من التاريخ: بداية الوحدة الإيطالية

من التاريخ: بداية الوحدة الإيطالية
TT

من التاريخ: بداية الوحدة الإيطالية

من التاريخ: بداية الوحدة الإيطالية

تمثل ملحمة الوحدة الإيطالية في القرن الميلادي التاسع عشر أحد أهم وأعمق الفصول في تاريخ بناء الدولة الوطنية في أوروبا والعالم، فهي ملحمة تاريخية ممتدة لحقب طويلة تغذت على الفكر والرومانسية والوطنية والسياسة الواقعية. وعلى الرغم من أنها نشأت في أذهان مفكرين ونشطاء وثوريين عبر القرون، فإنها لم تتحقق إلا على أيدي رجال دولة من الساسة القادرين على إدارة هذه الملحمة بمساعدة الوطنيين والمفكرين. ولعل أهم ما ميز هذه الملحمة في التاريخ الحديث أنها مثلت تضافر كل هذه العوامل عند مرحلة تاريخية محددة مما سمح للروح القومية الإيطالية بأن تتجسد في دولة إيطاليا الموحدة في عام 1872 بعد فرقة وعناء واختلافات وتدخلات خارجية وتفتت سياسي دام ما يقرب من أربعة عشر قرنًا من الزمان.
إن الروح الصلبة للشعوب لا يقهرها الزمن مهما طال، أو التدخلات الخارجية مهما زادت، أو الفرقة مهما استفحلت، وهذا هو المثال الإيطالي.
في الواقع، لم تشهد شبه الجزيرة الإيطالية وحدة سياسية حقيقية تحت حكم إيطالي منذ انهيار الدولة الرومانية في القرن الخامس الميلادي. بل إن تفتت الولايات وبعثرتها السياسية ظلت السمة الأساسية لشبه الجزيرة الإيطالية، إذ انقسمت إلى ما يقرب من 15 مملكة وولاية. ومع مرور الوقت أصبح لهذه الولايات حكامها، ودخلت في صراعات وتحالفات فيما بينها، ومع القوى الخارجية، خصوصًا في مطلع القرن التاسع عشر عندما خضعت شبه الجزيرة لنفوذ كل من إمبراطوريتي النمسا وفرنسا على حد سواء. وكان لكل من النمسا وفرنسا تحالفاتها، فلقد كانت تسعى فرنسا لضمها، وهو ما نجح فيه نابليون بونابرت بجيوشه، ولكن هزيمته وانعقاد مؤتمر فيينا في 1815 عادا بشبه الجزيرة الإيطالية إلى حالتها السابقة من التفتت تحت النفوذ أو الاحتلال المباشر للنمسا. ثم عادت فرنسا بعد ذلك لزرع نفوذها مرة أخرى إلى أن أصبحت حامية «الدولة البابوية» - داخل إيطاليا - وبات وضع الممالك والدويلات الإيطالية ميئوسًا منه، خصوصًا أن الاختلافات الثقافية والديموغرافية كانت واضحة. ذلك أن دويلات الشمال كالبندقية (فينيتزيا) وبيدمونت (بييمونته) وغيرهما كانت مناطق صناعية وتركيباتها الاجتماعية مختلفة بشكل كبير عن الممالك الجنوبية الزراعية الطابع والأقل تحضرًا. وهو ما بات يعكس صعوبة التوحّد بينهم، لا سيما في ظل التعقيدات الداخلية والتدخلات الخارجية. ولكن المعجزات السياسية تُصنع بمرور الوقت إذا ما توافرت الشخصيات القادرة على ذلك، وحقًا، تمثلت هدية السماء للقومية الإيطالية في شخصية هي جيوزيبي ماتزيني Mazzini، الذي لقب بـ«أبو القومية الإيطالية الحديثة».
لقد تأثر هذا الرجل بالروح الجديدة التي بثتها الحروب ضد نابليون بونابرت، التي وحدت الهدف الإيطالي، ورأى الشاب ماتزيني أن مستقبل بلاده في وحدتها، فبدأ ينشر فكره القومي منذ صباه، لأنه آمن بضرورة انصهار الكيانات السياسية في شبه الجزيرة الإيطالية ضمن دولة موحدة على غرار ما كانت عليه إبان عظمتها التاريخية في العصر الروماني. وشدد ماتزيني على أن التفتت حالة ناتجة عن السياسة والتدخلات الخارجية، وأن الوحدة هي المصير المحتوم لكل إيطاليا. ومن ثم صنف الرجل في كتاباته ومقالاته النارية الأسس التي بنيت عليه القومية الإيطالية من منطلقات أن اللغة واحدة، وتاريخ الأمة واحد، والجغرافيا فرضت هذه الوحدة باعتبار بلاده شبه جزيرة. ثم إن الثقافة الرومانية والفكرية تدفع نحو ذلك. كذلك وضع هذا الرائد القومي النظام الجمهوري أساسًا للنظام السياسي الذي يجب أن تقوم عليه إيطاليا الموحّدة لأنه ارتأى من وجهة نظره أفضل أنواع الحكم.
