منفذ {مجزرة اورلاندو} كان على صلة بـ«القاعدة».. و«حزب الله» قبل مبايعة «داعش»

«إف بي آي» ينظر في تجاوز المحققين مؤشرات عن تطرف الشاب الأميركي

منفذ {مجزرة اورلاندو} كان على صلة بـ«القاعدة»..  و«حزب الله» قبل مبايعة «داعش»
TT

منفذ {مجزرة اورلاندو} كان على صلة بـ«القاعدة».. و«حزب الله» قبل مبايعة «داعش»

منفذ {مجزرة اورلاندو} كان على صلة بـ«القاعدة»..  و«حزب الله» قبل مبايعة «داعش»

يواجه مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية تقديراته الداخلية الخاصة حول ما إذا كان قد تجاهل إشارات التحذير خلال الشهور العشرة التي استغرقت في التحقيق حول عمر متين، الإرهابي المسلح المسؤول عن حادثة ملهى أورلاندو الليلي، قبل ثلاث سنوات مضت.
ويضيف استعراض مكتب التحقيقات الفيدرالية حول ملفات عمر متين، بما في ذلك لماذا أغلقت التحقيقات حوله آنذاك، مستوى آخر من التساؤلات حول أعنف حادثة لإطلاق النار وأكثرها دموية في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية. ولكنه يشدد أيضا على التحديات التي تواجه السلطات التي تحاول عزل التهديدات الفردية المحتملة في وسط المخاوف المتسعة حول مدى إمكانات ونفوذ الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم داعش الذي يزعم أنه ألهم بالهجوم بالطعنات في باريس يوم الاثنين الماضي، الذي أسفر عن مصرع اثنين من الموظفين العاملين في أجهزة الشرطة.
بهذا الصدد، قال جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية، أول من أمس، في أعقاب ظهور التفاصيل حول مراجعة المباحث الفيدرالية ملفات عمر متين، إن «مكتب التحقيقات الفيدرالية سوف ينظر في عمله الخاص لمعرفة ما إذا كان هناك شيء كان ينبغي علينا فعله بطريقة مختلفة». وكان عمر متين قد قتل 49 شخصا في ناد للمثليين يوم الأحد، قبل أن يُقتل على أيدي رجال الشرطة الذين هرعوا إلى المكان. وأضاف كومي يقول: «حتى الآن، أعتقد أن الإجابة الصادقة هي: لا أعتقد ذلك. وسوف نستمر في البحث والتمحيص في هذه التحقيقات وفيما سبقها».
بدأت المباحث الفيدرالية في التحقيق حول عمر متين في عام 2013، ووضعوه تحت المراقبة، وعملوا على تسجيل مكالماته الهاتفية، واستخدموا مخبرين سريين للوقوف على ما إذا كان قد تعرض للفكر المتطرف بعدما تحدث المشتبه فيه داخل عمله حول صلاته بتنظيم القاعدة، والموت «شهيدا».
وعلى صعيد آخر، بعثت صلات عمر متين السابقة بملهى «Pulse» الليلي، ومختلف مواقع الإنترنت المعنية بالمثليين جنسيا، بإشارات جديدة إلى التحقيقات الجارية. وهناك شخصان على الأقل أخبرا صحيفة «واشنطن بوست» أن عمر متين زار ذلك الملهى من قبل، وأحد الشهود يدعى كيفين ويست، وهو جندي سابق في البحرية الأميركية ويبلغ من العمر 37 عاما، قال إن عمر متين كان قد تواصل معه عبر موقع «Jack’d»، وهو أحد مواقع المواعدة على الإنترنت الخاصة بالمثليين فقط.
أما بالنسبة للتداعيات السياسية لحداثة أورلاندو، وفي الأثناء ذاتها، فلقد تحركت على المسرح العالمي حتى في الوقت الذي طغت وتجاوزت فيه أنباء سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية. حيث دعا الأمير زيد بن رعد الحسين، كبير مفوضي حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، السلطات الأميركية إلى تبني «تدابير قوية وصارمة للسيطرة على تداول الأسلحة في المجتمع».
وقال رئيس المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، في بيان صادر عنه: «من العسير أن نجد مبررا عقلانيا يفسر السهولة التي يمكن بها للناس ابتياع الأسلحة النارية، بما في ذلك البنادق الهجومية، على الرغم من السجلات الإجرامية السابقة، وتعاطي المخدرات، وتواريخ من العنف المحلي والأمراض العقلية، أو التواصل المباشر مع المتطرفين في الداخل والخارج».
