عربيات يركبن موجة الإبداع.. ويتحولن إلى سيدات أعمال

حقيبة اليوم عندهن تتحلى بنفس طويل مستمد من المواد الحديثة وفن العمارة

المصممة رولى غالاييني
المصممة رولى غالاييني
TT

عربيات يركبن موجة الإبداع.. ويتحولن إلى سيدات أعمال

المصممة رولى غالاييني
المصممة رولى غالاييني

هل لاحظت أن حمى حقائب اليد الموسمية خفت إلى حد ما؟. منذ عشر سنوات تقريبا لم يكن هناك حديث بين الفتيات سوى عن «جاكي» و«أليكسا» و«بايزووتر» وغيرها من حقائب اليد. كانت ما أن تظهر حقيبة من «مالبوري» أو «كلوي» أو «لويس فويتون» وغيرها، حتى تتخاطفها هذه الشريحة، فيما يسارع صناعها بالإعلان عن نفادها من السوق. ولا تفهم ما إذا كان الإعلان صادقا وصحيحا، أم استراتيجية ذكية لتأجيج الحمى وزيادة الرغبة فيها. طبعا كان المصمم الذي ينجح في طرح حقيبة تتحول إلى «نجمة الموسم» يتحول بدوره إلى نجم، تتداول أوساط الموضة اسمه كما يزيد الطلب عليه من قبل بيوت أزياء أخرى، تقدم له شتى الإغراءات لكي يلتحق بها، طمعا في أن ينولها شيء من لمسته الميداسية.
بيد أن هذه الظاهرة خفت بعد الأزمة الاقتصادية في عام 2008، حيث تم تسجيل تراجع في مبيعات حقيبة اليد الموسمية، وحلت محلها رغبة في حقائب يد بتصاميم مبتكرة لا يخفت بريقها بعد موسم أو موسمين فقط. غني عن القول أن الأمر أثر سلبا في بيوت تعتمد على هذا الإكسسوار في كل موسم، ما جعلها تسارع لتعويض الخسارة بصناعة حقائب فاخرة تبقى مجرد حلم بالنسبة للزبونات العاديات، وتتوجه إلى الثريات بصفة خاصة. سبب هذا التوجه أنهم لاحظوا زيادة إقبال الشريحة الأخيرة على تصاميم فريدة ولا تعترف بزمن بغض النظر عن أسعارها، وهو ما تؤكده مبيعات بيوت مهمة مثل: «هيرميس»، «شانيل»، «فندي»، و«ديور»، ركزت على الحرفية ومفهوم صنع باليد، لتروج للحقيبة كقطعة قابلة للاستثمار. وهي بالفعل كذلك، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن سعر بعضها يفوق سعر لوحة فنية لرسام معروف أو سعر سيارة، عندما تكون من جلود نادرة، علما بأن فكرة الاستثمار فيها ليست خدعة تجارية، بل واقع تؤكده المزادات العالمية ودراسة أجرتها مؤسسة إلكترونية متخصصة في حقائب اليد تعرف باسم «باغهانتر». تفيد الدراسة بأن قيمة بعض حقائب اليد مثل حقيبة الـ«بيركين» من «هيرميس» أقوى من قيمة الذهب، واستشهدوا على هذا بكونها لم تنخفض أبدًا في أسواق الأسهم والبورصة، رغم تغير الأحوال الاقتصادية، وتذبذبات الأسواق العالمية طوال العقود الأخيرة. وتؤكد الدراسة أن قيمة هذه الحقيبة شهدت ارتفاعا بنسبة 500 في المائة على مدى 35 عاما، وهو ما لا يمكن قوله على استثمارات أخرى بما فيها الذهب.
المشكلة في هذه النوعية من الحقائب، أنها نخبوية لا تخاطب بأسعارها عامة الناس، بمن فيهم الطبقات المتوسطة، التي كانت في السابق تسارع لاقتناء حقيبة مماثلة لكن بسعر أقل غير مهتمة إن كانت بجودة أقل ما دامت تلبي رغبتها في مواكبة الموضة. صناع الموضة كانوا يغذون هذا النقص ويتغذون عليه في الوقت ذاته. بيد أن هذه الطبقات لم تعد تقع في الفخ بسهولة، لأنها تعلمت واستفادت من أخطاء الماضي، وهكذا باتت تبحث عن تصاميم مميزة وبأسعار تقدر عليها، غالبا باللجوء إلى مصممات من بنات جيلهن، تدفعهن أيضا رغبة جامحة للابتكار من جهة، وتحديا سافرا للشركات الكبيرة وهيمنتها على الأسواق من جهة ثانية. هذه الشريحة من المصممات انتبهن إلى أن الزمن زمنهن، وبالتالي ليس مفروضا عليهن انتظار، أو الاعتماد على من يأخذ بيدهن، مهما كانت المصاعب والعراقيل إذا كن فعلا يتمتعن بالموهبة ويردن حفر أسمائهن في كتب الموضة. فالمواقع الإلكترونية وسيلتهن للوصول إلى زبوناتهن كما يمكنهن توظيف وسائل التواصل الاجتماعي بسهولة للتعريف بأنفسهن والتسويق لابتكاراتهن. وهكذا، في الوقت الذي باتت بيوت الأزياء الكبيرة من «لويس فويتون»، «هيرميس»، «فندي» وغيرها تعتمد على استعراض حرفيتها ومفهوم «صنع باليد» للحفاظ على زبوناتهن وولائهن وجذب أخريات، تجتهد المصممات الشابات في إبداع تصاميم مبتكرة بخامات حديثة وتقنيات متطورة، يعرفن أنها المضاد الحيوي الوحيد لبقائهن واستمراريتهن. وكان من الطبيعي أن يتحولن أيضا إلى سيدات أعمال، خبيرات في فن التسويق والبحث عن استثمارات تساعدهن على التوسع. المنطقة العربية تزخر حاليا بمجموعة من المبدعات الشابات اللواتي فرضن أنفسهن على الساحة العالمية مثل، اللبنانية المقيمة في دبي رولى غالاييني، التي أطلقت أول مجموعة لها من حقائب اليد في العام 2007، تحت اسم «بوبيه كوتير». أطلقت المصممة مجموعة على مستوى صغير وكأنها تريد جس نبض السوق، وفي الوقت ذاته جس نبضها وصلابتها في مقاومة الصعاب. ولم يمر سوى وقت قصير حتى حصلت على دفعة قوية عندما اعترفت مجلة «فوغ» الأميركية بموهبتها، وصنفت «بوبيه كوتير» في المرتبة الـ14 ضمن قائمة «أفضل 100 حقيبة يد» مع «سان لوران» و«ستيلا ماكارتني». شجعها هذا الاعتراف العالمي بأن تفكر جديا في التوسع، فتقدمت للحصول على استثمار ضمن حملة استثمار جماعية، تضمنت التعريف بخططها المالية والاستراتيجية المستقبلية لاجتذاب مجموعة من المستثمرين المهتمين بالشباب. وكان لها ما أرادت، إذ نجحت في إقناعهم برؤيتها وضمنت ثقتهم وتمويلهم، لتنطلق إلى آفاق جديدة في عام 2015، لكن هذه المرة تحت اسم «رولى غالاييني» عوض «بوبيه كوتير» لتأخذ ماركتها صبغة عالمية، تعززت بعد فوزها بجائزة البحر المتوسطي «ميديتريان فاشن» في العام الماضي ما شجع «غاليري لافاييت» الباريسية أن تستضيف أعمالها لمدة ثلاثة أشهر هذه الأيام.
أجمل ما في تصاميمها أنها عصرية تجمع الفنية بالأشكال الهندسية، بحكم تخصصها في تصميم الغرافيك، إضافة إلى الاستعمالات المتعددة، بحيث يمكن لصاحبتها أن تلعب ببعض أجزائها وألوانها لتخلق في كل مرة شكلا متجددا. وقد اعترفت في مقابلة سابقة مع «الشرق الأوسط» أنها تستوحي تصاميمها من المجتمع الشرقي بسحر خطوطه وغموض مشربياته، مشيرة إلى أن المرأة التي تضعها نصب عينيها دائما هي شابة عصرية، تتقن فنون الأناقة، وفي الوقت ذاته تعيش صراعا بين التقاليد والرغبة في الانعتاق والتحرر منها، الأمر الذي يفسر مزج المصممة الخارج بالداخل في الكثير من تصاميمها، باستعمالها الجلود في أشكال هندسية تخترقها ألوان متوهجة من الداخل لتعطيها بعدا أجمل.
الأشكال الفنية والهندسية، إلى جانب الرغبة في التميز والاختلاف، ليست قصرا على الشابة رولى غالاييني، فابنة بلدها اللبنانية ناتالي تراد أيضا تعانق نفس الأفكار لكن بأسلوب مختلف، ما حذا بالبعض إلى أن يطلق عليها «معمارية الحقائب»، نظرا للمواد التي تصنعها منها.
تخرجت ناتالي تراد في معهد «إسمود» بباريس عام 2007 قبل أن تتوجه في عام 2008 إلى نيويورك للدراسة في معهد «بارسونز» الشهير. بعد التخرج عملت مع دار «بروانزا شوللر» لكن فقط عندما عادت إلى باريس اكتشفت أسلوبها الخاص الذي يتجلى في استعمالها تصاميم كلاسيكية وأشكالا هندسية كأساس، تصوغها بمواد طبيعية جديدة تماما مثل الخشب، وصدف المحار، واللؤلؤ وغيرها.
القاسم المشترك بين كل المصممات الشابات حاليا أنهن فضوليات ومتحمسات ولا يخفن المغامرة ما دامت تناسب نظرتهن الفنية والعصرية. والنتيجة أنهن حولن قطعة كلاسيكية إلى تحف فنية تنافس أعتى الشركات المتخصصة في صناعة الجلود، لأنهن لم يدخلن في منافسة مباشرة معها، بل دخلن في منافسة مع أنفسهن لاقتطاع قطعة من السوق بنعومة وفن.
وبينما تتوجه بيوت الأزياء والإكسسوارات الكبيرة إلى النخبة لبيع حقائبها المميزة، المصنوعة باليد ومن أفخم أنواع الجلود وأحيانا بترصيعات من الذهب أو الماس، وللطبقات المتعطشة للموضة لتسويق حقائبها الأخرى، فإن هؤلاء المصممات يتوجهن إلى امرأة عارفة، تتذوق الموضة، لأنها تروق لها وتخاطبها بلغة مباشرة وسلسلة، وليس لأنها تحمل اسما معروفا.



