الإخوان في مفترق طرق.. والانقسامات تتسع

«الشرق الأوسط» تنشر مراسلات سرية لقادة الإخوان تكشف عن حجم الخلافات والصراعات

مظاهرات «الإخوان» تحولت إلى عنف في الشارع المصري
مظاهرات «الإخوان» تحولت إلى عنف في الشارع المصري
TT

الإخوان في مفترق طرق.. والانقسامات تتسع

مظاهرات «الإخوان» تحولت إلى عنف في الشارع المصري
مظاهرات «الإخوان» تحولت إلى عنف في الشارع المصري

أثار القرار الجريء الذي اتخذته حركة النهضة التونسية بفصل الدين عن السياسة تساؤلات عما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين في مصر ستسير على خطى النهضة. إذ يرى المراقبون أن الأزمة الحالية التي تمر بها الجماعة في مصر قد يدفع قادتها إلى التفكير في اتخاذ خطوة مماثلة.
وبينما أشارت بعض القيادات الإخوانية في المنفى إلى دراستهم لفكرة فصل الأنشطة السياسية عن الدينية، في حين رفض آخرون الفكرة باعتبارها غير واقعية وغير قابلة للتطبيق. وبغض النظر عما ستؤول إليه المناقشات الجارية حاليا حول القضية، على افتراض أنه قيد النقاش، فإن الحركة ستواجه الكثير من العقبات التي ستحول دون اتخاذ قرار مماثل لحزب النهضة.
في غضون ذلك، قال خبراء في شؤون الجماعات الإسلامية إن «الانقسامات داخل صفوف الإخوان ستمتد لأعوام قادمة.. وإن المشهد داخل الجماعة (مفكك) فضلا عن تصارع 4 تيارات». بينما تنشر «الشرق الأوسط» مراسلات سرية لقادة الإخوان حصلت عليها من عدة دول، تكشف عن حجم الخلافات والصراعات، ومطالبات البعض بضرورة وجود حلول سريعة لأحوال الجماعة التي باتت غير واضحة المعالم.
ويشار إلى أن دعوة «فصل الدين عن السياسة» داخل الإخوان ليست بالجديدة، فالكثير من القيادات الإسلامية مثل محمد سليم العوا وطارق البشري وعبد الله النفيسي، حثوا جماعة الإخوان المسلمين على ترك السياسة والتركيز على الدعوة والتربية. وكان السبب الرئيسي وراء انشقاق حزب الوسط عن جماعة الإخوان المسلمين عام 1996 هو تحول الحركة إلى كيان سياسي، إذ قال رئيس حزب الوسط في مقابلة صحافية أجريت معه مؤخرا إن «نشاط الإخوان المسلمين ينبغي أن يقتصر على الدعوة».
ومنذ الأربعينات من القرن الماضي، دست جماعة الإخوان أنفها في كل المناحي السياسية. والمزج بين الدين والسياسة ليس بالأمر الغريب على أعضاء الجماعة، كما قد يبدو للعين الخارجية؛ بل على العكس تماما، فالإخوان تفتخر بمزج الدين والسياسة كجزء من آيديولوجيتها الشاملة، فالإسلام في وجهة نظر حسن البنا المؤسس وأعضاء الإخوان المسلمين دين شامل يغطي كافة مناحي الحياة، بما في ذلك النواحي السياسية.
من جهته، قال د. كمال الهلباوي الأمين العام السابق للتنظيم العالمي لـ«الإخوان» في الغرب عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان حاليا في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» من لندن إن جماعة الإخوان المسلمين، ليس لها أي وجود حاليا في مصر بحكم القانون، موضحا أن الجماعة مصنفة في مصر حاليا تنظيمًا إرهابيًا، ولم يعد لها مقر للقيادة، وجميع مقراتها تخضع للحكومة المصرية.
وصنفت الحكومة المصرية، الإخوان كجماعة إرهابية، وتشير المعلومات إلى تحول قطاع عريض من شباب جماعة الإخوان والتيار الإسلامي الرافض لعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي إلى تبني العنف.
وأضاف الهلباوي أن قيادات الجماعة إما في السجون أو هاربون للخارج، ولا أحد يقود الشباب في مصر، لافتا إلى أن قيادة الجماعة وهو محمود عزت غير معروف محل إقامته، ويقال: إنه هارب في الخارج، في تركيا أو غزة، وقال ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» أين محمود عزت، بأنه سؤال أمني في المقام الأول لا يستطيع الإجابة عنه، موضحا أن قادة الجماعة تتركز صراعاتهم حاليا على الاستئثار بالسلطة والإعلام والمال من جهة تبرعات أعضاء الجماعة، والنفوذ والعلاقات الخارجية حيث يوجد الإخوان في الغرب وإسطنبول وقطر. وعن المال قال الهلباوي: «نعم هناك أموال بيد القيادات في الخارج، وهناك صراع أيضا للاستحواذ عليها».
ونوه بأن قيادة الإخوان لم تكن سرية طوال تاريخها، ولا تعمل من الخارج، مشيرًا إلى أن الصراعات على المناصب والأموال تضرب الجماعة الآن، لا سيما في ظل انشطارها إلى ثلاث مجموعات، مؤكدا أن جميعهم يبتعدون عن منهج الإمام المؤسس حسن البنا؛ بل ربما يتمسحون به من أجل إضفاء الشرعية ومحاولة الاستئثار بالسلطة.
وأوضح أن المجموعة الأولى هي الأقوى بحكم أنها تضم القيادات التاريخية، وتتحكم في أموال الجماعة، وتضم المرشد العام الجديد محمود عزت، ومحمود حسين الأمين العام للجماعة، والقيادات التي تعمل في لندن.
فيما قال أحمد بان الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية بالقاهرة لـ«الشرق الأوسط»، إن الانشقاقات التي تشهدها جماعة الإخوان في مصر وتركيا وسوريا تدل على انتقال الجماعة من حالة التماسك الفكري والوحدة التنظيمية إلى حالة من حالات التململ من طول الجمود الفكري والتنظيمي، والتعاطي مع الواقع المتغير في كل هذه الدول، بالشكل الذي يكاد ينتج مدارس فكرية وتنظيمية جديدة تختلف تماما عن الشكل القديم الذي عرفنا به جماعة الإخوان عبر عقود، مضيفا: أن الجماعة تعرضت لأكثر من زلزال تنظيمي، فقدت الحكم بعدما وصلت إليه في بعض البلدان، شاركت في الحياة السياسية وحصلت على ثقة الناخبين في بلدان أخرى، ودخلت الحكومة في بلدان.. هذا التباين في التجربة أنتج هذا التشظي أو الانقسام الذي لا أظن أنه سوف يتوقف؛ بل قد تمتد حالة السيولة في الانقسام لأعوام قادمة، قبل أن يحدث التجدد المعنوي والسياسي والتنظيمي والتفاعل مع الواقع بصيغة جديدة.
وتشهد جماعة الإخوان حالة من الانقسام والصراع داخليا، بالتزامن مع تعرضها لضربات أمنية وسياسية قاسية في مصر والدول العربية، لا سيما مع تصنيفها تنظيما إرهابيا في نهاية العام 2013 في مصر، واتخاذ دول الإمارات والمملكة العربية السعودية القرار نفسه لاحقا.
ومع اشتداد الضربات الأمنية ضد الإخوان، وتعرض غالبية القيادات للسجن، ولا سيما المرشد العام محمد بديع، وخيرت الشاطر، ومحمد البلتاجي، ورشاد البيومي نائب المرشد ومهدي عاكف المرشد السابق بالإضافة إلى الرئيس المخلوع محمد مرسي، والآلاف من الأعضاء، تترنح الجماعة وصارت تعاني الانقسامات، خاصة أنها تقع تحت قيادة محمود عزت، القائم بأعمال المرشد العام، وهو شخصية غير محبوبة في أوساط شباب الجماعة، ويحمّلونه مسؤولية انهيارها. وانقسمت الجماعة إلى جماعتين أساسيتين، هما الجماعة التي يقودها محمود عزت، وهي الجماعة الأكبر والأكثر عددًا، بسبب سيطرة عزت على أموال الجماعة، واستخدامها في تقريب الشباب إليه.
ويقود الجماعة الثانية، محمد كمال ومحمد منتصر، وتضم هذه الجماعة غالبية الشباب الرافضين للمسلك الحالي للجماعة، لكنهم ليسوا في قوة ونفوذ جماعة محمود عزت.
غير أن القاسم المشترك بين المجموعتين، أن قياداتهما هاربون للخارج، ويقيمون ما بين تركيا وقطر ودول أوروبا مثل بريطانيا والنمسا.
وتلقت الجماعة ضربة داخلية جديدة زادت من انقسامها، بإعلان محمد كمال، القيادي في الجماعة، وقائد المجموعة الشبابية، استقالته من كافة مواقعه داخل الجماعة، لا سيما أنه عضو في مكتب الإرشاد.
وقال كمال في تسجيل صوتي: «أدعو اللجنة الإدارية العليا لإعفائي من مهامي»، مضيفا: «وأعلن عدم التقدم لأي منصب في الإدارات المقبلة».
وكشف كمال للمرة الأولى أن الجماعة تعاني خلافات ومشاكل كثيرة، وقال: «لم أكن يومًا حريصا على موقع، بل كنت أريد الدفاع عن مؤسسية الجماعة وتصحيح أوضاع خاطئة وممارسات أضرّت بالجماعة وسمعتها وجارت على مبادئها»، داعيا القائم بأعمال المرشد محمود عزت إلى «التراجع خطوة للوراء وتسليم الراية للشباب فرسان الميادين»، على حد قوله.
