صحافيو البيت الأبيض.. من مواجهة جونسون إلى مجاملة أوباما

في عام 1968 (خلال تورط الولايات المتحدة في حرب فيتنام)، في غرفة المؤتمرات الصحافية في البيت الأبيض، تحدث الرئيس لندون جونسون عن «النصر المؤكد». لكن، سرب السيناتور جون ستينيس، رئيس اللجنة العسكرية في مجلس الشيوخ، خبرًا إلى مراسل وكالة «يو بي آي» بأن «النصر ليس مؤكدًا»، وبأن الجنرالات يريدون زيادة عدد القوات الأميركية في فيتنام إلى نصف مليون جندي.
في نفس اليوم، قرأ جونسون الخبر في ماكينة «يو بي آي» في مكتبه في البيت الأبيض. وجن جنونه.
استدعي ماريمان سميث، مراسل «يو بي آي»، ودان توماسون، مراسل صحف شركة «سكربزهاوارد» (نقل الخبر أيضًا). كان مع الرئيس جونسون وزير الدفاع روبرت ماكمنارا، ووزير العدل نيكولاس كاتزنباخ.
سأل جونسون، الصحافيين، في حدة: «هل تكتبان أي خبر من أي فلان أو علان»؟ وأجاب سميث: «الخبر من سيناتور يا سيادة الرئيس».
بعد نقاش قصير، ودعا الرئيس. والتفت سميث إلى زميله الصحافي توماسون، وقال له، في صوت عالٍ ليسمعه الرئيس: «هل نسمح لابن الكلب هذا أن يكذب على الشعب الأميركي»؟
نقل هذه القصة باتريك سلويان، صحافي عريق، غطى البيت الأبيض لخمسين عامًا، من عام 1961 (في عهد الرئيس جون كيندي)، إلى عام 2011 (في عهد الرئيس باراك أوباما). ونشر القصة في تقرير في آخر أعداد «كولومبيا جورناليزم ريفيو» (التي تصدرها كلية الصحافة في جامعة كولومبيا، في نيويورك) تحت عنوان: «هل نحتاج إلى صحافيين يغطون البيت الأبيض»؟
أجاب سلويان على سؤاله: «مضت خمسون عامًا منذ مواجهة جونسون والصحافيين. اليوم، لا يحدث ذلك مع أوباما». وقال إن هناك سببين رئيسيين:
أولاً: لا يحب أوباما الصحافيين. ولا يحب السياسيين، ولا يحب أي شخص في واشنطن. صار واضحًا، رغم أنه خطيب فصيح وسياسي ذكي، نفوره من الناس.
ثانيًا: غير الإنترنت كل شيء. بما في ذلك العلاقة بين الرئيس والصحافيين الذين يغطون البيت الأبيض. ومرة أخرى، لأن أوباما ذكي، استغل الإنترنت ليتحاشى الصحافيين.
عن النقطة الأولى، قال كلارنس بيدج، مراسل صحيفة «شيكاغو تربيون» في البيت الأبيض، والذي ظل يغطي أوباما منذ أن كان أوباما سياسيًا محليًا في شيكاغو: «يتمتع أوباما بعزلة فريدة. لا أعرف، إلى جانب عائلته، أي شخص آخر قريبًا منه. ربما رفاقه في كرة السلة».
يترأس سلويان، الصحافي العريق، مركزًا يؤرخ لمراسلي البيت الأبيض (سمي المركز على اسم هيلين توماس، الصحافية الأميركية اللبنانية التي يعترف لها بأنها كانت أكثر المناكفين عندما غطت البيت الأبيض لخمسين عامًا تقريبًا. توفيت قبل خمس سنوات).
وقال سلويان: «انتهى عصر المواجهات، انتهى أمثال هيلين توماس. هذا عصر المجاملات».
وأيضًا، عصر استغلال أوباما للإنترنت لتحاشي الصحافيين.
في نهاية العام الماضي، عندما أعلن البيت الأبيض أن أوباما سيزور كوبا (زارها في الشهر الماضي)، لم يصدر ذلك في بيان صحافي. ولم يعلنه أوباما في مؤتمر صحافي. أعلنه أوباما في صفحته في موقع البيت الأبيض في الإنترنت.
عن هذا، قال صحافي آخر عريق، سيمور هيرش (غطى حرب فيتنام أيام الرئيس جونسون): «لم أر أبدًا صحافيي البيت الأبيض في هذا المستوى من الإهمال. يبدو أن همهم الأول صار توقع دعوات لحضور حفلات العشاء للملوك والرؤساء الزائرين في البيت الأبيض».
وتندر صحافي آخر عريق، راسل بيكر (كان مراسلاً مع صحيفة «نيويورك تايمز»، ثم صار كاتب عمود، ثم تقاعد): «لا يوجد صحافيون يغطون البيت الأبيض. يوجد صحافيون يغطيهم البيت الأبيض (إشارة إلى أن أوباما يستغل الإنترنت)».
