معارك الأحياء السكنية تحد من تقدم قوات الحكومة الليبية في سرت

بسبب اعتماد التنظيم المتطرف على السيارات المفخخة والعبوات التي يزرعها في الشوارع

قوات تابعة للحكومة الليبية أثناء عملية في مدينة سرت لإعادة السيطرة عليها من قبضة تنظيم «داعش» (أ. ف. ب)
قوات تابعة للحكومة الليبية أثناء عملية في مدينة سرت لإعادة السيطرة عليها من قبضة تنظيم «داعش» (أ. ف. ب)
TT

معارك الأحياء السكنية تحد من تقدم قوات الحكومة الليبية في سرت

قوات تابعة للحكومة الليبية أثناء عملية في مدينة سرت لإعادة السيطرة عليها من قبضة تنظيم «داعش» (أ. ف. ب)
قوات تابعة للحكومة الليبية أثناء عملية في مدينة سرت لإعادة السيطرة عليها من قبضة تنظيم «داعش» (أ. ف. ب)

رغم التقدم الملحوظ الذي حققته على ساحات القتال قبل أيام، فإن قوات حكومة الوفاق الوطني الليبية لا تزال تواجه في مدينة سرت مقاومة شرسة من قبل عناصر تنظيم داعش، لمحاولتها اقتحام المناطق السكنية التي يسيطر عليها التنظيم المتطرف في وسط المدينة الساحلية.
وكانت القوات الحكومية قد حققت تقدمًا سريعًا في عملياتها العسكرية في (450 كلم شرق طرابلس) الأسبوع الماضي تحت غطاء الضربات الجوية والمدفعية الثقيلة، حيث تمكنت من استعادة السيطرة على المطار والميناء.
لكن هذا التقدم بدأ يتباطأ مع وصول قوات حكومة الوفاق إلى مشارف المنطقة السكنية الممتدة من وسط مدينة سرت إلى شمالها، لتتحول المعركة إلى حرب من منزل إلى منزل في مواجهة قناصة تنظيم داعش، والعبوات التي زرعها في الأحياء.
ويتحصن مقاتلو التنظيم المتطرف في المنازل، ويعتمدون بشكل رئيسي على السيارات المفخخة التي يقودها انتحاريون، وتنطلق من الأحياء السكنية مستهدفة تجمعات القوات الحكومية. وقد شن التنظيم المتشدد، أول من أمس، ثلاث هجمات انتحارية بسيارات مفخخة، استهدفت تجمعين للقوات الحكومية، ومستشفى ميدانيًا، قتل فيها عنصر واحد على الأقل وأصيب أربعة آخرون بجروح.
وفي أعقاب هذه الهجمات، حاولت مجموعة من القوات الحكومية التقدم نحو المنطقة السكنية من جهتها الغربية، وخاضت مواجهات عنيفة مع عناصر التنظيم المتشدد، قبل أن تعود وتنسحب مع بداية المساء، بحسب مصور وكالة الصحافة الفرنسية، الذي أكد مشاهدة أربع جثث لمقاتلين ارتدوا ملابس عسكرية ملقاة على الطريق في الجهة الغربية قرب مستديرة الزعفرانة، قالت القوات الحكومية إنها تعود إلى عناصر في تنظيم داعش قتلوا في مواجهات عنيفة معها. كما أصيب أحد عناصر القوات الحكومية برصاص قناص خلال العملية، وجرى نقله إلى خارج المنطقة السكنية. فيما أكد أحد المقاتلين أن «قواتنا من المشاة ستتقدم رغم الصعوبات».
وانطلقت عملية «البنيان المرصوص»، الهادفة إلى استعادة مدينة سرت المتوسطية من أيدي تنظيم داعش، قبل شهر بطلب من حكومة الوفاق الوطني المدعومة من المجتمع الدولي. وتتبع القوات التي تقاتل التنظيم المتشدد قيادة مشتركة، يوجد مقرها في مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس). وقد قتل في العملية العسكرية منذ انطلاقها نحو 140 من عناصر قوات حكومة الوفاق الوطني، وأصيب نحو 500 عنصر بجروح، وفقًا لمصادر طبية في مصراتة.
