«الزهور الخيالية».. رسالة حب من برشلونة إلى بيروت

معرض لوحات زيتية لرسامة إسبانية من جذور غجرية

ليتا كابيلوت أمام إحدى   لوحاتها الزيتية - إحدى لوحات الرسامة العالمية ليزا كابيلوت  في معرض «الأزهار الخيالية» وسط بيروت
ليتا كابيلوت أمام إحدى لوحاتها الزيتية - إحدى لوحات الرسامة العالمية ليزا كابيلوت في معرض «الأزهار الخيالية» وسط بيروت
TT

«الزهور الخيالية».. رسالة حب من برشلونة إلى بيروت

ليتا كابيلوت أمام إحدى   لوحاتها الزيتية - إحدى لوحات الرسامة العالمية ليزا كابيلوت  في معرض «الأزهار الخيالية» وسط بيروت
ليتا كابيلوت أمام إحدى لوحاتها الزيتية - إحدى لوحات الرسامة العالمية ليزا كابيلوت في معرض «الأزهار الخيالية» وسط بيروت

حلّت الرسامة العالمية الإسبانية الأصل ليتا كابيلوت ضيفة مميزة على معرض «أوبرا غاليري» وسط بيروت، حيث عرضت عددا من اللوحات الزيتية التي رسمتها خصيصا لهذه المناسبة تحت عنوان «الزهور الخيالية».
في هذه الزيارة التي تعدّ الأولى من نوعها للفنانة ذات الجذور الغجرية، حملت معها عالمها الخرافي لنساء حالمات تزيّن بالورود فبدين بطلات قصص خيالية تكتنف ملامحهنّ مشاعر مختلفة. قدّمت ليتا كابيلوت في هذا المعرض الذي نظّم بالتعاون مع شركة (لاكشيري ليميتيد اديشن)، ودائما في إطار «البورتريه» المشهورة فيه على قماش الكانفا، وجوه شخصيّات مختلفة من النساء مستخدمة فيها ريشتها ذات الألوان النافرة لتترجم رسالة التفاؤل التي إرادتها عنوانا لمعرضها. فكما المرأة الخجولة والشغوفة والهادئة، كذلك حضرت في لوحاتها المرأة الحنونة والأنيقة والدافئة وغيرها، واللاتي ينتمين إلى ماض جميل مشبّع بالسلام.
«هي شخصيّات لنساء تشبهنني في مكان ما» تقول ليتا كابيلوت في حديثها لـ«الشرق الأوسط». وتتابع: «إن الحياة تحمل لنا الكثير من المراحل الحلوة والمرّة وهناك دائما مفارق طرق عدّة نعلق أمامها ومن ثمّ نتجاوزها، كلّ ذلك نقلته من خلال تلك الوجوه». وعن كيفية استخدامها لمراحل حياتها في لوحاتها هذه أجابت: «التحدّيات التي واجهتها في حياتي حوّلتني إلى امرأة صاحبة مشاعر متأججة، فحاولت قدر الإمكان تفريغها في هذه اللوحات».
حوارات صامتة تنشأ لاشعوريا ما بين تلك اللوحات ومشاهدها، فيقف أمامها لدقائق طويلة باحثا عن رسائل تكتنز ملامحها، فيقرأ فيها حكايا وقصص نساء شامخات. القوّة ومقاومة الفشل قد يكونان العنوانين العريضين لشخصيات نساء ليزا كابيلوت، التي أكّدت لنا أنه لولا تلك الطلعات والنزلات اللاتي صادفتها في حياتها، لما كانت تتحلّى اليوم بهذا الإحساس المرهف الذي يغمرها ويساهم في نجاحها كرسّامة. «هذه الأمور تبني شخصيّة الفنان وتزيده تألّقا، وعندما تكون بدايات حياتك صعبة وقاسية فإنها تتحوّل إلى صندوق أدوات تستعملين منها ما تعلّمته في كلّ موقف جديد تواجهينه».
