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

وقد شهدت العلاقات بينهما طلعات ونزلات كثيرة، وكان عليهم أن يمتصوا الأحداث العدائية. ففي الطرفين توجد قوى حاربت الاتفاقات ولم تطق سماع عبارة «عملية السلام». بدأ الأمر عام 1994 بمذبحة الخليل التي نفذها طبيب إسرائيلي مستوطن، والتي رد عليها متطرفون فلسطينيون بسلسلة عمليات انتحارية في مدن إسرائيلية. وعندما تمكن اليمين المتطرف في إسرائيل من اغتيال رئيس الوزراء، اسحق رابين، بهدف تدمير الاتفاقات مع الفلسطينيين، حصل تدهور جارف في العلاقات بين الطرفين.

وعندما فاز بنيامين نتنياهو بالحكم، أول مرة سنة 1996، زاد التوتر وانفجر بمعارك قتالية بين الجيش الإسرائيلي وبين ضباط وجنود في أجهزة الأمن الفلسطينية. وعند اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، كادت تقع حرب بينهما. وعاد الجيش الإسرائيلي ليكرس الاحتلال وعادت الأجهزة الفلسطينية إلى قواعد منظمة التحرير وأيام الكفاح. لكن قادة الطرفين، بمساعدة الأميركيين ودول مختلفة، حاولوا تطويق الأوضاع.

وظل أعضاء فريقي التنسيق الأمني يلتقون وينسقون. تعاملوا مع بعضهم البعض على أساس المصالح المشتركة «بيزنِس»، لضمان الحد الأدنى من التواصل. وكل من الطرفين يعترف بأن الأمر ضروري وحيوي، برغم أن الشعبويين في إسرائيل يعتبرون ذلك استمراراً لاتفاقات أوسلو وتمهيداً للاعتراف بدولة فلسطينية، فيما بعض الفلسطينيين يعتبر ذلك تهادناً مع إسرائيل وتعاوناً معها «ضد المقاومة». ولكن رغم هذه الانتقادات من أطراف في الجانبين، يصمد فريق التنسيق في وجه تشويه جهوده. فالضباط من الطرفين يدركون أن فك التنسيق ثمنه باهظ، فلسطينياً وإسرائيلياً.

والجديد الآن أن الضباط الإسرائيليين يأتون إلى الاجتماعات وهم يؤكدون أنهم ينوون الاستمرار في التنسيق لكن الفلسطينيين «سيجدون إسرائيل مختلفة». كانوا صادقين. ورسالتهم هذه كانت موجهة ليس فقط للضباط أو المسؤولين الفلسطينيين، بل للشعب الفلسطيني كله... ومن خلاله إلى كل العالم.

دمار واسع في قطاع غزة بعد سنة على الحرب الإسرائيلية (الشرق الأوسط)

«واحة الديمقراطية».. لم تعد موجودة

مع مرور سنة كاملة على الحرب في غزة، يمكن القول إن إسرائيل تغيّرت بالفعل، منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. مقولة الجنرالات الإسرائيليين لنظرائهم الفلسطينيين يرددها جميع القادة الإسرائيليين السياسيين سواء كانوا في الحكومة أو المعارضة، كما يرددها القادة العسكريون من كل الأجهزة. يريدون تثبيت فكرة أن إسرائيل تغيّرت في عقول شعوب المنطقة والعالم. والواقع، أن هذه الفكرة باتت حقيقة مُرّة.

فإذا كان هناك من يعتبر إسرائيل «فيلّا جميلة في غابة موحشة» أو «واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط» أو «دولة حضارية» أو «جبهة متقدمة للغرب في الشرق» أو «دولة التعاضد السكاني» أو «دولة القيم وحقوق الإنسان»، فإن كثيراً من قادتها وقسماً كبيراً من شعبها تنازلوا، كما يبدو، عن هذه المفاهيم تماماً، في أعقاب ما حصل في 7 أكتوبر. صاروا معنيين باستبدال هذه الصفات. فالفيلّا أصبحت الغابة. والواحة باتت منطقة جرداء. والدولة الحضارية باتت تتصرف كوحش جريح. والتعاضد السكاني صار جبهة واحدة ضد العرب. والقيم وحقوق الإنسان ديست بأقدام الجنود ودباباتهم وغاراتهم. كأن إسرائيل تريد أن يتم النظر إليها بوصفها جرافة تدمر كل ما ومن يعترض طريقها، أو كأنها «دولة الانتصار على كل أعدائها».