وأضاف أن «كافة المبادرات التي تم طرحها لحل أزمة الصراع داخل الجماعة أوصت بتقديم الشباب وتراجع القيادات السابقة»، وقال: إن «عجلة الإصلاح بدأت في الدوران».
وفي الرسالة الأولى التي تنشرها «الشرق الأوسط» بالإضافة إلى عشرات من المراسلات الخاصة، التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» والتي تم إرسالها إلى قيادات إخوانية خارج مصر تقول من شخص يدعى مدحت الحداد وهو مسؤول المكتب الإداري لـ«الإخوان» المصريين بتركيا المحسوب على جبهة القائم بأعمال المرشد محمود عزت، «أرى أن إخواني قد تجاوزوا كافة الخطوط الحمراء بلا استثناء، وأضاعوا كل فرص إيجاد حلول لجمع الصف؛ بل تمادوا في إجراءات شق الصف بلا هوادة.. فعلى المسؤول الذي حمله الله هذه المسؤولية إما أن يكون قادرا على حسم هذه الأمور ووقف هذا العبث بمقدرات الأمة ووضع الحدود الفاصلة لهذه المهاترات، وإما أن يترك مكانه لمن هو أقدر على الحسم».
وحول مصالحات مع الإخوان في مصر، قال الدكتور خالد الزعفراني الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية ليس هناك أي مصالحات مع الإخوان ولا حتى نية مصالحات سواء من الدولة المصرية أم من الإخوان، لافتا إلى أن الدولة لا تستطيع أن تبدي أي مصالحة مع الإخوان بسبب رفض كثير من الشعب لذلك، فضلا عن الانشقاقات الموجودة داخل الإخوان والمزايدات، ولا يستطيع أي فصيل في الجماعة حتى الفصيل الأساسي الذي يتزعمه عزت نائب المرشد ومحمود حسين وإبراهيم منير لا يستطيع أن يأخذ قرارا لأن فيه مزايدة على الطرف الآخر في الجماعة وهو طرف قوي وهو محمد كمال، موضحا أن الإخوان لا يستطيعون أخذ أي قرار في هذا الشأن ولا الدولة المصرية نفسها تستطيع أن تأخذ أي قرار.
وقال الزعفراني إن كل ما يحدث من كلام عن المصالحات ليس له أي أساس، لافتا إلى أن المشهد داخل الجماعة الآن مفكك، وأصبحت أربعة أقسام، قسم ضخم وهو يقف يتأمل ومجمد موقفه وما زال ينتمي للجماعة لكنه لا يقوم بأي فعاليات ويرى أن الجماعة أخطأت في أشياء كثيرة؛ لكنه ليس لديه استعداد للابتعاد عن الجماعة، وقسم ثانٍ وهم الجماعة الأساسية وهو متمسك بكل شيء وعلى رأسه محمود عزت وهو قسم ضخم وهو الأكبر، أما الثالث فهو محمد كمال ومعهم مجموعة من الشباب صاحب الفكر الثوري وهؤلاء عمرهم قصير وسوف ينقسمون على بعض لأنه لا يوجد فكر واحد يجمعهم وعدد كبير منهم «ملوث» بالأفكار التكفيرية والجهادية أما المجموعة الرابعة وهي التي قررت الابتعاد عن الإخوان وهي مجموعة كبيرة.
ويقول مراقبون إن ثمة عقبة ثانية تتمثل في التلقين الآيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين، فعلى النقيض من الجماعات الإسلامية المسكينة تتبنى جماعة الإخوان المسلمين برنامجا مسيسا إلى حد كبير يضمن تفاعل الأعضاء إلى حد كبير مع الحياة السياسية بشكل يومي. وتروج برامج التلقين في الجماعة إلى بعض القيم التي تتجاوز الدين وتساعد في خلق هوية سياسية. علاوة على ذلك، فإن جماعة الإخوان لا تقتصر على تدريب أعضائها ليكونوا دعاة فقط، بل أيضا يشمل التدريب إعداد ناشطين اجتماعيين وسياسيين. ومن ثم، فإن التخلي عن السياسة سوف يعني تغييرًا جذريًا في برامج التلقين والتنشئة الاجتماعية الخاصة بالإخوان المسلمين، وهو ما تستطيع الجماعة تحمل القيام به.
وتابع الخبراء أما بالنسبة للمعضلة الثالثة، فتتمثل في الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين، فلطالما تلقت الجماعة ألوان المديح على تماسك وانضباط هيكلها، الذي مكنها من البقاء على قيد الحياة في مواجهة قمع النظام لها لعقود من الزمان. ومع ذلك، فيمكن لهذا الهيكل أن يفضي إلى نتائج عكسية. ففي أعقاب ثورة يناير 2011. أنشا الإخوان «حزب الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، جميع أعضائه من الإخوان ولا يوجد ثمة دليل على انضمام أعضاء من خارج الجماعة إلى عضويته. وقد اعتمد الحزب الناشئ بشكل كبير على هيكل الإخوان المسلمين وتكتيكات التجنيد والحشد التي تنتهجها الجماعة.
