ليستيف.. «الأب الروحي» للإعلام الروسي المعاصر

أهم رموز حقبة البيريسترويكا والانفتاح على الشاشة الفضية

ليستيف في «حقل العجائب» و بعد تصوير هذه الحلقة  الأخيرة له من برنامج «ساعة الذروة» سقط ليستيف ضحية جريمة قتل لم تكشف  ملابساتها حتى الآن
ليستيف في «حقل العجائب» و بعد تصوير هذه الحلقة الأخيرة له من برنامج «ساعة الذروة» سقط ليستيف ضحية جريمة قتل لم تكشف ملابساتها حتى الآن
TT

ليستيف.. «الأب الروحي» للإعلام الروسي المعاصر

ليستيف في «حقل العجائب» و بعد تصوير هذه الحلقة  الأخيرة له من برنامج «ساعة الذروة» سقط ليستيف ضحية جريمة قتل لم تكشف  ملابساتها حتى الآن
ليستيف في «حقل العجائب» و بعد تصوير هذه الحلقة الأخيرة له من برنامج «ساعة الذروة» سقط ليستيف ضحية جريمة قتل لم تكشف ملابساتها حتى الآن

في البحث عن أسماء الشخصيات التي ساهمت في صياغة الهوية الحديثة للإعلام الروسي، والانتقال به من إعلام «سوفياتي خاضع لرقابة حزبية وأمنية صارمة» إلى إعلام حر متنوع منفتح على كل القضايا، تطفو كثير من الأسماء على السطح. إلا أن اسم الإعلامي الروسي فلاديسلاف ليستيف يبقى محافظًا على مكانته المحورية في عملية الانتقال تلك، لدرجة يمكن معها منح هذا الإعلامي، الذي أوقفت رصاصات غادرة حياته لكنها لم توقف نهجه المهني، لقب «الأب المؤسس» للإعلام الروسي، نظرًا لدوره المحوري في بث روح جديدة في عمل تلك المؤسسة.
تعود بداية صعود فلاديسلاف ليستيف مهنيًا إلى الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1987. عندما بثت قناة التلفزيون السوفياتية الرئيسية التابعة للمؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون، حينها، الحلقة الأولى من برنامج «فيزغلياد»، أي (نظرة - وجهة نظر)، الذي غير نظرة المواطنين السوفيات لمعنى مصطلح «تلفزيون» وشكل رمزًا من رموز حقبة البيريسترويكا والانفتاح.
في ذلك البرنامج، كان ليستيف واحدا من أربعة شبان يقدمون فقرات متنوعة ما بين الفن والسياسية، بما في ذلك مشاهد من أفلام وأغان أجنبية شهيرة لم يسبق أن عرضتها شاشات التلفزة السوفياتية لأسباب أيدلوجية سياسية متصلة بطبيعة النظام السياسي حينها. حيث كان المواطن السوفياتي يعيش في حالة عزلة عن العالم الخارجي، ولديه تعطش كبير لمشاهدة أسلوب الحياة في العالم من حوله.
واللافت في الأمر أن القرار بإطلاق ذلك البرنامج تم اتخاذه على أعلى مستويات في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، والهدف هو إبعاد الشباب السوفيات عن الاستماع لمحطات الإذاعة الأجنبية، لكن فريق العمل تمكن من تقديم برنامج نوعي حين أخذ يبحث في القضايا السياسية المحظورة، بما في ذلك السياسة الداخلية.
ومع أنه لا يمكن اتهام التلفزيون السوفياتي في تلك المرحلة بشح البرامج الترفيهية، لكنها كلها كانت ضمن حدود معينة، غير بعيدة عن «البروبغاندا» لأسلوب الحياة السوفياتي في شتى المجالات. أما برنامج «فيزغلياد» فقد كان الأول من نوعه الذي خرج تدريجيًا عن تلك الأطر، وطرح فقرات متنوعة جديدة مقابل تناوله مسائل لم تكن متاحة لأي برنامج تلفزيوني آخر حينها. لذلك حظي ذلك البرنامج باهتمام ومتابعة واسعين، والأمر ذاته بالنسبة لمقدميه وبينهم فلاديسلاف ليستيف.
وفي سنوات شبابه، اهتم ليستيف بالرياضة، وأنهى دراسته في مدارس رياضية، وحصل على بطولة الجري للشباب. بعد ذلك، قرر الدراسة في جامعة موسكو الحكومية الشهيرة وشاء القدر أن يكون من نصيبه اختصاص «صحافة دولية».
وبعد التخرج بدأ يعمل من عام 1982 محررا في قسم البث إلى الدول الأجنبية التابع للقسم الرئيسي لـ«البروبغاندا» في المؤسسة العامة السوفياتية للإذاعة والتلفزيون.
وفي عام 1987 باشر عمله في قسم برامج الشباب في التلفزيون المركزي، الذي انطلق منه برنامج «فيزغلياد». وبعد النجاح الذي حققه في ذلك البرنامج، قرر ليستيف مع زملائه تأسيس شركة إنتاج تلفزيوني أطلقوا عليها اسم «ف ي د». لاحقا قامت هذه الشركة بإنتاج عدد كبير من البرامج الترفيهية والسياسية الجادة، التي حظيت باهتمام واسع جدًا لدى الجمهور.
في حين لا يمكن نفي حقيقة أن فلاديسلاف ليستيف كان يمتلك كاريزما فريدة من نوعها، فإنها لم تكن ستكفي وحدها كي يصعد سلم النجومية في العمل الإعلامي، ويحقق كل تلك النجاحات. الكاريزما لديه ساعدته في نجوميته إلا أن الأساس يعود إلى مهارات كامنة لديه تبلورت عمليًا ضمن سلسلة برامج أخذ يطلقها مع شركائه في شركة «ف ي د» للإنتاج التلفزيوني، ويتم عرضها على القناة الرئيسية، التي أصبح اسمها «أو آر تي» أي «قناة التلفزيون العامة». ومن أكثر تلك البرامج شهرة، كان برنامج «حقل العجائب»، الذي كان أول برنامج مسابقات تعرضه الشاشات حينها.
