«جدة التاريخية» تعيد الحياة لـ20 شخصية من التراث

مهرجان «رمضانا كدا» يوثق أحاديث بين شخصيات الحارات القديمة

اللبان في مشهد تمثيلي بالمنطقة التاريخية
اللبان في مشهد تمثيلي بالمنطقة التاريخية
TT

«جدة التاريخية» تعيد الحياة لـ20 شخصية من التراث

اللبان في مشهد تمثيلي بالمنطقة التاريخية
اللبان في مشهد تمثيلي بالمنطقة التاريخية

في مشهد تمثيلي حافل يضم أكثر من 20 شخصية قديمة لم يعد لها وجود في عصر التكنولوجيا الحديثة، يمضي الزائر لمهرجان جدة التاريخية «رمضانا كدا» في نسخته الثالثة، مسترجعًا ماضيًا جميلاً عاشه كله أو لحق جزءًا منه، متجولاً في مساحات تحمل أصالة الماضي وعراقة الحاضر.
مهرجان التسوق والمأكولات تحت مسمى «رمضانا كدا»، الذي يتواصل حتى 19 رمضان، يحاكي أكثر من 20 مهنة ومكان، مثل: القهوة، والبقال، والفوال، ومكتب العمدة، والكركون، واللبان، والقراري، واستقبال الضيوف والترحيب، والمسحراتي، وبائع الشريك، وبائع الدندور، وبائع البسبوسة، وسنان السكاكين، وبائع الكولا، وموزع الأتاريك، والسقا، وساعي البريد.
وبحسب القائمين على تنظيم المهرجان، تعطى الأفضلية في تمثيل أدوار هذه الشخصيات والمهن لسكان المنطقة التاريخية، الذين لا يزالون مقيمين فيها، ومنها الشخصيات التي لفتت أنظار زوار المهرجان، مثل شخصية بائع اللبن «اللبان» أو المشخصاتي الذي يتجول بين شوارع حارة «كنا كدا» ويحمل على رأسه صحنًا يحوي أطباقًا ذات أحجام مختلفة، وبإحدى يديه يحمل «الدبية» ليسكب من خلالها ما تطلبه عائلات الحارة من اللبن، مرددًا عبارة «لبن يا الطيبين».
وفي مشهد تمثيلي كوميدي، يدور حديث صارخ بين «لبان» الحارة و«سنانها»، لفت انتباه الزوار من مختلف الشرائح العمرية، بسبب عدم تزويد بائع اللبن لأسرة السنان، حيث كان الحديث يدور بلهجة حجازية استهوت كثيرا ممن شاهدوا ووثقوا هذا المشهد، ضمن استرجاع تاريخي لسنوات ما قبل هدم سور المدينة عام 1947.
مهنة «لبان الحارة»، تعد من المهن الرئيسية التي سادت تلك الحقبة، وبسبب مساحات حارات جدة القديمة، كان لكل حارة لبانها الخاص، الذي يبيع الحليب في منطقته المرسومة، دون الدخول في الحارات الأخرى. وتنقسم منطقة مهرجان «رمضانا كدا» إلى قسمين، الأول يسمى «سوق الجمعة» ويوجد به 300 محل جميعها للأسر المنتجة التي تبيع الملابس التراثية، والمأكولات، والمشروبات، والمشغولات اليدوية، والقسم الآخر «الحارة»، الذي يستقبل زواره بفرقة شعبية ترتدي الزي الجداوي القديم، يرددون أهازيج ترحيبية بزوار المهرجان.
وخصصت منطقة في حارة «كنا كدا» لعمل مسرحيات بطابع رمضاني، كما تم توزيع 35 بسطة على مسار الفعاليات، لبيع المأكولات والمشروبات الرمضانية. ولأن جو رمضان لا يخلو من المقاهي لقضاء الأوقات المميزة، خصصت 3 مواقع للمقاهي ما بين التراثية والثقافية والترفيهية. وتحت مسمى «اصنع حرفتك بنفسك» الذي سميت به إحدى مناطق الحارة، توفر الفعالية للزوار فرصة تجربة صناعة منتجات يدوية سريعة، لها ارتباط برمضان المبارك، كالفوانيس وبعض الأواني المنزلية، كما خصصت منطقة أخرى لإقامة فعالية تفاعلية تتمثل في مسابقة بين شخصين على أفضل طبخة، ويكون الجمهور هو الحكم، إضافة لأحد المشاهير.
وكنوع جديد من أنواع العروض المسرحية المعتمدة على الظل، يسرد العم حمزة يوميًا حكاية تجسد التمثيل الظلي على المسرح بطريقة تفاعلية جميلة، إضافة إلى المسرح التفاعلي الخاص بالعرائس، الذي يقدم أيقونات المهرجان «سيدو كدا وستو كدا» الذي يوفر هدايا مختلفة للأطفال.



المدن والقرى السعودية ترسم «فرائحية العيد»... بالحديث والقديم

من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
TT

المدن والقرى السعودية ترسم «فرائحية العيد»... بالحديث والقديم

من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)

حافظ السعوديون على مظاهر عيد الفطر السعيد التي كانت سائدة في الماضي، كما حرص المقيمون في البلاد من المسلمين على الاحتفال بهذه المناسبة السنوية وفق عاداتهم وتقاليدهم في بلدانهم، أو مشاركة السكان في احتفالاتهم بهذه المناسبة السنوية، علماً بأن السعودية تحتضن مقيمين من نحو 100 جنسية مختلفة.
ويستعد السكان لهذه المناسبة قبل أيام من حلول عيد الفطر، من خلال تجهيز «زكاة الفطر»، وهي شعيرة يستحب استخراجها قبل حلول العيد بيوم أو يومين، ويتم ذلك بشرائها مباشرة من محال بيع المواد الغذائية أو الباعة الجائلين، الذين ينتشرون في الأسواق أو على الطرقات ويفترشون الأرض أمام أكياس معبئة من الحبوب من قوت البلد بمقياس الصاع النبوي، والذي كان لا يتعدى القمح والزبيب، ولكن في العصر الحالي دخل الأرز كقوت وحيد لاستخراج الزكاة.
وفي كل عام يتكرر المشهد السائد ذاته منذ عقود في الاحتفال بعيد الفطر السعيد ومع حلوله اليوم في السعودية تستعيد ذاكرة السكان، وخصوصاً من كبار السن ذكريات عن هذه الفرائحية السنوية أيام زمان، وفق استعدادات ومتطلبات خاصة وبعض المظاهر الاحتفالية التي تسبق المناسبة.

