انزلاق للتربة في سياتل الأميركية يقضي على 24 شخصا ولا أثر لأحياء

176 مفقودا.. والأمطار الغزيرة تعيق عمليات البحث

شرطيان يقفان عند طريق جرى إغلاقه بسبب انزلاقات التربة في قرية أوسو قرب سياتل (أ.ف.ب)
شرطيان يقفان عند طريق جرى إغلاقه بسبب انزلاقات التربة في قرية أوسو قرب سياتل (أ.ف.ب)
TT

انزلاق للتربة في سياتل الأميركية يقضي على 24 شخصا ولا أثر لأحياء

شرطيان يقفان عند طريق جرى إغلاقه بسبب انزلاقات التربة في قرية أوسو قرب سياتل (أ.ف.ب)
شرطيان يقفان عند طريق جرى إغلاقه بسبب انزلاقات التربة في قرية أوسو قرب سياتل (أ.ف.ب)

ارتفعت حصيلة انزلاق التربة الذي شهدته قرية أوسو قرب سياتل في شمال الولايات المتحدة إلى 24 قتيلا مع العثور على مزيد من الجثث، في حين لم يعثر رجال الإنقاذ على أي ناج أول من أمس. وقال ترايفيس هوتس رئيس فريق الإنقاذ في منطقة سنوهوميش «للأسف، لم نعثر على أي مؤشر يفيد بوجود أحياء»، لكنه رفض وقف أعمال البحث، وقال في تصريح صحافي مساء أول من أمس «لم نفقد الأمل».
واجتاحت كتلة من الوحول قرية أوسو الريفية التي تبعد نحو مائة كيلومتر شمال شرقي سياتل، يوم السبت الماضي، على أثر انهيار تلة على نهر مجاور. وانتشل عمال الإنقاذ عشر جثث من بين الأنقاض لترتفع الحصيلة المؤقتة إلى 24 قتيلا. ولا يزال عدد المفقودين 176 في انتظار بيان جديد يصدر عن شريف المنطقة لتحديد العدد النهائي. وعمل نحو 200 من عناصر الإنقاذ والشرطة والحرس الوطني وفرق الطوارئ الفيدرالية وخبراء جيولوجيا ومتطوعين، بشكل متواصل أول من أمس، بحثا عن أحياء في القرية تحت أمطار غزيرة. وتسببت الأمطار في إعاقة عمليات البحث. وقال متطوع لوكالة الصحافة الفرنسية إن كتلة الوحل الشاسعة التي تغطي أكثر من 250 هكتارا ويمكن أن يبلغ عمقها ستة أمتار، تشبه أحيانا «رمالا متحركة نغرق فيها حتى الكتفين». وأفاد شهود بأن انهيار كتلة الوحل التي تدفقت على القرية بسرعة قطار، أدى إلى جرف خمسة وثلاثين منزلا وخمس عشرة عربة سكن. وأشار هوتس إلى أن السيارات التي جرفتها السيول دمرت أو سحقت، مما يدل على عنف الصدمة.
ومن لاهاي، دعا الرئيس باراك أوباما الذي أفرج عن مساعدات فيدرالية مخصصة للأوضاع الطارئة، «جميع الأميركيين إلى الصلاة» من أجل عائلات وأصدقاء المفقودين. وقال «نريد أن نكون متفائلين، لكن من الضروري أن نعترف بأن الوضع صعب».
وقد تحولت أوسو التي تعرضت في السابق لانزلاقات تربة وفيضانات، إلى كومة من الوحل والحطام والأشجار المقتلعة ويتنقل فيها رجال الإنقاذ بحذر شديد. وتبدو الوحول لزجة في بعض المناطق لكنها بدأت تتجمد في مناطق أخرى. ووصف هوتش تلك الوحول بقوله «كأنك تمشي على الجليد، لقد كدت أقع مرات عدة». وأضاف أن «الظروف التي يعمل فيها رجال الإنقاذ بالغة الصعوبة». وتابع أن فرق الكلاب المدربة كان دورها مفيدا جدا في عمليات البحث. وتوقع أن تستغرق عمليات البحث «بضعة أسابيع، وليس من المؤكد أن نتمكن من انتشال جميع الجثث، لكننا سنبذل كل ما في وسعنا». وأكد رئيس فرق الإنقاذ في المنطقة جون بنينغتون من جهته أن هزة أرضية صغيرة بلغت قوتها 1.1 درجة وقعت في 10 مارس (آذار) الحالي في منطقة تبعد أقل من 100 متر عن مكان حصول الانزلاق، وأن الحدثين مرتبطان على الأرجح.
وأثار هذا الإعلان والحوادث الكثيرة التي وقعت في السابق، تساؤلات كثيرة حول مسؤولية محتملة للسلطات والنقص في تزويد سكان أوسو بالمعلومات.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.