قرار بهدم أحد أقدم «المباني السياسية» في القاهرة وضم الأرض لحديقة المتحف المصري

شهد اجتماعات الاتحاد الاشتراكي.. وتحول إلى مقر للحزب الوطني حتى حرقه المتظاهرون في 2011

مبنى الحزب الوطني المحترق ينتظر هدمه («الشرق الأوسط»)
مبنى الحزب الوطني المحترق ينتظر هدمه («الشرق الأوسط»)
TT

قرار بهدم أحد أقدم «المباني السياسية» في القاهرة وضم الأرض لحديقة المتحف المصري

مبنى الحزب الوطني المحترق ينتظر هدمه («الشرق الأوسط»)
مبنى الحزب الوطني المحترق ينتظر هدمه («الشرق الأوسط»)

قررت الحكومة المصرية هدم أقدم «المباني السياسية» التي شهدت اجتماعات الاتحاد الاشتراكي والحزب الوطني في عهود الرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك. ويقع المبنى على كورنيش النيل، وحرقه المتظاهرون في 2011. وأكد مسؤول في الحكومة أمس أنها قررت وضع نهاية للجدل حول أكثر المباني التي ارتبطت بالاضطرابات السياسية خاصة في السنوات الأخيرة، وهو مبنى الحزب الوطني الديمقراطي الذي تأسس في أواخر عهد السادات، وتولى مبارك رئاسته لمدة تزيد على ثلاثين سنة، لكن عمر المبنى نفسه يعود لعهد عبد الناصر، حيث جرى تأسيسه على الكورنيش بالقرب من ميدان التحرير والمتحف المصري، ليكون مقرا للاتحاد الاشتراكي في ذلك الوقت.
وكان المبنى يضم إجمالا 24 جهة إدارية تابعة للدولة، كما كانت ملكيته تعود لمجلس الشورى، وهو أحد مجلسي البرلمان. وجرى إلغاء «الشورى» في الدستور الجديد الذي أقره الرئيس المؤقت للبلاد مطلع هذا العام. لكن بعد احتراق المبنى بالكامل أيام الثورة على نظام مبارك، بدأت كل جهة، من الحكومة وغير الحكومة، تحاول أن تقتنص لنفسها هذا الموقع المهم الذي تساوي قيمته عشرات الملايين من الدولارات، ومن بين هذه الجهات «محافظة القاهرة» و«وزارة الآثار» و«مجلس الشورى».
وقالت الحكومة عقب اجتماع لها أمس إن «مجلس الوزراء قرر هدم المبنى المجاور للمتحف المصري بالتحرير والمعروف باسم مبنى الحزب الوطني، وضم الأرض إلى محيط مبنى وحديقة المتحف»، مشيرة إلى أن هذا القرار «يأتي في إطار حرص الدولة على التراث الأثري لمصر». وقالت أيضا إن القرار يعد قرارا تاريخيا «لما لهذه الأرض من قيمة مالية ضخمة، ولكن مهما كانت هذه القيمة فإنها لا تقارن بقيمة الحفاظ على التراث المصري الذي يشكل جزءا ثمينا من التراث البشري».
ويقول محمود حسين، صاحب إحدى شركات المقاولات المصرية لـ«الشرق الأوسط»، إن القيمة السوقية للمبنى تقدر بعشرات الملايين من الدولارات، خاصة أنه يقع في منطقة حيوية من قلب القاهرة القديمة ويطل على كورنيش النيل، مشيرا إلى أن إحدى الشركات السياحية تقدمت للحكومة بطلب أواخر العام الماضي من أجل إقامة فندق عالمي، بعد إزالة المبنى المحترق، باستثمارات تشارك فيها عدة بنوك وطنية قيمتها مليار جنيه (الدولار يساوي نحو 6.99 جنيه) لكن الحكومة أخذت بمقترح آخر للاستفادة من موقع الأرض التي يوجد عليها المبنى بضمها إلى المتحف المصري واستغلالها سياحيا وفق خطة لتطوير المنطقة.
ووفقا لمعلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مصادر حكومية أمس، فإن من ضمن المقترحات - بعد هدم المبنى وإلحاقه بالمتحف المصري - أن تتعاون وزارتا الآثار والسياحة في إقامة «مرسى سياحي» على النيل في مواجهة أرض المبنى، يؤدي عبر نفق تحت شارع الكورنيش، إلى المتحف المصري. ويهدف هذا الاقتراح إلى إدخال المتحف ضمن برامج زيارات السياح للأهرامات ومناطق جنوب القاهرة الأثرية، ثم القيام برحلة نيلية إلى المرسى المشار إليه، قبل العودة بالحافلات إلى مقر إقامة السياح.
