لبنان: ريفي يمهد لتأسيس زعامة سنية مستقلة عن «المستقبل» خارج طرابلس

أبرز العقبات افتقاده لمؤسسات تدعم المناصرين والحلفاء من طوائف أخرى

أشرف ريفي
أشرف ريفي
TT

لبنان: ريفي يمهد لتأسيس زعامة سنية مستقلة عن «المستقبل» خارج طرابلس

أشرف ريفي
أشرف ريفي

كرست نتائج الانتخابات المحلية في طرابلس في شمال لبنان، شعبية وزير العدل اللبناني أشرف ريفي في المدينة، ودفعته للانطلاق من عاصمة الشمال باتجاه مناطق لبنانية أخرى، بهدف توسيع حيثيته السياسية، وذلك بعدما فرضته الانتخابات البلدية والاختيارية كلاعب منافس لتيار «المستقبل» ورئيسه سعد الحريري في الشمال، إثر كسب ريفي الانتخابات البلدية بوجه اللائحة المدعومة من الحريري.
وإذا كانت نتائج الانتخابات عززت زعامته الشعبية في الشارع السني في طرابلس، فإن الانتخابات نفسها، وضعت أمامه عقبات إثبات نفسه كمنافس خارج الاصطفافات الطائفية، ولعل أبرزها، خلوّ المجلس البلدي في مدينة طرابلس من ممثلين مسيحيين وعلويين، وهي كانت بمثابة نقطة اتهام لريفي ومؤيديه. وبدا أن هذه النقطة بالذات، كانت الدافع لجولته على رجال دين مسيحيين، بينهم البطريرك الماروني بشارة الراعي، وميتروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة، حيث قال ريفي «إننا حكمًا حريصون، وطرابلس حريصة على أن تكون هناك شراكة فعلية إسلامية - مسيحية وشراكة فعلية سنية - علوية».
وتعد تلك النقطة جزءًا أساسيا من العقبات أمام ريفي الذي وسّع دائرة اتصالاته مع المناطق، بعد صدور نتائج الانتخابات، وكان آخرها زيارته إلى معقل «المستقبل» في صيدا، حيث ألقى كلمة في ذكرى اغتيال القضاة الأربعة في قصر العدل في صيدا. لكن مصادر صيداوية، وضعت زيارة ريفي إلى المدينة في إطار «الزيارة التقنية»، قائلة إن «لا رمزية سياسية للزيارة»، علما بأن المدينة التي يتحدر منها رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، تعتبر ثقلاً انتخابيًا لرئيسي الحكومة السابقين سعد الحريري وفؤاد السنيورة، وكذلك للنائبة بهية الحريري.
وتحدث ريفي أمس بنبرة تصعيدية، بعد سلسلة حملات شنت ضده، من غير أن يسمّي أحدًا، إذ قال: «في صيدا المدينة التي ولد ونشأ فيها الشهيد الكبير رفيق الحريري، أقول لن نعتذر من أحد، لأننا قررنا أن نجعل من شهادتك شعلة النور التي تضيء طريقنا، ولن نخجل من رفع رايتك عاليًا»، مضيفًا: «كم نحن بحاجة إليك كل يوم ونحن نرى حجم الاهتراء الذي أصاب لبنان بفعل ارتهان البعض إلى الخارج، وبحث الآخر عن السلطة بأي ثمن، تحية من القلب لك يا أبا بهاء ونحن أهل العدالة في لبنان نتابع مسار المحاكمة أمام المحكمة الدولية، التي نثق بأنها ستحاسب كل من حرض وشارك وتدخل في اغتيالك أيها (الشهيد) الكبير».
ورغم الخلافات مع الحريري التي عمقتها نتيجة الانتخابات، إلا أن ريفي يبقي صلة اتصاله مع الأدبيات السياسية للتيار، قائمة، وذلك عبر استناده إلى الموروث السياسي للحريري الأب، كأساس في خطاباته وإطلالاته الإعلامية، وقد خاض معاركه السياسية مستندًا إلى كونه جزءًا من «إرث» الحريري وتيار «المستقبل»، وهو ما ساعده على الانطلاق لتوسيع نفوذه خارج طرابلس، ومحاولة تقديم نفسه كشخصية سنية رديفة لقيادات سنية موجودة، وتتجاوز طرابلس والشمال.
