الفكر الديني والإصلاح الدستوري الحديث

معالم من اجتهادات خير الدين التونسي ورفاعة الطهطاوي

الفكر الديني والإصلاح الدستوري الحديث
TT

الفكر الديني والإصلاح الدستوري الحديث

الفكر الديني والإصلاح الدستوري الحديث

مع تسابق بعض الحركات المتشدّدة مثل «القاعدة» و«داعش» الرافعة لواء الإسلام والزاعمة التكلم باسمه على احتكار المضامين السياسية للدين الحنيف، نعرض فيما يلي نموذجين مخالفين تمامًا لما يزعم المتطرّفون أنه يجسد مفهوم الإسلام لـ«الدولة»، ويقدمان نظرتين إصلاحيتين متبصّرتين للفكر الديني المستنير والإصلاح الدستوري الحديث.
بقي العالم الإسلامي، خصوصًا، في عهد النهضة الحديثة ودعوتها الدينية الإصلاحية، مترابط الحلقات ومتجاوزًا اختلافات المذهبية والطائفية ومستحضرًا بقوة التقدّم الأوروبي وأطماعه في المشرق والمغرب الإسلامي. وكانت الدعوات والمحاولات الإصلاحية قد بدأت منذ مطلع القرن الثامن عشر ترفع في عهد الدولة العثمانية تحت تأثير واضح بالإنجازات الغربية. ففي تونس دعا الإصلاحي خير الدين التونسي إلى تنظيم الدولة ومأسستها، واعتقد أن النظام السياسي يحتاج إلى الحرية السياسية، ومن ثمة، إلى المعارضة إذا لزم الأمر. والحرية عند خير الدين نوعان: الأول شخصي، والثاني سياسي، وهما معًا مقرران في التراث الإسلامي. بل إنها ترتقي إلى مرتبة الواجب، ويستشهد التونسي بقول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): «من رأى منكم فيّ اعوجاجًا فليقومه».
ولدعم أطروحته قدم خير الدين النموذج الأوروباوي، الذي زعم أن إطلاق أيدي الحاكمين والدولة قد يؤسس للظلم والخراب. لذلك «جزموا بلزوم مشاركة أهل الحل والعقد.. في كليات السياسة» مع جعل المسؤولية في إدارة الدول على الوزراء المباشرين. إلا أن التطور الدستوري التونسي لسنة 1860م، وما أعقبه من مطالب إصلاحية دستورية وسياسية شاملة لم تحقق التثبيت المرجو للفكر الدستوري في النظام السياسي القائم، ولم تغير من الفكر السياسي الشعبي التونسي حيال فكرة التنظيمات والدستور.
الدعوة الإصلاحية التونسية
إن الصورة التي يقدمها خير الدين التونسي في كتابه «أقوام المسالك في معرفة أحوال الممالك»، لا سيما في مقدمة هذا الكتاب، تظهر ذلك الأخذ بالمعطيات السياسية وانعكاسها على المستوى الفكري والبرنامجي للدعوة الإصلاحية، فعندما وضع خير الدين التونسي كتابه السابق، كانت تونس زمن أحمد الباي قد وضعت لنفسها أول دستور في تاريخها، يستلهم التجربة الغربية الدستورية، لكن هذه التجربة أنهاها الاستعمار الذي دخل البلاد سنة 1881م.
ينطلق المصلح التونسي من مُسلّمتين أساسيتين: الأولى تؤكد أن الدول «التي لا تنسج على منوال مجاوريها فيما يستحدثونه من الآلات الحربية، والتراتيب العسكرية توشك أن تكون غنيمة لهم ولو بعد حين». أما المُسلّمة الثانية فتقول «بضرورة أن التنظيم الدنيوي أساس متين، لاستقامة نظام الدين». والنظر إلى أحوال المسلمين يقع على خلل الدول خصوصًا دولة آل عثمان، فسلاطينها خالفوا قاعدة التنافس مع الأوروبيين، خصوصًا في استحداث مصادر القوة العسكرية وتجديدها صناعةً وتنظيمًا وتدريبًا للجند. كما أنهم لم يتمكنوا من حفظ سمو الشورى في المجال السياسي، وسعوا في تدبير أمور الحكم بهدى غير تلك المقررة.