وفي جزء من تحقيقات المباحث الفيدرالية، كان عمر متين مدرجا على قوائم المراقبة الإرهابية وتم استجوابه مرتين قبل إغلاق التحقيقات في مارس (آذار) من عام 2014 بسبب أن عملاء الوكالة خلصوا إلى أنه لا يشكل تهديدا، كما أفاد بذلك مدير المباحث الفيدرالية يوم الاثنين الماضي في مؤتمر عُقد مع الصحافيين في مقر المباحث الفيدرالية.
وبعد عدة شهور، وفي يوليو (تموز) من عام 2014، ظهر اسم عمر متين في تحقيق آخر حول أول مواطن أميركي يلقى حتفه في هجوم انتحاري في سوريا، وهو مواطن من ولاية فلوريدا. ومرة أخرى، تجاوز المحققون الأمر وأكملوا أعمالهم كالمعتاد.
كما ظهر اسم متين مرّة أخرى في أعقاب حادثة تفجير ماراثون بوسطن في عام 2013 والهجوم المدبر العام الماضي على مسابقة لرسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، التي نفذها أحد الأشخاص الذين خضعوا لتمحيص سابق من قبل عملاء المباحث الفيدرالية.
وقال كومي إنه في أثناء المواجهة التي استمرت قرابة الثلاث ساعات بين المسلح وضباط شرطة أورلاندو، كانت هناك ثلاثة اتصالات هاتفية بخدمات الطوارئ على رقم 911 تتعلق به. حيث اتصل عمر متين بخدمات الطوارئ في نحو الساعة 02:30 صباحا، أي بعد نحو نصف الساعة بعد حادثة فتح النار على رواد الملهى الليلي، ثم أغلق الخط، ثم عاود عمر متين الاتصال مرة أخرى وأجرى مكالمة موجزة مع الموظف قبل أن يغلق الخط مجددا، ثم قام موظف الطوارئ بالاتصال به حيث تحدثا لفترة وجيزة. وأوضح كومي أنه: «خلال تلك المكالمات، قال إنه يفعل ذلك من أجل زعيم تنظيم داعش، الذي ذكره باسمه وأعلن ولاءه الشخصي إليه». ومع ذلك، قال كومي إنه ليست هناك إشارات تفيد بأن عمر متين على صلة مباشرة بأي شخصية من شخصيات التنظيم الإرهابي، وأضاف أنه من غير الواضح تحديدا اسم الجماعة الإرهابية التي يدعمها.
وبالإضافة إلى إعلان الولاء لزعيم تنظيم داعش في المكالمة الهاتفية، أشار متين إلى وجود صلة بالتنظيم المنافس لـ«داعش» وهو تنظيم القاعدة، كما أعرب عن تضامنه مع منفذي الهجوم على ماراثون بوسطن.
وقال الرئيس أوباما إن حادثة إطلاق النار تلك تبدو وكأنها حالة من حالات التطرف «المحلية». وأضاف الرئيس الأميركي خلال تصريحات المكتب البيضاوي في البيت الأبيض: «ليست لدينا أدلة واضحة على أي توجيهات متطرفة خارجية. كما يبدو تماما أنه حتى الدقيقة الأخيرة أعلن ولاءه لتنظيم داعش. ولكن ليس هناك دليل واحد حتى الآن على أنه كان يعمل وفق توجيهات (داعش)، وعند هذه المرحلة ليست هناك أدلة مباشرة تفيد بأنه كان جزءا من مؤامرة أكبر». وتقدم المسؤولون عن إنفاذ القانون في ولاية فلوريدا بقصة جديدة حول الحادثة المروعة. حيث قال رئيس شرطة أورلاندو جون مينا إن أول مواجهة بين الشرطة وبين عمر متين كانت بعد وقت قصير من أول إطلاق للنار في نحو الساعة الثانية صباحا، عندما تبادل أحد ضباط الشرطة، وكان خارج دوام عمله الاعتيادي، إطلاق النار مع عمر متين.
واستدعي ضباط آخرون إلى الموقع وشاركوا في معركة أخرى بالأسلحة النارية، وعند هذه النقطة تراجع عمر متين إلى داخل المبنى، وفي نهاية الأمر، إلى دورة المياه هناك. ثم تراجعت قوة الشرطة عن إطلاق النار بسبب عدم تردد طلقات الرصاص مرة أخرى، كما قال مينا، ثم حاولوا التفاوض مع عمر متين لتفادي مزيد من إراقة الدماء.
وكان عمر متين داخل دورة المياه مع أربعة أو خمسة أشخاص، بينما كان هناك ما يقرب من 15 أو 20 شخصا آخرين في دورة مياه أخرى، كما قال مينا. وخلال تلك المفاوضات، كان عمر متين «بارد الأعصاب وهادئا» ولم يطالبهم بكثير من المطالب.
وبعد مرور نحو ثلاث ساعات، قال ضباط الشرطة إنهم قرروا اجتياح المبنى بعدما ذكر الإرهابي المسلح وجود أحزمة ناسفة أو متفجرات. وقال مينا إن ضباط الشرطة استخدموا المتفجرات ثم سيارة شرطية مدرعة لفتح منفذ كبير في جدار الملهى. ثم تمكن الرهائن من الخروج عبر ذلك المنفذ، وخرج عمر متين أيضا وهو يحمل سلاحين في يديه.
