«فانوس السيسي وتمره».. يتصدران بورصة رمضان في مصر

بعدما كانت تسمى تيمنًا بالفنانين والنجوم

بلح رمضان في الأسواق المصرية
بلح رمضان في الأسواق المصرية
TT

«فانوس السيسي وتمره».. يتصدران بورصة رمضان في مصر

بلح رمضان في الأسواق المصرية
بلح رمضان في الأسواق المصرية

انعكست الأوضاع السياسية والاقتصادية المضطربة التي تمر بها البلاد، على صورة رمضان هذا العام في مصر. فالمتابع لأسواق التمور وفوانيس رمضان في مصر هذا العام، يجدها متقلبة في الأسعار والأنواع، ما بين المصنع محليًا والمستورد من الخارج.
وكعادة التجارة في اغتنام أي بريق يحقق لهم زيادة في مساحة الشراء، تصدر اسم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومجسم له، بورصة اهتمامات المصريين في التمور والفوانيس. مما أرجعه حسني عبد الدايم تاجر بضاحية حلمية الزيتون بالقاهرة إلى أن «حب المصريين للسيسي جعلهم يقبلون على البلح الذي يحمل اسمه، والفانوس الذي يجسد شكله وهو بالزي العسكري».
وأمام أحد المحال التي تبيع فوانيس رمضان في منطقة الحلمية (شرق القاهرة)، فضلت الطفلة ملك نور (9 سنوات) اختيار فانوس السيسي؛ اختيارات الطفلة الصغيرة لم تختلف عن اختيار والدتها فاطمة عبد الله، التي فضلت شراء بلح السيسي.
فالتقليد الذي سنه تجار التمور خلال السنوات الماضية بإطلاق أسماء نجمات الفن وأشهر الشخصيات التي مرت خلال العام على الأنواع المختلفة من التمور، في مسعى للترويج وجذب الزبائن، واقتناص فرصة حيوية ذات طابع مرح للبيع.
ففي سوق الحلمية وهي من أشهر أسواق البلح والتمور، تصدر القائمة للعام الثالث على التوالي بلح يحمل اسم الرئيس السيسي، وقام التجار بإطلاق اسم بلح «السيسي قلب الأسد» على أحد أنواع البلح، وهو الأشهر هذا العام ويصل سعره لـ25 جنيهًا، وفي المرتبة الثانية أطلق التجار أسماء رؤساء مصر السابقين مثل بلح السادات (نسبة إلى الرئيس الأسبق أنور السادات) ويباع الكيلو بـ15 جنيهًا، وبلح جمال عبد الناصر بـ14 جنيها، وأخيرا بلح «أيام مبارك»، أما بلح مرسي (نسبة إلى الرئيس المعزول محمد مرسي) فجاء في ذيل القائمة بـ5 جنيهات وهو أقل الأنواع سعرًا وأسوأها.
وتطورت خلال الأعوام الماضية الأسماء التي يطلقها التجار على أنواع البلح من مسلسلات رمضان وأسماء أشهر الفنانات، مثل الراقصة الأرمينية صافينار والمطربة الشهيرة هيفاء وهبي والفنانة فيفي عبده، وذلك قبل ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011 إلى أسماء ذات طابع سياسي بعد الثورة، نظرًا لانتشار الوعي السياسي، والذي أصبح هو أهم ما يشغل الرأي العام حتى الآن، فأصبح التجار يطلقون أسماء رؤساء مصر السابقين على أنواع البلح، ويقول التاجر حسني عبد الدايم، إن «الأسماء التي أطلقها التجار على التمور حسب شهرة الأشخاص وحسب حب المصريين لهم، أما الأسماء الحقيقية للبلح تكون على حسب اسم النخلة نفسها، مثل «سكوتي ومليكابي وبرتمودة والعناني والقنديل»، لافتًا إلى أن التجار يتنافسون أيضًا في جذب المشتري من خلال إطلاق أسماء تجارية جاذبة على البلح، تتماشى مع الحالة المزاجية للرأي العام في الشارع المصري.
يتابع عبد الدايم: «في الأعوام السابقة كنا نلجأ لإطلاق أسماء أشهر الفنانين والفنانات على البلح مثل ليلى علوي، وغادة عبد الرازق،، كما أطلقنا عقب الثورة (بلح ميدان التحرير)، و(بلح الشهداء)، و(بلح الثورة)، وجميعها أنواع موجودة بالفعل؛ لكن أسعارها منخفضة».
ويتنافس المصريون مع غيرهم على استهلاك التمور الجيدة من حيث نوعيتها؛ إلا أن تدني القدرة الشرائية وتأزم الظروف الاجتماعية والاقتصادية، حال دون استهلاك التمور على نفس الوتيرة المسجلة خلال الأعوام الماضية.
وعن الإقبال على باقي أنواع ياميش رمضان (المكسرات والفواكه المجففة)، قال عبد الدايم، إن «الإقبال أفضل على البلح والزبيب وجوز الهند والمكسرات»، لافتًا إلى أن أسعار الياميش تزايدت بشكل كبير هذا العام، وسعر قمر الدين من 26 حتى 40 جنيهًا.
