حكومة نتنياهو تقرر الإبقاء على سرية وثائق اختفاء آلاف الأطفال اليهود اليمنيين حتى عام 2071

حكومة نتنياهو تقرر الإبقاء على سرية وثائق اختفاء آلاف الأطفال اليهود اليمنيين حتى عام 2071
TT

حكومة نتنياهو تقرر الإبقاء على سرية وثائق اختفاء آلاف الأطفال اليهود اليمنيين حتى عام 2071

حكومة نتنياهو تقرر الإبقاء على سرية وثائق اختفاء آلاف الأطفال اليهود اليمنيين حتى عام 2071

كشفت مصادر إسرائيلية، عن قرار للحكومة، يقضي الإبقاء على وثائق اختفاء ألوف الأطفال اليهود اليمنيين، عند بداية هجرتهم إلى إسرائيل، بسرية حتى العام 2071. وأعاد هذا، إلى احتلال الفضيحة الكبرى عناوين الصحف الإسرائيلية. وتوجهت وزيرة القضاء، إيليت شكيد، إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، طالبة منه اختيار وزير يتولى المسؤولية عن رفع السرية عن البروتوكولات والأدلة المرتبطة بذلك. لكنه أبدى ترددا شديدا ولم يعطها جوابا. وانضم إليها في طلبها عدد من نواب المعارضة، وقد أعلنت شكيد أنها، في حال موافقة نتنياهو، ستقوم بطرح الموضوع على جدول أبحاث الحكومة في أسرع وقت، حتى تكشف الحقائق.
وقال شلومي حتوخا، مؤسس جمعية «عمرام» للكفاح من أجل كشف حقيقة خطف الأولاد اليمنيين بطرق غير شرعية، إن جمعيته توجهت، في الأيام الأخيرة، إلى المستشار القانوني للحكومة، مندل بليت، تطالبه بكشف بروتوكولات لجان التحقيق الرسمية التي عالجت هذا الموضوع، عبر ستين سنة ماضية. وقال: إن «أعمال اللجنة كانت مفتوحة، وكان يمكن لكل من يريد، أن يحصل على هذه البروتوكولات، لكنها وبشكل مفاجئ ومستهجن، قررت التكتم على كل الإفادات». وفي رد على سؤال حول أسباب ذلك قال: «أعتقد أنهم فهموا ما سيحدث إذا بقيت البروتوكولات مفتوحة». ويؤمن حتوخا بأن كشف البروتوكولات سيساعد العائلات في العثور على أبنائها.
وتعود هذه القضية إلى السنوات الأولى لقيام إسرائيل؛ حيث اتضح أنه مع هجرة اليمنيين اليهود، فقد عشرات ألوف الأطفال (هناك من يقول: إن الرقم 10500 وهناك من يتحدث عن 100 ألف) لأسباب واهية. فالأهالي الذين وضعوا أطفالهم للعلاج في المستشفيات، عادوا في اليوم التالي فأخبروا أن الولد مات، أو أن «أهله» أخذوه. وتبين لاحقا أن تنظيمات عدة عملت، آنذاك، على خطف الأطفال وبيعهم إلى عائلات اليهود الناجين من المحرقة النازية، ممن فقدوا أطفالهم في أوروبا أو فقدوا القدرة على الإنجاب. لكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، حرصت على منع الأهالي من الوصول إلى الحقيقة، حتى لا تكتشف الفضيحة.
لكن اليهود اليمنيين لم يكفوا عن الاحتجاج والصراخ مطالبين بمعرفة الحقيقة كاملة، والوصول إلى معرفة مصير أولادهم واسترجاعهم. وقد تبين أخيرا، أن حكومة بنيامين نتنياهو قررت اعتبار بروتوكولات لجان التحقيق التي بحثت الموضوع «مواد سرية جدا»، ووضعها تحت يافطة «محفوظة سرا»، حتى 2071. وقد توجه أهالي الأولاد إلى محكمة العدل العليا في القدس، يطلبون كشف الحقيقة ونشر البروتوكولات على الملأ. وقال حتوخا: «منذ 66 عاما والدولة تكذب على هذه الأسر، نحن لا نرغب في الحصول على تعويضات، بل في كشف الحقيقة فقط». وقالت إحدى الصحافيات، التي بادرت إلى تقديم الالتماس: «ما كشف هو آلية سرية اهتمت طوال الوقت بتدمير الأدلة وإخفاء الشهادات».
وقالت الوزيرة شكيد إنها تشعر بأن المعركة سوف تنجح في الكشف عما إذا ما كانت إسرائيل قد اختطفت أطفالا من أسر يهودية من أصول يمنية، في الخمسينات وسلمتهم للتبني، وفقا للاشتباه، لعائلات من أصول أوروبية، كما ذكر.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