على الرغم من نجاح قوات محلية وخليجية في طرد عناصر القاعدة من المنطقة التي سيطرت عليها في اليمن، فإن هؤلاء لا يزالون يتوسعون في مناطق أخرى بالجنوب حيث يجنون مكاسب من الوقود المهرب.
وقتل عشرات المتشددين في حملة دعمتها قوات التحالف الذي تقوده السعودية على المكلا، ثالث أكبر موانئ اليمن، التي اتخذ منها التنظيم معقلا، لكن المئات من عناصره فروا إلى محافظة شبوة المجاورة وغيرها.
وتقول مصادر أمنية وقبلية وملاحية، إن التنظيم بعد شهر من رحيله عن المكلا يزدهر بانضمام جماعات متنوعة من المسلحين في جباية ضرائب على وقود ينقل بطرق غير شرعية إلى شواطئ نائية على ساحل بحر العرب.
ويوجد في شبوة أكبر مشروع صناعي باليمن، وهو منشأة لتصدير الغاز الطبيعي المسال. والمحافظة مقسمة بين القاعدة وقوات حكومية موالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، وميليشيات الحوثيين وقبائل مسلحة.
وتقول مصادر قبلية إن كل الأطراف تنتفع في وقت تعاني فيه البلاد من نقص حاد في الوقود بمختلف أنحائها. وقال زعيم قبلي محلي: «هناك في شبوة 5 نقاط تفتيش بين بير علي وعتاق تؤدي إلى الداخل (الذي يسيطر عليه المتمردون الحوثيون).. واحدة للجيش وواحدة لجماعة قبلية مسلحة، وواحدة للقائم بأعمال المحافظ، وتسيطر القاعدة على اثنتين في عزان».
وأقر بذلك اللواء فراج البحسني، قائد القوات اليمنية التي طردت تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من المكلا. وقال: «في عزان توجد مراكز ... يتم تهريب المشتقات النفطية من بلحاف ومناطق باتجاه شبوة، نسمع عن هذا باستمرار».
وتقول جماعات إغاثة إن اليمن في الشهور الأخيرة لم يحصل في المتوسط إلا على أقل من 10 في المائة من احتياجاته من الوقود التي تتجاوز 500 ألف طن، بسبب عمليات التفتيش للموانئ اليمنية بغرض منع وصول السلاح للحوثيين. ودافع محسن الحاج مدير مكتب محافظ شبوة عن دور المحافظة في التصدي للتجارة غير المشروعة، بينما تكافح للحفاظ على الأمن في ظل مساعدة خارجية محدودة.
وقال الحاج لـ«رويترز»: «المحافظة تحتفظ بأبسط المقومات.. محافظة شبوة مساحتها 42 ألف كيلومتر مربع، ولا توجد لدينا غير سيارتين للأمن.. وهاتان السيارتان غير مسلحتين».
وقبل الهجوم العسكري لقوات التحالف العربي على المكلا يومي 24 و25 أبريل (نيسان) الماضي، تمتع تنظيم القاعدة برخاء نسبي على مسافة 600 كيلومتر على الساحل الجنوبي لليمن، وكان يجني نحو مليوني دولار يوميا، أغلبها من تحصيل ضرائب على السلع التي تدخل المكلا عبر البحر، مثلما كشف تحقيق لـ«رويترز» في أوائل أبريل. ونهب التنظيم أيضا 4.1 مليون دولار من شركة النفط الوطنية.
وخلال العام الذي قضاه التنظيم مسيطرا على المنطقة، حظي بقبول على مضض بين كثير من سكان الجنوب الذي عانى التهميش طويلا، وذلك من خلال تخصيص موارده الاقتصادية لإنجاز مشروعات تنموية. وقال بعض السكان لـ«رويترز» إنهم يفضلون الاستقرار تحت حكم القاعدة على العيش في منطقة حرب تتنافس فيها جماعات مسلحة.
وحين شنت قوات التحالف الهجوم المسلح على المكلا، بدا المتشددون حريصين على تجنب جر السكان المحتمل أن يكونوا متعاطفين معه إلى صراع.
كان هذا تغيرا في أسلوب التنظيم الذي نفذ سلسلة من الهجمات في اليمن، بينها هجوم على السفارة الأميركية في صنعاء المهجورة حاليا، وأعلن كذلك المسؤولية عن هجوم بالرصاص على صحيفة «شارلي إبدو» الساخرة بباريس في يناير (كانون الثاني) 2015.
وتقول مصادر قبلية إن متشددي القاعدة وافقوا على ألا يعرقلوا تجارة التهريب المربحة، وقرروا بدلا من ذلك العمل بأنفسهم في الشبكات غير المشروعة.
وقال مصدر قبلي: «القاعدة تأخذ حصتها من تهريب النفط في موانئ شبوة عبر وسطاء، وهناك اتفاق مع القبائل على ألا يعترض أحد طريق الآخر».
يقول مسؤولون محليون ومصادر ملاحية دولية، إن التهريب يتم من خلال قطع بحرية صغيرة منها المراكب الشراعية الخشبية، ويتم تفريغ ما يتم تهريبه من حمولات في قرى يمتهن أهلها الصيد. وأشار مصدر ملاحي لوجود 3 سفن صغيرة على الأقل بينها ناقلات، شاركت في أنشطة تهريب وقود حول بير علي، ومناطق مجاورة منذ سيطرة الحكومة على المكلا.
وقال هذا المصدر: «هناك عدد من الموانئ الصغيرة حول تلك المنطقة، تحولت إلى ممرات محتملة لأنشطة التهريب غير المشروعة. تشارك في ذلك عادة سفن صغيرة جدا يمكن تفريغ حمولاتها بسهولة أكبر، نظرا لصغر الكميات التي تحملها». وأضاف: «تسلك المراكب مسارات غير مساراتها المعتادة، وتطفئ أجهزة الاتصال قرب شواطئ تلك المناطق». وأشار كذلك مصدران تجاريان منفصلان مطلعان على التحركات التجارية باليمن، إلى نشاط التهريب حول تلك المناطق بمشاركة سفن تنقل حمولات صغيرة مقدارها نحو ألف طن من زيت الوقود أو الديزل.
ويقول مسؤولون عسكريون يمنيون، وآخرون من قوات التحالف، إنهم يواصلون القتال من أجل تدمير تنظيم القاعدة في اليمن.
وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في مؤتمر صحافي ببرلين يوم الأربعاء الماضي، إن القاعدة تمنى بخسائر في اليمن وأن التحالف سيستمر في ذلك. وأضاف أن التحالف لا يملك عصا سحرية تؤدي لإلحاق الهزيمة بالقاعدة، وأن الأمر سيستغرق وقتا. لكن إليزابيث كيندول الباحثة المتخصصة في الشؤون اليمنية بجامعة «أكسفورد» قالت: «إن الأساليب الجديدة للقاعدة قد تصعب اجتثاثه». وأضافت: «سيواصلون الاختفاء تدريجيا دائما، والآن يملكون كثيرا من المال، ويمكنهم كسب السكان والوصول لأماكن تعجز الحكومة عن وكسب ود الناس فيها».
عناصر «القاعدة» ما زالت تجني مكاسب من وقود مهرب باليمن
تأخذ حصتها في موانئ شبوة باتفاق مع القبائل على ألا يعترض أحد طريق الآخر
عناصر «القاعدة» ما زالت تجني مكاسب من وقود مهرب باليمن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة