«قوارب الموت» تحصد أرواح السوريين الهاربين من جحيم الحرب في بلادهم

يقعون ضحايا الصراعات بين عصابات الهجرة غير الشرعية

أحد الناجين ملفوفا ببطانية لدى وصوله إلى ميناء فاليتا بعد غرق المركب  الذي كان يقله مع مجموعة من اللاجئين غير الشرعيين (ا.ب)
أحد الناجين ملفوفا ببطانية لدى وصوله إلى ميناء فاليتا بعد غرق المركب الذي كان يقله مع مجموعة من اللاجئين غير الشرعيين (ا.ب)
TT

«قوارب الموت» تحصد أرواح السوريين الهاربين من جحيم الحرب في بلادهم

أحد الناجين ملفوفا ببطانية لدى وصوله إلى ميناء فاليتا بعد غرق المركب  الذي كان يقله مع مجموعة من اللاجئين غير الشرعيين (ا.ب)
أحد الناجين ملفوفا ببطانية لدى وصوله إلى ميناء فاليتا بعد غرق المركب الذي كان يقله مع مجموعة من اللاجئين غير الشرعيين (ا.ب)

يحاول عدد كبير من السوريين الوصول إلى الدول الأوروبية عبر البحر، طلبا للجوء وهربا من جحيم الحرب المستعرة في بلادهم، لكن «قوارب الصيد» التي يغريهم بها المهربون ووعدهم بنقلهم إلى أرض آمنة، لقاء مبالغ مالية مرتفعة، غالبا ما تصبح «قوارب موت» لتغرق قبل وصولها مخلفة عشرات الضحايا جلهم من الأطفال والنساء.
وكان آخر هذه المآسي في جنوب جزيرة مالطا، حيث غرق الأسبوع الماضي عشرات الضحايا معظمهم من السوريين، إثر محاولتهم التسلل إلى السواحل الإيطالية بطريقة غير شرعية. وحسب المفوضية العليا للاجئين فإن أكثر من 4600 سوري وصلوا بحرا إلى إيطاليا منذ شهر يناير (كانون الثاني) الماضي بينهم أكثر من ثلاثة آلاف في شهر أغسطس (آب) فقط.
وفيما تعتبر ليبيا النقطة الأبرز التي ينطلق منها اللاجئون نحو أوروبا بسبب قربها الجغرافي، فإن لبنان أيضا يعد محطة أساسية بالنسبة إلى السوريين، إذ يقطن في هذا البلد العدد الأكبر منهم، أي نحو 760 ألفا حسب مفوضية شؤون اللاجئين، في حين يتحدث مسؤولون لبنانيون عن وجود 1.3 مليون نازح سوري. لكن معظم طالبي الهجرة إلى أوروبا من السوريين يقصدون مصر بسبب انخفاض التكلفة المادية التي يتقاضاها المهربون لقاء عملهم. إذ تنقل وكالة «فرانس برس» عن مواطن سوري يدعى محمد، هرب من بلاده وقصد مصر للسفر، تأكيده أنه دفع للمهربين 1500 دولار أميركي عن نفسه والمبلغ إياه عن زوجته و900 دولار عن كل طفل من أطفاله. وأضاف: «لكن عندما صعدنا إلى السفينة، صوب عناصر ميليشيات رشاشاتهم إلى رؤوسنا طالبين المزيد من المال، وكان في حوزتي خمسة آلاف دولار دفعتها لهم». إلا أن عناصر من عصابة تهريب أخرى «ساروا خلف السفينة أربع إلى خمس ساعات، وأطلقوا النار فوق رؤوس راكبيها فأصابوا شخصين بجروح ثم واصلوا إطلاق النار وبدأت المياه تتسرب إلى السفينة»، بحسب ما يروي محمد الذي نجا بعد غرق السفينة وبات واحدا من عداد 146 ناجيا تم استقبالهم في مالطا، من دون أن يعرف شيئا عن زوجته الحامل وعن ابنتهما الأخرى التي تبلغ السابعة من العمر.
وغالبا ما يدفع المهاجرون السوريون ثمن الصراعات بين عصابات الهجرة غير الشرعية التي يعمد أفراد منها إلى إغراق المراكب التي تبحر بواسطة عصابة أخرى.
مع العلم، أنّ أكثر من مليوني سوري هربوا من بلادهم، وحسب المفوضية العليا للاجئين فإن نحو 97% من هؤلاء استقروا في دول الجوار، 549 ألفا منهم في الأردن وأكثر من 500 ألف في تركيا ونحو 190 ألفا في العراق. وسعى نحو 43 ألف سوري إلى اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي منذ بداية النزاع في بلادهم. ومنذ بداية عام 2013 تم تقديم 13 ألف طلب من سوريين إلى دول الاتحاد الأوروبي منها 4700 إلى السويد و4500 إلى ألمانيا و700 إلى فرنسا، حسب معطيات مكتب الإحصاء الأوروبي.
وشكلت السويد وألمانيا الوجهتين الأوليين للاجئين السوريين لما تتمتعان به من سمعة جيدة كبلد استقبال للاجئين. وبلغ عدد من حصل على اللجوء في السويد نحو 11 ألفا منذ يناير 2012 وهذا العدد يمكن أن يرتفع كثيرا حسب وكالة الهجرة السويدية.
وتجتذب السويد عددا أكبر من جاراتها بشمال أوروبا خصوصا الدنمارك التي رغم أنها أدخلت مؤخرا ليونة على قوانينها، فإنها لا تمنح حق الإقامة إلا للاجئين القادمين من المناطق الأشد دمارا. واستقبلت ألمانيا أكثر من 18 ألف طالب لجوء سوري منذ 2011 في حين استقبلت بلغاريا أول بلد في الاتحاد الأوروبي يمر به اللاجئون السوريون والأشد فقرا، نحو ألفي سوري. ويعاني هذا البلد من نقص في طاقة الاستقبال. وحسب شرطة الحدود البلغارية فإن أكثر من 1670 سوريا دخلوا البلاد منذ بداية العام الحالي مقابل نحو 200 سوري في الفترة نفسها من عام 2012.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.