غير أن هذه الحركة، لا يقرأها بعض المراقبين على أنها توسيع لتلك الحيثية التي فرضتها الانتخابات المحلية. ويقول القيادي في «المستقبل» راشد فايد لـ«الشرق الأوسط» إن تلك الحركة السياسية «هي جزء من نتائج الانتخابات والتحركات التي تليها»، مشيرًا إلى أنه «لم يظهر بعد على أنه فتح مرحلة جديدة بالسياسة». ويوضح فايد أن «كل شخص يتعاطى بالشأن السياسي يحاول انتهاز أي مناسبة لإظهار مشاركته، وهذا طبيعي وينطبق على الوزير ريفي الذي يحاول استثمار انتصاره السياسي في انتخابات طرابلس بحركة أوسع تشمل المدينة وخارجها».
ويرى كثيرون أن مفهوم الزعامة لا يمكن أن يُختصر بشخص واحد، وأن نتائج الانتخابات الأخيرة، غير المتوقعة، شكلت أول تحدٍ لريفي كمشروع زعيم خارج الإطار الحزبي لتيار المستقبل، وأول اختبار له مع الشارع مباشرة، وهو ما يخالف عُرف الزعامة في «تيار المستقبل».
في هذا الصدد يؤكد فايد أن في لبنان «لم يكن هناك زعيم واحد لطائفة باستثناء رفيق الحريري الذي تخطت زعامته الطائفة السنية إلى كل طوائف لبنان»، موضحًا أن «الزعامة لها كفاءات سياسية وشخصية، وكان الحريري يتمتع بها بوصفه خلق ترابطًا معنويًا بين الزعيم (رفيق الحريري) والقاعدة الشعبية». وأشار إلى أن سعد الحريري «يمتلك بعض ما كان يتمتع به والده، رغم أن التهديدات الأمنية اضطرته لأن يكون خارج البلاد، وبالتالي أسهمت بإضعاف شعبيته في بعض المناطق».
وقد يكون ابتعاد سعد الحريري، شكل فرصة بالنسبة لريفي أو لآخرين في الأطراف، لبناء قاعدة شعبية خاصة. وعليه، لا ينفي المقربون من ريفي أنه بنى شعبيته حين كان جزءًا من هيكلية المستقبل، لكن الجنرال الذي تبوأ منصب المدير العام لقوى الأمن الداخلي: «كان سخيًا بتقديم الخدمات للفقراء والبسطاء من خلال موقعه الوظيفي». ويشير هؤلاء إلى أن المستفيدين من خدماته بمعظمهم «كانوا القاعدة الشعبية للمستقبل التي جُيّرت لريفي في الانتخابات الطرابلسية الأخيرة».
وخاض ريفي التحدي الأخير مع المستقبل، بعد توتر في العلاقة مع الحريري، إثر تقديم استقالته من الحكومة بسبب الإخفاق في إحالة قضية ميشال سماحة إلى المجلس العدلي. يومها: اعتبر «المستقبل» أن خطوة ريفي، بمثابة مزايدة على مواقف وزراء «المستقبل» الآخرين في الحكومة، علما بأن الحريري خاض معركة ضد ما يسمّى «حزب الله» لتسليم ريفي حقيبة وزارية في الحكومة اللبنانية، رغم معارضة الحزب، فكان رد ريفي على المستقبل بأن قاعدته الشعبية هي التي رشحته ليكون وزيرا، وبات في وضعية سياسية تصعّب تخطيه.
غير أن العقبات التي تحول دون تكريسه زعيمًا سنيًا خارج طرابلس والشمال، تتعدد بين الأسباب السياسية والتنظيمية. ويقول مصدر مطلع على حركة ريفي لـ«الشرق الأوسط» إن غياب مؤسسات تقدم الخدمات للناس في عدة مناطق لبنانية، تمثل عائقًا أساسيا أمام التمتع بشعبية واسعة خارج طرابلس، مشيرة إلى أن الزعامة «هي فعل تراكم»، وأن صناعة حيثية شعبية خلال وقت قصير «تحتاج إلى خدمات وقدرات مالية، لا يمتلكها ريفي».
وقالت المصادر إن العقبات السياسية بوجه ريفي «تتمثل في كونه لا يتمتع بنفوذ لدى باقي الطوائف، بدليل وجود حيثيته ضمن الطائفة السنية في طرابلس فقط، وهو بذلك يكون مختلفًا جدًا عن تيار المستقبل العابر للطوائف، وله ممثلون من كافة الطوائف في البرلمان»، فضلاً عن أن الحريري «في انتخابات بيروت البلدية صارع لتحقيق المناصفة، بينما بدت لائحة طرابلس بلا ممثلين من الطوائف الأخرى، ويمثل ذلك أبرز تحدٍ سياسي له».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم