الأشرعة القرمزية و«الروبوتات» تشعل صيف روسيا

12 مهرجانًا ترفيهيًا تجمع الموسيقى والحداثة التقنية والأطباق العالمية

قفزة نحو المستقبل في مهرجان الموسيقى الإلكترونية
قفزة نحو المستقبل في مهرجان الموسيقى الإلكترونية
TT

الأشرعة القرمزية و«الروبوتات» تشعل صيف روسيا

قفزة نحو المستقبل في مهرجان الموسيقى الإلكترونية
قفزة نحو المستقبل في مهرجان الموسيقى الإلكترونية

يبقى فصل الصيف عنوانا للراحة والاستجمام والترفيه، يحرص كثيرون خلاله على رمي تعب عام طويل من العمل المتعب وراء ظهورهم، والحصول على انفعالات وأحاسيس جديدة مفعمة بالحيوية والنشاط.
ولضمان أفضل مستويات ترفيه للمواطنين الروس من كل الفئات العمرية هذا العام يجري تنظيم عدد كبير من الفعاليات التي لا يقل بعضها عن الآخر إثارة واستقطابا لعشاق كل ما هو جديد وغريب يجمع بين المعرفة أحيانا والاسترخاء في أجواء طبيعية جميلة أو أجواء تقنية وموسيقية غير معتادة، مع نقلة إلى عالم الحكايات والأمل. ومن أبرز تلك الفعاليات التي تنتظر كثيرين في روسيا هذا العام اثنا عشر مهرجانا ترفيهيا يجتمع فيها الفن والموسيقى مع الحداثة التقنية والإثارة العلمية، فضلا عن الرومانسية والخيال والألحان الرائعة تحت السماء في الطبيعة الخلابة.
ومن أهم ما ينتظره الروس للترفيه هذا العام مهرجان «Alfa Future People» الذي تتمزج فيه الموسيقى مع أحدث الابتكارات في مجال التقنيات الصوتية الإلكترونية، والإضاءة واللوحات الضوئية.
وعلى مسرح أقامته الجهات المنظمة في واحد من المدرجات الجوية السرية سابقا على ضفاف نهر الفولغا في مقاطعة «نيجني نوفغورو» سيشعر الحضور كيف يمكن الانتقال إلى المستقبل المليء بالجمال مع الموسيقى والتقنيات المرافقة لها. ولن تقتصر فعاليات ذلك المهرجان على الحفل الموسيقي، بل تشمل «ورشات عمل» في التعامل مع الروبوتات، فضلا عن تجارب علمية في هذا المجال، يتيح المنظمون لأي شخص المشاركة فيها سعيا منهم إلى ترك انطباعات مثيرة لدى من سيقرر تخصيص جزء من وقته الثمين صيفا للمشاركة في المهرجان.
الروبوتات والفضاء وحرب النجوم هي مادة رئيسية في مهرجان آخر بعنوان «Geek Picnic»، موضوعه الرئيسي «مستقبل البشرية في عصر السايبورغ»، والسايبورغ هو كائن ما زال خياليا حتى الآن، يبدو على شكل كائن حي مثل الإنسان أو حيوان ما، ويدخل في تركيبه مواد عضوية وأخرى بيو - ميكاترونية. ضمن هذه الأجواء «البيو - ميكاترونية» تنطلق فعاليات المهرجان عادة على مساحة واسعة في واحدة من أكبر الحدائق في المدينة، علما بأن هذا المهرجان، كما كل مهرجانات العام في روسيا، ستجوب عددا كبيرا من المدن.
ويعيش الزائر أوقاتا مميزة مع روبوتات هي شخصيات معروفة من فيلم «حرب النجوم»، ومن ثم يمكن الانتقال للاسترخاء قليلا ومتابعة عرض مثير يقدمه أبطال سلسة أفلام «ترانسفورميرز»، حيث لا يعود «أوبتيموس برايم» مجرد شخصية على الشاشة بل كائن واقعي يقف مع الزوار ويحدثهم في العلوم العصرية ومستقبل البشرية. هذه القضايا ومسائل أخرى من الكون الشاسع حولنا هي مواضيع لمحاضرات يلقيها علماء كبار في مجال الفضاء ضمن فعاليات مهرجان «Geek Picnic»، التي تتيح للزوار أيضا فرصة لتجربة روبوتات النقل على سطح الكواكب، والتنقل على متنها، لكن على سطح الأرض.
لكنه ومهما كان تعطش الإنسان للتقنيات الحديثة كبيرا، وبقدر ما يحرص على ملامسة المستقبل وكل ما سيحمله من ابتكارات تفوق الخيال، فإن الطبيعة البشرية تبقى مهيمنة، ويبقى شوق كبير في روح الإنسان للرومانسية والخيال بعيدا عن كل ما هو مبتكر تقني. ويبدو أن الجهات المنظمة لمهرجان «الأشرعة القرمزية» في مدينة بطرسبورغ قد انطلقوا في تنظيم فعالياتهم من إدراكهم لأهمية الرومانسية وما تمنحه للروح البشرية من هدوء واسترخاء وراحة بعد عن العصر وتعقيداته التقنية. لذلك تم اختيار مدينة بطرسبورغ، التي تشكل بحد ذاتها حكاية تاريخية جميلة، لهذا المهرجان، الذي تنطلق فعالياته في ليالي الصيف المعروفة هناك بـ«الليالي البيضاء»؛ حيث تغيب الشمس لساعات قليلة، دون أن يغيب ضوء النهار من السماء.
ضمن تلك الأجواء الرومانسية بطبيعتها في مدينة بطرسبورغ، وعلى أصوات الموسيقى الكلاسيكية، وتحت إضاءة مميزة تعكسها الألعاب النارية التي لا تفارق السماء، تنطلق مجموعة من المراكب القديمة بأشرعة قرمزية عبر نهر «نيفا»، كأنها قادمة من الحكايات والقصص القديمة الجميلة عن عالم المغامرات والحب والترحال. والمهرجان بالأساس هو فعالية وداع التلاميذ للحياة المدرسية والانتقال إلى الحياة الجامعية، لكنه أصبح مهرجانا يحتفل فيه كل أبناء المدينة والآلاف من زوار المدينة والسياح الأجانب. أما اسم «الأشرعة القرمزية» فهو مأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب الروسي الشهير ألكسندر غرين، وترمز الرواية تلك إلى الأمل والقدرة على تحقيق الأحلام، وهو ما يسعى إليه الشباب بعد تخرجهم من المرحلة المدرسية التي تفتح أمامهم أبوابا جديدة نحو المضي لتحقيق أحلامهم في الحياة.
جميلة هي الرومانسية بكل تأكيد، لكن كيف للإنسان أن يعيش دون طعام. «أجل، إنه الطعام» عنوان مهرجان آخر للترفيه عن المواطنين في فصل الصيف تجري فعالياته في العاصمة الروسية موسكو، وفي مدينة بطرسبورغ. ففي موسكو تم اختيار «حديقة الثقافة» لاستضافة المهرجان، وهناك ستحتشد أكشاك على عربات كثيرة تمثل أرقى المطاعم في موسكو ومدن أخرى، فضلا عن عربات من مختلف دول العالم. وسيتسابق الطهاة في إعداد ألذ الوجبات، كما سيتقاسمون مهاراتهم في الطهي مع الزوار، الذين يتيح لهم المهرجان فرصة للتعلم على طريقة أعداد أي وجبة تروق لهم. وبالطبع ستكون هناك الموسيقى إلى جانب الطعام، هذا فضلا عن المشاهد الخلابة في الحديقة المطلة على نهر «موسكوفا ريكا».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».