فإن قررت جماعة الإخوان المسلمين أن تصبح جماعة دينية فقط، فسوف تفقد تميزها في السوق الدينية. وعندما كتبت عن الجماعة عام 2007. رفض الكثير من قياداتها فكرة اقتصارها على الدور الديني فحسب، بينما أعرب بعضهم عن امتعاضهم من فكرة فصل الدين عن السياسة واعتبروها شكلا من أشكال العلمانية. وقد انضم هؤلاء الأعضاء إلى جماعة الإخوان المسلمين بسبب طابعها الشمولي، وبالتالي فإن فصل الدين عن السياسة سينفر كثير من الأعضاء، وخاصة في المناطق الريفية والضواحي.
ولكن اليوم تواجه الجماعة مزيدا من الخلافات والانشقاقات بين قادتها، رغم أن معظم قادة الجماعة في السجن، والكثيرون منهم يواجهون حكم الإعدام، وكثيرون هربوا لدول متعاطفة معهم مثل قطر وتركيا.
وأشار الهلباوي إلى أن المجموعة الأولى تعرف تتصارع على السلطة الآن، وكشف أن هذه المجموعة تتحدث وتقود ما تصفه بـ«الحراك الثوري». ونبه إلى أنهم «لا يؤمنون بالثورة، بل يؤمنون بالعنف، ويستهدفون ضباط الشرطة والجيش والمؤسسات المختلفة، ويسعون إلى إسقاط الدولة».
وذكر أن المجموعة الثانية يقودها شخصان هما محمد منتصر ومحمد كمال، وهي المجموعة التي تتصارع مع مجموعة محمود عزت على المناصب والأموال، وتحاول كل مجموعة منهما استقطاب الشباب إليها.
ولفت الهلباوي إلى أن المجموعة الثالثة تقف حائرة بين المجموعتين الأولى والثانية، وتسمي نفسها «جماعة التوقف والتبين»، مشيرا إلى أنهم يرفضون العنف والصراع على السلطة، وتضم عشرات الآلاف من الشباب، وهذه المجموعة تتعرض لضغوط هائلة من السلطة في مصر وقيادات الإخوان في الوقت نفسه.
ويرى المراقبون أن ما زاد الأمور تعقيدا هو اختلاف الإخوان المسلمين حول من يتحدث باسمهم، حيث إنه في نهاية العام الماضي، عزل عدد من قادة الجماعة المتحدث الصدامي، واسمه المستعار هو محمد منتصر، فيما رفض آخرون القرار، الذي قالوا: إنه مخالف للتعليمات.
فيما يعتقد خبراء الجماعات الأصولية أن «الخلاف بين قادة الإخوان هو عرض لنزاع عميق داخل الجماعة، حول القيادة والأولويات، حيث إنه بعد 88 عاما من النشاط الديني والسياسي والاجتماعي، الذي ألهم بإنشاء جماعات مماثلة في المنطقة، فإن الجماعة تمزق نفسها».
وعن التضارب الذي يحدثه محمود عزت نائب المرشد (الهارب) في مصر وتصريحاته التي يتحدث فيها أنه المرشد وهل لهذا تأثير على الشباب في الجماعة، أضاف أحمد بان لـ«الشرق الأوسط» نحن أمام انقسام تنظيمي في مصر مثلا يتعزز يوما بعد يوم بين مجموعتين، مجموعة تعبر عن الحرس القديم داخل الجماعة، وهذه المجموعة ربما يحركها هاجس الحفاظ على التنظيم أكثر من أي شيء آخر، مقارنة بمجموعة أخرى أقرب إلى جيل الشباب تحركه دوافع الثأر ويبدو مقتنعا بأن النمط الإصلاحي الذي درجت عليه جماعة الإخوان لم يعد مناسبا وأن الجماعة يجب أن تكون جماعة ثورية في أفكارها ووسائلها وأساليبها، هذا التباين يتعزز يوما بعد يوم، والقطيعة تتسع بين الفريقين، حتى أن قضية المصالحة والحوار مع الدولة المصرية لا تكاد تجد لها فريقا محددا بسبب هذا التنازع.
في ذات السياق، يقول القيادي الإخواني عمرو دراج، وهو أحد القياديين الذين يعيشون في إسطنبول، وهو يقف مع جناح المواجهة، قوله إن «جمود» الجماعة، في ظل القيادة القديمة، عامل يدفع الشباب نحو العنف، مشيرا إلى أن هناك من يتهم الحرس القديم بالتفاوض مع النظام، وهي تهمة ينفيها قادته.
وعن المراجعات التي قد تتم مع شباب الإخوان من قبل الدولة المصرية، قال الدكتور خالد الزعفراني لـ«الشرق الأوسط» إن هذه المراجعات يقوم بها مجموعة من العلماء المتخصصين ونحن نطالب بها، وهذه المراجعة للشباب عن الفكر التكفيري وفكر العنف والأفكار البعيدة عن الإسلام الوسطي، لافتا إلى أن هذه المراجعات التي بدأ منها شيء بسيط؛ لكن ليس هناك مراجعات جدية حتى الآن، والدولة المصرية مقصرة تماما في موضوع المراجعات.