تُعبّر الأرقام في الواقع عن نتيجة هذا التغيّر في طريقة تصرف الإسرائيليين. إذ تفيد إحصاءات الحرب في قطاع غزة بأن 60 في المائة من البيوت والعمارات السكنية مدمرة، والبقية متصدعة أو آيلة إلى الانهيار وغير آمنة. وفي مقدمها المستشفيات والعيادات الطبية والمساجد والكنائس والجامعات والمدارس ومخيمات اللاجئين. كلها دُمّرت بقرارات لا يمكن سوى أن تكون «مدروسة» ولأغراض «مدروسة»، بحسب ما يعتقد كثيرون. أما حصيلة القتلى فتقترب من 42 ألفاً، ثلثاهم نساء وأطفال. والجرحى أكثر من 100 ألف. وهكذا تدخل الحرب في غزة التاريخ كواحدة من أكثر الحروب دموية في القرن الحادي والعشرين، وفق تقرير لصحيفة «هآرتس» اعتمد تدقيقاً للبيانات بما في ذلك معدل ووتيرة الوفيات، إضافة إلى الظروف المعيشية للسكان في القطاع.

تقول الصحيفة إنه في الوقت الذي يتشبث فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وغيره من المتحدثين الإسرائيليين بحجتهم المفضلة، وهي اتهام المجتمع الدولي بالنفاق فيما يتعلق بالحرب في قطاع غزة، والادعاء بأنه يتجاهل الصراعات والكوارث الإنسانية الأخرى، فإن الأرقام المسجلة حتى الآن تجعل الحرب في غزة تتجاوز دموية النزاعات في كل من العراق وأوكرانيا وميانمار (بورما). وبما أن عدد سكان غزة لا يتجاوز مليوني شخص، وعدد القتلى يضاهي 2 في المائة من السكان، فإن مقارنة بسيطة مع إسرائيل تبيّن أنه لو قُتل في إسرائيل 2 في المائة من السكان لأصبح عدد القتلى 198 ألفاً.

يقول البروفسور، مايكل سباغات، من جامعة لندن للصحيفة: «من حيث العدد الإجمالي للقتلى، أفترض أن غزة لن تكون من بين أكثر 10 صراعات عنفاً في القرن الحادي والعشرين. ولكن بالمقارنة مع النسبة المئوية للسكان الذين قتلوا، فإنها بالفعل ضمن الخمسة الأسوأ في المقدمة». ويضيف سباغات، وهو باحث في الحروب والنزاعات المسلحة ويراقب عدد الضحايا في تلك الأزمات: «إذا أخذنا في الاعتبار مقدار الوقت الذي استغرقه قتل واحد في المائة من هؤلاء السكان، فقد يكون ذلك غير مسبوق».

ووفق حساباته، فإنه في الإبادة الجماعية للروهينغا في ميانمار، على سبيل المثال، قتل نحو 25 ألف شخص، وفقاً للأمم المتحدة. وفي الإبادة الجماعية للإيزيديين على يد تنظيم «داعش»، في عام 2015، تشير تقديرات الخبراء إلى أن 9100 شخص قتلوا، نصفهم من خلال العنف المباشر والنصف الآخر بسبب الجوع والمرض، بالإضافة إلى الآلاف الذين اختطفوا.

عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تشكو من أن الحكومة تتجاهل مصيرهم (أ.ف.ب)

ومنذ بدء الحرب في غزة، بلغ متوسط معدل الوفيات نحو 4 آلاف وفاة شهرياً. بالمقارنة، في السنة الأولى من الحرب في أوكرانيا، بلغ معدل الوفيات 7736 شهرياً، بينما في أكثر سنوات الحرب دموية في العراق، في عام 2015، كان عدد القتلى نحو 1370 شهرياً. في هاتين الحربين، كان العدد الإجمالي للقتلى أعلى بكثير مما كان عليه في الحرب في غزة، لكن هذين الصراعين استمرا، وما زالا مستمرين، لفترة أطول بكثير.

الحرب في غزة تبرز أيضاً بالمقارنة مع حروب تسعينات القرن العشرين، على غرار الحرب في دولة يوغوسلافيا السابقة. واحدة من هذه المناطق كانت البوسنة، وفي أسوأ عام من الصراع، 1991، كان متوسط عدد القتلى شهرياً 2097، والعدد الإجمالي للقتلى على مدى أربع سنوات كان 63 ألفاً.

الفرق الأبرز بين بقية حروب القرن الـ21 والحرب في قطاع غزة هو حجم الأراضي التي تدور فيها المعارك وعدم قدرة المدنيين غير المشاركين على الفرار من المعارك، وخاصة نسبة الضحايا بين إجمالي السكان. امتدت الجبهات في أكبر حروب هذا القرن، في سوريا والعراق وأوكرانيا، على مدى آلاف الكيلومترات ووقعت المذابح في مئات المواقع المختلفة. والأهم من ذلك، أن المدنيين في تلك الأماكن يمكنهم، حتى ولو بثمن مؤلم، الفرار إلى مناطق أكثر أماناً. ففي سوريا، غادر ملايين اللاجئين إلى بلدان أخرى، مثل الأردن وتركيا ودول أوروبية. كما غادر مئات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين مناطق خط المواجهة وانتقلوا غرباً.

أما في غزة البالغة مساحتها 360 كلم مربعاً، أي جزءاً بسيطاً من حجم أوكرانيا، فقد اندلع القتال في كل مكان تقريباً من أرجائها، ولا يزال مستمراً. لقد تم تهجير معظم سكان القطاع، لكن هروبهم إلى المناطق التي حددها الجيش الإسرائيلي كمناطق آمنة لم يساعد دائماً، وقتل العديد منهم في هذه المناطق أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، فإن الظروف المعيشية في هذه المناطق المصنفة إنسانية، قاسية للغاية، إذ يعاني اللاجئون من الاكتظاظ والمرض ونقص المأوى الآمن ونقص الأدوية وأكثر من ذلك.

والمشكلة الأكبر أن كثيراً من هذه الفظائع تم ويتم بقرارات واعية من المسؤولين الإسرائيليين. فإذا وصلت معلومة للمخابرات الإسرائيلية أو شبهة بأن فلاناً ناشط في «حماس»، كان يتم قصف بيته على من فيه، بلا انذار أحياناً أو بإنذار وجيز. وإذا دخل عنصر يعتبر «مطلوباً»، من أي تنظيم فلسطيني، إلى مقهى، كان يتم قصف المقهى على من فيه. وحتى المسجد كان يتم تدميره أيضاً في حال اشتبهت إسرائيل بأن شخصية ما تختفي داخله.

التغيير الجديد... نظرة فوقية

في الماضي كان الإسرائيليون يقومون بمثل هذه الممارسات، لكنهم كانوا يخجلون منها. يحاولون التستر عليها. كانوا يكسرون ويجبرون. فمقابل القتل والبطش كانوا يبرزون قصصاً لجنود قدموا المساعدة. ظهر معترضون نددوا بالبطش ضد الفلسطينيين الأبرياء. أما اليوم فلم يعد هناك شيء من هذا. كثيرون في إسرائيل باتوا يقولون إنه لا يوجد في نظرهم أناس أبرياء. فالعائلات الفلسطينية تساند أولادها، ولذلك يجوز معاقبتها. الطفل الفلسطيني سيكبر ويصبح جندياً، ولذلك فلا يجب أن ترحمه.

وإذا كان شبان مخيمات اللاجئين يقاومون، فيمكن أن يتم حرمان كل سكان المخيم من الماء والكهرباء والبنى التحتية، عقاباً لهم. بات الفلسطينيون «حيوانات»، بحسب وصف وزير الدفاع يوآف غالانت المفترض أنه من يرسم سياسة الجيش. والحقيقة أن هذه النظرة الفوقية تجاه الفلسطينيين صارت سائدة اليوم في المجتمع الإسرائيلي، ورغم أن هذا الاستعلاء هو بالذات ربما ما أوقع إسرائيل في إخفاقات 7 أكتوبر. باغتتها «حماس»، بلا شك، بهجوم شديد يومها. ولولا أن مقاتلي الحركة وقعوا في مطب أخلاقي شنيع، ارتكبت خلاله ممارسات مشينة ضد المدنيين الإسرائيليين، لكان هجومهم اعتُبر ناجحاً، بغض النظر عن النتائج التي أدى إليها لاحقاً. فقد احتلوا 11 موقعاً عسكرياً وأسروا عدداً من جنود وضباط الجيش الإسرائيلي.

صور وتذكارات لإسرائيليين خُطفوا أو قُتلوا في هجوم «حماس» على موقع «سوبر نوفا» الموسيقي في غلاف غزة يوم 7 أكتوبر العام الماضي (إ.ب.أ)

لكن التغيير الذي أرادت إسرائيل أن يظهر للعرب، انسحب أيضاً على إسرائيل نفسها. لقد تغيرت تجاه الإسرائيليين أنفسهم. انتهى الخجل في السياسة الداخلية. فالائتلاف اليميني الحكومي، في نظر منتقديه، بات يسن قوانين تتيح الفساد، مثل القوانين التي تضرب استقلالية القضاء، والقانون الذي يضعف المراقبة على التعيينات الحكومية بحيث يمكن تعيين موظفين غير مؤهلين في مواقع إدارية رفيعة، والقانون الذي يوفر لرئيس الحكومة المتهم بالفساد تمويلاً لمصاريف الدفاع عن النفس في المحكمة من خزينة الدولة. أما القضاة في إسرائيل فباتوا يخافون الحكومة ويصدرون قراراتهم وفقاً لأهوائها، في كثير من الأحيان.

والأكثر من ذلك، لم تعد إسرائيل اليوم تتعامل مع حياة الإنسان الفلسطيني أو اللبناني بأنها رخصية، بل أيضاً مع حياة الإنسان الإسرائيلي. فالحكومة باتت تستخدم منظومة «بروتوكول هنيبعل»، الذي يقضي بقتل الجندي الإسرائيلي مع آسريه، حتى لا يقع في الأسر.

في معركة مارون الراس الأخيرة في الجنوب اللبناني، أمر الضباط جنودهم بخوض القتال لمنع عناصر «حزب الله» من أسر جثة جندي، وكلفها الأمر مقتل ستة جنود وجرح أكثر من عشرة. والمواطنون الإسرائيليون المحتجزون لدى «حماس» في غزة، مهملون، كما تقول أسرهم التي تتهم نتنياهو بأنه يرفض التوصل إلى صفقة تبادل تضمن إطلاق سراحهم.

وبدل احتضان عائلات هؤلاء المحتجزين، ينظم مناصرون للائتلاف اليميني الحاكم حملة تحريض عليهم ويعتدون على مظاهراتهم الاحتجاجية. وفوق ذلك كله، تبدو الحكومة وكأنها تشجع اليمين المتطرف على مهاجمة قيادة الجيش، فهي لم تحاسب مجموعات منهم نظّمت اعتداءات على معسكر للجيش، ولم تمنع حتى اعتداءات مستوطنين على الجنود الذين يحمونهم في الضفة الغربية.

إسرائيل اليوم صارت خانقة أيضاً للإسرائيليين الذين يفكرون بطريقة مختلفة عن الحكومة. كلمة سلام صارت لعنة. والخناق يشتد حول حرية الرأي والتعبير. واتهام المعارضين بالخيانة صار أسهل من شربة ماء.

والتغيير الأكبر، على الصعيد الداخلي، هو أن رئيس الحكومة ورؤساء ووزراء ائتلافه الحكومي، يعملون على المكشوف لتغليب مصالحهم الذاتية والحزبية على مصالح الدولة. ويقول منتقدو نتنياهو إنه يعرف أن الجمهور لا يريده في الحكم وينتظر أن تنتهي الحرب حتى يسقطه، ولذلك هو يعمل، ببساطة، على إطالة الحرب ليبقى في السلطة.

في ذكرى 7 أكتوبر، تبدو إسرائيل بالفعل وكأنها تغيّرت. قيادتها الحالية مصممة على تأجيج الصراع أكثر وتوسيعه. لا يهدد ذلك فقط بمزيد من التأجيل للتسوية مع الفلسطينيين، بل يخاطر أيضاً بحروب فتاكة قادمة تورثها إسرائيل لأبنائها وبناتها.