تفاقم ظاهرة «بتر الأطراف» في حلب بعد مغادرة أطباء الأوعية المدينة

هيئات طبية تعمل تحت الأرض في مناطق سيطرة المعارضة السورية

رجل سوري يحمل طفلة فيما يبدو آخرون من رجال الإنقاذ في منطقة طالتها غارات النظام وتسيطر عليها المعارضة في حلب (أ.ف.ب)
رجل سوري يحمل طفلة فيما يبدو آخرون من رجال الإنقاذ في منطقة طالتها غارات النظام وتسيطر عليها المعارضة في حلب (أ.ف.ب)
TT

تفاقم ظاهرة «بتر الأطراف» في حلب بعد مغادرة أطباء الأوعية المدينة

رجل سوري يحمل طفلة فيما يبدو آخرون من رجال الإنقاذ في منطقة طالتها غارات النظام وتسيطر عليها المعارضة في حلب (أ.ف.ب)
رجل سوري يحمل طفلة فيما يبدو آخرون من رجال الإنقاذ في منطقة طالتها غارات النظام وتسيطر عليها المعارضة في حلب (أ.ف.ب)

بات مشهد الأطفال والشبان المبتوري الأطراف معتادا في مناطق سيطرة المعارضة في مدينة حلب عاصمة شمال سوريا، وذلك بعد مغادرة أطباء الأوعية المنطقة المنكوبة وتعذر نقل المصابين إلى المشافي الموجودة على الحدود التركية، جراء الاستهداف الممنهج لسيارات الإسعاف على طريق الكاستيلو، المنفذ الوحيد المتبقي للمعارضة. وهو الطريق الذي يربط الأحياء التي تسيطر عليها في مدينة حلب بريفها.
الأطباء والممرضون المتوافرون يضطرون بسبب نقص الكادر الطبي المختص، وخاصة في الجراحة الوعائية، أحيانا كثيرة لبتر الطرف المصاب بالأوعية لعدم وجود الطبيب القادر على التعامل مع الإصابة. إضافة للعجز عن إسعاف الجرحى بنقلهم إلى مشافي ريف حلب أو تركيا. فبحسب الطبيب المختص بعلاج العظم خالد الحلبي، العامل في أحد المشافي الميدانية بحلب، أن أبرز المشاكل التي تقف عائقًا أمام عمل المشافي في تقديم الخدمات الطبية للمرضى والمصابين، العجز عن التعامل مع جميع الإصابات التي يتعرض لها المدنيون جراء القصف الجوي والمدفعي الروسي والنظامي، وخاصة إصابات الأوردة والشرايين والجهاز اللمفاوي، وذلك نظرا لعدم وجود طبيب مختص بها. وأوضح أن أكثر المشافي الميدانية تعتمد على أطباء الجراحة العامة، الذين باتت لديهم «خبرة مقبولة» في وصل الأوعية الدموية، نظرا لكثرة الحالات التي يضطرون لمعالجتها.
من ناحية أخرى، كشف رئيس الحكومة السورية المؤقتة الدكتور جواد أبو حطب، الذي يتنقل بين مستشفيات الشمال السوري للمساهمة بإغاثة المصابين، أنّه تم في الساعات الماضية إرسال طبيب أوعية إلى داخل مدينة حلب بصعوبة شديدة، لكنه لفت إلى أن الرحلة إليها كانت محفوفة بالمخاطر واستلزمت 5 أضعاف الوقت الذي تستلزمه عادة.
وقال أبو حطب لـ«الشرق الأوسط» بأن في كل الشمال السوري يتواجد فقط حاليا 3 أطباء أوعية. وإذ تحدث عن مفاوضات تتم مع الأكراد لتأمين طريق بديل عن الكاستيلو لتسهيل مرور الجرحى إلى تركيا، أشار أبو حطب إلى أن المشكلة الأساسية التي تعترض الطواقم الطبية هي «انتقال المستشفيات أخيرا إلى أماكن جديدة غير مؤهلة لتفادي قصفها من قبل الطيران الروسي والسوري، ووجود أعداد كبيرة من الجرحى لا يمكن للمستشفيات استيعابها ما يدفع بكثير من الأحيان لإعطاء الأولوية للحالات الأكثر حرجا».
وبحسب الطبيب خالد الحلبي الذي تحدث لـ«مكتب أخبار سوريا» فإن النقص لا يقتصر فقط على اختصاصيي جراحة الأوعية، باعتبار أن المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة خالية من أي طبيب أمراض جلدية، كما أن كل مشفى ميداني لا يوجد فيه سوى طبيب واحد فقط من كل من اختصاصي الجراحة العصبية والأمراض الأذنية. وبالتالي فإن غيابه اضطراريا أو في إجازة يجعل مكانه شاغرا، فضلا عن النقص الحاد في الأدوية والمعدات الطبية وخاصة جهاز تصوير الأشعة الطبقي المحوري.
وفي حين حثّ الحلبي الأطباء من أبناء مدينة حلب الذين نزحوا إلى الريف أو غادروا سوريا، على العودة إلى المدينة نظرا لـ«حاجة الأهالي الماسة إليهم»، قال أحمد سويد المسعف في منظومة «إنقاذ» المختصة بالإسعاف بمناطق سيطرة المعارضة بحلب، إن منظومات الإسعاف العاملة داخل المدينة لم تستطع إخراج أي مصاب إلى المشافي الموجودة قرب الحدود التركية منذ أكثر من 20 يوما، جراء استهداف قناصي ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» المتمركزين بحي الشيخ مقصود (ذي الكثافة الكردية) والمدفعية النظامية المتمركزة على تلة الشيخ يوسف شرق حلب، طريق الكاستيلو.
ولفت سويد إلى أن منظومة «إنقاذ» كانت قبل أكثر من شهر تسعف كل يوم ثلاثة مصابين إلى خارج المدينة باتجاه الحدود التركية، فيما أصبحت عشر حالات كمعدل وسطي بحاجة للخروج يوميا «نظرا لتكثيف القصف الجوي والمدفعي على الأحياء الخاضعة للمعارضة، وأبرز الحالات لذوي الإصابات العصبية والوعائية وحالات كسور العنق والفخذ، فضلا عن الحالات التي تحتاج لمفاصل اصطناعية تركب في تركيا».
صحيفة «لوموند» الفرنسية ذكرت أن هناك نحو أربعين طبيبا فقط مستمرين في عملهم بمنطقة شرق حلب التي تسيطر عليها المعارضة، لافتة إلى أن هؤلاء يقومون بـ«دور استثنائي» وأنهم أشبه بـ«أعمدة المقاومة» هناك. واتهمت الصحيفة النظام السوري باستهداف المنشآت الصحية بشكل متعمد في حلب، إذ تم ضربها 105 مرات منذ اندلاع الأزمة. ووفقًا للطبيب الفرنسي رافائيل بيتي الذي زار منطقة حلب 15 مرة منذ عام 2011 فإن هناك ما يقرب من ثلاث هيئات فقط ما زالت تمتلك الكفاءات الجراحية حيث تعمل تحت الأرض هربًا من القصف السوري الروسي، ولكن المراكز الأخرى لا تقدم سوى رعاية ما بعد الخروج من المستشفى واستشارات خارجية.
واختتمت الصحيفة بالإشارة إلى ما ذكره الطبيب الفرنسي بيتي بأنه في مناطق الصراع الأخرى التي مارس فيها مهامه، كان هناك وجود للمنظمات غير الحكومية الأجنبية على الأرض بيد أنه في سوريا فإنه لا دور للمنظمات الإنسانية: «وفي حلب فإن الأطباء السوريين يكتبون صفحة جديدة لهم في تاريخ الطب».



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».