فيما قال أحمد بان إن المراجعات قد تنجح إذا انطلقت من دوافع ذاتية داخل الجماعة وتوفرت لها الأجواء المناسبة تنتج أثرها، لكن حتى الآن لا توجد بيئة حاضنة لقضية المراجعة بشكل واسع وشامل داخل الجامعة وداخل الدولة المصرية أيضا.
من جهته، أكد إبراهيم منير نائب المرشد العام لـ«الإخوان»، الأمين العام للتنظيم العالمي للغرب في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» أنه على الرغم من أن الجماعة فكرها واحد وأدبياتها واحدة واتجاهها واحد؛ لكن هناك اختلافات في العمل السياسي، لكن قنوات الحوار والاتصالات لم تنقطع أبدا.
وحول دور الشباب في المرحلة الحالية والمقبلة في مسيرة الجماعة، قال منير، إنه رغم وجود شيوخ الجماعة وراء القضبان؛ فإنه لا يمكن التقليل من أهميتهم، فمهدي عاكف المرشد السابق فوق الـ90 عاما وبديع المرشد الحالي فوق الـ75 عاما، وحكم عليه حتى الآن بنحو 4 أحكام إعدام والسجن لما يزيد عن 400 عام، فضلا عن رشاد البيومي 83 عاما وهو نائب المرشد، ويعانون الحبس في السجون المصرية، ومجال الدعوة مفتوح لمن يستطيع أن يبذل فيه من جهود بالنسبة للشباب، والمسؤولية في الجماعة منذ القدم بالانتخابات من أصغر مسؤولية إدارية حتى أعلى مستوى من المناصب، حتى اختيار المرشد بالانتخاب وله دورتان فقط، ولا أحد يسعى إلى تولي مسؤولية، إنما المسؤولية تسعى إلى الناس، بحسب الانتخابات التي تجرى داخل الجماعة، بحسب اللوائح وحسب الطاقة الموجودة لدى أعضاء الجماعة.
وأوضح منير أن مكتب الإرشاد مكون من 17 لمن هم فوق الثلاثين عاما وبالانتخاب بحسب لائحة الجماعة، ولا يمكن التقليل أيضا من دور الشباب، وليس هناك مجالات مغلقة أمام الشباب، وأمام نصائح مشايخ الجماعة المتبقين خارج السجون.
واعتذر إبراهيم منير نائب المرشد العام لجماعة الإخوان في لقائه مع «الشرق الأوسط» عن تصريحاته أمام مجلس العموم البريطاني، التي حمل فيها الجماعة الإسلامية مسؤولية العنف خلال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وذلك لبحث تأثير نشاط الإخوان على المصالح البريطانية.
وقال منير: «لعله كان من الواجب لحظتها الإشارة إلى أن الأمر بالنسبة للجماعة الإسلامية قد حدث بعد اغتيال المتحدث الإعلامي باسمها الدكتور علاء محيي الدين عام 1990 بدم بارد، وقبل المراجعة الشرعية التي قامت بها الجماعة الإسلامية وإعلانها نبذ أي مظاهر للعنف من خلال مراجعتهم المشهورة، ثم مشاركتهم العمل السياسي بعد عام 2011 من خلال حزب سياسي قانوني».
وذكر منير، أنه في منتصف الثمانينات خلال فترة حكم الرئيس الأسبق مبارك كانت هناك أزمة اقتصادية واجتماعية، وبدأت الجماعة الإسلامية العنف وكاد النظام يسقط فعلا، والكثيرون دفعوا الإخوان، وتساءلوا: لماذا لا تشاركون في هذه الأمور فهي فرصة لإسقاط النظام العسكري؟، ومع ذلك رفض الإخوان المشاركة، لأنه ضد مبادئهم، حتى لو كان مبارك يظلمهم. وأثارت تصريحات منير، ردود فعل غاضبة داخل الجماعة الإسلامية مما دفعها وحزبها السياسي «البناء والتنمية»، لإصدار بيانات استنكار وإدانة لها.
وفي إحدى الرسائل التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» جاءت من شخص يدعى إسلام الغمري، وقال فيها «قدر محبتنا لكم، ولكن التصريحات التي جاءت عن الدكتور إبراهيم منير عن الجماعة الإسلامية أثارت حالة من السخط في أوساط إخوة الجماعة الإسلامية وغيرهم، وقد طلب الإخوة مني إيصال احتجاج الإخوة عندنا على هذه التصريحات، وطلب التوضيح من دكتور محمود حسين الأمين العام حرصا منا على دعم أواصر المحبة والأخوة بيننا ودفعا لنزغ الشيطان».
