روسيا تستخدم «قنابل حرارية» شديدة التفجير في مناطق حلب

تقديرات بأنها فوسفورية ضربت القواعد الخلفية للمعارضة

مقاتلات روسية تُغير بالقنابل الفوسفورية على مناطق المعارضة في حلب (موقع أناضول)
مقاتلات روسية تُغير بالقنابل الفوسفورية على مناطق المعارضة في حلب (موقع أناضول)
TT

روسيا تستخدم «قنابل حرارية» شديدة التفجير في مناطق حلب

مقاتلات روسية تُغير بالقنابل الفوسفورية على مناطق المعارضة في حلب (موقع أناضول)
مقاتلات روسية تُغير بالقنابل الفوسفورية على مناطق المعارضة في حلب (موقع أناضول)

تعززت الشكوك حول تحول سوريا إلى «مختبر للأسلحة الحديثة الروسية» أول من أمس، مع وميض مشعّ وكثيف، ترافق مع صوت انفجار كبير جدًا سُمع في ريف حلب الشمالي في شمال سوريا، وقالت المعارضة إنه ناتج عن ضربة جوية روسية، واستخدم فيه «الفوسفور الأبيض»، بالتزامن مع النقاش حول استخدام روسيا لأسلحة محرمة دوليًا مثل القنابل العنقودية في سوريا.
واسترعت تلك الضربة اهتمامًا عالميًا، بعد نشر وكالة «أناضول» التركية صورة تظهر إشعاعًا كبيرًا ترافق مع أصوات الانفجارات التي استهدفت مناطق عندان، وحريتان، وبلدتي كفر حمرة، ومعرة الارتيك في ريف حلب الشمالي، فقد أكدت صحيفة «التايمز» في عددها الصادر الأربعاء، أن «هذه القنابل تعد الأكثر انفجارًا بعد القنابل النووية وألقيت على المدنيين لإحداث أكبر قدر من الضرر». وأوضح معد التقرير أن الصور المأخوذة من القنابل التي ألقيت على حلب والتي تفحصها الخبراء، أظهرت أن «روسيا استخدمت القنابل الحرارية، التي تعتبر من أكثر القنابل انفجارًا بعد القنابل النووية»، مضيفًا أن «هذه القنابل ألقيت في أماكن على المدنيين لإحداث أكبر قدر من الضرر».
هذا الكشف، تصدر التقارير الأخرى التي تحدثت عن الواقعة بوصفها قصفًا بالفوسفور الأبيض، بحسب ما ذكرت «أناضول»، التي نقلت عن الناشط الإعلامي أنس صباغ، قوله، أن «مقاتلات روسية نفذت الغارات»، وأن «قسمًا من المدنيين اضطروا إلى ترك مناطقهم والفرار منها، فيما لجأ البعض الآخر إلى الطوابق الأرضية في الأبنية، للاحتماء من تأثير القنابل الفوسفورية الملقاة عليهم».
غير أن هذه القنابل، تُستخدم لأول مرة، وفق تأكيدات المراقبين في سوريا. وأكد مدير «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» فضل عبد الغني لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه هي المرة الأولى التي نرصد فيها استخدام القوات الروسية لهذا النوع من القنابل، وذلك عبر قصف قذائف تنفجر جوًا، مخلفة شظايا محترقة نعتقد من خلال تحليلنا لصور القصف والمخلفات التي تركتها، أنها من نوع الفوسفور الأبيض الذي يستخدم عادة كسلاح للتمويه على العمليات العسكرية البرية من خلال الدخان الكثيف الذي تصدره الشظايا المحترقة أو للحماية من الأسلحة الموجهة». وإذ أشار إلى أن الفوسفور عمومًا «يُستخدم ضمن النطاق المسموح به في القانون الدولي ضد الأهداف العسكرية وفي مناطق مفتوحة»، إلا أنه «يبدو لنا أن القوات الروسية قد استخدمته في منطقة مدنية لا وجود فيها للمراكز أو التجمعات العسكرية».
وأكد «الائتلاف الوطني السوري»، بدوره، أن الطيران الروسي استهدف بالقنابل العنقودية كلاً من بلدة حريتان وحيان وعندان وكفر حمرة ومعارة الارتيق وأورم الكبرى، بالإضافة لبلدة تل مصيبين وبابيص وعنجارة بريف حلب، ما أسفر عن استشهاد 21 مدنيًا.
والفوسفور الأبيض، هو سلاح يتمتع بقدرة بالغة على الحرق، ويولد درجة حرارة كبيرة تؤدي لتفحم الأجسام والكائنات الحية المعرضة لها، بحسب ما ذكر الخبير العسكري السوري عبد الناصر العايد، مشددًا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن هذه الأسلحة تندرج ضمن سياق الأسلحة التي تنتمي إلى ترسانة «الأسلحة التقليدية الأكثر تدميرًا في فئة ما دون أسلحة الدمار الشامل»، موضحًا أن هذا النوع من السلاح الشديد التدمير والمحرم دوليًا «يدمر كما أسلحة الدمار الشامل من غير إصدار إشعاعات».
