تبشير إخوان مصر بفصل «الدعوة عن السياسة» يصطدم بصراعات الجماعة الداخلية

قيادي سابق لـ«الشرق الأوسط»: كعهدهم يأتون متأخرين.. والظرف العام يجهضها

تبشير إخوان مصر بفصل «الدعوة عن السياسة» يصطدم بصراعات الجماعة الداخلية
TT

تبشير إخوان مصر بفصل «الدعوة عن السياسة» يصطدم بصراعات الجماعة الداخلية

تبشير إخوان مصر بفصل «الدعوة عن السياسة» يصطدم بصراعات الجماعة الداخلية

اصطدم تبشير قيادات في جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بقرب الإعلان عن «فصل المسار الدعوي عن الحزبي» بواقع الصراع بين ثلاثة أجنحة داخل أعرق حركات الإسلام السياسي.
وفيما لا يزال من غير المعروف ما إذا كانت الدعوة تسعى لاستنساخ التجربة التونسية في الفصل الوظيفي بين السياسي والدعوي، أم تنحو باتجاه أكثر راديكالية، يرى قادة سابقون في الجماعة أن «الإخوان كعهدهم دائما يأتون متأخرين»، وبحسب غالبية التقديرات يبدو الظرف السياسي الراهن «غير مؤات».
وتحت وطأة الضربات الأمنية المتلاحقة منذ إزاحتهم عن الحكم في يوليو (تموز) عام 2013. وانكشافهم شعبيا، تواجه جماعة الإخوان التي يزيد عمرها على الـ80 عاما أعنف مواجهة مع السلطات منذ مقتل مؤسسها، حسن البنا أواخر أربعينات القرن الماضي.
مستفيدا من الزخم الإعلامي والترحيب السياسي الذي رافق إعلان راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية بفصل الجانب الدعوي عن السياسي والالتزام بالعمل من داخل أطر الدولة المدنية، بشر الدكتور جمال حشمت عضو مجلس شورى الجماعة بقرب الإعلان عن خطوة مماثلة داخل صفوف الجماعة الأم في مصر.
وقال أحمد بان، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، إنه من الضروري «تحرير حقيقة ما قامت به حركة النهضة.. هناك مبالغة في تناول الأمر. فما تحدث عنه الغنوشي وقيادات الحركة في تونس لم يتجاوز الفصل الوظيفي، ولم يتطرق أحد للفصل المفاهيمي».
وتابع بان، وهو قيادي سابق في جماعة الإخوان، قائلا إن «حركة النهضة تواجه أساسا قيودا قانونية ودستورية على حركتها، لذلك بدا مفيدا الحديث عن حزب سياسي يتجاوز هذه القيود لكن من دون إيضاح كاف عن طبيعة العلاقة بين الجناح الدعوي والسياسي».
ويرى أن جماعة الإخوان المسلمين كعادتها تأتي متأخرة، مشيرا إلى أن هذا الطرح كان يمكن أن يجد صدى طيبا قبل سنوات، وهو أمر كان مطروحا بالفعل بعد ثورة 25 يناير 2011. لكن القطبيين تكفلوا بالقضاء عليها، وهو ما توقع أن يتكرر في ظل حالة الانقسام التي تعاني منها الجماعة.
وقال حشمت، في حوار مع وكالة الأناضول، إنه «تأكد عزم كل الأطراف» داخل الجماعة على ضرورة «فصل الجانب الحزبي التنافسي عن الجانب الدعوي والتربوي»، لافتا إلى أن هذا القرار «سيعلن قريبا»، مشيرا إلى أنه هناك «سعي لمراجعات كبرى، لكنها تحتاج لوقت، وإرادة، وتقديم الشباب».
لكن حديث حشمت عن «عزم كل الأطراف» اصطدم بجدل أثارته تصريحاته داخل صفوف الجماعة التي تعاني أصلا من انقسامات حادة، وتراشق الاتهامات بين قياداتها التاريخية، وجيل من الشباب يسعى لتولي زمام القيادة. واستدرك حشمت تصريحاته في وقت لاحق قائلا إن «السياسة جزء من الدين.. ولدينا كتب فقهية حول السياسة الشرعية، لكننا نتكلم في إطار التخصص.. وتبقى الجماعة قائمة بدورها التربوي».
وتتوزع ولاءات أعضاء الجماعة والمكاتب الإدارية في المحافظات بين قيادتين تتنازعان الشرعية، يقود الجناح الأول محمود عزت نائب المرشد الذي يعترف 19 مكتبا إداريا بشرعيته، فيما يتولى قيادة الجناح لجنة إدارية عليا ويهيمن عليه شباب الجماعة الأكثر راديكالية ويناصره 11 مكتبا إداريا، بينما اختار جناح ثالث البقاء خارج الاستقطاب. ويعد حشمت من المحسوبين على الاتجاه الراديكالي داخل الجماعة، وقد ظل لسنوات طويلة قبل ثورة يناير ممثلا لتيار الإصلاح في صفوفها.
وفي أول تعقيب لجناح عزت الذي يمثل الجناح المحافظ داخل الإخوان، قال المتحدث الرسمي لما بات يعرف بـ«مكتب الرابطة» الموالي لعزت إن الجماعة تؤكد «أنها تعلن دوما عدم ممانعتها، من حيث المبدأ، في مناقشة أي أفكار أو آراء مقترحة في هذا الموضوع أو غيره، (..) وعندما يتم التوصل لقرار نهائي تقوم بإعلانه بصورة واضحة ونهائية وفقا لقواعدها في النشر والإعلان، وهو الأمر الذي لم يحدث في القضية المثارة حول فصل الدعوي عن الحزبي، وقد سبق للجماعة أن قامت بتأسيس حزب الحرية والعدالة (حل بحكم قضائي في 2014)، حزبا سياسيا لكل المصريين ليكون مساهما فاعلا في الساحة السياسية المصرية ومعبرا عن الرؤية السياسية لجماعة الإخوان المسلمون».
وأهاب بيان مكتب الرابطة بـ«الإخوة الأفاضل الذين نكن لهم كل الاحترام طرح ما يرونه لازما للمرحلة وواجباتها عبر مؤسسات الجماعة وآلياتها المعتمدة»، وهي إشارة على ما يبدو تهدف لنزع الشرعية عن الدعوة والداعين لها. وهو ما علق عليه بان قائلا إن محاولات إبداء وجه مرن لا يجب أن يخدعنا عن حقيقة أساسية وهي أن جناح عزت سيسعى بكل قوته للقضاء على هذا التوجه.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم