البنود الأساسية لاتفاق سقف الدين والميزانية الأميركية

أوباما دعا الموظفين للعودة إلى أعمالهم وتأثيرات محدودة على السوق الأوروبية والآسيوية في اليوم الأول للاتفاق

البنود الأساسية لاتفاق سقف الدين والميزانية الأميركية
TT

البنود الأساسية لاتفاق سقف الدين والميزانية الأميركية

البنود الأساسية لاتفاق سقف الدين والميزانية الأميركية

بعد الكثير من التوترات والمناقشات الساخنة التي جعلت جميع الدوائر السياسية والاقتصادية وكافة الأسواق العالمية تترقب بمزيد من القلق نتائج المناقشات داخل الجلسات المغلقة لمجلس الشيوخ، جاء الخبر المنتظر بتوصل الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي» إلى حل وسط أمس يجنب أميركا مخاطر السقوط في هاوية اقتصادية، قبيل ساعات من المهلة النهائية التي تنتهي قبيل منتصف الليلة الماضية.
وقال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي باراك أوباما يدعم الاتفاق الذي توصل إليه مجلس الشيوخ أمس الأربعاء لتفادي تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديون واستئناف الأنشطة الحكومية المتوقفة، ويريد من الكونغرس سرعة إقراره، واشتمل القانون الذي جرى التوصل إليه لاستئناف عمل الحكومة الأميركية ورفع سقف دين الولايات المتحدة على البنود الأساسية التالية:
- إعطاء الدور الأخضر لميزانية قصيرة الأجل تمتد حتى يوم 15 يناير (كانون الثاني).
- زيادة سقف الدين بشكل يسمح بسداد التزامات الحكومة حتى يوم 7 فبراير (شباط).
- في إشارة رمزية للجمهوريين بمجلس النواب، يقدم الاتفاق إضافة طفيفة إلى برنامج الرعاية الصحية، داعيا إلى التأكد من دخل الأفراد الذين يحق لهم الحصول على مساعدة حكومية لسداد قيمة التأمين الصحي الإلزامي.
- تشكيل لجنة عليا من الديمقراطيين والجمهوريين من مجلسي النواب والشيوخ بالكونغرس لتسوية الخلافات المتعلقة بالإنفاق طويل الأمد بحلول يوم 13 ديسمبر (كانون الأول).
ووقع على مشروع القانون كي يدخل حيز التنفيذ الرئيس الأميركي باراك أوباما، وطلب البيت الأبيض من العمال على المستوى الاتحادي الذين كانوا في إجازة إجبارية بالعودة إلى وظائفهم صباح اليوم الخميس.
يذكر أنه من دون موافقة الكونغرس على رفع سقف الدين قبل منتصف ليل الأربعاء بالتوقيت المحلي (04.00 بتوقيت غرينيتش)، كانت حكومة أكبر اقتصاد في العالم ستعجز عن اقتراض أي أموال أخرى، لأنها ستكون قد وصلت إلى سقف سلطة اقتراضها القانونية عند 16.7 تريليون دولار، وحذر وزير الخزانة جاكوب ليو من أن الوزارة سيكون لديها اليوم نحو 30 مليار دولار نقدا وهو مبلغ غير كاف للوفاء بالالتزامات اليومية التي يمكن أن تصل إلى 60 مليار دولار.
وأحدث الاتفاق الأميركي المتأخر في التوقيت تأثيرات محدودة في اليوم الأول، حيث تراجعت الأسهم الأوروبية في مستهل تداولات اليوم الخميس بعد أن دفع التوصل إلى اتفاق في اللحظات الأخيرة لاستئناف عمل الحكومة الأميركية وتفادي التخلف عن سداد الدين بعض المستثمرين إلى البيع لجني أرباح من مكاسب اليوم السابق، بينما سجلت أسواق الأسهم في آسيا اليوم الخميس مكاسب معتدلة في ترحيب حذر بالاتفاق الذي جرى التوصل إليه في الكونغرس الأميركي لينهي أسابيع من إغلاق المؤسسات الحكومية ويجنب أكبر اقتصاد في العالم عجزا قياسيا عن سداد الديون.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