الملا هبة الله.. من القضاء إلى القيادة

من هو زعيم حركة طالبان الجديد؟

الملا هبة الله.. من القضاء إلى القيادة
TT

الملا هبة الله.. من القضاء إلى القيادة

الملا هبة الله.. من القضاء إلى القيادة

أعلنت حركة طالبان في أفغانستان خلال الأسبوع الأخير من مايو (أيار) الماضي تعيين الملا هبة الله أخوندزادة خلفًا لزعيمها القتيل الملا أختر منصور. وكان منصور قد قتل في غارة شنتها طائرة أميركية من دون طيار (درون)، قبل بضعة أيام، وقيل في حينه «إن الزعيم القتيل كان يتردد على إيران»، وتساءلت مصادر عما إذا كانت جهات إيرانية أرشدت عن تحركاته.

في قرية صغيرة تتبع لولاية قندهار، في جنوب أفغانستان، التي يطلق عليها الأفغان منذ زمن بعيد لقب «عاصمة الجنوب الأفغاني» و«عاصمة صناعة القرار السياسي» في البلاد؛ كونها الولاية التي ينتمي إليها غالبية رؤساء أفغانستان قديمًا وحديثًا، ولد زعيم حركة طالبان الجديد الملا هبة الله أخوندزادة.
الزعيم الجديد «الخمسيني» ولد، تحديدًا، في بلدة سبين بولدك القريبة من مدينة كويتا الباكستانية. وهو ينتمي إلى عرقية الباشتون الكبيرة والمنتشرة في جنوب أفغانستان، كما أنها الجماعة العرقية التي ينحدر منها غالبية مقاتلي وقادة طالبان، ومنهم سلفاه الزعيمان السابقان الراحلان الملا محمد عمر والملا أختر منصور.
ولقد تعلّم في المدارس الدينية منذ صغره داخل أفغانستان، حيث تنقل من مدرسة دينية إلى أخرى في ولاية قندهار، وبالمناسبة كان أبوه فقيهًا أيضًا. ثم انتقل إلى باكستان المجاورة، حيث أكمل دراسة العلوم الشرعية في مدارسها الدينية المنتشرة بمناطق القبائل.
* عهد الاجتياح السوفياتي
في عهد الاجتياح السوفياتي السابق لأفغانستان قاتل الملا هبة الله في صفوف «المجاهدين» الأفغان ضد القوات السوفياتية، وبالذات، ضمن قوات قائد طالبان السابق الملا أختر منصور الذي قتل في غارة أميركية بطائرة من دون طيار (درون)، قبل أن يتولى هبة الله زعامة طالبان. وتجدر الإشارة إلى أن الملا هبة الله أخوندزادة، كان ينتمي من الناحية التنظيمية إلى حزب الشيخ مولوي محمد يونس خالص، القيادي البارز بين «المجاهدين» السابق الذي يعد أحد قادة «المجاهدين» السبعة الذين قاتلوا ضد السوفيات في ولايات الشرق الأفغاني.
بعدها، في أيام طالبان، عين الشيخ هبة الله على رأس دائرة القضاء العسكري في «حكومة» طالبان. وفي أعقاب الإطاحة بنظام الحركة من قبل القوات الأميركية وقوات تحالف شمال السابق بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
عيّن الملا هبة الله مجددًا على رأس المحاكم التابعة لطالبان في مناطق سيطرتها في الداخل الأفغاني، وكذلك في مدينة كويتا، حيث مقر مجلس شورى طالبان، وذلك إلى أن عيّن زعيما جديدا للحركة عقب تصفية أختر منصور في كويتا.
ما يستحق الإشارة، أن إعلان طالبان تعيين هبة الله أخوندزادة زعيمًا جديدًا لها أثار جدلاً حول شخصه، ولا سيما أن المعلومات المتاحة عنه قليلة. إلا أن المتحدث باسم الجماعة، ذبيح الله مجاهد، قال لحظة إعلان التعيين على مواقع التواصل الاجتماعي «إن هبة الله أخوندزادة يبلغ من العمر 55 سنة، وينتسب لقبيلة نورزائي البشتونية». ووصف ذبيح الله مجاهد زعيم طالبان الجديد بأنه كان «قاضي قضاة طالبان».