وحتى يومنا هذا، يبقى برنامج «حقل العجائب» المفضل لدى الملايين. فمنذ البداية، وعلى مدار سنوات عدة، ارتبط البرنامج بشخص ليستيف الذي كان يدير ذلك البرنامج، إلا أن إعداده برامج جديدة تطلبت منه تركيز جهوده عليها دفعته للبحث عن شخصية مناسبة لمواصلة العمل في «حقل العجائب». فكان يستضيف مقدم برامج جديدا كل أسبوع وينتظر نتائج تصويت المشاهدين، إلى أن وقع الاختيار على ليونيد ياكوبوفيتش، إعلامي روسي وصديق مقرب من ليستيف، وما زال ياكوبوفيتش يدير البرنامج حتى يومنا هذا.
وبعد ذلك، انتقل ليستيف من «حقل العجائب» ليطل على محبيه عبر برنامج جديد مطلع التسعينات، اسمه «ساعة الذروة» وهو مصطلح يُستخدم عادة للإشارة - في أحد معانيه - إلى «ساعة ذروة الازدحام في الطرقات». أما اختيار ليستيف لهذا التعبير اسما لبرنامجه الجديد، فيعود إلى طبيعة البرنامج الذي يستضيف في ساعات المساء شخصيات رسمية أو صاحبة نفوذ لبحث القضايا الملحة والعالقة المعقدة في آن واحد، إن كان في السياسة أو الاقتصاد أو مجالات أخرى. في برنامجه الجديد الذي رأى فيه كثيرون نسخة طبق الأصل عن برنامج الإعلامي الأميركي الشهير لاري كينغ، لدرجة تقليده في اللباس، أظهر ليستيف مهارات نادرة في إدارة الحوار مع ضيوفه من كبار الشخصيات القيادية في البلاد، فيوجه أسئلة غالبا ما تحرج الضيف دون أن يترك له مجالاً للتهرب من الإجابة بوضوح. ولم يكن ضيوف ليستيف في ذلك البرنامج شخصيات من عالم السياسة فقط، بل من عالم الفن والثقافة أيضًا، ذلك أن المعيار في تحديد ضيف البرنامج كان يعتمد بصورة أساسية على الحدث اليومي والقصة التي تشغل الرأي العام والمواطن الروسي.
منذ عام 1991 عندما كان ليستيف رئيسًا لشركة «ف ي د» وحتى عام 1995، حين تم تعيينه مديرًا عاما للمؤسسة التلفزيونية الجديدة التي أسستها السلطات الروسية على أرضية قناة التلفزيون الرئيسية في الحقبة السوفياتية، أنتج ليستيف مجموعة من البرامج الترفيهية وبرامج المسابقات، فضلا عن برامج حوارية سياسية، شكلت كلها نوعية جديدة من الإنتاج الإعلامي في روسيا، ومن تلك البرامج «تيما» أي «موضوع»، وهو برنامج حواري سياسي، وبرنامج «ساعة النجومية» وهو برنامج مسابقات خاص للأطفال، وهناك برنامج «أحزر اللحن» الذي ما تزال القناة الروسية الأولى تعرضه حتى اليوم، فضلا عن برامج كثيرة أخرى يعود له الفضل في إطلاقها، واضعًا عبرها أسس العمل التلفزيوني لمرحلة روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي.
وبعد توليه منصب مدير المؤسسة التلفزيونية العامة «أو آر تي»، التي تُعرف الآن باسم «القناة الأولى»، لم يتوقف ليستيف عن الإبداع وتقديم العمل الجديد تلو الآخر لعشاقه، بينما احتفظ لنفسه بموقع مقدم برنامج «ساعة الذروة».
وفي الأول من مارس (آذار) عام 1995، بينما كان عائدًا إلى منزله بعد تصوير الحلقة المسائية من برنامج «ساعة الذورة»، تعرض فلاديسلاف ليستيف لعملية اغتيال في مدخل منزله، وفارق ليستيف المولود في العاشر من مايو (أيار) 1956 الحياة قبل أن يكمل عامه التاسع والثلاثين. نبأ مقتله كان له وقع الصاعقة على الرأس بالنسبة لملايين المواطنين الروس الذين طالما رأوا فيه رمزا للمرحلة وأحبوا رؤيته وكل ما يقدمه لهم. فأعلنت الحكومة الحداد العام في البلاد، ووجه الرئيس الروسي بوريس يلتسين كلمة عبر التلفاز على خلفية تلك الجريمة، بينما ألغت قنوات التلفزة البرامج الترفيهية.
وعلى الرغم من كل الوعود بإلقاء القبض على مرتكبي الجريمة ومن يقف خلفها، فإن التحقيقات لم تتمكن من كشف ملابسات الجريمة، وتم إغلاق ملف القضية عام 2010.
وحتى اليوم، تبقى قضية اغتيال ليستيف لغزا دون حل، لكن البعض يربط مقتل ليستيف بقرار كان قد اتخذه قبل الجريمة بأيام ويحظر بموجبه عرض الإعلانات على شاشة القناة. ويقول أصحاب وجهة النظر هذه إن رجل الأعمال بوريس بيريزوفسكي هو من خطط وقرر لاغتيال ليستيف، لأن حظر الإعلانات على القناة كان سيؤدي إلى خسائر كبيرة لشركات بيريزوفسكي، إلا أن التحقيقات لم تتوصل إلى أي دليل يدعم وجهة النظر هذه، كما فشلت في الكشف عن ملابسات أكبر وأول جريمة من هذا النوع في روسيا يسقط ضحيتها شخصية إعلامية كبيرة. رحل فلاديسلاف ليستيف في اليوم الأول من ربيع عام 1995، لكنه ما زال في الذاكرة صانع الإعلام الروسي الحديث. وتكريما له أطلق العلماء الروس اسمه على كويكب يجوب السماء متألقا.



كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
TT

كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)

قبل 861 عاماً، نهضت كاتدرائية «نوتردام دو باريس» في قلب العاصمة الفرنسية. ومع مرور العقود والعصور تحوّلت إلى رمز لباريس، لا بل لفرنسا. ورغم الثورات والحروب بقيت «نوتردام» صامدة حيث هي، في قلب باريس وحارسة نهر السين الذي يغسل قدميها. إلا أن المأساة حلّت في شهر أبريل (نيسان) من عام 2019، عندما اندلع حريق هائل، التهمت نيرانه أقساماً رئيسة من الكاتدرائية التي انهار سقفها وتهاوى «سهمها»، وكان سقوطه مدوياً.

منظر للنافذة الوردية الجنوبية لكاتدرائية نوتردام دو باريس(رويترز)

حريق «نوتردام» كارثة وطنية

وكارثة «نوتردام» تحوّلت إلى مأساة وطنية، إذ كان يكفي النظر إلى آلاف الباريسيين والفرنسيين والسياح الذين تسمّروا على ضفتي نهر السين ليشهدوا المأساة الجارية أمام عيونهم. لكن اللافت كانت السرعة التي قررت فيها السلطات المدنية والكنسية مباشرة عملية الترميم، وسريعاً جدّاً، أطلقت حملة تبرعات.