ولا تكاد تخلو سوق من الأسواق في مصر، من ركن يعرض أصناف التمور التي تتنوع خلال شهر الصيام. فحركة المقبلين على شراء التمور لا تهدأ طوال أيام شهر رمضان، والنقاش بين المستهلكين والباعة لا ينتهي بين مقبل دون نقاش، ومتذمر من ارتفاع الأسعار، وبين من لا يقبل الخلط بين التمور الجيدة والتمور العادية.
من جهتها، قالت فاطمة عبد الله، وهي سيدة ثلاثينية، إنها «لن تشتري إلا بلح السيسي لحبها له». وكانت فاطمة تقف أمام أحد المحال التجارية وتتفحص أنواع التمور، قبل أن تضيف: «التجار يعرفون شعبية السيسي ولذلك وضعوا الاسم على أجود الأنواع».
وتحرص الأسر المصرية على شراء ياميش رمضان لإعداد الطبق الأكثر رواجًا على مائدة الإفطار في هذا الشهر هو (خشاف)، إلى جانب المشروبات الرمضانية والتي ارتفعت أسعارها وازداد الإقبال عليها نظرًا لارتفاع حرارة الجو. لكن الكثير من الأسر فضلت الاعتماد على «الفول السوداني» فقط هذا العام لارتفاع أسعار الياميش.
في سياق آخر، لا يزال الفانوس، رغم الضغوط الاقتصادية، هو سيد البهجة والفرحة بحلول الشهر الكريم. فعلى أنغام أغاني رمضان الكثيرة «رمضان جانا»، و«أهلاً رمضان»، «ومرحب شهر الصوم مرحب»، التي يحرص جميع تجار الفوانيس على تشغيلها في نفس الوقت عند عرض الفوانيس، ويقول حسين توفيق، تاجر بيع فوانيس بمنطقة الحسين الشعبية في وسط القاهرة، إن أشكال الفوانيس تتغير كل عام، وأشهر الأشكال عمومًا لرمضان هذا العام السيسي وهو يرتدي الزي العسكري ويقدم التحية العسكرية ويحمل بيده كرة بها صورة لتمثال نهضة مصر للفنان محمود مختار ويغنى أغنية «مرحب شهر الصوم» للفنان الراحل عبد العزيز محمود، ولشعبية الرئيس حقق الفانوس مبيعات كبيرة بالمحلات، مضيفًا: «هذا العام انتشر الفانوس بالأسواق وسعره 60 جنيهًا وما زال عليه إقبال كبير من الزبائن بسبب حب الناس للرئيس قائلا: «المصريون يشتروه لحبهم في الرئيس»، لافتًا إلى أن أشكال فوانيس هذا العام «بلغت 70 شكلاً للفوانيس على شكل عرائس وأرانب وملاهٍ وبط وجمال وشخصيات كرتونية مثل « كرومبو وسبونش بوب»، وبعض شخصيات المسلسلات التلفزيونية مثل «الكبير أوي».
وعن أسعار الفوانيس، يقول التاجر توفيق، إن أسعارها تزيد كل عام على سابقه بسبب ارتفاع أسعار الخامات بشكل عام، وإن أسعارها تبدأ من 12 جنيهًا وتصل حتى ألف جنيه للفوانيس كبيرة الحجم.
وعن الجديد في فوانيس هذا العام، يقول توفيق: «هناك فانوس بشكله التقليدي المعتاد؛ لكن عليه رسمة الهلال من الخارج ومغطى بالبرونز الملون، وهو يلف وليس ثابتًا».
وتعد القاهرة هي المدينة التي انطلقت منها صناعة الفوانيس، فهي من أهم المدن الإسلامية التي تزدهر فيها صناعة الفوانيس بشكلها التقليدي الحديدي الذي ينار إما بالشمعة أو الإضاءة، وما زال هناك أسر تحرص على اقتنائه.
وفي منطقة باب الشعرية بوسط العاصمة المصرية القاهرة يقع شارع أمير الجيوش، الذي يتحول إلى معرض مفتوح لبيع «الفوانيس» بمختلف أنواعها. وتتنافس الورش في عرض منتجاتها المصنوعة محليًا؛ لكن المشهد هذا العام يبدو مختلفًا مع منع الحكومة استيراد الفوانيس من الخارج، لتتيح الفرصة كاملة لحصول الفانوس المصري المصنوع من معدني «الصاج» و«النحاس» على كامل فرصته في فرض نفسه على المشترين.
ويقول حسين حكيم، صاحب ورشة لصناعة الفوانيس، إن «الفانوس المصري يعد الأعلى سعرًا مقارنة بالصيني، لكن الإقبال على الصيني كان أكبر على مدار السنوات الماضية لانخفاض سعره، فضلاً عن وجود مزايا تتعلق بالإضاءة والصوت لا تضاف للفانوس المصري، لكن وضع الفانوس التقليدي تحسن هذا العام ومتوقع تحسنه خلال السنوات القادمة».



«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.