وقال العايد إن قوة التفجير «تعتمد على حجم القنبلة»، مؤكدًا أن القاذفات الحربية الروسية «تستطيع حملها». وأشار إلى أن حاجة موسكو لاستخدامها «تتمثل في إحراق قواعد الجيش السوري الحر الخلفية التي تنطلق منها الفصائل العسكرية لشن هجمات في مدينة حلب وريفيها الشمالي والجنوبي، وهي مناطق واسعة ليس بوسع قوات النظام الوصول إليها ميدانيًا، كما أنه من الصعب استهدافها وإحراقها بالمدافع وراجمات الصواريخ بسبب بعد المسافة عن مرابضها».
وقال إن قنابل الفوسفور التي ألقيت، «بوسعها تدمير مسافات شائعة يحتاج تدميرها إلى عدد كبير من المدافع والصواريخ العادية»، مشيرًا إلى أن ثقل التفجيرات «من شأنه أن يساعد في تهجير البيئة الحاضنة للمعارضة من مناطقها».
والواقع أن استخدام سلاح الجو الروسي الأسلحة المحرمة دوليًا في سوريا، ليس جديدًا، بحسب ما أفادت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» التي نشرت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تقريرًا أكدت فيه أن «القوات الروسية تستخدم القنابل الفوسفورية بعد استخدام الذخائر العنقودية والصواريخ البعيدة المدى».
وظهرت الذخائر من هذا النوع، الأسبوع الماضي، حيث وثقت الشبكة، بحسب ما أفادت لـ«الشرق الأوسط»، أن استخدام القنابل الفوسفورية من قبل طيران يُزعم أنه روسي بدأ في 6 يونيو (حزيران) الحالي، واستهدف مناطق ريف حلب، وازدادت هذه الحملة شراسة اعتبارًا من 16 من الشهر نفسه، حيث تركزت هذه الغارات على ريفي حلب الشمالي والغربي، بالإضافة للريف الجنوبي، وعلى مناطق أبرزها: حيان – قبتان الجبل – عندان – بابيص - العيس - كفر حمرة. كما وثقت الشبكة الاثنين الماضي ثمانية حوادث استخدام للقنابل الفوسفورية من قبل الطيران الروسي، ويعتبر الأكثر كثافة. وقد تم توثيق أول حادثة لاستخدام القنابل الفوسفورية على أحد أحياء مدينة حلب (حي الراشدين) في ذات اليوم، ما تسبب في عدد من الإصابات. واعتبرت الشبكة أن ذلك يمثل «خرقًا صارخًا لبيان وقف الأعمال العدائية، وللقانون الدولي الإنساني».
ولم تعد تلك الاستخدامات للأسلحة المحرمة دوليًا في سوريا، مجهولة بالنسبة للمنظمات الحقوقية الدولية، إذ أكدت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش لحقوق الإنسان في وقت سابق، استخدام روسيا القنابل العنقودية، مشيرة إلى حدوث طفرة وازدياد في ظهور هذه في سوريا منذ انضمت روسيا إلى الحرب في سبتمبر (أيلول) عام 2015.
وأكد القيادي السوري المعارض وعضو الائتلاف الدكتور هشام مروة «أننا أمام تصرفات روسية لا تحترم القوانين الدولية ولا تقيم لها أي وزن»، مشددًا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن رفع التقارير إلى المنظمات الدولية والأمم المتحدة «بات ممكنًا بعد توثيقه من قبل منظمة العفو الدولية، لكننا نعرف أن إمكانيات تحرير دعوى أمام محكمة الجنائية الدولية ستكون صعبة بسبب الفيتو الروسي».
وقال مروة إن هذه الاستخدامات لتلك الأنواع من الذخائر «تؤكد أن العملية السياسية صارت خارج حسابات الروس الذين يحاولون استغلال فترة الانتخابات الرئاسية الأميركية لتعزيز وجودهم في المنطقة، وتقوية مواقعهم، لافتًا إلى موسكو تسعى لعملية عسكرية».
وكانت قناة «روسيا اليوم» عرضت تقريرًا يظهر حاضنات قنابل عنقودية مثبتة على طائرات روسية في قاعدة حميميم تعمل في داخل الأراضي السورية، أثار جدلاً بعد إزالته، واعتبر دليلاً على أن روسيا، تستخدم أسلحة محرمة دوليًا في سوريا. وأزالت القناة صورا من الفقرة الإخبارية تظهر إحدى الطائرات الحربية الروسية مزودة بقنابل عنقودية من طراز أر بي كيه RBK 500.
وعلى أثره، استنكر أمين سر الهيئة السياسية للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية رياض الحسن هجمات الطيران الروسي بالذخيرة العنقودية المحرمة دوليًا على بلدات وقرى المدنيين في ريف حلب. وطالب الحسن الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالتحرك لاتخاذ تدابير عاجلة تمنع روسيا من استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا ضد المدنيين في سوريا.



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.