وينقسم المبنى الذي التصق لسنوات باسم «الحزب الوطني» لجزأين.. الأول يتكون من طابقين وكان مخصصا للأمانة العامة للحزب وأماناته الأخرى بما فيها أمانة السياسات التي كان يرأسها جمال مبارك نجل الرئيس المصري الأسبق، إضافة إلى المجلس الأعلى للسياسات الذي كان يضم أكثر من ثلاثمائة من أساتذة الجامعات والخبراء وكان يرأسه أيضا نجل مبارك. بينما يتكون الجزء الثاني من نحو عشرة طوابق، وكان يضم مقار إدارية لكل من مجلس الشورى، والمجلس الأعلى للصحافة، والمجلس القومي للمرأة الذي كانت ترأسه سوزان مبارك، زوجة الرئيس الأسبق.
واقتحم متظاهرون غاضبون يوم 28 يناير (كانون الثاني) عام 2011، مقر الحزب، ونهبوا محتوياته من أجهزة كومبيوتر وتلفزيونات ومناضد ومقاعد وغيرها، قبل أن يضرموا فيه النار التي ظلت مشتعلة في الجزء الأول من المبنى أولا، قبل أن تنتقل إلى باقي المكاتب والمقرات في الجزء الثاني من المبنى الأكثر ارتفاعا، حيث ظلت النيران تشاهد من على بعد عدة شوارع وجسور لعدة أيام، قبل أن يخمد الحريق في نهاية المطاف، ويعقبه قرار مبارك بالتخلي عن رئاسة الدولة، ومنح صلاحياته للمجلس العسكري.
وبعد هذه الواقعة بعدة أشهر، حاول النائب الراحل طلعت السادات، ابن شقيق الرئيس السادات، الذي كان معارضا لحزب مبارك، استعادة الحزب على أساس أنه تأسس في منزل عمه في أواخر سبعينات القرن الماضي، وتعهد باستعادته مرة أخرى للحياة السياسية في ثوب جديد، بعد أن استقال منه القيادات الكبار تحت ضربات المتظاهرين الذين كانوا يعتصمون في ميدان التحرير. ومنذ اشتعال النيران فيه كانت الاستقالات قد بدأت تتوالى في علامات على سقوط نظام مبارك، ومن بين مَن استقالوا وقتها رجل الأعمال القوي في الحزب في ذلك الوقت، أحمد عز، المسجون حاليا على ذمة التحقيق معه في قضايا احتكار واستغلال نفوذ.
وغيّر النائب السادات اسم الحزب إلى «الحزب الوطني الجديد»، ورشحه بعض السياسيين لتولي رئاسته في أبريل (نيسان) 2011 خلفا لمبارك، لكن طلعت السادات، الذي توفي عقب رحيل نظام مبارك بنحو ثمانية شهور (في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011) لم يتمكن أبدا من تحقيق حلمه القديم الذي كان يجهر به أحيانا أثناء استراحة جلسات البرلمان في «البهو الفرعوني»، وهو استعادة الحزب الوطني لبيت السادات مرة أخرى، بعد أن أصدرت إحدى المحاكم المصرية قرارا بحل الحزب.
وفي مطلع صيف العام الماضي، أي قبل الإطاحة بحكم الرئيس السابق محمد مرسي، وجماعة الإخوان التي ينتمي إليها، بنحو شهرين، بدأت أطماع عدد من رجال الأعمال تظهر بين الحين والآخر للاستحواذ على المبنى. وبالتزامن مع ذلك صدرت عدة تقارير هندسية تؤكد أن الجزء الأول من مقر الحزب لا يصلح للترميم وأنه لا بد من إزالته، بسبب تأثير النيران على جدران المبنى وأسقفه. لكن المبنى ظل كما هو، على حاله، منذ خمدت فيه النيران في بداية فبراير (شباط) 2011، حتى اليوم، حيث ظلت آثار الحرائق والدخان والسخام الأسود تغطي واجهة المبنى من الجانبين.. الجانب المطل على كورنيش النيل، حيث يمكن رؤيته من أعلى الجسور من فوق النهر، ومن الجانب الآخر المطل من الخلف على ميدان التحرير.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».