الدهان الدمشقي يجمع فنونًا ثلاثة في عمل واحد لتزيين المنازل

دخل التراث اللامادي لدى اليونيسكو

باب من تنفيذ اوضه باشي بزخارف الدهان الدمشقي - عرفات اوضه باشي يشير بيده للوحة كبيرة من الدهان الدمشقي من تنفيذه - أحد الحرفيين بمهنة الدهان الدمشقي أو العجمي في ورشة اوضه باشي ({الشرق الأوسط})
باب من تنفيذ اوضه باشي بزخارف الدهان الدمشقي - عرفات اوضه باشي يشير بيده للوحة كبيرة من الدهان الدمشقي من تنفيذه - أحد الحرفيين بمهنة الدهان الدمشقي أو العجمي في ورشة اوضه باشي ({الشرق الأوسط})
TT

الدهان الدمشقي يجمع فنونًا ثلاثة في عمل واحد لتزيين المنازل

باب من تنفيذ اوضه باشي بزخارف الدهان الدمشقي - عرفات اوضه باشي يشير بيده للوحة كبيرة من الدهان الدمشقي من تنفيذه - أحد الحرفيين بمهنة الدهان الدمشقي أو العجمي في ورشة اوضه باشي ({الشرق الأوسط})
باب من تنفيذ اوضه باشي بزخارف الدهان الدمشقي - عرفات اوضه باشي يشير بيده للوحة كبيرة من الدهان الدمشقي من تنفيذه - أحد الحرفيين بمهنة الدهان الدمشقي أو العجمي في ورشة اوضه باشي ({الشرق الأوسط})