وهناك رسالة أخرى أرسلها الدكتور عاشور الحلواني أمين حزب الحرية والعدالة بالمنوفية في مصر، قال فيها «أثبتت التجارب أن هذه الجماعة ليست مرتبطة بأشخاص مهما كان قدر الأشخاص قيمة وقامة وفضلا»، مضيفا: «آلمني وآلم كل حر متجرد للحق أن جماعتنا تمر بمنعطف خطير ومحنة غير مسبوقة ومؤامرة كبرى داخلية وخارجية، وتزداد المسألة صعوبة لهول الصدمة وغياب المؤسسات المتوافق عليها الفاعلة القادرة على حل هذه الخلافات، وهذه المؤسسات ما غابت بإرادتنا ولكن بتغييب أعضائها في المعتقلات أو المطاردات أو حتى الموت.. وقسم الصف الإخوان إلى فريق مستبشر بنصر الله وثابت على الحق يؤدي واجبه داخل السجن وخارجه يدعو لوحدة الكلمة ووحدة الجماعة مشغول بأوراده داعيا لإخوانه أن يجمع الله شملهم، وفريق آخر أصابه الاكتئاب العام والحزن على ما آلت إليه الأمور وإن أظهر أنه منتظم في أداء واجباته المطلوبة منه ومعظم هذا الفريق خارج السجون أصابه الفتور وقعد عن العمل المثمر الفعال، فيما هناك فريق ثالث مشغول لأذنيه بالاختلافات بين القيادات وترديد أقوال ونشر أخبار قد تكون صحيحة أو لا تكون وقد يظهر أنه ملكي أكثر من الملك في تبريره هذه الأقوال أو الأفعال أو حتى اختلاق شائعات للأسف الشديد».
وتابع الحلواني في رسالته: بعض القيادات قادت الجماعة في طريق خطأ وأدت إلى كوارث وتجاوزت الصلاحيات وتجاوزت القيادة الشرعية وتريد شق الجماعة أو اختطافها وهناك شكوك حول بعض الأفراد فيها وأن محمد منتصر والفريق الإعلامي معه «يدغدغون» العواطف على غير الحقيقة ويتعمدون الكذب ونشر وتسريب المعلومات المغلوطة أو المجتزأة وعلى الجميع السمع والطاعة للقيادة الشرعية، مقترحا في نهاية رسالته التي تضمنت عبارات تتعلق بعودة مرسي ولقاءات تتم بين عناصر لـ«الإخوان»، مقترحا تشكيل مكتب يضم إبراهيم منير القائم بعمل المرشد مشرفا، وحلمي الجزار رئيسا، وعمرو دراج نائبا، وعضوية عبد الموجود الدرديري، وجمال حشمت، ويحيى حامد، وأحمد عبد الرحمن، وأشرف بدر الدين، وأحمد عبد العزيز، وأحمد عبده، وصلاح عبد المقصود (وزير الإعلام الأسبق).
وتواجه جماعة الإخوان المسلمين بمصر (تأسست عام 1928)، حاليًا خلافات داخلية متصاعدة، وصلت ذروتها خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عقب إعلان مكتب الإخوان المسلمين في لندن، إقالة الشاب محمد منتصر (اسم حركي مقيم داخل مصر)، من مهمته كمتحدث إعلامي باسم الجماعة، وتعيين طلعت فهمي (55 عامًا) متحدثًا جديدًا بدلاً منه.
وتلا ذلك تدشين موقع إلكتروني جديد للجماعة، واستمرار إصدار بيانات مضادة بين قيادات بالجماعة، ومكاتب تنفيذية بها، حول إدارة التنظيم، وشكل الثورة التي ينتهجونها ضد السلطات المصرية الحالية.
ودفعت أزمة الخلاف الداخلي المتصاعد في جماعة الإخوان المسلمين في مصر، الجماعة الإسلامية (حليفها الأبرز) لأن تُصدر بيانا تحذر فيه من أثر هذا الخلاف على التحالف الوطني الداعم لشرعية الرئيس محمد مرسي والرافض للانقلاب، كما تضمن البيان تهديدا غير مباشر بالانسحاب من التحالف بإشارتها إلى أن ذلك «قد يدفع قوى إلى مراجعة الموقف إزاء الاستمرار في التحالف».
وظهرت أزمة جماعة الإخوان للعلن في منتصف 2015، على خلفية تباين وجهات النظر بين قادة الجماعة.
وقالت الجماعة الإسلامية في بيانها إن هذا الموقف «يأتي في ظل استغراق أطراف الخلاف في دوامة الأزمة وتعقيدات جذورها وفروعها»، لافتة إلى أن ما تحمله الأزمة من مخاطر قد تؤثر سلبا على المصالح العليا للوطن.
وأكدت أن تداعيات الأزمة ستؤثر على علاقة الإخوان بالتحالفات التي تجمعها مع غيرها من القوى الفاعلة في المشهد المصري، والتي قد تدفع هذه القوى إلى إعادة النظر ومراجعة مواقفها من الاستمرار في تلك التحالفات.
في غضون ذلك، وعن تلويحات بعض المسؤولين في الحكومة المصرية بوجود اتجاه للتصالح مع الجماعة، قال أحمد بان، وهو قيادي منشق عن الجماعة، لا أحد يعلم من الذي يستطيع تسويق هذا الانقسام بين فريقي الجماعة.
وعن مزاعم وجود لقاءات من مسؤولين بمصر بأعضاء من الإخوان للتصالح، أكد بان، أتصور أن الحوار يجري ربما بشكل سري منذ فترة وأتصور أن هناك بالفعل تواصلا ما بين الجماعة وأطراف داخل الدولة المصرية، لافتا إلى أن هذه الاتصالات لأعضاء من الجماعة داخل وخارج مصر.
وهاجر العشرات من أعضاء جماعة الإخوان إلى سوريا أثناء حكم مرسي، وانضموا إلى تنظيم جبهة النصرة، ثم تحولوا إلى «داعش» لاحقًا، وشغلوا مواقع قيادية في التنظيم.
وعن سير الإخوان على خطى راشد الغنوشي بإبعاد الدين عن الدولة، قال بان «للدقة راشد الغنوشي لم يقل بإبعاد الدين عن الدولة أو بفصل الدين عن الدولة، فقط يدعو للفصل الوظيفي بمعنى أن تتخصص مجموعة من الجماعة للعمل السياسي وتتخصص مجموعة أخرى للعمل الدعوي دون المزج بينهما»، مضيفا: أتصور أن إخوان مصر رغم حديثهم عن هذا الأمر إلا أنه ينسف أساس الفكرة الإخوانية التي تعتمد على قضية الشمول وقضية العالمي، ومن ثم هم بعيدون عن هذا الأمر.
وقال الزعفراني إن فصل الدين عن الدولة في الإخوان، مستبعد نهائيا عند جماعة الإخوان، وظني أن الجماعة مستقبلها غير طيب في مصر، وأنها مع الأيام سوف تزداد بعدا عن الشعب المصري.
وحول حال الإخوان الآن في مصر، قال بان هي حالة من حالات التشاور الفكري والتنظيمي وعدم القدرة على تصميم بناء فكري وتنظيمي يلائم الواقع، وبالتالي هي حالة فشل قد تقود إلى حالة من حالات المراجعة بالشكل الذي نستطيع أن نتحدث فيه عن صيغ و«بنى» جديدة لأفكار الإخوان تختلف أو ليست وثيقة الصلة بالبنى التي اعتمدت عليها الجماعة عبر تاريخها.
من جهته، قال الدكتور خالد الزعفراني الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية والقيادي المنشق عن الإخوان، كان متوقعا أن تحدث مثل هذه الانشقاقات التي تشهدها صفوف الجماعة في مصر وسوريا ولندن وإسطنبول لأن الإخوان أنفسهم سمحوا لخطاب غريب عن الخطاب التقليدي للجماعة التي كانت عليه في سبعينات وتسعينات القرن الماضي، وهو الخطاب الذي كان في ميدان «رابعة العدوية» بمصر (اعتصام أنصار مرسي عقب عزله شرق القاهرة) وكان من أشخاص ينتمون إلى تنظيمات الجهاد ومن التكفيريين وأصبحوا من الأبواق التي كانت تخطب في «رابعة» وقد سمعهم كثيرون من شباب الإخوان وهذا قد أحدث تغيرا كبيرا في فكر كثير من شباب الإخوان، مضيفا: ممارسات الإخوان في مصر عملت في وقيعة كبيرة بين الإخوان كتنظيم والشعب المصري، فالشعب أصبح هناك عداء مع الإخوان وعدم ثقة كبيرة في الإسلام السياسي، والخطاب التكفيري والجهادي أثر كثيرا على الإخوان في مصر، فأصبحت جبهة محمد كمال ومحمد منتصر، مخالفة للخط التقليدي الخاص بالجماعة، هي جماعة كانت تتبع الأسلوب الهادئ وأسلوب عدم التكفير وعدم الإثارة وتعتمد على النفس الطويل، فهذا أحدث شرخا في أفكار الإخوان التقليدية وبين أفكار واردة على الإخوان، وظهرت المجموعات النوعية وغيرها وهي التي تنتمي لـ«الإخوان» ظاهريا لكن أفكارها تتسم بالعنف.
