كشفت مصادر خليجية مطلعة على الجانب الأمني، عن جانب واسع من حياة عيسى قاسم، رجل الدين البحريني الذي لم يكن رجل دين وحسب، بل كان يعمل على مدار عقود على هدف واحد، وهو زعزعة أمن واستقرار البحرين، على مدى أربعة عقود من الفتنة.
وتكشف المعلومات عن حراك غامض ومثير اتخذه قاسم، من قبل أن تنجح حتى الثورة الخمينية، عندما كان يعمل في الخفاء ويؤسس لحزب يستخدمه كذارع فكرية ومالية ولوجيستية لمخططه المستقبلي، المتمثل في «استيلاء الحكم في البحرين».
عيسى قاسم صاحب عبارة «اسحقوهم» والتي حرض من خلالها المتظاهرين في الأحداث التي شهدتها مملكة البحرين بعد 14 فبراير (شباط) من العام 2011. حصل على الجنسية البحرينية في الستينات من القرن العشرين.
وتؤكد المعلومات أن قاسم لديه تواصل مع السفارة الإيرانية في البحرين، وكان سابقا يشارك في احتفالات السفارة، ولديه مجموعة من المراسلين السريين للتواصل مع القيادة الإيرانية وما يسمى «حزب الله» ومراجع عراقية، وما يسمى «حزب الله الكويتي». وقالت المصادر إنه كان يستلم مبالغ كبيرة جدًا كأخماس شرعية، حيث لديه وكالات شرعية من عدة مراجع وعلى رأسهم خامنئي وبعضها وكالات مطلقة (أي لديه حرية التصرف بالخمس).
ورصدت الأجهزة الأمنية مخالفات مالية ضد عيسى قاسم، استغلها من موقع قوته، إذ يسيطر على جميع مفاصل الحياة الشيعية في البحرين. وفي جميع لقاءات قيادات جمعية الوفاق وغيرها من المعارضة الشيعية مع قيادة ما يسمى «حزب الله» اللبناني ومراجع عراقية، تركز هذه القيادات والمراجع على الالتفاف حول عيسى قاسم وإطاعة أوامره (وهو دليل على تنفيذ الأجندة الإيرانية).
في خطاباته أحيانا يقسم المجتمع البحريني إلى مؤمنين وهم أتباعه وغير مؤمنين وهم السلطة والطائفة السنية. ففي عام 1968 سافر قاسم إلى النجف لدراسة العلوم الدينية، وفي العام نفسه جنده محمد كاظم الحائري (أحد مؤسسي حزب الدعوة الإسلامي) في حزب الدعوة الإسلامي.
وعاد عام 1972 للبحرين، وبناءً على أوامر قيادة الحزب، قام بنشر مبادئ وأفكار «الدعوة»، وكان معه في التوجه نفسه، سليمان المدني وعبد الأمير الجمري (وهما متوفيان الآن)، على أن تقوم مبادئ الحزب على الاستيلاء على الحكم عن طريق تحريك الجماهير من خلال ثلاث مراحل. بقي عيسى قاسم يعمل لصالح حزب الدعوة بمنتهى السرية حتى استطاع أن يكون الرجل الأول ولا يظهر في الصورة، وبناءً على أوامر مسؤوله في الحزب، محمد كاظم الحائري، تلقى قاسم التعليمات لينشئ جمعية دينية ذات طابع تعليمي (مدارس خاصة)، يتمكن من خلالها من انتقاء الكوادر وتدريبها سواء من أعضاء الجمعية أو المدرسين أو الطلبة والطالبات، فأسس جمعية التوعية الإسلامية «تم إغلاقها من قبل القضاء عام 1984».
كانت علاقاته التنظيمية مع قادة حزب الدعوة في العراق وفي عام 1978 جاءته أوامر من الحزب ليعمل تحت إمرة آية الله محمد مهدي الآصفي المقيم في الكويت. طوال هذه الفترة وعيسى قاسم يعمل لصالح حزب الدعوة بشكل سري جدًا (لا يلقي خطبا ولا يصدر كتيبات) بينما دفع بسليمان المدني وعبد الأمير الجمري للظهور في الواجهة وتحمل التبعات التي ستحصل.
وفي عام 1979 وعندما قامت الثورة الإيرانية امتدحها قاسم علنا، واعتبرها خطوة نحو إجراء التغيير في البحرين. بعد عودته من إيران وبتشجيع من قادة الثورة الإيرانية خصوصًا الخميني أخذ عيسى قاسم يلقي الخطب ذات الطابع التحريضي ويدعو للخروج بمسيرات مؤيدة للثورة الإيرانية، واستمر بالعمل السري لصالح حزب الدعوة الإسلامي وكان يعقد اجتماعات في يحضرها قيادات من حزب الدعوة. بعد ذلك، اتخذ الحزب خطوة متقدمة، إذ أرسل في عام 1982 مجموعة من كوادر الحزب لتلقي تدريبات عسكرية سرية في لبنان خاصة معسكرات حركة أمل الشيعية، وفي عام 1992 وبعد أن نجح في إحياء حزب الدعوة الإسلامي في البحرين واطمأن للقيادات الموجودة، أوعز لعلي سلمان بالعودة للبحرين والتحريض على نظام الحكم، وكان سلمان حينها يدرس في قم بإيران، وكان قياديا في حزب الدعوة بين الطلبة البحرينيين الشيعة الدارسين في المجمع العلمي.
وبحجة إكماله دراسته الحوزوية، سافر عيسى قاسم إلى إيران، لكن السبب الرئيس والحقيقي خلف هذا الغطاء هو التقرب من المراجع الدينية الإيرانية، خصوصًا خامنئي، لدعمه ماديا عبر (وكالات كثيرة لجمع الأخماس)، ودعمه السياسي ليتولى قيادة الشيعة في البحرين بدلا من عبد الأمير الجمري، وأثناء وجوده في إيران وعن طريق أشخاص محددين كان يرسل التعليمات لعلي سلمان بالعمل والتهيئة لتحريك الجماهير للزعم بمطالبة حقوقية، ولعب دورا رئيسيا في التحريض على الأعمال الإرهابية وأعمال الشغب والتخريب التي اندلعت في ديسمبر (كانون الأول) 1994.
وفي مارس (آذار) 1996 طلب عيسى قاسم من القيادة الدينية الإيرانية وبعض المراجع الدينية التدخل في البحرين وإصدار فتاوى تبيح العمل العسكري ضد حكومة البحرين، وفي عام 2001 حصل على عفو أميري وعاد للبحرين وأخذ يقود الشارع الشيعي السياسي ويوجه في خط حزب الدعوة الإسلامي، وخلال وجوده في إيران حصل على وكالات شرعية من كثير من المراجع الدينية، سمحت له عند عودته للبحرين بجمع مبالغ أخماس شرعية كبيرة سخر بعضها لأعمال الشغب والتخريب.
وفي بداية 2002 أخذ يلقي خطبا ذات طابع تحريضي وكان على تواصل مع حركة أحرار البحرين في لندن لتنسيق النشاط ضد حكومة البحرين، وفي العام نفسه، حرض ضد النظام حيث اتهم النظام باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، كما لعب دورًا رئيسيًا في تأسيس جمعية الوفاق والسيطرة عليها حتى الآن.
وتشير المعلومات إلى أنه ألقى خطبة حرض الشيعة فيها على الاستماع لأوامر رجال الدين وليس السلطة، وهي بحسب المصادر «دعوة للتمرد على النظام»، وفي العام نفسه أيضا، وبتعليمات من القيادة حتى يؤطر معارضته للحكم في البحرين والسيطرة على مفاصل الحياة كافة للشيعة البحرينيين، قام بتأسيس المجلس العلمائي (حزب دعوة بغطاء ديني، وتم حله لاحقا عام 2014 بقرار من القضاء) وعمل على تأسيس جمعية التوعية الإسلامية لتكون تحت سيطرته.
ورفض قاسم إصدار بيان ليشجب الأعمال التخريبية، منتقدا الزيارات التي يقوم بها العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى للمناطق الشيعية، ولعب دورا رئيسيًا في مقاطعة الوفاق للانتخابات البرلمانية.
ولعيسى قاسم علاقة وطيدة بما يسمى «حزب الله» اللبناني وأعضاء الحزب في فرع البحرين، ويعد قاسم المحرك الرئيسي لما يسمى «حزب الله البحريني»، ففي 2003 حرض الطائفة الشيعية ضد قانون الأحوال الشخصية وأخرج وتزعم مظاهرات ومسيرات ضد هذا القانون، وحرض مجموعة كبيرة للتوقيع على عريضة رفعها للملك للمطالبة بإلغاء القانون، وفي العام ذاته، عارض بشكل علني تعيين خطباء مساجد شيعة من قبل الأوقاف الجعفرية، كما عمل بشكل تحريضي ضد كادر الأئمة ودفع مؤيدين له لتهديد من يستلمون رواتب من كادر الأئمة حتى تبقى هذه المساجد والقائمين عليها تحت إمرته.
وفي 2004 ألقى خطبة في مسجد الإمام الصادق كال فيها المديح للنظام الإيراني، وطوال عام 2004 ألقى خطبا ذات طابع تحريضي، حيث اتهم السلطة بقمع المتظاهرين والاستخدام المفرط للقوة ووصف القائمين على المال العام بالحمقى في إشارة للنظام.
وفي عام 2005 دافع قاسم عن إيران بخصوص برنامجها النووي، واجتمع مع خامنئي وأخذ منه تعليمات في كيفية التحرك على الساحة في البحرين، مع استمراره في إلقاء خطب ذات طابع تحريضي.
وأثناء وجود عيسى قاسم في إيران، سنة 2006، أصيب بوعكة صحية، وأبدى السفير الإيراني في البحرين استعداد السلطان الإيرانية لتقديم كل الخدمات التي يحتاجها المذكور.
وأصدر فتوى حرم فيها تنفيذ تعليمات وزارة العدل بشأن ضوابط الخطاب الديني.
عيسى قاسم.. أربعة عقود من الفتنة
مصادر تؤكد لـ «الشرق الأوسط» اعتماده من خامنئي لجمع الأخماس.. ودأب في التحريض من قبل ثورة الخميني
عيسى قاسم.. أربعة عقود من الفتنة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة