مسار كامل مروّة بالمخطوطات والصور.. متحف يعبق بصحافة الزمن الجميل

«في الذكرى الخمسين: حياته في صور» معرض يقام له وسط بيروت على مساحة ضخمة

مسار كامل مروّة بالمخطوطات والصور.. متحف يعبق بصحافة الزمن الجميل
TT

مسار كامل مروّة بالمخطوطات والصور.. متحف يعبق بصحافة الزمن الجميل

مسار كامل مروّة بالمخطوطات والصور.. متحف يعبق بصحافة الزمن الجميل

«في الذكرى الخمسين: حياته في صور»، هو عنوان المعرض الذي أقامته مؤسسة «كامل مروّة»، لصاحبها الراحل في وسط بيروت، لمناسبة مرور خمسين عاما على اغتياله.
متحف من نوع آخر ينقلك بالصورة وقصاصات من صحيفة «الحياة» على مرّ خمسين عاما، فتغبّ منه كمية معلومات وقصصًا وحكايات خطّها قدر كامل مروة منذ ولادته في عام 1915 حتى لحظة اغتياله في مايو (أيار) من عام 1966.
يعود بك التاريخ، وأنت تتجول في المعرض، إلى زمن الصحافة الجميل، وإلى حقبات حلوة ومرّة سجّلتها أعداد الصحيفة المذكورة عن بيروت «مدينة النور»، والأعمار والسياحة وموطئ قدم رجالات من التاريخ، إضافة إلى أخبار شغلت العالمين العربي والغربي، مثل اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رياض الصلح، وموت الملك السعودي عبد العزيز، وأول زيارة لبابا الكنيسة الكاثوليكية بولس السادس للقدس، وغيرها من الأخبار التي كان لها وقعها في منطقة الشرق المتوسط.
ورغم حياته القصيرة (توفي عن 51 عاما) هو صاحب المقالات المعروفة تحت عنوان «قل كلمتك وامش»، فإن إنجازاته الكثيرة والكثيرة في عالم الصحافة، التي توزّعت على قسمين من المعرض، لن تسمح لك بأن تمشي سريعا من المكان، بسبب الضخامة والمساحة الكبيرة التي يحتلها، والمعلومات الغزيرة التي يجمعها وهي تحكي قصة نصف القرن. تشعر كأنك تستعيد شريط حياة الجمهورية اللبنانية، منذ انتخاب الرئيس بشارة الخوري، مرورا باندلاع أزمة 1958 في عهد الرئيس الراحل كميل شمعون، وصولا إلى يوم انتخاب الراحل شارل حلو في عام 1964. احتضن شارع فخري بك في الهواء الطلق، وسط بيروت، أول أخبار الجريدة التي أسسها، وبعض مقتطفات من صحيفتي «ديلي ستار» و«لو ماتان» اللتين كان صاحبهما هو أيضا. فيما استضافت الصالتان الكبريان في سوق الذهب، قصّة حياة كامل مروّة من ألفها إلى يائها، مرفقة بمقتنياته الخاصة وبصور عن أهم المحطات منها.
في معرض «الذكرى الخمسين» ستجد أيضا أخبار لبنان الأعمار منذ إنشاء سدّ القرعون وافتتاح تلفريك حريصا والمدينة الرياضية وحرج بيروت. وكذلك ستتابع عن كثب أخبار لبنان «سويسرا الشرق»، عندما استقبل مرفأ بيروت يخت الثري اليوناني أوناسيس يرافقه تشرشل، الذي قام بجولة على طريق بلدة بيت مري، أو عندما زارته النجمة الهووليودية جين مانسفيلد، أو عندما حلّ جوني هوليداي ضيفا على مسرح «تياترو بيروت» في عام 1963م، ومنع من أداء رقصة التويست في كازينو لبنان. وستتذكّر لبنان الثقافة والفن من خلال أول إطلالة لفيروز في مهرجانات بعلبك عام 1957، أي بعد سنة من تأسيسها في عام 1956.
وعندما تدخل «سوق الذهب»، حيث القسم الثاني للمعرض، فلا بد أن تشعر بظلّ كامل مروّة يرفرف في كلّ زاوية من زواياه. هنا قصة ولادته في 19 ديسمبر (كانون الأول) من عام 1915م، إثر عودة والده محمد جميل مروة، من المهجر بعد اندلاع الثورة المكسيكية واستقراره في بلدة الزرارية الجنوبية. ومن ثم ستتابع بالصور الفوتوغرافية وبمعلومات مكتوبة، مراحل من حياة كامل مروّة تلميذ المدرسة الابتدائية في مقاصد صيدا، وأول مقالة له في مجلة «العرفان» الصيداوية، وأيضا رحلاته إلى أفريقيا الغربية وبرلين، وكيفية لقائه مع أم أولاده سلمى بيسار وزواجه بها في باريس، وصولا إلى مرحلة تأسيس جريدة «الحياة» عام 1946، انطلاقا من غرفة صغيرة في سوق الطويلة.
ولعلّ مقتنياته الخاصة التي يتضمنها المعرض، مثل ربطة العنق التي اغتيل وهو يرتديها، وآخر عبارات كتبها وهو يتحدّث في مكالمة هاتفية إلى الليدي كوكرن طالبة منه الإعلان عن موت والدتها (الدونا ماريا سرسق)، عندما دخل عليه رجل مسلّح وعاجله برصاصتين قاتلين، لم تثنه يومها عن الوقوف ومصارعته قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ومرورا بالآلة الكاتبة خاصته والمكواة والكاميرا الفوتوغرافية وقصاصات من جرائد محليّة كان يحتفظ بها في مكتبه. كل هذه المعروضات بمثابة الشاهد العيّان الذي لا يكفّ عن النظر إليك كأنك تستعيد كامل مروة. وعندما تقترب من الأشياء لتتأكّد من حقيقة ما ترى يقفز أمامك حاجز زجاجي ليمنعك حتى من التفكير باللمس.
ومن المقتنيات المعروضة، رسائل متبادلة بينه وبين الأمير المغربي يومها (حسن الثاني)، والأمير السعودي (فيصل بن عبد العزيز)، وأخرى راسل فيها الأمير كريم آغا خان، وبعض من مؤلّفاته بينها «قل كلمتك وامش»، وكلمة مكتوبة بيد زميله الراحل غسان تويني، واصفة إياه بالقول: «ربع قرن كنت أشاهد خلاله كامل مروة بما يشبه الاستمرار كمحرر في (النهار) أتردد عليه لأتفرّج، وكرئيس تحرير لجريدة (الحياة) أزوره لأتعلّم منه».
وتنتهي جولتك في المعرض لتخرج منه وأنت تمنّي النفس بالعودة إليه مرة جديدة، لا سيما أنه يستمر حتى الثالث من يونيو (حزيران) المقبل. غزارة المعلومات التي يتضمنها لن تكفيها الزيارة الواحدة، ولذلك فهو يترك أبوابه مفتوحة حتى العاشرة ليلا أمام كلّ من يرغب في التعرّف إلى واحد من أكبر وأهم «شهداء» الصحافة في لبنان.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».