وأضاف الزعفراني، وهو قيادي منشق عن جماعة الإخوان، أن الإخوان في الكويت لهم علاقات طيبة بالحكم والشعب الكويتي، عندما رأوا القطيعة التي حدثت لإخوان مصر فضلوا أن يبتعدوا عن الإخوان في مصر تماما، حتى لا يحدث بينهم وبين الشعب الكويتي وقيعة، وكذلك إخوان البحرين نفس الوضع وأيضا إخوان الأردن. أما الإخوان في المغرب يسلكون مسلكا آخر، وأيضا إخوان تونس، لافتا إلى أنه من منذ صعود التيار القطبي 2010 وهو تطور غريب على نهج الإخوان الذي كان عليه عمر التلمساني ومن بعده من المرشدين، موضحا أن هذه الانشقاقات التي حدثت في إخوان مصر سوف تزداد الأيام المقبلة؛ إذا لم يأخذ الإخوان قرارا شجاعا ويتم تغيير أسلوبهم ونظام الجماعة الشاملة، والجماعة التي بها السمع والطاعة بالشكل الإجباري، وأنها تبقى تنظيما سريا ولها ميزانية لا أحد يعرفها، هذا الشكل لن يقبل به الشعب المصري مرة أخرى، أيضا استحالة أن ترضى الدول العربية أن تكون الإخوان جماعة تقف ضد الأنظمة وتصبح دولة داخل الدولة.
وتنشر «الشرق الأوسط» رسالة خاصة عن الوضع الحالي لـ«الإخوان» في تركيا من شخص يدعى أسامة سليمان، ويقول فيها «لا شك أن الوضع غير صحي وينذر بما لا يرضاه أي مخلص لجماعته»، متابعا: على الجميع أن يتفهم ما آلت إليه الأمور وأن على كل من اختاره الله في موقع المسؤولية أن يبادر ولا يمل أو يفوض غيره أو يصمت أمام الإصرار في البحث عن حل يجمع الصف ويقويه لا يضعفه، مضيفا: لذا وكوني أخا جنديا في الجماعة أدعوكم لتبني العمل على اجتماع عاجل خلال الساعات القادمة يجمع فيه من ترونه أهلا له وتطرح فيه المقترحات ويتخذ بشأنها قرارا يراعي المصلحة العامة ويحتوي الموقف الناشئ إبراء للذمة وما تفرضه المسؤولية علينا جميعا تجاه جماعتنا.
وهناك رسالة أخرى من المكتب الإداري لـ«الإخوان» في تركيا، جاء فيها تقديرا من المكتب الإداري المنتخب بتركيا لطبيعة المرحلة الحالية والتي تدعو للوحدة والالتفاف حول القضايا المصيرية، فقد تم اتخاذ خطوات عدة لرأب الصدع وتجميع الصف، وعلى الرغم من صدور بيان عن أمانة مجلس الشورى يؤكد بطلان الدعوة والتي رفضها 26 عضوا من أصل 38 عضوا، وأن الداعين 9 فقط من أعضاء الشورى بحسب ما تم نشره وتداوله، فإن أيادي المكتب ممدودة للجميع حتى اللحظة، وقد تم التواصل من مسؤول المكتب مع عدد من الداعين لتلك الجلسة للتوصل لحل يرضي جميع الأطراف إعلاء لوحدة ومصلحة الصف، والتفرغ لحل المشكلات التي يعاني منها بعضنا، ومواجهة عدونا المشترك، والاستجابة لمبادرة أخ فاضل من القامات التي يجمع عليها جميع الأطراف وهو عضو شورى أيضا، وتم التواصل من خلال شخصه الكريم مع المجموعة المتصدرة للحدث، حيث قاموا بترشيح ثلاثة من الإخوة لاتخاذ القرار المناسب، وطلب عقد جلسة طارئة للشورى بحضور ممثلين من إدارة الرابطة لمناقشة البنود الخمسة المختلف عليها بين مشروع اللائحة واللائحة المعتمدة والسعي لإقناع إخواننا في الرابطة على استثناء لائحتنا في بعض الأمور نظرا لخصوصية المكان والمهمة والتوقيت، وشروع لجنة تحقيق مستقلة في اتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه أي مخالفات حدثت في الانتخابات التي جرت ويكون لهذه اللجنة الحق في اتخاذ أي قرار تراه.
ورفض المكتب في رسالته الإملاءات الفردية التي يتم تلبيسها بثوب العموم تحت مسميات ليست دقيقة سواء «دعوة باسم مجلس الشورى» أو دعوة «الجمعية العمومية».
ويقول مراقبون بأن ثمة عقبات وتحديات تقف أمام «المصالحة المفترضة» بين مصر وتركيا، تتمثل في سقف الشروط العالي الذي قدمته تركيا، والمرتبط بالديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر بما يشمل إلغاء عقوبات الإعدام والمؤبد الجماعية وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وهو ثمن لا يبدو النظام القائم في مصر حاليا قادرا على – أو راغبا في – تقديمه، فضلا عن الموقف الشخصي للرئيس التركي رجب طيب إردوغان من شخص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والحدة الكبيرة في سلسلة طويلة من التصريحات التي تنال منه مباشرة، ورفض الرئيس إردوغان حتى الآن لقاءه أو التعامل معه، وتأكيده على ذلك في كل المناسبات.
بالإضافة إلى الاشتراطات المصرية المتعلقة بتسليم بعض القيادات الإخوانية المقيمة في تركيا وإغلاق وسائل الإعلام التي تهاجم الانقلاب قبل أي مصالحة.



ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.