وفي كلمة متلفزة له، سعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى شد أزر مواطنيه، مؤكداً أن إعادة بناء الكاتدرائية و«إرجاعها أجمل مما كانت» ستبدأ من غير تأخير. وأعلن تأسيس هيئة تشرف عليها، وأوكل المهمة إلى الجنرال جان لويس جورجولين، رئيس أركان القوات المسلحة السابق. وبدأت التبرعات بالوصول.

وإذا احتاجت الكاتدرائية لقرنين لاكتمال بنائها، فإن ترميمها جرى خلال 5 سنوات، الأمر الذي يعد إنجازاً استثنائياً لأنه تحول إلى قضية وطنية، لا بل عالمية بالنظر للتعبئة الشعبية الفرنسية والتعاطف الدولي، بحيث تحوّلت الكاتدرائية إلى رابطة تجمع الشعوب.

وتبين الأرقام التي نشرت حديثاً أن التبرعات تدفقت من 340 ألف شخص، من 150 دولة، قدّموا 846 مليون يورو، إلا أن القسم الأكبر منها جاء من كبار الممولين والشركات الفرنسية، ومن بينهم من أسهم بـ200 مليون يورو. ومن بين الأجانب المتبرعين، هناك 50 ألف أميركي، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وكان أحد الأسباب التي دفعته للمجيء إلى فرنسا؛ البلد الأول الذي يزوره بعد إعادة انتخابه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

متطوعون يضعون برنامج الحفل على المقاعد قبل الحفل (أ.ف.ب)

منذ ما يزيد على الشهر، تحوّلت الكاتدرائية إلى موضوع إلزامي في كل الوسائل الإعلامية. وخلال الأسبوع الحالي، حفلت الصحف والمجلات وقنوات التلفزة والإذاعات ببرامج خاصة تروي تاريخ الكاتدرائية والأحداث الرئيسة التي عاشتها في تاريخها الطويل.

وللدلالة على الأهمية التي احتلتها في الوعي الفرنسي، فإن رئيس الجمهورية زارها 7 مرات للاطلاع على التقدم الذي حققه المهنيون والحرفيون في إعادة البناء والترميم. وإذا كانت الكاتدرائية تجتذب قبل 2012 ما لا يقل عن 12 مليون زائر كل عام، فإن توقعات المشرفين عليها تشير إلى أن العدد سيصل العام المقبل إلى 15 مليوناً من كل أنحاء العالم.

المواطنون والسياح ينتظرون إفساح المجال للوصول الى ساحة الكاتدرائية (أ.ف.ب)

باريس «عاصمة العالم»

خلال هذين اليومين، تحوّلت باريس إلى «عاصمة العالم»، ليس فقط لأن قصر الإليزيه وجّه دعوات لعشرات من الملوك ورؤساء الدول والحكومات الذين حضر منهم نحو الخمسين، ولكن أيضاً لأن الاحتفالية حظيت بنقل مباشر إلى مئات الملايين عبر العالم.

وقادة الدول الذين قدّموا إلى «عاصمة النور» جاءوا إليها من القارات الخمس. وبسبب هذا الجمع الدولي، فإن شرطة العاصمة ووزارة الداخلية عمدتا إلى تشكيل طوق أمني محكم لتجنب أي إخلال بالأمن، خصوصاً أن سلطاتها دأبت على التحذير من أعمال قد تكون ذات طابع إرهابي. وإذا كان الرئيس الأميركي المنتخب قد حظي بالاهتمام الأكبر، ليس لأنه من المؤمنين المواظبين، بل لأنه يُمثل بلداً له تأثيره على مجريات العالم.

لكن في المقابل، تأسف الفرنسيون لأن البابا فرنسيس اعتذر عن تلبية الدعوة. والمثير للدهشة أنه سيقوم بزيارة جزيرة كورسيكا المتوسطية الواقعة على بُعد رمية حجر من شاطئ مدينة نيس اللازوردية، في 15 الشهر الحالي. والمدهش أيضاً أنه منذ أن أصبح خليفة القديس بطرس في روما، «المدينة الخالدة»، فإنه زار فرنسا مرتين، ثانيها كانت لمدينة مرسيليا الساحلية. بيد أنه لم يأتِ إلى باريس إطلاقاً. ووفق مصادر واسعة الاطلاع، فإن قرار البابا أحدث خيبة على المستويين الديني والرسمي. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى حدث تاريخي رئيس، وهو أن بابا روما بيوس السابع، قدم إلى باريس يوم 2 ديسمبر (كانون الأول) من عام 1804، لتتويج نابليون الأول إمبراطوراً.