وخلال المعركة اللاحقة، لقي عمر متين مصرعه وأصيب أحد ضباط شرطة أورلاندو عندما أصابت إحدى الرصاصات خوذته المدرعة. ومع ذلك، لا تزال كثير من التفاصيل غير واضحة، بما في ذلك ما إذا كان أي من الرهائن قد تعرض للإصابة أو القتل خلال تبادل إطلاق النار.
وقال مينا، في مؤتمر صحافي عقد يوم الاثنين، إن اجتياح المبنى كان القرار الصحيح المتخذ من جانب الشرطة، لأنهم اعتقدوا أن حياة أناس آخرين كانت في خطر. من جهتها، أوضحت السلطات أن التحقيقات الخاصة بعمر متين قد اتسعت لتشمل شخصيات أخرى وهي تمتد من فلوريدا حتى كابول. وترجع أصول عائلة متين إلى أفغانستان، ولكنه ولد في مدينة نيويورك وعاش عدة سنوات في فلوريدا.
وأفاد كومي بأن عمر متين، الذي كان يعمل حارسا أمنيا متعاقدا لدى إحدى المحاكم المحلية، زعم في عام 2013 لزملائه في العمل أن لعائلته صلات بتنظيم القاعدة، وأنه كان عضوا في تنظيم ما يسمى «حزب الله»، وهما من التنظيمات الإرهابية المتضادة التي قامت بينهما اشتباكات مسلحة كثيرة في سوريا. ولقد وصف مدير المباحث الفيدرالية تلك التعليقات من جانب عمر متين بأنها «مثيرة للمشاعر ومتناقضة للغاية».
وقال كومي إن عمر متين أخبر زملاءه أيضا أن لديه معرفة متبادلة مع الأخوين تسارناييف، اللذين كانا مسؤولين عن تفجيرات بوسطن. وكان يتحدث كثيرا عن الموتى «الشهداء»، وفقا لما أبلغ زملاؤه في العمل للشرطة المحلية.
ولقد فتح مكتب التحقيقات الفيدرالية ما يُعرف بالتحقيقات المبدئية، وهي من بين مئات التحقيقات التي يتولاها المكتب في أي وقت، التي قد تستمر لمدة ستة أشهر كاملة. وقال كومي إن تلك التحقيقات قد امتدت لمرة واحدة بموجب موافقة المشرف على مكتب التحقيقات الفيدرالية في وحدة العمل المشترك لمكافحة الإرهاب في ميامي.
ولقد زعم عمر متين، عند خضوعه للتحقيقات من قبل المباحث الفيدرالية، أنه أصدر هذه التعليقات بسبب غضبه من زملائه في العمل الذين كانوا يغيظونه مرارا وتكرارا لكونه مسلما، وأنه كان يشعر بالتمييز في العمل بسببهم. ودافع كومي عن موقف الـ«إف بي آي» آنذاك، وقال: «كانت الأدلة التي ظهرت أثناء التحقيقات متسقة مع تفسيره لأقواله، وأنه قال تلك التعليقات في محاولة لإخافة زملائه في العمل ليس إلا». ولقد أغلقت التحقيقات مع عمر متين منذ ذلك الحين. وأضاف كومي قائلا: «كما آمل وكما يريد الشعب الأميركي تماما، فإننا لا نبقي الناس قيد التحقيقات لآجال غير مسماة. فإذا لم يكن لدينا تأكيد يسوغ لنا مواصلة التحقيقات، فإننا نغلقها على الفور».
وخلال فترة التحقيقات، كان عمر متين قد أدرج اسمه على قاعدة بيانات الإرهاب، ولكن كومي رفض التصريح ما إذا كانت المباحث الفيدرالية قد أدرجت اسمه على قوائم الممنوعين من السفر ومغادرة البلاد من عدمه.
وقال أحد الشهود للمباحث الفيدرالية إنه أصبح شديد القلق بشأن عمر متين، الذي شرع في مشاهدة أفلام الفيديو لبعض المتطرفين، أمثال أنور العولقي، الذي كان من كبار دعاة وزعماء فرع تنظيم القاعدة في اليمن. كان خطاب العولقي المتشدد قاسما مشتركا في كثير من الهجمات الإرهابية، بما في ذلك حادثة إطلاق النار في فورت هوت عام 2009 التي أسفرت عن مصرع 13 شخصا رميا بالرصاص على يد المقدم نضال حسن بالجيش الأميركي. ولكن الشاهد تخلى عن قلقه عندما بدأ عمر متين في علاقة عاطفية جديدة، ورزق بطفل ووجد فرصة عمل ثابتة (حارس أمن).
ولقد استجوبت المباحث الفيدرالية عمر متين مرة أخرى ولكنهم لم يعثروا على دليل يكفي لاستمرار فتح التحقيقات بشأنه. وقال كومي إن مكتب التحقيقات الفيدرالية لم يعثر على شيء في ماضي عمر متين كان يمكن أن يحول بينه وبين ابتياع وامتلاك الأسلحة من الناحية القانونية.
* خدمة «واشنطن بوست»
* خاص بـ«الشرق الأوسط»



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».