الملا هبة الله.. من القضاء إلى القيادة

من هو زعيم حركة طالبان الجديد؟

الملا هبة الله.. من القضاء إلى القيادة
TT

الملا هبة الله.. من القضاء إلى القيادة

الملا هبة الله.. من القضاء إلى القيادة

أعلنت حركة طالبان في أفغانستان خلال الأسبوع الأخير من مايو (أيار) الماضي تعيين الملا هبة الله أخوندزادة خلفًا لزعيمها القتيل الملا أختر منصور. وكان منصور قد قتل في غارة شنتها طائرة أميركية من دون طيار (درون)، قبل بضعة أيام، وقيل في حينه «إن الزعيم القتيل كان يتردد على إيران»، وتساءلت مصادر عما إذا كانت جهات إيرانية أرشدت عن تحركاته.

في قرية صغيرة تتبع لولاية قندهار، في جنوب أفغانستان، التي يطلق عليها الأفغان منذ زمن بعيد لقب «عاصمة الجنوب الأفغاني» و«عاصمة صناعة القرار السياسي» في البلاد؛ كونها الولاية التي ينتمي إليها غالبية رؤساء أفغانستان قديمًا وحديثًا، ولد زعيم حركة طالبان الجديد الملا هبة الله أخوندزادة.
الزعيم الجديد «الخمسيني» ولد، تحديدًا، في بلدة سبين بولدك القريبة من مدينة كويتا الباكستانية. وهو ينتمي إلى عرقية الباشتون الكبيرة والمنتشرة في جنوب أفغانستان، كما أنها الجماعة العرقية التي ينحدر منها غالبية مقاتلي وقادة طالبان، ومنهم سلفاه الزعيمان السابقان الراحلان الملا محمد عمر والملا أختر منصور.
ولقد تعلّم في المدارس الدينية منذ صغره داخل أفغانستان، حيث تنقل من مدرسة دينية إلى أخرى في ولاية قندهار، وبالمناسبة كان أبوه فقيهًا أيضًا. ثم انتقل إلى باكستان المجاورة، حيث أكمل دراسة العلوم الشرعية في مدارسها الدينية المنتشرة بمناطق القبائل.
* عهد الاجتياح السوفياتي
في عهد الاجتياح السوفياتي السابق لأفغانستان قاتل الملا هبة الله في صفوف «المجاهدين» الأفغان ضد القوات السوفياتية، وبالذات، ضمن قوات قائد طالبان السابق الملا أختر منصور الذي قتل في غارة أميركية بطائرة من دون طيار (درون)، قبل أن يتولى هبة الله زعامة طالبان. وتجدر الإشارة إلى أن الملا هبة الله أخوندزادة، كان ينتمي من الناحية التنظيمية إلى حزب الشيخ مولوي محمد يونس خالص، القيادي البارز بين «المجاهدين» السابق الذي يعد أحد قادة «المجاهدين» السبعة الذين قاتلوا ضد السوفيات في ولايات الشرق الأفغاني.
بعدها، في أيام طالبان، عين الشيخ هبة الله على رأس دائرة القضاء العسكري في «حكومة» طالبان. وفي أعقاب الإطاحة بنظام الحركة من قبل القوات الأميركية وقوات تحالف شمال السابق بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
عيّن الملا هبة الله مجددًا على رأس المحاكم التابعة لطالبان في مناطق سيطرتها في الداخل الأفغاني، وكذلك في مدينة كويتا، حيث مقر مجلس شورى طالبان، وذلك إلى أن عيّن زعيما جديدا للحركة عقب تصفية أختر منصور في كويتا.
ما يستحق الإشارة، أن إعلان طالبان تعيين هبة الله أخوندزادة زعيمًا جديدًا لها أثار جدلاً حول شخصه، ولا سيما أن المعلومات المتاحة عنه قليلة. إلا أن المتحدث باسم الجماعة، ذبيح الله مجاهد، قال لحظة إعلان التعيين على مواقع التواصل الاجتماعي «إن هبة الله أخوندزادة يبلغ من العمر 55 سنة، وينتسب لقبيلة نورزائي البشتونية». ووصف ذبيح الله مجاهد زعيم طالبان الجديد بأنه كان «قاضي قضاة طالبان».
ومن ثم شرح أنه كان يحتل منصب مساعد القائد أو الزعيم الراحل الملا أختر منصور، الذي كان قد خلف الزعيم الأول الملا محمد عمر.
* مكانة شرعية دينية
وحول المكانة العلمية والدينية للزعيم الجديد، أطلق عليه البعض لقبي «المولوي» و«شيخ الحديث». ومما يذكر أنه بجانب تعيين هبة الله زعيمًا جرى تعيين نائبين له هما سراج الدين حقاني والملا محمد يعقوب (ابن زعيم الجماعة الأول والأسبق الملا محمد عمر). كذلك تفيد مصادر جيدة الاطلاع بأن «الملا هبة الله كان بالفعل قريبًا جدًا من سلفه الملا أختر منصور، لكنه ليس خبيرًا في الشؤون العسكرية بمقدار خبرته في شؤون الشريعة والدين».
ثم على الرغم من أنه غير معروف، نسبيًا، فإن قاضي الشرع له نفوذ كبير داخل التنظيم، وكان يدير نظامه الشرعي. وفي المقابل، يرى بعض المحللين أن مهمته الجديدة على رأس الحركة تحمل طابعًا رمزيًا أكثر منه عملانيًا.
وحقًا، بقي الزعيم الجديد بعيدًا من ساحات المعارك، كما ظل حتى الأمس القريب شخصية يحوطها التكتم داخل طالبان. ويقول توماس روتيغ، المحلل في أحد مراكز الأبحاث الأفغانية، إن هبة الله «كان قريبًا من الملا عمر؛ إذ إن الأخير كان يطلب مشورته في أمور الدين». وتشير بعض المصادر في حركة طالبان إلى أنه لجأ إلى جنوب باكستان حين أطيح بنظام طالبان إثر الاجتياح الأميركي في 2001، وهناك تولّى إمامة مسجد محلي. وبعد ذلك، تدرّج في مواقع القضاء، فعيّن قاضي الشرع في الحركة وعضوًا في مجلس العلماء، وبناءً عليه أصدر الكثير من الفتاوى. وتذهب وكالة أنباء «باجهوك» الأفغانية في شرحها لسيرته الذاتية «أصبح هبة الله خلال حكم طالبان نائبا لرئيس العدل، وبعد الغزو الأميركي في 2001 أصبح رئيسًا للعدل، وكان المساعد الشخصي للملا عمر بعد سقوط نظام طالبان، وبعد وفاة هذا الأخير؛ أصبح رئيس اللجنة السياسية والقضائية داخل حركة طالبان».
من ناحية أخرى، يعرف عن الزعيم الجديد أنه كان «متشدّدًا حتى مع أعضاء الحركة، حيث كان يصدر أحكاما قاسية خلال توليه منصب رئيس المحاكم في قندهار، وصولا إلى إصدار حكم بالإعدام في حق أي شخص يشكك في قيادة الملا منصور. ونتيجة لذلك؛ قتل الكثير من قادة القبائل. كما أن هناك شائعات تقول إن الملا هبة الله كان يعارض نشر الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بحركة طالبان في وسائل الإعلام».
* ظروف اختياره
ويدلي الخبير أمير رانا بدلوه فيقول عن الملا هبة الله «الجميع يحترمه؛ نظرًا لما أصدره من فتاوى تنسجم مع أنشطتهم في أفغانستان. أعتقد بناء عليه أنه يتقدم على سواه من الناحية المعنوية في صفوف طالبان». أما روتيغ فيشدد على أنه «ليس معروفًا جدًا خارج أوساط طالبان، لكنه كان معروفًا داخل صفوفها». ويضيف أنه «نشط، خصوصا في سعيه للحفاظ على وحدة طالبان التي شهدت انشقاقات إثر إعلان وفاة مؤسسها الملا عمر». وعين الملا منصور، الذي اختير الصيف الماضي على رأس طالبان بعد فترة طويلة من البقاء في الظل، الملا هبة الله نائبا له إلى جانب سراج الدين حقاني الشبكة القوية المتحالفة مع طالبان.
