صدمة في أوساط «حزب الله» بعد انتكاسته الأقسى في سوريا منذ 3 سنوات

ناهز عدد القتلى الـ1300.. وجميع قتلى الأيام الأخيرة يتحدرون من جنوب لبنان

لبنانيات يبكين عناصر ما يسمى حزب الله اللبناني قتلوا في معارك في محافظة حلب السورية (أ. ف. ب)
لبنانيات يبكين عناصر ما يسمى حزب الله اللبناني قتلوا في معارك في محافظة حلب السورية (أ. ف. ب)
TT

صدمة في أوساط «حزب الله» بعد انتكاسته الأقسى في سوريا منذ 3 سنوات

لبنانيات يبكين عناصر ما يسمى حزب الله اللبناني قتلوا في معارك في محافظة حلب السورية (أ. ف. ب)
لبنانيات يبكين عناصر ما يسمى حزب الله اللبناني قتلوا في معارك في محافظة حلب السورية (أ. ف. ب)

أصيب ما يُسمى «حزب الله» اللبناني خلال اليومين الماضيين بانتكاسة عسكرية في جنوب حلب، تعد الأقسى منذ معركة القصير في العام 2013. إذ نعى الحزب أكثر من 20 قتيلاً، قضوا في معارك ريف حلب الجنوبي ضد «جيش الفتح»، وهو ما أصاب جمهوره بالذهول ورفع وتيرة المخاوف من أن تؤدي المعركة إلى استنزاف إضافي للحزب.
وحاول الحزب تطويق تداعيات تلك الخسائر البشرية التي تركزت في مناطق جنوب لبنان، حيث دفع بقيادييه لمشاركة عائلات القتلى بالمواساة والعزاء. وتداول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي صورًا لرئيس كتلة الحزب النيابية النائب محمد رعد، يتلقى التعازي إلى جانب عائلة أحد مقاتلي الحزب علاء علاء الدين في بلدة الصرفند في جنوب لبنان، بعد ساعات على الإعلان عن مقتله.
وانعكست الإعلانات المتعاقبة عن قتلى الحزب في معارك ريف حلب الجنوبي، على المزاج الشعبي في أوساط بيئة الحزب، بالنظر إلى أن عدد القتلى الكبير خلال يومين فقط: «أظهر أن مسار المعركة التي دخلها الحزب أخيرًا في حلب، وخلافًا لتجاربه السابقة في سوريا، لا تجري لمصلحته»، كما قال مصدر معارض للحزب ومتابع لحركته، مشيرًا لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «تكرار الإعلان عن وقوع قتلى، أثار مخاوف ضمن بيئة الحزب من أن مؤشرات المعركة لن تكون لصالحه، وستكلف الكثير من الضحايا في صفوف الجسم المقاتل».
الصدمة، طغت على بلدة برعشيت في جنوب لبنان التي أعلن فيها عن مقتل 3 يتحدرون من عائلة واحدة، هي عائلة شهاب، قضوا في معركة واحدة في قرية خلصة بريف حلب الجنوبي، أول من أمس، وهم أحمد حسين عبد الحميد شهاب، وإبراهيم محمد عبد الحميد شهاب وإبراهيم نايف كمال شهاب. وازداد الذهول في البلدة، مع إعلان «جبهة النصرة» عن أسر مقاتل في الحزب، يتحدر من البلدة نفسها (برعشيت) ويدعى أحمد مزهر.
وتضاربت الأنباء حول الأعداد النهائية لقتلى الحزب في معركة خلصة وما حولها بريف حلب الجنوبي، حيث أفاد ناشطون سوريون بأن عدد خسائر الحزب «تخطى الـ27 مقاتلاً»، فيما تداول ناشطون لبنانيون لوائح تضم 23 اسما، هم هادي ترمس، ومحمود علي مراد، وعلي دقيق، وعلي حلال وعلي صالح ووائل يوسف وعباس مرتضى وسمير الديماسي... واللافت أن جميع القتلى يتحدرون من جنوب لبنان، في وقت كانت الخسائر السابقة تشير إلى تنوع في المقاتلين بين الجنوب أو البقاع أو الضاحية الجنوبي، وهي مناطق يتمتع فيها الحزب بنفوذ كبير.
وتعد الدفعة الأخيرة من الخسائر، هي الضربة الأقسى التي يتعرض لها منذ معارك القصير في صيف العام 2013، حيث استهل الحزب انخراطه في الحرب السورية بهجمات واسعة على منطقة القصير بريف حمص الجنوبي والغربي، بمحاذاة الحدود اللبنانية، وتعرض فيها لخسائر بشرية كبيرة. وبعدها: «تقلص حجم الخسائر للحزب، فلم تقتل أعداد كبيرة منه في معركة واحدة»، بحسب ما يقول مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن، مشددًا على أن عدد قتلى الحزب في سوريا «ناهز الـ1300 قتيل». وأوضح أن هؤلاء قتلوا، إضافة إلى القصير، في معارك متفرقة في حمص وريف دمشق وحلب ودير الزور وريف اللاذقية، مشيرًا إلى أن ضربة ريف حلب الجنوبي في هذا الوقت هي الأقسى.
وشهدت المنطقة معارك ضارية بين قوات النظام ومقاتلي ما يسمى «حزب الله» من جهة أخرى، حاولت التصدي لهجمات قادتها بعض فصائل «جيش الفتح»، أبرزها «جبهة النصرة» و«الحزب الإسلامي التركستاني» و«أجناد الشام» و«فيلق الشام»، إضافة إلى فصائل في الجيش السوري الحر أبرزها (الفرقة 13).
وتواصلت المعارك أمس بين الحزب و«جيش الفتح» الذي تشن فصائله هجومًا كبيرًا على ريف حلب الجنوبي، في محاولة للوصول إلى تلة الحاضر، وبالتالي قطع خط إمداد النظام الوحيد إلى مدينة حلب، وهو خط أثريا – خناصر – معامل الدفاع، في وقت يسعى النظام لإبعاد الخطر عن هذا الخط من جهة الشرق، حيث وسع دائرة قتاله ضد «داعش» في تلك المنطقة وصولاً إلى ريف الرقة الغربي والجنوبي، في محاولة لتأمين الخط وإبعاد الخطر عنه.
يشار إلى أن طريق حلب – دمشق الدولي، مقطوع في جنوب حلب منذ العام 2012. وهو ما دفع النظام لإنشاء خط إمداد بديل عبر طرق صحراوية في ريف حماه الشرقي باتجاه مدينة حلب.
وقال مصدر عسكري معارض في ريف حلب لـ«الشرق الأوسط»، بأن تلة الحاضر «تقطع اتصال النظام بمناطقه ومواقعه العسكرية في حلب، بالنظر إلى السيطرة النارية التي ستُفرض على خط إمداد النظام»، مشيرًا إلى أن الخطة «تقضي بإطباق الحصار على النظام في حلب، عوضًا عن محاولته محاصرة مناطق المعارضة في شرق مدينة حلب». وجددت طائرات حربية قصفها لمناطق في بلدة كفرناها بريف حلب الغربي، بينما فتح الطيران الحربي نيران رشاشاته الثقيلة على مناطق في طريق حلب – دمشق بريف حلب الجنوبي، ومناطق أخرى بريف حلب الغربي.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.