توجد نقطتان أخريان، أولاً: خلت سنوات أوباما في البيت الأبيض من أحداث هامة، مثل فضيحة ووترغيت، وحرب فيتنام، وعشيقات كلينتون.
ثانيًا: قلت ميزانيات الصحف لتغطية البيت الأبيض (وكل شيء آخر).
عن هذه النقطة الأخيرة، أشار بيتر بيكر، الذي غطى البيت الأبيض، أول مرة، عام 1996 (في عهد الرئيس كلينتون)، إلى عادة مرافقة الصحافيين للرئيس في رحلاته الخارجية. في الماضي، كان البيت الأبيض يوفر طائرة تحمل عشرات الصحافيين (بالإضافة إلى عدد قليل من الصحافيين يجلسون في مؤخرة «إيرفورس1»، طائرة الرئيس). لكن، مع انخفاض ميزانيات الصحف، لم تقدر كثير منها على دفع تكاليف سفر مراسليها في الطائرة الخاصة.
في عام 2014. عندما زار أوباما دولاً في آسيا، وفر البيت الأبيض للصحافيين طائرة «بوينج 777» فيها 365 مقعدًا. لكن، لم يسافر غير 40 صحافيًا. وصار نصيب كل واحد منهم 90.000 دولار. هذا غير فواتير الفنادق والنقل ووجبات الطعام (صارت الجملة 10.000 دولار). ولم تصدق شركات الصحف والتلفزيونات ذلك. وكانت تلك هي القشة التي قصمت ظهر البعير.
لهذا، في العام الماضي، عندما زار أوباما دولاً في أفريقيا، لم يوفر البيت الأبيض طائرة خاصة للصحافيين (بسبب تراكم فواتير الصحف). ودفع كل صحافي تذكرة سفر إلى فرانكفورت، وهناك استأجروا طائرة خاصة لمتابعة أوباما لخمسة أيام.
طائرة أو غير طائرة، لم يعد الصحافيون يواجهون الرئيس كما كان يفعل الجيل السابق. بل حتى الجيل السابق لم يكن يواجه الرؤساء بدرجة كافية. قال ذلك الصحافي العريق سلويان، الذي غطى البيت الأبيض في عهد كيندي. قال: «كان كيندي أكثر ودًا نحو صحافيي البيت الأبيض، عكس جونسون. لهذا قصرنا في تغطيته».
لهذا، سيصدر سلوفان، في نهاية هذا العام، كتابًا عن «سياسة الخداع: قرارات كيندي السرية عن فيتنام، وكوبا، والحقوق المدنية». خلال الخمسة أعوام الماضية، بعد أن تقاعد، ذهب إلى دار الوثائق المركزية، وجمع معلومات من وثائق عهد كيندي (1961 - 1963) وعرف أن أشياء كثيرة كانت مخفية عنه، وعن زملائه. منها:
أولاً: عكس ما يقال، بدا التدخل العسكري الأميركي في فيتنام في عهد كيندي، وليس في عهد خليفته جونسون.
ثانيًا: عكس ما يقال، لم يكن كيندي متحمسًا لحقوق الزنوج.
ثالثًا: عكس ما يقال، تنازل كيندي سريعًا أمام الروس خلال مواجهة الصواريخ الروسية في كوبا.
يعنى هذا أن الصحافيين المناكفين في الماضي، لم يكونوا، رغم مناكفاتهم، يعرفون كل شيء عن الرؤساء. فما بال الصحافيين الحاليين، مع انخفاض إمكانياتهم، ومع تحاشي أوباما لهم. بل مع مواجهة أوباما لهم.
قبل أربعة أعوام، أمر أوباما وزير العدل إريك هولدر، برفع قضية ضد جيمس رايزن، صحافي صحيفة «نيويورك تايمز» الذي سرب معلومات عن حرب وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ضد إيران.
ليس ذلك فحسب، بل إن سجل أوباما لا يخلو من فضائح، ليست شخصية، ولكن سياسية. مثل «حرب الدرون» ضد الإرهابيين، التي تظل سرية.
عن هذه، قال سلويان: «يرفض أوباما كشف حقائق تهم الشعب الأميركي. عبر تاريخنا الحديث، توجد بصمات رؤساء أميركيين في عمليات اغتيال. من كيندي في فيتنام، إلى جونسون في تشيلي. لكن في ذلك الوقت، كان الرؤساء يتوارون وراء (سي آي إيه) والبنتاغون، وحتى مكتب التحقيق الاتحادي (إف بي آي). لكن، عرفنا أن أوباما يختار شخصيًا قادة وأفرادًا من تنظيم القاعدة، والجماعات الإرهابية التابعة لها، لتستهدفهم طائرات «درون» (من دون طيار)».
وأضاف سلويان: «حتى الآن، لم يتجرأ صحافي واحد يغطي البيت الأبيض على إثارة دور أوباما في هجوم طائرة درون، يوم 1 أبريل (نيسان) الحالي، الذي تسبب في قتل ثلاثة من قادة حركة الشباب في الصومال، بما فيهم زعيمهم حسن على ذوري».