الخبير يوسف زاي يرى أن الزعيم الجديد «يمثل الوضع الراهن. وسيواصل الخط السياسي ذاته للملا منصور، ولن يجري مفاوضات». أما رانا فيرى أنه «يعدّ من أنصار مفاوضات السلام (…) لكن ليس بإمكانه القيام بأي شيء من دون إجماع مجلس الشورى» (أي القيادة العليا في الحركة). وفي رأي كثيرين، فإن هبة الله «سيكون قائدا رمزيا أكثر منه عملانيًا، وستترك الإدارة اليومية للحركة على الصعيدين العسكري والسياسي في أيدي مساعديه، والذات الملا يعقوب النجل الأكبر للملا عمر، وسراج الدين حقاني».
من جهة ثانية، يقول نظر محمد مطمين، وهو كاتب ومحلل سياسي أفغاني، أنه منذ نحو 15 سنة، يَعدّ مجلس قيادة طالبان، القائد الجديد هبة الله، عالما روحيًا ودينيًا يحظى باحترام فائق». ويضيف مطمين، الذي تمكن من نشر السيرة الذاتية للقائد الجديد باللغة الأفغانية المحلية (الباشتو)، أنه «حصل على هذه المعلومات عبر أصدقاء هبة الله، وآخرين مقربين منه». ويضيف الباحث مطمين أن «هبة الله له شخصية مستقلة ولا تؤثر فيه أبدأ المشاعر والعواطف، كما أن عمله في المحاكم أكسبه القدرة على ضبط النفس بشكل جيد».
وهنا، يقول عبد الرحمن زاهد، نائب وزير الخارجية السابق لحركة طالبان، في مقابلة مع صحافة محلية ودولية: إن «الملا منصور كان أكثر مرونة وخبرة، وأكثر انفتاحًا لاستئناف عملية السلام»، مضيفا أن «الملا هبة الله لا يقبل الحوار، كما أنه ما زال يحافظ على المواقف القبلية التقليدية، حيث إنه يستغرق وقتا طويلا لمباشرة أي عملية سياسية».
ويوافق على ذلك أحد قادة طالبان المنشقين عن الحركة فيقول: «إن الزعيم الجديد، الذي يقيم في مدينة كويتا الباكستانية، لا يملك شخصية قوية مثل الملا عمر، وليس مواكبا للعصر مثل الملا منصور، فهو القائد الأكثر عنادا وتعقيدا»، متابعًا أن «استئناف محادثات السلام مع الحركة في ظل قيادة الملا هبة الله سيكون أكبر مفاجأة».
* أسئلة بالجملة
بناءً على ما سبق ثمة أسئلة تطرح نفسها بالنسبة لمواقف الزعيم الجديد وخياراته، أبرزها ما يلي:
هل سيستطيع الزعيم الجديد توحيد طالبان المفككة المشتتة، وتوحيد المنشقين عنها بعد وفاة الزعيم المؤسس الملا عمر؟... وهل سيكون لديه العزم والقدرة على استئناف مفاوضات السلام مع الحكومة الأفغانية؟
ثم هل سيستطيع التعامل مع الوضع العسكري الجديد في أفغانستان، خصوصًا، بعد إعلان الإدارة الأميركية استئناف العمليات الجوية والحضور المباشر في الهجمات مع القوات الأفغانية ضد تمدد طالبان؟ وكيف سيتعامل مع ملف المصالحة المتعثر؟
وأخيرًا، هل يستطيع إصلاح وضع الحركة مع باكستان وضمان استمرار الأخيرة بمساعدة طالبان في مواصلة حربها؟
كلها أسئلة ستجيب عنها الأيام المقبلة.



هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.