مدينة الموصل في رواية إماراتية

«حارس الشمس» لإيمان يوسف تطرح أسئلة الغياب العراقي

تدمير «داعش» لآثار الموصل
تدمير «داعش» لآثار الموصل
TT

مدينة الموصل في رواية إماراتية

تدمير «داعش» لآثار الموصل
تدمير «داعش» لآثار الموصل

في معرض لندن للكتاب، وفي جناح مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، عرضت دار نشر قنديل آخر الإصدارات الروائية في منطقة الخليج، ومنها رواية «حارس الشمس» للكاتبة والمهندسة الإماراتية إيمان اليوسف التي فازت بالجائزة الأولى لمسابقة «جائزة الإمارات للرواية» مناصفة مع رواية الكاتب سعيد البادي «مدن ونساء».
استوقفني الإهداء: (إلى الآثار العراقية ما كان منها موجودا وما اختفى إلى الأبد)، وجرني إلى قراءة الرواية في غضون يومين، ترى ما الذي يجعل مهندسة إماراتية وكاتبة شابة تختار بيئة غير بيئتها كي تكتب عنها؟! الكتابة هي إذعان لحلم ما، وفي حالة إيمان يوسف الكتابة عن العراق، في أزمته الحالية، وتحديدا عن مدينة الموصل، هي انقياد نحو الكابوس بكل معانيه.
«حارس الشمس» قُسّمت 30 فصلا، الفصل الأخير من الرواية يدور على مقربة من جامع النبي يونس لحظة تفجيره من قبل عصابات «داعش»، وأعتقد أن الكاتبة اختارت خاتمة روايتها قبل الشروع في بدايتها.. النهاية لحظة توتر جوهرية والحدث الذروة، وكل أحداث الرواية ستبنى باتجاه هذه النهاية.
بطل «حارس الشمس» هو حسين منصور، عراقي من أهالي الموصل، حارس ليلي وسادن في جامع النبي يونس، قليل الكلام وقليل الحظ، يحلم بقطعة أرض يزرعها بزهور دوار الشمس؛ كي يستدل على الضوء الذي ستدير له دوار الشمس أعناقها، وكي تقيه الأرض مذلة التشرد في وطنه. هو بلا ذرية ولا زوجة، وحيد إلا من رحمه (أمه المحتضرة، ومدينته الموصل). جامع النبي يونس هو بطل الرواية أيضا، يقصده الناس للتبرك وطلبا للشفاء والاستجمام. حسين منصور سيظل مخدرا بضعفه وحيرته، مأزوما بفشله وإحباطاته وخساراته يتخذ من الجامع (البطل) مسكنا له.
الكاتبة وظفت الكثير من الميثولوجيا المحلية والعادات الشعبية في إثراء تفاصيل السرد، وهذا واضح منذ الصفحات الأولى، كما في ص 18 فهناك اعتقاد لدى أهل الموصل أن المرأة حين ترمي عباءتها من مئذنة جامع النبي يونس وتسقط العباءة بجانب ولد أو رجل من المارة، فستلد تلك المرأة ولدا. ونجحت في تطريز السرد بنوادر باللهجة الموصلية (لغاد، أمك عتموت...)، والحلويات والأطعمة الموصلية (من السما، لقم). كذلك أغنت الكاتبة السرد بالحقائق التاريخية عن الموصل وجوامعها ومئذنة الحدباء وجسورها عبر شخصية مليكة (الجزائرية- الفرنسية)، وهي باحثة في هندسة القباب والمنارات الإسلامية ترافق زوجها (الفرنسي - العراقي) يحيى في رحلة العودة إلى الموصل لبيع أرضه، الشعرة الأخيرة التي تربطه ووالديه بالوطن، حيث تلاشى كل أمل بعودة المهاجرين.
محور الرواية هي الأرض التي يحلم حسين بشرائها، ويحلم يحيى ومليكة باستردادها وجني المال من بيعها، والأرض التي سيعود إليها جواد ابن المرأة الشيعية الفقيرة الذي فُقد في الحرب، كأن الأرض هي الأم وهي التي ستستقبل الغائبين عند إيابهم.
