حصار داريا السورية.. «الخضوع أو التجويع»

حصار داريا السورية.. «الخضوع أو التجويع»
TT

حصار داريا السورية.. «الخضوع أو التجويع»

حصار داريا السورية.. «الخضوع أو التجويع»

داريا مدينة تقع عند المدخل الجنوبي لدمشق، محاصرة من قبل قوات النظام كما غيرها من المدن في سوريا، لكن ما يميز داريا أنها دائماً الاستثناء بل الخط الأحمر أمام أي مساعدات، فلا طعام أو دواء أو حتى حليب أطفال يسمح بدخوله إليها.
لداريا رمزية خاصة لدى المعارضة السورية، فهي كانت على رأس حركة الاحتجاج ضد نظام الرئيس بشار الأسد في مارس (آذار) 2011، كما أنها خارجة عن سلطة النظام منذ أربع سنوات ومحاصرة منذ العام 2012.
تقول المتحدثة باسم حملة "من أجل سوريا" بيسان فقيه، إنه في داريا "يلجأ النظام إلى سياسة الخضوع أو التجويع، في محاولة منه لاستعادة السيطرة على المدينة، فهي تقع على مدخل العاصمة، والنظام لن يتخلى عنها".
لم يدخل أي نوع من المساعدات الإنسانية إلى داريا منذ فرض الحصار عليها، وذلك برغم تمكن المنظمات الدولية من إيصال المساعدات في الفترة الأخيرة إلى عدة مدن محاصرة، بعد موافقة نظام الأسد تحت ضغط من المجتمع الدولي.
وبعد طول انتظار، ظن سكان داريا في 12 مايو (أيار) أنهم سيتلقون أول دفعة من المساعدات، فبعد الحصول على موافقة من الأطراف المعنية وصلت قافلة دولية محملة بالأدوية وحليب الأطفال إلى مداخل المدينة، لكنها عادت أدراجها من دون إفراغ حمولتها عند آخر نقطة تفتيش تابعة لقوات النظام.
تقع داريا جنوب دمشق ولا يحتاج الطريق بينها وبين وسط العاصمة سوى 15 دقيقة بالسيارة، وهي أيضاً ملاصقة لمطار المزة العسكري، حيث سجن المزة الشهير ومركز المخابرات الجوية.
يقول مصدر مقرب من النظام السوري إن "لداريا مكانة خاص لدى النظام"، ويضيف "النظام يريد استعادة داريا، لا يريد هدنة هناك لأن موقعها استراتيجي".
وتصاعدت حدة المعارك مؤخراً عند أطراف داريا، كما تحدث موقع "المصدر" الإخباري المقرب من النظام السوري عن "عملية عسكرية ضخمة" لاستعادة داريا خلال الأيام المقبلة.
قبل الحرب في سوريا، كانت داريا معروفة بكرومها الممتدة على مساحات شاسعة وبمصانعها المتخصصة بمفارش الموائد المزينة والتي كانت توزع على كل أنحاء سوريا.
وحين بدأت حركة الاحتجاج، كان المتظاهرون في داريا يوزعون الورد والمياه على عناصر قوات النظام تأكيداً على سلميتهم، لكن ذلك لم يمنع سقوط قتلى برصاص قوات النظام ولاحقاً بالقصف المدفعي، وكما في المدن السورية الأخرى تحولت الاحتجاجات بعد قمعها إلى نزاع مسلح.
ويوضح الناشط في داريا شادي مطر، أنه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 بدأت قوات النظام بإقامة الحواجز عند مدخل المدينة، "وبحلول نهاية العام 2012، لم يبق أي معبر آمنا في داريا".
وكانت داريا قبل الحرب تعد حوالى 80 ألف نسمة، لكن هذا العدد انخفض بنسبة 90% فيما يواجه من تبقى من السكان نقصاً حاداً في الموارد ويعانون من سوء التغذية.
ويقول مطر "داريا تعد الحصار المنسي، فهي من بين أولى المناطق التي فرض عليها حصار، ولكن حتى بعد الهدنة المعمول بها منذ 27 فبراير (شباط) في سوريا لم يتم إدخال أي مواد غذائية أو طبية إليها".
ويقول حسام خشيني الطبيب في إحدى العيادات في المدينة إن "الناس هنا يقتاتون على الأعشاب في حال توافرت".
ويضيف خشيني "الكهرباء؟ نسينا شيئاً اسمه كهرباء، المياه؟ هي مياه آبار لا تصلح للشرب أصلاً، ولا يوجد حتى غذاء وحليب للأطفال".
نقص الغذاء والكهرباء والمياه ليس ظاهرة تقتصر على داريا وحدها، بل يطول اكثر من 400 ألف مواطن يعيشون تحت الحصار في سوريا وغالبيتهم في مناطق تحاصرها قوات النظام.
يعتبر خشيني أن "داريا لا تزال تشكل معضلة النظام"، ويضيف "حاولت الأمم المتحدة الدخول اليها مرات عدة ولكن النظام يرفض في كل مرة ويعطي حججاً واهية ليمنع دخول المساعدات".
وبالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي قرب دمشق، تتنوع الفرضيات بين المقربين من النظام والناشطين حول أسباب رفض النظام إدخال المساعدات إلى داريا بشكل خاص.
ويرى المصدر المقرب من النظام أن "داريا خط أحمر بالنسبة له بسبب وجود مقاتلين متشددين"، على حد زعمه. ويقول إن "الفصائل في داريا هي من الفصائل الأكثر تشدداً، لذلك يرى النظام أن المساعدات الإنسانية لن تصل إلى المدنيين".
حتى أنه قبل دخول الهدنة حيز التنفيذ في سوريا في نهاية فبراير (شباط)، أعلن مصدر عسكري تابع للنظام أن الاتفاق لن يشمل داريا "لأن جبهة النصرة من الفصائل المقاتلة فيها".
ويتساءل المصدر العسكري "لماذا يصل الطعام والغذاء والسلاح إلى المقاتلين، ولا يصل إلى المدنيين في المدينة؟ لماذا يبدو المقاتل بصحة جيدة وبوضع جيد، بينما تظهر ملامح الفقر والشقاء على المدنيين؟". وبالنسبة إليه فإن الإجابة "واضحة، لأن هناك من يسرق كل شيء يدخل المدينة، وفي حال لو دخلت المساعدات سيقوم المسلحون بسرقتها".
ولا يتفق الناشطون والمعارضون مع هذه الفرضيات، فداريا بالنسبة لبيسان فقيه "معروفة بأنها مدرسة الاحتجاج السلمي"، والنظام ببساطة ينزعج منها لأنها تهزم الدكتاتورية التي لا تبعد عنها سوى مسافة الطريق".
وتخلص فقيه الى انه "قد تكون أيام الاحتجاج السلمي انتهت منذ وقت، إلا أن قدرة داريا على البقاء تعد شوكة في حلق نظام بشار الأسد وخطته للقضاء على الثورة".



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.