وتمثل لوحة الرسام الفرنسي الشهير لوي دافيد، التي خلد فيها تتويج بونابرت، ما قام به الأخير الذي لم ينتظر أن يضع البابا التاج على رأسه، بل أخذه بيديه ووضعه بنفسه على رأسه، وكذلك فعل مع الإمبراطورة جوزفين.

احتفالية استثنائية

لم يساعد الطقس مساعدي الاحتفالية الذين خططوا لأن تكون من جزأين: الأول رسمي، ويجري في ساحة الكاتدرائية الأمامية؛ حيث يلقي الرئيس ماكرون خطابه المقدر من 15 دقيقة، وبعدها الانتقال إلى الداخل للجزء الديني. وكان مقدراً للمواطنين الـ40 ألفاً، إضافة إلى 1500 مدعو حظوا بالوجود داخل الكاتدرائية، أن يتابعوا الحدث من المنصات التي نصبت على ضفتي نهر السين، إلا أن الأمطار والعواصف التي ضربت باريس ومنطقتها أطاحت بالبرنامج الرئيس، إذ حصلت كل الاحتفالية بالداخل. بيد أن الأمطار لم تقض على شعور استثنائي بالوحدة والسلام غلب على الحاضرين، وسط عالم ينزف جراء تواصل الحروب، سواء أكان في الشرق الأوسط أم في أوكرانيا أم في مطارح أخرى من العالم المعذب. وجاءت لحظة الولوج إلى الكاتدرائية، بوصفها إحدى المحطات الفارقة، إذ تمت وفق بروتوكول يعود إلى مئات السنين. بدءاً من إعادة فتح أولريش لأبواب «نوتردام» الخشبية الكبيرة بشكل رمزي.

كاتدرائية «نوتردام» السبت وسط حراسة أمنية استعداداً لإعادة افتتاحها (إ.ب.ى)

وسيقوم بالنقر عليها 3 مرات بعصا مصنوعة من الخشب المتفحم الذي جرى إنقاذه من سقف الكاتدرائية الذي دمرته النيران، وسيعلن فتح الكاتدرائية للعبادة مرة أخرى. ونقل عن المسؤول عن الكاتدرائية القس أوليفييه ريبادو دوما أن «نوتردام»، التي هي ملك الدولة الفرنسية، ولكن تديرها الكنيسة الكاثوليكية «أكثر من مجرد نصب تذكاري فرنسي وكنز محبوب من التراث الثقافي العالم، لا بل هي أيضاً علامة على الأمل، لأن ما كان يبدو مستحيلاً أصبح ممكناً»، مضيفاً أنها أيضاً «رمز رائع».

الأرغن الضخم يحتوي على 8 آلاف مزمار تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام (أ.ف.ب)

كذلك، فإن تشغيل الأرغن الضخم الذي تم تنظيفه وتحضيره للمناسبة الاستثنائية، تم كذلك وفق آلية دقيقة. ففي حين ترتفع المزامير والصلوات والترانيم، فإنه جرى إحياء الأرغن المدوي، الذي صمت وتدهورت أوضاعه بسبب الحريق. ويحتوي الأرغن على 8 آلاف مزمار، تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام. وقام 4 من العازفين بتقديم مجموعة من الألحان بعضها جاء مرتجلاً.

إلى جانب الشقين الرسمي والديني، حرص المنظمون على وجود شق يعكس الفرح؛ إذ أدت مجموعة من الفنانين الفرنسيين والأجانب لوحات جميلة جديرة بالمكان الذي برز بحلة جديدة بأحجاره المتأرجحة بين الأبيض والأشقر وزجاجه الملون، وإرثه الذي تم إنقاذه من النيران وأعيد إحياؤه.

وبعد عدة أيام، سيُعاد فتح الكاتدرائية أمام الزوار الذي سيتدفقوة بالآلاف على هذا المعلم الاستثنائي.

حقائق

846 مليون يورو

تدفقت التبرعات من 340 ألف شخص من 150 دولة قدموا 846 مليون يورو لإعادة ترميم نوتردام