وتتشكل القوات التي تقاتل تنظيم داعش في سرت من جماعات مسلحة تنتمي إلى مدن عدة في غرب ليبيا، أبرزها مصراتة التي تضم المجموعات الأكثر تسليحًا في البلاد، حيث تملك طائرات حربية من نوع «ميغ» ومروحيات قتالية.
ونشأت هذه الجماعات المسلحة في عام 2011، خلال الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بنظام معمر القذافي، لكن هذه الجماعات احتفظت بأسلحتها وأصبحت اللاعب العسكري الأبرز في ليبيا والأكثر تأثيرًا في أمنها، كما تخوض قوات حرس المنشآت النفطية الموالية لحكومة الوفاق معارك مع التنظيم المتطرف شرق سرت، ونجحت في استعادة قرى وبلدات من التنظيم الأسبوع الماضي وبلغت بلدة هراوة على بعد 70 كلم شرق سرت.
وفي مقابل ذلك، يضم تنظيم داعش الذي يبلغ عدد عناصره في ليبيا نحو خمسة آلاف عنصر، مقاتلين أجانب في سرت يحمل جميعهم جنسيات شمال أفريقية، بحسب ما يفيد سكان المدينة.
وتضم مدينة سرت ميناء يطل على البحر المتوسط، ومطارًا دوليًا وقاعدة عسكرية. كما تضم مجمع قاعات يعد الأكبر في شمال أفريقيا يسمى (مركز واغادوغو)، وهذا المركز يعتبر حاليًا أهم حصون تنظيم داعش في المدينة.
وحظيت مدينة سرت لأكثر من أربعة عقود، بين عامي 1969 و2011، بمكانة مميزة على اعتبار أنها مسقط رأس الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، الذي أقام فيها مقرات حكومية وحاول أكثر من مرة أن ينقل الاجتماعات الحكومية الرئيسية إليها.
لكن سرت تعرضت خلال الانتفاضة الشعبية ضد النظام السابق لدمار كبير. وفي هذه المدينة اعتقل القذافي عام 2011، وقد لجأ إليها بعد سقوط طرابلس بأيدي الثوار في نهاية أغسطس (آب) من العام ذاته، وقد شهدت هذه المدينة لحظاته الأخيرة قبل أن يقتله الثوار.
ودفعت سرت التي كانت آخر المدن الموالية للقذافي ثمن دعمها للزعيم السابق غاليًا، حيث تحولت شوارع بأكملها عقب انتهاء المعارك إلى مبانٍ مهدمة، بينما ظل سكانها ينتقدون السلطات الجديدة ويتهمونها بتهميشهم والانتقام منهم، حتى باتوا يطلقون على مدينتهم اسم «المنسية».
وفي يونيو (حزيران) 2015، تحولت المدينة إلى ملاذ لتنظيم داعش الذي جعل منها قاعدة خلفية له، تستقطب المقاتلين الأجانب الذين يجري تدريبهم على شن هجمات في الخارج. وفي شوارع هذه المدينة المتوسطية، التي تبعد نحو 300 كلم عن السواحل الأوروبية، قطعت الأيادي وأعدم الناس بشكل علني على مدى عام، وفرض على السكان أداء الصلاة في مواعيدها، ومنعت النساء من مغادرة منازلهن من دون محرم.
ويبلغ عدد سكان سرت نحو 120 ألف نسمة بحسب أرقام مسؤولين فيها، يعيش غالبيتهم في المنطقة الممتدة من وسط إلى شمال المدينة. ودفع دخول المتطرفين إلى المدينة معظم السكان إلى النزوح نحو مدن مجاورة. وبحسب مسؤولين ليبيين، فإن نحو 75 في المائة من سكان سرت غادروها منذ يونيو 2015.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم