الدولار يحرم المصريين من «ياميش رمضان»

لطالما تربع على موائد الإفطار والسحور.. وحملات لمقاطعته بعد ارتفاع الأسعار

معتمرتان من العراق تدعيان داخل الحرم المكي ليلة رمضان (تصوير: أحمد حشاد)
معتمرتان من العراق تدعيان داخل الحرم المكي ليلة رمضان (تصوير: أحمد حشاد)
TT

الدولار يحرم المصريين من «ياميش رمضان»

معتمرتان من العراق تدعيان داخل الحرم المكي ليلة رمضان (تصوير: أحمد حشاد)
معتمرتان من العراق تدعيان داخل الحرم المكي ليلة رمضان (تصوير: أحمد حشاد)

يبدو أن بعض مظاهر الشهر الفضيل التقليدية التي لطالما تمسك بها المصريون ستغيب عنهم هذه السنة. ففي تعكير صفو أجواء شهر الصوم الاحتفالية، والإقبال الشديد على المواد الغذائية، تحط تبعات أزمة الدولار وانخفاض سعر الجنيه المصري بظلالها على هذه العادات. ولطالما كان ذلك الإقبال يبدو جليًا في الزحام الشديد على كبرى متاجر «الهايبر ماركتس» التي تصل إلى حد الطوابير، إلا أن هذا العام يشهد تخلي ملايين من المصريين عن «ياميش رمضان» (المكسرات والحلويات من الفواكه المجففة) في مقابل التزاحم على السلع الرئيسية كالأرز والمكرونة والبقوليات، بسبب الارتفاع الجنوني لأسعاره التي تضاعفت عن العام الماضي بسبب «أزمة الدولار».
إذ خفض البنك المركزي قيمة الجنيه في السوق الرسمية بنحو 14 في المائة في مارس «آذار» الماضي، لتصل قيمة الدولار الواحد إلى 8.78 جنيه، لكن سعر العملة المحلية في السوق السوداء (الموازية)، يتراوح حاليًا بين 10.88 و11 جنيهًا للدولار.
ويعتبر المصريون وجود «ياميش رمضان» على مائدتي الإفطار والسحور طقسًا احتفاليًا رئيسيًا يميز مائدة الشهر الفضيل، لكن يبدو أنه لن يصبح كذلك، حيث أدى ارتفاع الأسعار إلى اتجاه المحال إلى بيعه بالغرام لجذب المستهلكين، حيث بلغ سعر 225 غرامًا لجوز الهند نحو 8 جنيهات، ووصل سعر 225 غرامًا من الزبيب إلى 14 جنيهًا، وهو ضعف ثمن كيلو الزبيب العام الماضي، بالإضافة إلى أن سعر 225 غرامًا من البندق وصل إلى 38 جنيهًا. بينما بلغ سعر كيلو عين الجمل بين 135 و140 جنيهًا مصريًا، وتجاوز سعر الفستق 300 جنيه للكيلو الواحد، ويتراوح سعر الكيلو من اللوز والبندق بين 130 و150 جنيهًا. وتجاوز ثمن قمر الدين 12 جنيهًا، بالإضافة إلى تجاوز سعر القراصيا والمشمشية 80 جنيهًا، وتراوح سعر البلح من 10 إلى 50 جنيهًا.
وانتشرت دعوات احتجاجية عبر مواقع التواصل الاجتماعي تطالب المواطنين بمقاطعة الياميش هذا العام، خصوصًا في ظل ارتفاع أسعار السلع الغذائية والتموينية الضرورية، كالأرز والسكر والزيت والشاي، والخضر والفواكه وغيرها، فضلاً على زيادة أسعار الأدوية ومستحضرات التجميل والملابس وكل ما يتم استيراده.
وبدورها، أطلقت جمعية «مواطنون ضد الغلاء»، وهي جمعية مستقلة تعمل على حماية المستهلك، حملة «نقدر نعيش من غير ياميش»، معلنة عن موقفها الرافض لزيادة الأسعار، في إطار حملتها التي تستمر حتى 10 رمضان، للضغط على التجار لخفض أسعار الياميش. وكانت الأسواق المصرية قد شهدت زيادة الرسوم الجمركية نحو 60 في المائة على أكثر من 500 سلعة من السلع الكمالية المستوردة ومن بينها المكسرات، وفقًا للقرار الجمهوري الصادر في بداية العام الحالي.
كما شنت صفحة «ست بيت بس عصرية» حملة «لا لجشع التجار» تدعو ربات المنازل إلى الاستغناء عن الياميش واستبداله بالفواكه الموسمية: البطيخ والمشمش والخوخ والمانجو والتين، تحت شعار «مسمعناش حد مات عنده نقص في الياميش». وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور أرشيفية لمحلات العطارة والياميش في بدايات القرن الماضي، معلقين: «قول للزمان ارجع يا زمان»، في إشارة إلى بساطة الحياة وانخفاض أسعار السلع.
ومن جانبه، قال أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية المصرية، لـ«الشرق الأوسط» إن هناك ارتفاعًا يزيد على 50 في المائة من قيمة السلع يتزامن مع استمرار نقص الدولار وزيادة سعره بالسوق الموازية، لافتًا إلى أن الأزمة سوف تتفاقم خلال الفترة المقبلة، مما سيصيب الأسواق بمزيد من الركود، وضعف حركة البيع والشراء، مطالبًا الدولة بالتدخل لحل الأزمة.
وفي ظل شكاوى المواطنين من الغلاء الجنوني، طالب رئيس جهاز حماية المستهلك، اللواء عاطف يعقوب، المواطنين بمساعدة الدولة في وقف جشع التجار ومقاطعة السلع غير الضرورية في شهر رمضان، قائلاً: «الدولة وحدها لن تستطيع خفض الأسعار، وهناك عدد كبير من التجار الذين يستغلون مسألة الدولار في مضاعفة أسعار سلع كانت لديهم قبل الأزمة».
كما ظهرت حملات مقاطعة للياميش مكتسية بحلة سياسية ولقيت رواجًا واسعًا بين رواد مواقع «السوشيال ميديا»، ومنها: حملة «قاطع الياميش علشان الجنيه يعيش»، وحملة «بدون ياميش رمضان كريم»، وحملة «مافيش ياميش»، و«قاطعوا الياميش التركي» كنوع من التضامن مع الأزمة السورية، حيث تستورد مصر ياميش هذا العام من تركيا والهند وإيران.
وتقول مها خميس، ربة منزل ويبدو أنها تنتمي للطبقة المتوسطة من المجتمع المصري، إنه «مع الأسف سوف نضطر لمقاطعة الياميش هذا العام، رغم أننا لا نشعر بمذاق رمضان دونه، خصوصًا أننا كنا نستخدمه في تحضير أصناف خاصة من الحلويات لا نقدمها على المائدة باقي العام، مثل: المشمشية والمهلبية بالمكسرات والخشاف والكنافة بالمكسرات». وعن إمكانية شراء الياميش بالغرام، قالت: «التجارة شطارة فعلاً، لكن لا أفضل شراء الياميش بالغرام، لأنه أولاً سوف يكفي ربما لمرة أو مرتين وسيجعل التجار عند موقفهم من الأسعار المبالغ فيها». وتختلف معها أمينة مهدي، ربة منزل، التي ترى أن الاكتفاء ببعض الغرامات من الياميش المحبب لأطفالها سوف يفي بالغرض، لأنها تحفزهم على الصوم من خلال إعداد بعض الأطباق الخاصة بالشهر الكريم، كما أن الكمية القليلة سوف تعلمهم التوفير والبعد عن البذخ، خصوصًا فيما يتعلق بالطعام، وهي القيمة التي ترغب في إيصالها لأطفالها عبر صيام شهر رمضان، كما أمرت تعاليم الدين الإسلامي.
ويرفض عادل المحمدي، محاسب بشركة ملاحة، شراء الياميش وانضم لحملات المقاطعة، رغم حالته المادية الميسورة قائلاً: «لا أعتقد أن التجار مظلومون، هذا جشع واضح لأن غالبية الياميش المطروح في السوق تم استيراده العام الماضي، وما يوجد بالأسواق هو ياميش تم إخراجه من المخازن بسعر جديد».