ومن ثم شرح أنه كان يحتل منصب مساعد القائد أو الزعيم الراحل الملا أختر منصور، الذي كان قد خلف الزعيم الأول الملا محمد عمر.
* مكانة شرعية دينية
وحول المكانة العلمية والدينية للزعيم الجديد، أطلق عليه البعض لقبي «المولوي» و«شيخ الحديث». ومما يذكر أنه بجانب تعيين هبة الله زعيمًا جرى تعيين نائبين له هما سراج الدين حقاني والملا محمد يعقوب (ابن زعيم الجماعة الأول والأسبق الملا محمد عمر). كذلك تفيد مصادر جيدة الاطلاع بأن «الملا هبة الله كان بالفعل قريبًا جدًا من سلفه الملا أختر منصور، لكنه ليس خبيرًا في الشؤون العسكرية بمقدار خبرته في شؤون الشريعة والدين».
ثم على الرغم من أنه غير معروف، نسبيًا، فإن قاضي الشرع له نفوذ كبير داخل التنظيم، وكان يدير نظامه الشرعي. وفي المقابل، يرى بعض المحللين أن مهمته الجديدة على رأس الحركة تحمل طابعًا رمزيًا أكثر منه عملانيًا.
وحقًا، بقي الزعيم الجديد بعيدًا من ساحات المعارك، كما ظل حتى الأمس القريب شخصية يحوطها التكتم داخل طالبان. ويقول توماس روتيغ، المحلل في أحد مراكز الأبحاث الأفغانية، إن هبة الله «كان قريبًا من الملا عمر؛ إذ إن الأخير كان يطلب مشورته في أمور الدين». وتشير بعض المصادر في حركة طالبان إلى أنه لجأ إلى جنوب باكستان حين أطيح بنظام طالبان إثر الاجتياح الأميركي في 2001، وهناك تولّى إمامة مسجد محلي. وبعد ذلك، تدرّج في مواقع القضاء، فعيّن قاضي الشرع في الحركة وعضوًا في مجلس العلماء، وبناءً عليه أصدر الكثير من الفتاوى. وتذهب وكالة أنباء «باجهوك» الأفغانية في شرحها لسيرته الذاتية «أصبح هبة الله خلال حكم طالبان نائبا لرئيس العدل، وبعد الغزو الأميركي في 2001 أصبح رئيسًا للعدل، وكان المساعد الشخصي للملا عمر بعد سقوط نظام طالبان، وبعد وفاة هذا الأخير؛ أصبح رئيس اللجنة السياسية والقضائية داخل حركة طالبان».
من ناحية أخرى، يعرف عن الزعيم الجديد أنه كان «متشدّدًا حتى مع أعضاء الحركة، حيث كان يصدر أحكاما قاسية خلال توليه منصب رئيس المحاكم في قندهار، وصولا إلى إصدار حكم بالإعدام في حق أي شخص يشكك في قيادة الملا منصور. ونتيجة لذلك؛ قتل الكثير من قادة القبائل. كما أن هناك شائعات تقول إن الملا هبة الله كان يعارض نشر الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بحركة طالبان في وسائل الإعلام».
* ظروف اختياره
ويدلي الخبير أمير رانا بدلوه فيقول عن الملا هبة الله «الجميع يحترمه؛ نظرًا لما أصدره من فتاوى تنسجم مع أنشطتهم في أفغانستان. أعتقد بناء عليه أنه يتقدم على سواه من الناحية المعنوية في صفوف طالبان». أما روتيغ فيشدد على أنه «ليس معروفًا جدًا خارج أوساط طالبان، لكنه كان معروفًا داخل صفوفها». ويضيف أنه «نشط، خصوصا في سعيه للحفاظ على وحدة طالبان التي شهدت انشقاقات إثر إعلان وفاة مؤسسها الملا عمر». وعين الملا منصور، الذي اختير الصيف الماضي على رأس طالبان بعد فترة طويلة من البقاء في الظل، الملا هبة الله نائبا له إلى جانب سراج الدين حقاني الشبكة القوية المتحالفة مع طالبان.
الخبير يوسف زاي يرى أن الزعيم الجديد «يمثل الوضع الراهن. وسيواصل الخط السياسي ذاته للملا منصور، ولن يجري مفاوضات». أما رانا فيرى أنه «يعدّ من أنصار مفاوضات السلام (…) لكن ليس بإمكانه القيام بأي شيء من دون إجماع مجلس الشورى» (أي القيادة العليا في الحركة). وفي رأي كثيرين، فإن هبة الله «سيكون قائدا رمزيا أكثر منه عملانيًا، وستترك الإدارة اليومية للحركة على الصعيدين العسكري والسياسي في أيدي مساعديه، والذات الملا يعقوب النجل الأكبر للملا عمر، وسراج الدين حقاني».
من جهة ثانية، يقول نظر محمد مطمين، وهو كاتب ومحلل سياسي أفغاني، أنه منذ نحو 15 سنة، يَعدّ مجلس قيادة طالبان، القائد الجديد هبة الله، عالما روحيًا ودينيًا يحظى باحترام فائق». ويضيف مطمين، الذي تمكن من نشر السيرة الذاتية للقائد الجديد باللغة الأفغانية المحلية (الباشتو)، أنه «حصل على هذه المعلومات عبر أصدقاء هبة الله، وآخرين مقربين منه». ويضيف الباحث مطمين أن «هبة الله له شخصية مستقلة ولا تؤثر فيه أبدأ المشاعر والعواطف، كما أن عمله في المحاكم أكسبه القدرة على ضبط النفس بشكل جيد».
وهنا، يقول عبد الرحمن زاهد، نائب وزير الخارجية السابق لحركة طالبان، في مقابلة مع صحافة محلية ودولية: إن «الملا منصور كان أكثر مرونة وخبرة، وأكثر انفتاحًا لاستئناف عملية السلام»، مضيفا أن «الملا هبة الله لا يقبل الحوار، كما أنه ما زال يحافظ على المواقف القبلية التقليدية، حيث إنه يستغرق وقتا طويلا لمباشرة أي عملية سياسية».
ويوافق على ذلك أحد قادة طالبان المنشقين عن الحركة فيقول: «إن الزعيم الجديد، الذي يقيم في مدينة كويتا الباكستانية، لا يملك شخصية قوية مثل الملا عمر، وليس مواكبا للعصر مثل الملا منصور، فهو القائد الأكثر عنادا وتعقيدا»، متابعًا أن «استئناف محادثات السلام مع الحركة في ظل قيادة الملا هبة الله سيكون أكبر مفاجأة».
* أسئلة بالجملة
بناءً على ما سبق ثمة أسئلة تطرح نفسها بالنسبة لمواقف الزعيم الجديد وخياراته، أبرزها ما يلي:
هل سيستطيع الزعيم الجديد توحيد طالبان المفككة المشتتة، وتوحيد المنشقين عنها بعد وفاة الزعيم المؤسس الملا عمر؟... وهل سيكون لديه العزم والقدرة على استئناف مفاوضات السلام مع الحكومة الأفغانية؟
ثم هل سيستطيع التعامل مع الوضع العسكري الجديد في أفغانستان، خصوصًا، بعد إعلان الإدارة الأميركية استئناف العمليات الجوية والحضور المباشر في الهجمات مع القوات الأفغانية ضد تمدد طالبان؟ وكيف سيتعامل مع ملف المصالحة المتعثر؟
وأخيرًا، هل يستطيع إصلاح وضع الحركة مع باكستان وضمان استمرار الأخيرة بمساعدة طالبان في مواصلة حربها؟
كلها أسئلة ستجيب عنها الأيام المقبلة.



دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».