الرواية تلاحق كل أشكال المعاناة العراقية وتحاول تضمينها بالسرد، زمن الديكتاتور والحروب والغزو الأميركي والاقتتال الطائفي والتهجير...إلخ. بصفتنا قراء تواجهنا حيرة في هذه الرواية، وهي تماهي الظالم والمظلوم وتبادل الأدوار بينهما، لا يوجد ظالم ولا مظلوم، الكل ضحايا مأزق العيش في وطن مستباح بالحروب والغياب.
استخدمت الكاتبة أسلوب الراوي العليم الذي يصف الشخصيات والأحداث بلغة شعرية حادة، شعرت أحيانا بأني أقرأ قصائد نثرية متكاملة وأحيانا خذلت النبرة الشعرية العالية بساطة السرد، وجعلت القارئ يتأرجح بين جمل معقدة الوصف ومفردات ثقيلة الوطء على مجريات الحدث. لكن هناك تقاطعات جميلة بين استرداد الماضي بفقرة، ووصف الحاضر بفقرة تليها مباشرة كما في ص 64. الكاتبة امتازت بالوصف الديناميكي والجمل القصيرة المتلاحقة في وصف المشاهد؛ مما جعلنا نتخيل ما نقرأه كأنه شريط سينمائي.
الأسماء في الرواية رغم محليتها فهي ذات دلالات واضحة: حسين منصور، علاء الجندي المسيحي، أم جواد الأرملة الشيعية البصرية، دجلة زوجة حسين منصور المختفية، دجلة رمز الماء، والحياة تختفي باختفاء الماء، وماء الحياة هو الأمان أيضا، اختيار هذا الاسم موفق جدا لرمزيته ودلالاته الإيحائية المرتبطة بالزمن السردي.
الموت والتلاشي حاضر في الرواية، وتحديدا منذ الفصل الثالث، حيث تبدأ فصول التواري الأبدي، أم حسين العجوز المحتضرة تصف الموت بـ(الزائر الملثم الذي تراه في عيون رُضَعها الذين فقدتهم واحدا تلو الآخر)، نحن أمام حزن نبيل يفجر أسئلة وجودية لأم منكوبة بفقد أولادها ولا تدري لماذا تحل عليها المصائب دون غيرها. حسين بطل الرواية هو وليدها التاسع، رأت الأم التماعة الموت في عينيه أيضا، لكنه نجا منه بالإهمال وكثرة البكاء، ما أجمل هذه المفارقة التي ابتكرتها الكاتبة؛ فالبطل حسين كان عليه أن يختار بين الموت صمتا كما إخوته أو البكاء طويلا. الأم من جهة أخرى اختارت لابنها (حسين) مصيره حين تنبأت له (حسين لا ولد له ولا حظ) ص23. الكاتبة هنا تجاوزت الثنائيات المتناقضة إلى تلك المتكاملة والمتداخلة، بل أحسنت مزجها (الموت - البكاء، الحياة -الحلم، الأرض - المال).
في الفصل الخامس هناك ترابط بين حياة الجامع الليلية بحياة حسين منصور؛ فالناس لا يعرفون شيئا عن الجامع ليلا، وكذلك يجهلون حسين منصور الذي يستأنس بالظلام والسكينة كما استأنس يونس بظلام جوف الحوت عن حياة العائلة والأسرة، متذبذبا بين اليقظة والحلم حتى تغدو الخيالات بالنسبة له واقعا، ومحتارا بين حلمه في جمع المال لشراء أرض وبين واجبه في منح المال لأمه المريضة كي تجري عملية. حسين منصور فاقد القدرة على تمييز الخير من الشر، وهو غير مهتم بالحكم على الأشياء والسلوكيات. إن الطابع المعقد لفعل حسين منصور عندما اتخذ على عاتقه تهديد أم جواد لاسترجاع الأرض التي سكنتها وأولادها، هو عقدة هذه الرواية التي ظلت مسترخية الأحداث رغم أنها تدور في مدينة تعتصرها التغييرات السياسية وتلتهمها نيران الطائفية والتشنج الديني، فحسين منصور لم يسأل نفسه هل هذا فعل خير أم شر؟ هناك حيرة سترافق القارئ حتى النهاية من لا يقينية شخصية حسين منصور من ذاتها.
جمعت الكاتبة في الصفحة 87 بين تأريخ موت (أبي جواد) رب الأسرة الشيعية الفقيرة التي سكنت أرضا مجهولة الملكية في الموصل، بالسكتة القلبية، وبين التاريخ الذي قبض فيه الجنود الأميركان على صدام حسين، لقد أحسنت الكاتبة توأمة موت الفقير المهمش مع نهاية الظالم، كأنما تقصدت رمزية نهاية الظالم والمظلوم معا.
قصص الحب باهتة في الرواية، ورغم ذلك فهي تترك بصمة أكبر من حيزها في البناء السردي، كما قصة حب حسين منصور لدجلة، وقصة حب ملكية ويحيى.
الرواية هي الجنس الأدبي الأقرب للقارئ المعاصر، تعيد محاكاة الواقع وتكبيره بالكلمات كي نعي حجم نكباتنا الصغيرة، متاعب الحياة الشخصية، والتغيرات الكبيرة، وأعني الحروب والموت والهجرة، الرواية هي المرآة العاكسة لهيمنة اللغة في وصف مكابداتنا ومأزقنا الحياتي بصنوفه كافة. الكاتبة مثلا لا تغفل وقع الموت وتفاصيله الصريحة المتربصة بالناس في طريق بغداد الموصل وكيف أن ياسين أخ حسين منصور يتخذ من هذا الطريق مصدر رزق بعمله سائقا رغم الموت، وهنا نحن أمام مفارقة ملامسة الموت لأنه مصدر الرزق.
«حارس الشمس» رواية بلا خيال، لكنها تستخدم الموروث الميثولوجي الشعبي لتعزيز الحكاية، هي رواية عن الحاضر بناسه ووقائعه، الحاضر المتشكل بفعل ماض ترك بصمة دامية فيه، والسائر نحو مستقبل مستنبطا بفعل الوقائع الحالية، هي رواية أهلنا ومدننا العربية ومعالمها التي دُمرت بفعل الحروب وفقدت ذاكرتها الجمعية بفقدان أهلها الذين هُجّروا وغُيبوا.
«ما هي التعويذة الملعونة التي أصابت هذه الأرض المباركة لتدفن الحضارة والأصالة فيه تحت طبقات من الدمار والخراب» تتساءل الكاتبة في الصفحة 65. إن كارثة تدمير الآثار أو تفجير جامع أثري في الموصل ليست كارثة محلية، وإن كانت تمس أهل الموصل وجدانيا أكثر من غيرهم، بل هي كارثة إنسانية كما غيرها من الكوارث في محو وإزالة آثار الشعوب وتاريخها وذاكرة أجيالها. هنات بسيطة وقعت فيها الكاتبة مثل اختلاف تسمية الابن الثاني لأم جواد، في الصفحة 71 تسميه (حيدر) الشاب الذي يبيع الخضر لمساعدة عائلته، وتسميه (سعد) بدءًا من الصفحة 91. أو كما ذكرت الكاتبة أن الجنود العراقيين هم من قبض على صدام حسين بمساعدة الأميركان، والصحيح أن سرية أميركية هي من قبضت عليه فقط.
نهاية الرواية موفقة جدا حين جعلت الكاتبة الطفل (هادي) شاهدا على تفجير الجامع، وإن وقع وسال دمه لكنه نهض، فهل سيكون مستقبل الموصل هاديا كما اسم الطفل الشاهد؟ لقد استقصت هذه الرواية بطريقتها الخاصة وبمنطقها الخاص جوانب الألم العراقي في تلك البقعة من الأرض، وحاولت الإلمام بتلك اللعنة المزمنة، لعنة الحروب والديكتاتورية، ولعنة الواقع المتشظي، ولعنة ما سيأتي.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».