إلى جانب فكره، أنشأ ماتزيني مؤسسة قومية أصبحت فيما بعد تقليدًا سياسيًا منتشرًا في كل الدول الأوروبية والعالم العثماني والعربي للتحرر والوحدة بعد ذلك، هي منظمة «إيطاليا الفتاة» عام 1832 في مدينة جنوى. وعبر «إيطاليا الفتاة» دعا لتوحيد بلاده على أسس قومية ومحاربة التدخل الأجنبي، وصارت مقالاته أداة لإلهاب الرأي العام، خصوصًا في أوساط الشباب الذين وجهوا جزءًا كبيرًا من جهده نحوه لتثبيت الفكر القومي فيه بعدما يئس من ألاعيب الساسة وجيل الكهول في حمل اللواء المنشود.
وبالفعل انتشرت «إيطاليا الفتاة» في كل المدن الإيطالية، وبدأت شبه الجزيرة الإيطالية تموج بالقومية والروح الوطنية في كل ربوعها، ما ساعدها بشكل كبير لاستقبال «الربيع الأوروبي» في عام 1848 بقلوب منفتحة وروح تصبو للوحدة والاستقلال. غير أن المشكلة الحقيقية ظلت تكمن في كون ماتزيني مفكرًا أكثر منه سياسيًا، إذ إنه لم يكن قد وضع الآلية التي من خلالها يمكن أن تتوحد إيطاليا. فقط كانت هناك الفكرة وأسُسها، بينما اختلفت وسائل تنفيذها بين الفرق المختلفة.
في ظل هذه الحقيقة، سعى البابا بيوس التاسع للعب دور الموحّد الإيطالي تحت راية البابوية، فسعى إلى الانخراط مع الحركة الثورية التي اجتاحت أوروبا وإيطاليا بوعود ليبرالية. إلا أنه سرعان ما أدرك خطورة اللعب بأوراق الثورة، وأنه لم يكن بمقدوره السيطرة عليها، فتحول ضدها واتخذ مواقف متشددة من الفكر الليبرالي الذي بات يهدد بابويته ووضعيتها. ولكن الحركات الثورية المختلفة لم يكتب لها النجاح بسبب عدم وجود القيادة الموحدة لتنفيذ الفكرة القومية، فانفرط عقد الثوريين وعادت النمسا للسيطرة على إيطاليا ومحاربة الفكر الثوري رغم سقوط حكم الزعيم الكبير مترنيخ «مهندس» الفكر المحافظ فيها وفي أوروبا. وبما أن للسياسة الخارجية ضوابطها ونواميسها المختلفة عن العقيدة في مناسبات كثيرة، تمكنت الدويلات في إيطاليا من اعتناق فكرة غير قابلة للتنفيذ لغياب الأداة التي يمكن أن تجسد فكر ماتزيني و«إيطاليا الفتاة»، ومن قبلها حركة «الكاربونيري»، وبات كما لو أن الحلم سيتبدد أمام صخور الواقع.
في أي حال كان القدر رحيمًا بإيطاليا، إذ بدأت مملكة بييدمونت بشمال البلاد حمل لواء القومية الإيطالية تحت حكم الملك المستنير فيكتور عمانوئيل (فيتوريو إيمانويله) الثاني الذي تبنى الأفكار الإصلاحية بعد والده، وعيّن شخصية مهمة للغاية بدأت «هندسة» الوحدة الإيطالية. تلك الشخصية كانت الكونت كاميليو كافور، ذلك الرجل الوطني الذي رأى أن تحقيق الوحدة يحتاج إلى السياسة والدهاء والقوة العسكرية والاقتصادية مجتمعين، وهو ما بدأ في تنفيذه بعد استقالته عن منصبه كمهندس في جيش بييدمونت ثم كمؤسس لحركة «إل ريسورجيمنتو» Il Risorgimento (أي البعث أو النهضة) التي جسدت فكرة القومية الإيطالية. ثم بدأ التطبيق العملي لرؤيته أولاً كعضو في البرلمان، ثم بعد ذلك رئيسًا للوزراء، وهو الموقع الذي احتله حتى مماته، باستثناء فترة زمنية قصيرة استقال فيها احتجاجًا على بعض الأمور.
على الفور بدأ كافور وضع الأسس الاقتصادية لقوة بييدمونت من خلال الإصلاحات الواسعة وبناء البنية الأساسية وعقد الاتفاقيات الدولية لتحقيق هدفه، كما بدأ ينظم الجيش ويُدخل الصناعات العسكرية اللازمة لتقويته استعدادًا للمواجهات الحتمية مع النمسا في الوقت المناسب. كذلك سن سلسلة القوانين أهمها «قانون سيكاردي» الذي خلص البلاد من السلطة الروحية للبابا من خلال تقليم أظافر الكنيسة في المملكة وفرض الضرائب عليها وإلغاء امتيازات رجالها، وهو ما وضعه في صراع مباشر مع البابا. إلا أنه لم يأبه لمعرفته بأن الوحدة لن تتم إلا على جثة النفوذ البابوي، خصوصًا أن البابا كان له أجندته وتحالفاتها الخارجية. وواصل الرجل خطته من أجل توحيد شبه الجزيرة الإيطالية تحت حكم بييدمونت (عاصمتها مدينة تورينو) تدريجيًا دون إثارة القلاقل، ومن خلال إدارة سياسة خارجية منطقية وسليمة. وهكذا استعدت إيطاليا من أجل التوحد خلال فترة زمنية قصيرة بتوافر عناصر الفكرة والقيادة والروح الجديدة التي دبت في شبه الجزيرة، كما سنرى في الأسبوع المقبل.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».