الجزائر: الفساد والتخويف من التدخل الأجنبي.. قضايا تميز خطاب المترشحين

الشارع الجزائري يتعاطى ببرود مع حملة انتخابات الرئاسة

عبد الملك سلال مدير حملة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لانتخابات الرئاسة  يلقي كلمة أثناء جولة للدعاية في تلمسان أمس (رويترز)
عبد الملك سلال مدير حملة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لانتخابات الرئاسة يلقي كلمة أثناء جولة للدعاية في تلمسان أمس (رويترز)
TT

الجزائر: الفساد والتخويف من التدخل الأجنبي.. قضايا تميز خطاب المترشحين

عبد الملك سلال مدير حملة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لانتخابات الرئاسة  يلقي كلمة أثناء جولة للدعاية في تلمسان أمس (رويترز)
عبد الملك سلال مدير حملة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لانتخابات الرئاسة يلقي كلمة أثناء جولة للدعاية في تلمسان أمس (رويترز)

طغت المخاطر على الحدود البرية والاعتماد المفرط لاقتصاد البلاد على المحروقات، ومحاربة الفساد وتعديل الدستور، على حملة انتخابات الرئاسة الجزائرية التي انطلقت الأحد الماضي. وكثفت وزارة الداخلية من الدعاية للانتخابات التي ستجري في 17 من الشهر المقبل، بالإلحاح على الناخبين للتوجه بكثرة إلى صناديق الاقتراع.
وبدت الحملة فاترة في أيامها الثلاثة الأولى، إذ لم تشهد تجمعات ومهرجانات المرشحين الخمسة، ومعهم عبد المالك سلال مدير حملة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إقبالا كبيرا عكس ما كان متوقعا وإن كان قطاع من المراقبين يعتقدون بأنه من السابق لأوانه الحكم على الحملة، فيما يعتقد آخرون أن برودة تعاطي الناخبين معها يعكس حقيقة يعرفها الجميع، وهي أن النتيجة محسومة سلفا لبوتفليقة الذي يوصف بـ«مرشح النظام».
ويدور خطاب علي بن فليس رئيس الحكومة السابق وأبرز منافسي بوتفليقة، على محاربة الرشوة والفساد. وقال في تجمعاته بأنه «عازم على إعادة الاعتبار للقضاء الذي تحول إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية». وتعهد بتطبيق القانون على الغني وصاحب الجاه قبل الفقير. وقال إنه سينشئ حكومة وحدة وطنية في حال انتخب رئيسا، على ألا يتعدى عمرها ثلاث سنوات وتكون مهمتها الأولى وقف نهب المال العام.
وجاء في خطاب بن فليس أن «الشعب الجزائري يطمح اليوم إلى التغيير وبناء دولة عصرية وقوية، تكون فيها السيادة للشعب». وفي كل التجمعات، يهاجم بن فليس ضمنيا الرئيس بوتفليقة إذ حمله مسؤولية فضائح الفساد التي كشفت عنها الصحافة خلال فترة حكمه، ومنها تورط وزير الطاقة السابق شكيب خليل في تقاضي عمولات في صفقات أبرمت مع شركات إيطالية وكندية وسويسرية.
ويرافع موسى تواتي رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية لصالح التغيير عن طريق الصندوق، وقال في تجمعاته إن «الشباب هم مستقبل الجزائر وعلى عاتقهم تقع مسؤولية إحداث التغيير السلمي، حتى يصونوا الجزائر من جشع بعض الأطراف».وذكر تواتي في لقاءاته بأنصاره أن «مقاطعة الانتخابات (كما يدعو إليها قطاع من المعارضة) لن تدفع النظام إلى الرحيل بل تزيده إصرارا على البقاء». وانتقد تواتي بشدة ترشح بوتفليقة بذريعة أنه «مقعد لا يقوى على الحركة»، مشيرا إلى أن الرئيس «سيمارس مهامه مستقبلا، إن فاز في الانتخابات، بالوكالة».
وطالبت لويزة حنون رئيسة حزب العمال اليساري، بإعطاء ضمانات للشعب الجزائري لتوزيع فوائد التنمية الاقتصادية على أفراده، وليس على الشركات المتعددة الجنسيات أو المنظمة العالمية للتجارة أو الاتحاد الأوروبي أو صندوق النقد الدولي. ودعت إلى حماية الحقوق والمكاسب الفردية والجماعية، ورفع الأجور دون أن يؤدي ذلك إلى رفع معدلات التضخم.
وهاجمت حنون في كل تجمعاتها بن فليس، والإسلاميين أيضا الذين قاطعوا الانتخابات. وعابت على الأول أنه يقترح على الجزائريين نموذجا اقتصاديا ليبراليا متوحشا، بينما الطرف الثاني فهم متهمون بالسعي لتغيير النظام عن طريق تشجيع قوى أجنبية على التدخل في شؤون بلداننا. ورد عليها رئيس الحزب الإسلامي حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري بصفحته بـ«فيسبوك» أمس، قائلا: «أنت تتهمين كل من يخالفك من كل التيارات بالعمالة للخارج، ولا مبرر لذلك إلا ضعف حجتك، وقلة زادك، وانقطاع أفكارك. فهل كل الناس عملاء إلا أنت يا لويزة، هل يوجد أحد يستطيع أن يقتنع بكلامك؟». وقال عنها أيضا: «غيرت نهجك وانخرطت في صفوف جهات في الحكم، هي أكثر من يستدعي التدخل الأجنبي بفسادهم وفشلهم وسوء تدبيرهم، بل ذهبت في المخادعة إلى درجة اتهام وزراء بالعمالة للخارج، وأنت تعلمين كما يعلم الجميع بأنهم صنيعة الرئيس وحاشيته التي تشتغلين لصالحهم».
ومن جهته يرفع بلعيد عبد العزيز رئيس جبهة المستقبل، شعار إشراك الشباب في بناء المستقبل. ووعد بأن يجعل من الجزائر يابان أفريقيا لو انتخبتموني رئيسا. كما وعد بالعمل على تشديد الرقابة على المال العام وحماية الممتلكات وثروات البلاد، وتعزيز مدلول الأمن لحماية الأشخاص.
أما علي فوزي رباعين رئيس حزب عهد 54، فقد تعهد بتعديل الدستور «بما يتيح توازنا بين المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويرسخ سلطات واعية لفائدة الشعب أساسها دولة القانون. وقال إن الدستور الذي يريده للجزائر يكرس التداول على السلطة والتعددية الحزبية الحقيقية ويضمن احترام الحريات.
ووعد عبد المالك سلال، نيابة عن بوتفليقة الذي يعاني من المرض، بتعديل الدستور أيضا على نحو يضمن الديمقراطية التشاركية. وقال في تجمعاته: «سيشهد الدستور تغييرا، وسيجري بوتفليقة في حال فوزه إصلاحات ترمي إلى توسيع صلاحيات ممثلي الشعب، في إطار ديمقراطية تشاركية تسمح بتمكين المعارضة من طرح نفسها بديلا للسلطات القائمة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم