حركة النهضة تقر الفصل بين نشاطاتها الدعوية والسياسية

دعوات لقيادة مشتركة للحزب.. وتقليص الصلاحيات المطلقة للغنوشي

رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي يلقي كلمته أمس في مؤتمر الحزب العاشر بمدينة حمامات (أ.ف.ب)
رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي يلقي كلمته أمس في مؤتمر الحزب العاشر بمدينة حمامات (أ.ف.ب)
TT

حركة النهضة تقر الفصل بين نشاطاتها الدعوية والسياسية

رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي يلقي كلمته أمس في مؤتمر الحزب العاشر بمدينة حمامات (أ.ف.ب)
رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي يلقي كلمته أمس في مؤتمر الحزب العاشر بمدينة حمامات (أ.ف.ب)

حسم المؤتمر العاشر لحركة النهضة المنعقد بمدينة الحمامات شمال شرقي العاصمة التونسية، مسألة الفصل بين الدعوي والسياسي، وذلك بنسبة 80 في المائة من المؤتمرين، البالغ عددهم 1180. وصادق 70 في المائة منهم على لائحة التغييرات الهيكلية التي ستجري على الحزب.
وقال رضا إدريس، نائب رئيس المؤتمر العاشر في تصريح إعلامي، إن المؤتمرين صادقوا على كل اللوائح المعروضة على المؤتمر العاشر، وهي لائحة العلاقة بين الجانب الحزبي والجانب المجتمعي، ولائحة التقييم، واللائحة الفكرية، واللائحة الاقتصادية والاجتماعية، واللائحة السياسية، ولائحة الخيار الاستراتيجي، ولائحة التحدي الأمني ومكافحة الإرهاب، ولائحة هيكلية الحزب، ولم يبق أمامهم سوى انتخاب رئيس للحركة وانتخاب ثلثي مجلس الشورى (100 عضو، من بين 150).
وبشأن نجاح المؤتمر في الفصل بين السياسي والدعوي، قال الحبيب اللوز، عضو مجلس الشورى لـ«الشرق الأوسط» إن تنفيذ هذا التوجه الجديد سيتم بطريقة تدريجية وليس دفعة واحدة، وتابع قوله مازحا «لن نغادر قاعات المؤتمر ونحن منقسمون إلى شقين، مجموعة أولى تتبنى الدعوي (الوعظ والإرشاد والإصلاح الديني)، والثانية تعمل في الجانب الحزبي.. بل إن الأمر يتطلب فترة زمنية معقولة لتنفيذ هذا الفصل».
وأثناء المؤتمر الذي أنهى أشغاله يوم أمس، برزت خلافات حادة بين قيادات حركة النهضة حول تنقيح القانون الأساسي والصلاحيات الممنوحة لرئيس الحركة، وتسيير الحزب من خلال مكتب تنفيذي منتخب، وطريقة اختيار أعضائه، وهي على ما يبدو خلافات ستتواصل بعد المؤتمر. وسيكون لهذه الخلافات تأثير غير مباشر على التوازنات داخل الحركة، كما ستؤثر على تركيبة مجلس الشورى والمكتب التنفيذي.
وخلال المؤتمرات المحلية والجهوية، برز شقان قويان الأول يتمسك بهوية الحركة وتوجهها الإسلامي الديني، فيما ينادي الشق الثاني بالابتعاد عن استعمال الدين في السياسة والفصل بينهما بما يطبع الحركة بطابع مدني.
واعتبر فوز علي العريض، الأمين العام لحركة النهضة، برئاسة المؤتمر بمثابة فوز الشق المعارض لسياسة رئيس الحركة راشد الغنوشي. في المقابل، بعثت الحركة برسائل إيجابية إلى التونسيين وإلى خصومها السياسيين من خلال الإقرار بحصول انفتاح هام على المشهد السياسي، والسعي إلى تغيير رؤيتها للعمل السياسي.
وفي هذا الشأن، قال ناجي الجمل، عضو مجلس الشورى، إن تمرير التعديلات المتعلقة بطريقة إفراز المكتب التنفيذي بحيث إن الأعضاء يقترحهم رئيس الحركة ويزكيهم مجلس الشورى بأغلبية الأعضاء، سيكون أمرا صعبا للغاية في الوقت الحالي.
وتقدّم المشاركون في المؤتمر بمقترح لتعديل طريقة انتخاب أعضاء المكتب التنفيذي، ويتمثل في «أن يكون المكتب منتخبا جزئيا أو كليا من مجلس الشورى»، وخارجا عن سلطة رئيس الحركة. ويعين أعضاء المكتب التنفيذي في الوقت الحالي من قبل رئيس الحزب، ويزكيهم مجلس الشورى، وهي عملية تجري بصفة توافقية في معظم الحالات (أي دون اشتراط الأغلبية).
وأبدت حركة النهضة أمس انفتاحها على المجتمع التونسي من خلال فتح باب الانخراط أمام التونسيين دون الالتزام بشرط التزكية من قبل عضوين، وهو الذي كان ضروريا في السابق. وفي هذا الشأن، قال أسامة الصغير المتحدث باسم المؤتمر إن الحركة منفتحة أمام جميع التونسيين للانخراط بهياكلها، وأشار إلى أن النهضة لا تمانع في انضمام أي شخص تونسي إلى الحركة «حتى لو كان يهوديا أو مسيحيا»، على حد تعبيره. واشترط القبول بالرؤى والسياسات الكبرى والعامة لحركة النهضة. غير أن المشاركين في المؤتمر عبروا عن رفض قبول انخراط من وصفوهم بالمستهترين دينيا وشاربي الخمر ومستهلكي المخدرات.
وبشأن الترشح لرئاسة الحركة، لم تبد القيادات السياسية حماسا لهذا المنصب، وهو ما ينبئ بأن الطريق مفتوح أمام راشد الغنوشي لمواصلة قيادة الحزب الإسلامي الأكثر تأثيرا في الساحة السياسية التونسية لمدة أربع سنوات مقبلة. وبقي راشد الغنوشي الاسم الوحيد المطروح والمؤكد لرئاسة الحركة، على الرغم من تداول اسمي عبد الحميد الجلاصي (رئيس الحملة الانتخابية سنة 2014) وعبد اللطيف المكي (وزير الصحة السابق).
وفي هذا الشأن، قال عبد اللطيف المكي القيادي وزير الصحة السابق، في تصريح إعلامي «نحبذ رئاسة الشيخ راشد للحركة في إطار انتخاب المكتب التنفيذي والشراكة المسنودة عبر الانتخابات وليس في إطار مكتب تنفيذي معين ومزكى، وأشار إلى وجود توجه كبير داخل النهضة نحو إرساء شراكة في القيادة مع الغنوشي من خلال مكتب تنفيذي منتخب ككل الأحزاب الديمقراطية». ونفى المكي نية الترشح بقوله «لست مرشحا، والترشح الجدي الوحيد الذي تم الاشتغال عليه هو ترشح راشد الغنوشي».
وعلى الرغم من ظاهر التوافق، فإن خلافات ملحوظة برزت للعيان من خلال غياب القياديين عامر العريض وسمير ديلو عن أشغال المؤتمر. وأكدت مصادر مقربة من حركة النهضة أن العريض رئيس الدائرة السياسية تغيب بسبب تمسكه بضرورة إفراز قيادة مشتركة على رأس الحزب، وبالتالي التقليص من الصلاحيات المطلقة لرئيس الحركة راشد الغنوشي.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.