على الرغم من أنه فن زخرفي دمشقي عريق يعود لمئات السنين، فإن تسميته الشائعة التي ظلّت طيلة الفترة الماضية تُطْلَق عليه «العجمي»، وكأنه قادم من بلاد العجم في حين أنه وُجِدَ وانطلق من دمشق ولذلك ومع تسجيله قبل سنتين في لائحة التراث اللامادي لدى اليونيسكو اجتهد بعض الباحثين والمهتمين بالتراث فأطلقوا عليه اسم «دهان دمشقي» لتُثَبَّت التسمية هكذا لدى «اليونيسكو» في حين فضل آخرون تسميته بالرسم النباتي والهندسي على الخشب.
ومهما كانت تسميته، فهو يتميز بجمالياته وألوانه المبهرة ذات المدلولات الطبيعية وبتزيينه للجدران والأسقف بشكل بانورامي يدوي جميل، حتى إن قاعات كبيرة وصالونات تنفّذ من هذا الفن الزخرفي، ولعل أشهرها وأقدمها التي ما زالت موجودة منذ مئات السنوات «القاعة الشامية» التي نُقِلَتْ من أحد القصور التاريخية الدمشقية إلى متحف دمشق الوطني.
ومع الأزمة السورية وكحال كثير من الحرف اليدوية الدمشقية عانت هذه الحرفة من مشكلتين؛ الأولى ضعف الإقبال عليها شراء وعملاً، والثانية وهي الأخطر اقتحام المهنة من المتطفلين عليها ممن ليس له علاقة بها، وإنتاج أنواع منها تحمل طابعًا تجاريًا رخيص الثمن.
عرفات أوضه باشي (44 عامًا) مهندس مدني من عائلة دمشقية اشتهرت منذ عقود بعملها في العجمي أو «الدهان الدمشقي» ترك العمل بالهندسة المدنية ليتفرغ لمهنة الآباء والأجداد يروي لـ«الشرق الأوسط» حكاية هذا الفن الزخرفي وما حلّ به أخيرا. يوضح عرفات: نطلق عليه مهنة الرسم النباتي على الخشب وسمَّوه «الدهان الدمشقي» في مؤتمر التراث الدمشقي قبل سنتين والاسم الشائع «العجمي»، لقد ورثت المهنة عن أسرتي وجدي (محمد أديب أوضه باشي أبو سلمان) وهو يعتبر «شيخ كار» مهنة العجمي بدمشق، وهو من نشرها منذ أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الماضي، وكل من جاء بعده وعمل بها إما تعلموا العجمي لديه أو تعلموا لدى من تعلم عنده، كذلك نشرها في لبنان من خلال قسم من أولاده الذين سكنوا وعملوا في لبنان، وانتشرت في بلدان الخليج من خلال أحفاده، وكذلك الحال في أوروبا. وكل من يعمل في العجمي هم أقارب حيث تعلم الحرفة الابن وابن العم والخال وهكذا مثل عائلات محفوظ وزقزوق والخياط وغيرها من الأسر الدمشقية، كذلك كل من يعمل بها في بلدان العالم هم «شوام».
وماذا عن تاريخها وبداياتها؟ يشرح عرفات: «هي بالأساس مهنة دمشقية وانطلقت من دمشق والسبب كون دمشق أقدم عاصمة، فهناك حضارات متعاقبة وحرفيون مهرة، وعندما دخل الإسلام وجاءت الخلافة الأموية، صار الفن مرتبطًا مع السياسة فصار توجه الفنان والحرفي مرتبطًا بسياسة الدولة، وكان يوجد تحريم لرسم الأشخاص والأرواح والتجسيد، فصار أمام الحرفي ثلاثة خيارات أو اتجاهات، وهي الرسم النباتي على الخشب والرسم الهندسي ورسم الخط فجمعهم الثلاثة في فن واحد، وأبدع فيهم الفنان الدمشقي، وانطلق، وكان أول الأعمال في الفترة الأموية في المسجد الأقصى حيث قاموا بزخرفته في فترة حكم عبد الملك بن مروان وتابعه ابنه الوليد بن عبد الملك ومن ثم في مسجد بني أمية بدمشق.
ولكن لماذا سُمّي العجمي؟ يتابع عرفات: «الرسم على الخشب انطلق من حضارات سابقة، ومن هنا جاءت تسميتها بالعجمي لقربها من الزخارف الفارسية، ولكنها تبلورت وأخذت اتجاهًا جديدًا وخصوصية دمشقية وميزة العجمي أنها دمجت الاتجاهات الثلاثة في الفنون فأي لوحة عجمي هي «ذات تصميم هندسي وزخارفها نباتية وينزل عليها زخارف الخط بمختلف أنواعه كالثلث والكوفي والنسخي والرقعي والفارسي والديواني»، فيتكامل جميعها بلوحة واحدة وإيقاع متناغم. والرسوم في العجمي معظمها وحدات زخرفية تتكرر لها معانٍ جمالية وفلسفية فمثلا الزخارف النباتية تميل للرسوم الهندسية سواء بالتناظر أو النجوم أو الأشكال المربعة والمثمن والمسدس والاثني عشري والست عشري فالرسم النباتي والهندسي مرتبطان ببعض في العجمي، ففي أسس الزخرفة هناك التناظر والتشابك والانسجام والتوازن بين اللون والرسم وهذه تعود لمهارة الفنان وإبداعه.
وحول الألوان المختلفة في العجمي يوضح عرفات: «نستعمل الرسم أولاً ومن ثم التلوين والألوان تقسم لنوعين حارة وباردة الألوان الشرقية في دمشق باردة كالكحلي والأخضر والبرتقالي، أما الحارة فيستخدمها الحرفي الدمشقي في المناطق الحارة كالصحراوية، نغير الألوان مثلا لتتناسب مع طبيعة المنطقة فنستخدم اللون الأصفر بما ترتاح له العين البشرية». وبسؤاله: هل حصل تطوير في العجمي؟ أجاب: «ما زالت حتى العصر الحديث الحالي المهنة يدوية لكن قبل تنفيذ العمل صار من الممكن تخيل ما سيكون من خلال الكومبيوتر، حيث نستخدمه لتنزيل الأبعاد ونصمم كل واجهة لوحدها من خلاله ولكن تصميم فقط أما العمل فيبقى يدويًا، من خلال تقسيم الواجهات لعدة أقسام بقياسات محددة بدقة، وأضع التصميم الهندسي لها، وكذلك للسقف مثلا، ومن ثم أنفذ بحيث تخرج القياسات منتظمة تمامًا ولكن بمجرد انتهاء التصميم سيبدأ العمل اليدوي مباشرة».
يتنهد عرفات قائلاً: «يُنظر للعجمي على أنه قمة الفن فبإمكان العامل بها أن يبدع ويحلق ويمكن أن تكون حرفة تجارية فالبازاري والسوقي واللافني هذه مشكلة أمامنا، لأن من يعمل بالبازاري من الموجودين في دمشق لا يعرفون قيمة العجمي الحقيقي، فتختلط الأمور على بعض الزبائن وقد يسترخصونها فمن يعمل بالتجاري ينظر للعجمي على أنها دهان وتعتيق فقط، وهؤلاء أثروا على العمل الحقيقي للعجمي، ولكن يبقى هؤلاء في الصفوف الخلفية ومعروفين ولا يحققون إنجازات حقيقية في هذا العمل الزخرفي اليدوي وهم بنسبة لا بأس بها ولا يعرفون المعاني الجمالية والروحية لهذا الفن والمدلولات الفلسفية والرمزية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».