وإصلاحًا لهذا التردّي العام لم يتوانَ خير الدين التونسي في «بيان الأدلة الكافية لوجوب التنظيمات السياسية التي لو لم يكن إلا تنفير الأجنبي والمتوظفين منها، لكان كافيًا في الدلالة على حسنها ولياقتها بمصالح المملكة، كان ذلك من أهم الواجبات على أمراء الإسلام ووزرائهم وعلماء الشريعة، الاتحاد في ترتيب تنظيمات مؤسسة على دعائم العدل والمشورة.. غير معتبرين مقال بعض المجازفين بأن تلك التنظيمات لا تناسب حالة الأمة الإسلامية» (مقدمة أقوام المسالك في معرفة أحوال الممالك، ص 160).
ثم إن القيام بالتنظيمات لا يعني النجاح، بل يلزم أن يقوم بها وعليها إشرافًا وتصريفًا، من يحسنون «ترتيب التنظيمات»، ويغلبون ما تنتجه من همة وحرية، وما توفره من مصالح للرعية على «ما عسى أن يكتسبوه بالاستبداد من المنح الخصوصية». ومن متطلبات النجاح في الأمور السياسية، معرفة الحاكمين بكليات الأمور، واختيار الرجال «اللائقين بالخطط». ولذلك فإن سعادة الدول وشقاءها في أمورها الدنيوية إنما تكون بقدر ما تيسر لحاكميها من ذلك، وبقدر ما لديها من التنظيمات السياسية المؤسسة على العدل، ومعرفتها واحترامها من رجالها المباشرين لها «ولا يتوقف الموقف على تأسيس القوانين المتنوعة».
وتبعًا لذلك تطور النظام السياسي الأوروبي، وظهرت مجالس تمثيلية تسن القوانين، وتراقب الحكومة «وتقع المجادلة بالمجلس علنًا بين القادح والمدافع»، وبهذا التطور المؤسساتي يستقيم حال الدولة والبلاد. وأصبح التقرير في أمور السياسة العامة الذي تقوم به الدولة - الوزراء أو الحاكم - في حاجة إلى موافقة إرادة المجلس، التي تعبر في الحقيقة عن إرادة أهل المملكة.
التجربة المصرية
وكغيرها من الدول الإسلامية، شهدت مصر نوعًا من إعادة تكوين الفكر السياسي والاجتماعي، استهدف مناقشة أحوال الدولة ونظام الحكم، في ظل متغيّرات دولية عرضت مصر للتدخلات العسكرية الغربية، ولـ«زوابع» تياراتها الفكرية، مما ساهم في بروز ثقافة سياسية يقظة دافعت عن النظام الديمقراطي والدستور.
وترى الكتابات السياسية حول الحركة الدستورية المصرية، أن التبلوُر الفكري للمسألة الدستورية يعود إلى عهد الخديوي إسماعيل. غير أن الدكتور لويس عوض والمؤرخ عبد الرحمن الرافعي يتحدثان عن سوابق للاتجاه الدستوري المصري. أما من الناحية الفكرية فإن كتاب رفاعة الطهطاوي «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» الذي يضم تسجيله للأحوال الاجتماعية والسياسية للفرنسيين في زمانه كما شاهدها في رحلته إلى باريس، يُعد من الكتب الأولى التي نادت بالإصلاح البرلماني. غير أن رفاعة الطهطاوي سينقل أفكاره السياسية والدستورية إلى مستوى عميق وأكثر تنظيرية في المجال السياسي في كتابه «مناهج الألباب».
وإلى ذلك نهج الطهطاوي منهج خير الدين التونسي في «تأطير» الفكر الإصلاحي السياسي ذي المنزع الدستوري، بل إنه يفوقه وضوحًا وجرأة في الطرح. إذ يرى الطهطاوي ضرورة تكييف منظورنا للشريعة مع المنفعة السياسية، وهو ما يسمى عند الفقهاء بالمصلحة العامة، فيذكر في كتابه «مناهج الألباب» أنه قد لا تقتضي الأوضاع الشرعية المتأدب بها في الدولة «عين المنفعة السياسية إلا بتأويلات للتطبيق على الشريعة».
وفي نقاشه للمنظومة القانونية الفرنسية لاحظ أنها قوانين غير مستمدة من الكتب السماوية، إلا أنه لا يجد كبير فرق بينها وبين ما هو معروف في الفقه الإسلامي، لذلك يخلص في هذه المسألة إلى أن «جميع الاستنباطات العقلية التي وصلت إلى عقول أهالي باقي الأمم المتمدّنة وجعلوها أساسًا لوضع قوانين تمدنهم وأحكامهم قلَّ أن تخرج عن تلك الأصول التي بنيت عليها الفروع الفقهية التي عليها مدار المعاملات، فما يسمى عندنا بعلم الفقه يسمى ما يشبهه عندهم بالحقوق الطبيعية أو النواميس الفطرية. وهي عبارة عن قواعد عقلية تحسينًا أو تقبيحًا يؤسِّسون عليها أحكامهم المدنية، وما يسمى عندنا بفروع الفقه يسمى عندهم بالحقوق أو الأحكام المدنية».
وفي هذا السياق، يرى رفاعة الطهطاوي أن هناك مشتركًا آخر مع الغرب، خصوصًا مع الآداب الفرنساوية، هو الحرية. فهي متأصلة في الفكر الإسلامي، ودليله المفاخرة التي وقعت بين النعمان بن المنذر ملك العرب وكسرى ملك الفرس. وللحسم في هذه المسألة يستدعي رفاعة قول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا». ولهذا اجتهد المصلح المصري لإيجاد بديل إسلامي للمصطلحات الغربية، «فالحرية والمساواة هما العدل والإنصاف، ونظام الحكم الغربي المقيد بالدستور بمثابة الشورى التي حث عليها الدين الإسلامي، والنواب هم أهل الحل والعقد وأحكام الشريعة والقانون الغربي متماثلة، مع أن هذا من وضع البشر وتلك منزلة».
ولقد ساهمت مثل هذه الثقافة في تحريك الوضع السياسي المصري، وظهر دور الشباب في العمل السياسي. حيث عقد «الشباب المصريون» اجتماعًا لهم، وقدّموا للخديوي عريضة تتضمن موقفهم من مبدأ الاقتراع العام والاقتراع المشروط، وكذلك في الانتخاب المباشر والانتخاب غير المباشر. ويرى أنور عبد الملك، أن مجموعة الشباب المصريين هم ممّن تتلمذوا على يد الطهطاوي (نهضة مصر، الهيئة المصرية للكتاب، طبعة 1983 ص 290).
إن مثل هذه الثقافة لم تكن معدومة في الثقافة السياسية المصرية، فقد أدت الثورة التي خرجت من الأزهر ضد خورشيد باشا التي أزاحته عن السلطة، وولّت محمد علي في 13 مايو (أيار) 1805م، إلى ثورة على مستوى التعاقد السياسي، إذ بويع محمد علي «بيعة مشروطة»، في موقف تاريخي من علماء مصر، وحرّر الشيخ الأزهري محمد المهدي هذه البيعة التي تقول: «إن للشعوب طبقًا لما جرى به العرف قديمًا ولما تقضي به أحكام الشريعة الإسلامية الحق في أن يقيموا الولاة ولهم أن يعزلوهم إذا انحرفوا عن سنن العدل وساروا بالظلم، لأن الظالمين خارجون عن الشريعة» (لويس عوض: الفكر المصري الحديث، ص 88). وغير خافٍ أن هذا النص يجعل مصدر السلطة الأمة، وكذلك كان الوضع الإسلامي قبل الثورة الفرنسية.
لقد استطاع الفقه والفكر الديني الإسلامي أن يدافع زمن النهضة عن دستورية وديمقراطية السلطة، واعتبر ذلك ضمن دفاعه عن الشريعة، والاستقلال الحضاري والترابي. ويبدو أن معركة الفكر الديني المتنور ما زالت مستمرة بآليات معاصرة رغم الاختلاف الواضح في الزمان وطبيعة الأفكار المطروحة.
* دكتور العلوم السياسة جامعة محمد الخامس - الرباط



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».