السعوديون يحرصون على الإفطار الجماعي يوم العيد (أرشيفية - واس)

وحافظت بعض المدن والمحافظات والقرى والهجر في السعودية على مظاهر العيد التي كانت سائدة في الماضي؛ إذ حرص السكان على إبقاء هذه المظاهر ومحاولة توريثها للأبناء. ولوحظ خلال الأعوام الماضية حرص السكان على إحياء المظاهر الاحتفالية بعيد الفطر من خلال موائد العيد بمشاركة جميع سكان الحي، وتمثلت هذه المظاهر في تخصيص أماكن بالقرب من المساجد أو الأراضي الفضاء ونصب الخيام داخلها وفرشها بالسجاد ليبدأ سكان الأحياء بُعيد الصلاة بالتجمع في هذه الأماكن وتبادل التهنئة بالعيد، ثم تناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، بعدها يتم إحضار موائد العيد من المنازل أو المطابخ، التي لا تتعدى الكبسة السعودية والأكلات الشعبية الأخرى المصنوعة من القمح المحلي، وأبرزها الجريش والمرقوق والمطازيز، علماً بأن ربات البيوت يحرصن على التنسيق فيما يتعلق بهذه الأطباق لتحقيق التنوع في مائدة العيد وعدم طغيان طبق على آخر.
ويحرص السكان على المشاركة في احتفالية العيد التي تبدأ بتناول إفطار العيد في ساعة مبكرة بعد أن يؤدي سكان الحي صلاة العيد في المسجد يتوجه السكان إلى المكان المخصص للإفطار، الذي يفرش عادة بالسجاد (الزوالي) مع وضع بعض المقاعد لكبار السن ليتسنى لهم المشاركة في هذه الاحتفالات وفي المكان يتم تبادل التهاني بالعيد وتناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، وبعدها يبدأ إخراج موائد العيد من المنازل وتوزيعها على السفرة التي تفرش عادة في الساحات القريبة من المسجد أو في الأراضي الفضاء داخل الحي أو حتى في الشوارع الفرعية، كما تقيم إمارات المناطق والمحافظات إفطاراً في مقراتها في ساعة مبكرة من الصباح يشارك بها السكان من مواطنين ومقيمين.

الأطفال أكثر فرحاً بحلول العيد (أرشيفية - واس)

وبعد انتهاء إفطار العيد يتوجه أرباب الأسر مع عائلاتهم إلى الأقارب للتهنئة بالعيد ضمن اعتبارات تتعلق بأعمار المزارين ودرجة القرابة، حيث الأولوية لعمداء الأسر وكبار السن منهم، ولأن الساعة البيولوجية للسكان يصيبها الخلل خلال شهر الصوم، فإن البعض يحرص على أخذ قسط من الراحة قبيل صلاة الظهر أو بعدها، ثم يبدأ بعد العصر بزيارة الأقارب والأصدقاء حتى المساء، حيث يخيّم الهدوء على المنازل، ويحرص المشاركون في الإفطار على تذوق جميع الأطباق التي غالباً ما يتم إعدادها داخل المنازل، التي لا تتعدى أطباق الكبسة والجريش وأحياناً القرصان أو المرقوق أو المطازيز، خصوصاً في أيام الصيف، حيث كانت موائد العيد خلال الشتاء تزين بالأكلات الشعبية مثل الحنيني والفريك.
وفي الوقت الذي اختفت فيه بعض مظاهر العيد القديمة عادت هذه الأجواء التي تسبق يوم عيد الفطر المبارك بيوم أو يومين للظهور مجدداً في بعض المدن والقرى بعد أن اختفت منذ خمسة عقود والمتمثلة في المناسبة الفرحية المعروفة باسم العيدية، التي تحمل مسميات مختلفة في مناطق السعودية، منها «الحوامة» أو «الخبازة» أو «الحقاقة» أو «القرقيعان» في المنطقة الشرقية ودول الخليج، كما تم إحياء هذا التراث الذي اندثر منذ سنوات الطفرة وانتقال السكان من منازلهم الطينية إلى منازل حديثة، وقد ساهمت الحضارة الحديثة وانتقال السكان من الأحياء والأزقة الطينية في القرى والمدن في اختفاء هذا المظهر الفرحي للصغار في شهر رمضان ومع حلول العيد. يشار إلى أن المظاهر الاحتفالية لعيدية رمضان قبل عقود عدة تتمثل في قيام الأطفال بطرق الأبواب صباح آخر يوم من أيام رمضان وطلب العيدية التي كانت لا تتعدى البيض المسلوق أو القمح المشوي مع سنابله والمعروف باسم «السهو»، ثم تطور الأمر إلى تقديم المكسرات والحلوى، خصوصاً القريض والفصفص وحب القرع وحب الشمام والحبحب، وحلّت محلها هدايا كألعاب الأطفال أو أجهزة الهاتف المحمول أو النقود.