«أتولييه في إم» تحتفل بسنواتها الـ25 بعنوان مستقل

أساور من مجموعة «إيسانسييلي بولاري» مزيَّن بتعويذات (أتولييه في إم)
أساور من مجموعة «إيسانسييلي بولاري» مزيَّن بتعويذات (أتولييه في إم)
TT

«أتولييه في إم» تحتفل بسنواتها الـ25 بعنوان مستقل

أساور من مجموعة «إيسانسييلي بولاري» مزيَّن بتعويذات (أتولييه في إم)
أساور من مجموعة «إيسانسييلي بولاري» مزيَّن بتعويذات (أتولييه في إم)

هناك مجوهرات تتوارثها البنات عن الجدات. تكون لها قصة مثيرة تجعلك تشعر وكأنها تناديك وتُعبّر عنك وعن جوانب من حياتك أياً كان جيلك. «أتولييه في إم» Atelier VM واحدة من علامات المجوهرات التي تأسست من أجل تلبية جوانب شخصية ونفسية وفنية في الوقت ذاته. انطلقت في إيطاليا على يد صديقتين، هما، فيولا ناج أوليري ومارتا كافاريللي، وبدأت تتوسع إلى العالم في السنوات الأخيرة. عمر العلامة من عمر صداقتهما التي بدأت في صفوف المدرسة والجامعة ولا تزال وطيدة لحد الآن.

تتطور أشكال الأساور الأبدية وتزدان بأحجار متنوعة... لكن تبقى بالمعنى نفسه (أتولييه في إم)

توسع عضوي

جاء توسع العلامة عضوياً. فهي لم تخرج من إيطاليا إلى بريطانيا، أول محطة لها، حتى عام 2018، وتحديداً في محال «ليبرتي» اللندنية. تقول فيولا في لقاء خاص إنهما لم تتسرعا من أجل التوسع أو الربح. كان الدافع الأساسي لإطلاق «أتولييه في إم» المكون من الحرفيين الأوليين لكل من فيولا ومارتا، أما التعبير عن فنيتهما أو التنفيس عن حالات نفسية أو تجارب شخصية فتمران بها.

ما تطرحانه من تصاميم يُركّز على معاني الحب والإخلاص والوفاء والارتباط العائلي الذي يعكس الثقافة الإيطالية وفي الوقت نفسه تجاربهما الخاصة، وليس أدل على هذا من السوار الملحوم على المعصم من دون براغي بواسطة الليزر.

أساور مرصَّعة باللؤلؤ من دون براغي لتعكس الالتحام الأبدي (أتولييه في إم)

عندما تسأل أياً منهما عن الهدف من وراء إطلاق علامتها في التسعينات، يأتيك الرد سريعاً: «للتعبير عن حياتنا الشخصية والعلاقات التي تربطنا ببعض كبشر... أحياناً تكون سعيدة وأحياناً أخرى حزينة». لكن من رحم الحزن والمآسي الشخصية يمكن أن تولد إبداعات تعالج الجروح وإن بقيت ندوبها مثل الوشم تُذكّر بما مضى. عندما فكرت فيولا في تصميم السوار الملحوم مثلاً، ضمن مجموعة «إيسانسيالي» «L›essenziale» كانت تريد أن تقول إن البدايات والنهايات وجهان لعملة واحدة. فهما متلاحمان من ناحية «أن لكل بداية نهاية، ولكل نهاية بداية».

تتابع فيولا أن المجموعة وعلى الرغم مما تمنحه من سعادة مستمدة من أنها تعبّر عن الارتباط الأبدي، فإنها وُلدت من رحم الألم إثر فقدها شخصاً عزيزاً على قلبها. لم تجد ما يخفف من ألمها سوى ابتكار قطع لا تفارقها لتُذكرها في كل الأوقات بهذا الفقد، وبأن الحياة تستمر وإن بقيت الذكرى.

تم اختيار «بيرلنغتون أركايد» عنواناً ليعكس سنواتها الـ25 واستقلاليتها (أتولييه في إم)

منذ أشهر، تركت العلامة محال «ليبرتي» الواقعة على ناصية «ريجنت ستريت». كان لا بد من نقلة تعكس بلوغها الـ25 عاماً، واستقلاليتها. اختارت «بيرلنغتون أركايد» الواقع في منطقة «مايفير». فالمكان يتمتع بحميمية وخصوصية تفتقدهما شوارع الموضة الكبيرة، فضلاً عن أنها أصبحت جارة للكثير من المبدعين المستقلين وعلى رأسهم الفنانة عزة فهمي. تدخل المحل فتشعر، على الرغم من صغر مساحته، أنه غني وواسع «الخيال» سواء تعلق الأمر بالديكور أو المجوهرات. أول شيء سيشدك في الواجهة هو ثريات من زجاج مورانو بألوان قوس قزح تكاد تنافس الخواتم والأساور والقلادات وأقراط الأذن توهجاً وبريقاً.

رغم صغر مساحته يتمتع المحل بخيال واسع في الديكورات والمعروضات (أتولييه في إم)

تستمر عناصر الإبهار والمفاجأة عند دخوله؛ إذ تشعر كما لو أنك في مغارة علي بابا؛ لما تكتنزه أدراجها من أقراط من الذهب وحجر العقيق باللون الأخضر الزمردي وأساور وقلادات وسلاسل وخواتم. كلها تتمتع بخفة الوزن والابتكار. تقول فيولا إن هذه الخفة واحدة من أهم السمات التي تتميز بها العلامة. تشير إلى خاتم «كابوشون» مرصّع بالفيروز وأحجار بألوان متنوعة وهي تؤكد أنها تحرص على الحرفية المتوارثة أباً عن جد؛ الأمر الذي يفسر رائحة الفينتاج التي تفوح من بعضها من خلال طريقة رص وترصيع أحجارها.

أقراط أذن من الذهب والعقيق الأخضر (أتولييه في إم)

بيد أنها تُدرك أن عليها مخاطبة زمن مختلف تحتاج فيه المرأة إلى مجوهرات تجمع الجمال بالعملية حتى تستمتع بها نهاراً ومساءً. لهذا السبب وبمناسبة عيدها الـ25، طرحت مجموعة «بلومز» التي كما يدل عنوانها، تحاكي أشكال الورد المتفتحة والنباتات، مركّزة فيها على مواد حصرية وحرفية عالية. فهذه المجموعة لا تتمتع بخفة الوزن فحسب بل أيضاً بمعادن صيغت بأشكال رفيعة وكأنها خيوط من دون أن تتأثر صلابتها أو مرونتها؛ ما جعلها تحوز براءة اختراع.

معرض مصغَّر يستعرض مسيرة فيولا ومارتا عبر السنوات (أتولييه في إم)

سلالم ضيقة لن تنتبه لوجودها إلا في حالة قررت أن تُلحم سواراً أو خاتماً أو عقداً، ستأخذك إلى الطابق الأسفل لتقوم بالعملية بواسطة آلة ليزر متطورة لا تستغرق سوى بضع دقائق. في الجهة المقابلة، ستستمتع بدرس عن تاريخ العلامة من خلال صور لأهم القطع التي تم تصميمها من قِبل كل من فيولا ومارتا، منذ منتصف التسعينات إلى اليوم، إلى جانب قطع فنية أخرى تم تصميمها في مناسبات خاصة، مثل العمل الذي قدمته فيولا في حفل تخرجها.