المدن والقرى السعودية ترسم «فرائحية العيد»... بالحديث والقديم

من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
TT

المدن والقرى السعودية ترسم «فرائحية العيد»... بالحديث والقديم

من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)

حافظ السعوديون على مظاهر عيد الفطر السعيد التي كانت سائدة في الماضي، كما حرص المقيمون في البلاد من المسلمين على الاحتفال بهذه المناسبة السنوية وفق عاداتهم وتقاليدهم في بلدانهم، أو مشاركة السكان في احتفالاتهم بهذه المناسبة السنوية، علماً بأن السعودية تحتضن مقيمين من نحو 100 جنسية مختلفة.
ويستعد السكان لهذه المناسبة قبل أيام من حلول عيد الفطر، من خلال تجهيز «زكاة الفطر»، وهي شعيرة يستحب استخراجها قبل حلول العيد بيوم أو يومين، ويتم ذلك بشرائها مباشرة من محال بيع المواد الغذائية أو الباعة الجائلين، الذين ينتشرون في الأسواق أو على الطرقات ويفترشون الأرض أمام أكياس معبئة من الحبوب من قوت البلد بمقياس الصاع النبوي، والذي كان لا يتعدى القمح والزبيب، ولكن في العصر الحالي دخل الأرز كقوت وحيد لاستخراج الزكاة.
وفي كل عام يتكرر المشهد السائد ذاته منذ عقود في الاحتفال بعيد الفطر السعيد ومع حلوله اليوم في السعودية تستعيد ذاكرة السكان، وخصوصاً من كبار السن ذكريات عن هذه الفرائحية السنوية أيام زمان، وفق استعدادات ومتطلبات خاصة وبعض المظاهر الاحتفالية التي تسبق المناسبة.