ولدت ليتا كابيلوت في إسبانيا من أب غجري وأم تركتها صغيرة، فتربّت في دار أيتام قبل أن يتم تبنّيها من قبل إحدى العائلات التي تسكن برشلونة وهي في الثالثة عشرة من عمرها. سرقها الفنّ منذ نعومة أظافرها فشكّلت المتاحف ومعارض الرسم شغفها الحقيقي في الحياة. درست الفنّ في هولندا حيث تأثّرت بعمالقتها في الرسم أمثال رمبرانت. اشتهرت بأعمالها الفنية المرتكزة على تقنية «الفريسكو» التقليدي والحديث معا، ولم تقتصر موهبتها على الرسم بل طالت التصوير الفوتوغرافي والنحت وتأليف قصائد الشعر. نالت جوائز كثيرة تقديرا لفنّها وبينها «جائزة أكاديمية الثقافة الغجرية» في إسبانيا. عملت كعضو في لجنة حكم المسابقة العالمية «فيغوراتيفاس» في برشلونة، كما عرضت في بلدان عدة وبينها طوكيو وبرلين وستوكهولم.
حاولت كابيلوت أن توصل من خلال وجوه نسائها رسالة تفاؤل إلى مشاهدها. فبنظرها أن ما نعيشه اليوم هو القلق المستمر لما سيحمله لنا المستقبل، وانطلاقا من ذلك عادت إلى الماضي مع نساء أشارت إلى انتمائهنّ لحقبات تاريخية قديمة من خلال لباسهن وشكلهنّ الخارجي وبشرتهن الرخامية البيضاء.
«هي مجموعة لوحات استخدمت فيها الكثير من الألوان والضوء والمشهديات الجميلة، إذ أردت من خلالها أن أحقق نقلة من السلبية التي نتخبّط فيها إلى الإيجابية التي نفتقدها، فعلينا أن نفرح وأن نرى القسم الملآن من الكوب دائما لنستمرّ».
وعن سبب عودتها الدائمة إلى التاريخ بحيث قدّمت في معارض سابقة لها وجوها معروفة، كماري كوري وفرويد وكوكو شانيل وتشارلي شابلين وبيلي هوليداي وغيرهم، أوضحت: «هي وجوه شخصيات تشبهنا عانت وتألّمت في حياتها ولكنها نجحت في إيصال ما تريده إلى العلن. فمن هنا تكمن قوّة العزيمة التي علينا ألا ننساها أو أن نغيّبها عن حياتنا فنبقى مؤمنين بها».
تستخدم ليزا كابيلوت في لوحاتها مساحات شاسعة فتقفز اللوحة بصورة بديهية أمام عينيك. «لقد تعمّدت استعمال كلّ تلك المساحة لأنني أحمل احتراما كبيرا للشخصيات التي ارسمها، فهي بنظري وجوه ترمز إلى الإنسانية، وهذه الكلمة كبيرة بما فيه الكفاية لنستطيع ترجمتها على أرض الواقع بلوحات زيتية صغيرة». وتضيف: «أردت من خلال ذلك أيضا التعبير عن أفكاري بحريّة فتكون في المقابل لوحات لافتة، لا يستطيع مشاهدها الإفلات منها فتستوقفه بصورة تلقائية ليكتشف معانيها».
تأثّرت ليتا كابيلوت برسامين عمالقة أمثال رامبرنت وفيلاسكيز وغويا وأخذت من كلّ منهم ما لفتها في تقنيّته في الرسم. وتقول: «لقد تأثّرت بضمير غويا وأخذت من فيلاسكيز القدرة على التعبير بجرأة، أما مع رامبرنت فتعلّمت كيفية استخدام الضوء والعتمة».
تشبه ليزا كابيلوت المرأة اللبنانية ببنيتها الصغيرة وسمرتها الجذّابة، وما تعرفه عن لبنان تختصره بكلمات قليلة» هو بلد الإنسانية فرغم صغر مساحته استطاع أن نافس أكبر دول العالم بقلبه الكبير، من خلال استيعابه لهذا العدد من اللاجئين السوريين. لم أتردد للحظة في زيارته والتعرّف إلى أهله عن كثب، فأنا أكن كل احترام لبلد اتّخذ من الإنسانية عنوانا له».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».