السعوديون يحرصون على الإفطار الجماعي يوم العيد (أرشيفية - واس)

وحافظت بعض المدن والمحافظات والقرى والهجر في السعودية على مظاهر العيد التي كانت سائدة في الماضي؛ إذ حرص السكان على إبقاء هذه المظاهر ومحاولة توريثها للأبناء. ولوحظ خلال الأعوام الماضية حرص السكان على إحياء المظاهر الاحتفالية بعيد الفطر من خلال موائد العيد بمشاركة جميع سكان الحي، وتمثلت هذه المظاهر في تخصيص أماكن بالقرب من المساجد أو الأراضي الفضاء ونصب الخيام داخلها وفرشها بالسجاد ليبدأ سكان الأحياء بُعيد الصلاة بالتجمع في هذه الأماكن وتبادل التهنئة بالعيد، ثم تناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، بعدها يتم إحضار موائد العيد من المنازل أو المطابخ، التي لا تتعدى الكبسة السعودية والأكلات الشعبية الأخرى المصنوعة من القمح المحلي، وأبرزها الجريش والمرقوق والمطازيز، علماً بأن ربات البيوت يحرصن على التنسيق فيما يتعلق بهذه الأطباق لتحقيق التنوع في مائدة العيد وعدم طغيان طبق على آخر.
ويحرص السكان على المشاركة في احتفالية العيد التي تبدأ بتناول إفطار العيد في ساعة مبكرة بعد أن يؤدي سكان الحي صلاة العيد في المسجد يتوجه السكان إلى المكان المخصص للإفطار، الذي يفرش عادة بالسجاد (الزوالي) مع وضع بعض المقاعد لكبار السن ليتسنى لهم المشاركة في هذه الاحتفالات وفي المكان يتم تبادل التهاني بالعيد وتناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، وبعدها يبدأ إخراج موائد العيد من المنازل وتوزيعها على السفرة التي تفرش عادة في الساحات القريبة من المسجد أو في الأراضي الفضاء داخل الحي أو حتى في الشوارع الفرعية، كما تقيم إمارات المناطق والمحافظات إفطاراً في مقراتها في ساعة مبكرة من الصباح يشارك بها السكان من مواطنين ومقيمين.

الأطفال أكثر فرحاً بحلول العيد (أرشيفية - واس)

وبعد انتهاء إفطار العيد يتوجه أرباب الأسر مع عائلاتهم إلى الأقارب للتهنئة بالعيد ضمن اعتبارات تتعلق بأعمار المزارين ودرجة القرابة، حيث الأولوية لعمداء الأسر وكبار السن منهم، ولأن الساعة البيولوجية للسكان يصيبها الخلل خلال شهر الصوم، فإن البعض يحرص على أخذ قسط من الراحة قبيل صلاة الظهر أو بعدها، ثم يبدأ بعد العصر بزيارة الأقارب والأصدقاء حتى المساء، حيث يخيّم الهدوء على المنازل، ويحرص المشاركون في الإفطار على تذوق جميع الأطباق التي غالباً ما يتم إعدادها داخل المنازل، التي لا تتعدى أطباق الكبسة والجريش وأحياناً القرصان أو المرقوق أو المطازيز، خصوصاً في أيام الصيف، حيث كانت موائد العيد خلال الشتاء تزين بالأكلات الشعبية مثل الحنيني والفريك.
وفي الوقت الذي اختفت فيه بعض مظاهر العيد القديمة عادت هذه الأجواء التي تسبق يوم عيد الفطر المبارك بيوم أو يومين للظهور مجدداً في بعض المدن والقرى بعد أن اختفت منذ خمسة عقود والمتمثلة في المناسبة الفرحية المعروفة باسم العيدية، التي تحمل مسميات مختلفة في مناطق السعودية، منها «الحوامة» أو «الخبازة» أو «الحقاقة» أو «القرقيعان» في المنطقة الشرقية ودول الخليج، كما تم إحياء هذا التراث الذي اندثر منذ سنوات الطفرة وانتقال السكان من منازلهم الطينية إلى منازل حديثة، وقد ساهمت الحضارة الحديثة وانتقال السكان من الأحياء والأزقة الطينية في القرى والمدن في اختفاء هذا المظهر الفرحي للصغار في شهر رمضان ومع حلول العيد. يشار إلى أن المظاهر الاحتفالية لعيدية رمضان قبل عقود عدة تتمثل في قيام الأطفال بطرق الأبواب صباح آخر يوم من أيام رمضان وطلب العيدية التي كانت لا تتعدى البيض المسلوق أو القمح المشوي مع سنابله والمعروف باسم «السهو»، ثم تطور الأمر إلى تقديم المكسرات والحلوى، خصوصاً القريض والفصفص وحب القرع وحب الشمام والحبحب، وحلّت محلها هدايا كألعاب الأطفال أو أجهزة الهاتف المحمول أو النقود.