تخطت لوعة اللاجئ السوري أحمد يوسف المصطفى فقدانه ثلاثة من أطفاله الرضع خلال ثلاث سنوات متتالية، إلى معاناة من نوع آخر جراء عدم إيجاده مقبرة لدفنهم، شأنه شأن كثير من العائلات السورية التي تفقد أحد أفرادها في لبنان.
ويروي أحمد (29 عامًا)، وهو عامل بناء نزح قبل خمس سنوات من مدينة حلب في شمال سوريا إلى مخيم عشوائي للاجئين في بلدة بر الياس في منطقة البقاع (شرق)، معاناته بعدما رزق وزوجته بثلاثة أطفال توفوا الواحد تلو الآخر لأسباب صحية.
ويقول بحسرة وهو يقف أمام خيمته التي باتت منزله لوكالة الصحافة الفرنسية: «في كل سنة كلما يولد طفل يتوفى، والمشكلة تكمن في عدم إيجاد مكان لدفنه»، موضحًا أنه بعد وفاة طفله الأول عن عمر ناهز الثلاثة أشهر، لجأ إلى أحد معارفه في بلدة مجاورة، فقدم له هذا الأخير المساعدة وسمح له بدفن الطفل في مدفن العائلة.
ومع وفاة الطفل الثاني وهو بعمر خمسة أيام، «اضطررنا إلى فتح القبر القديم لدفنهما معا». ولم يجد خيارا عند وفاة الطفل الثالث عن عمر ساعتين إلا دفنه في بلدة الفاعور المجاورة بعد وساطة من رجل دين.
ويدعو أحمد الدولة والجهات الإسلامية «إلى أن تخصص لنا قطعة أرض غير صالحة للزراعة لدفن موتانا فيها».
ويقيم أحمد وزوجته مع ولديه البكر في خيمة متواضعة في بر الياس التي يقول مسؤولون محليون فيها إن عدد سكانها البالغ أساسا خمسين ألفا تضاعف منذ بدء تدفق اللاجئين السوريين بعد اندلاع النزاع المستمر في سوريا منذ مارس (آذار) 2011.
ويوضح مسؤولون محليون أن مدافن البلدة كانت ممتلئة حتى قبل بدء موجة اللجوء إلى لبنان الذي بات يستضيف أكثر من مليون لاجئ سوري، أي ربع سكانه، وهي أعلى نسبة لاجئين في العالم بالمقارنة مع عدد السكان.
ويقول رئيس البلدية السابق سعد ميتا: «لم يعد للمدفن القديم قدرة استيعاب لا لللبنانيين ولا للسوريين».
وتقع مقبرة البلدة على تلة صغيرة وتضيق بالمدافن المتراصة التي تحيط بها الأعشاب البرية والزهور من كل ناحية وصوب، حتى إنه بات على زائري المقبرة السير بحذر داخلها لعدم الدوس بالخطأ على أي مدفن.
وبحسب ميتا، يوجد نحو 70 ألف لاجئ سوري في البلدة وهم يشكلون ضغطًا كبيرًا على البنى التحتية كشبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء، وكذلك الأمر بالنسبة إلى دفن الموتى.
ويسجل معدل الوفاة لدى اللاجئين السوريين نسبة أعلى مما هو عليه لدى اللبنانيين باعتبار أنهم عرضة أكثر للخطر، وفق السلطات والمنظمات الدولية.
وفي غياب أي إحصاءات رسمية، يوضح ميتا أن سوريًا واحدًا على الأقل يتوفى كل أسبوع في البلدة. ويرى أن «الحل هو بأن يرجع السوريون إلى بلادهم»، مضيفًا: «البلد لم يعد يتحمل ونحن اللبنانيين لم نعد أصلا قادرين على التحمل».
وقد يتمكن بعض السوريين من إيجاد مكان لدفن موتاهم بتكلفة قد تصل أحيانا إلى 250 دولارا أو أكثر، وهو مبلغ لا تملكه غالبية اللاجئين السوريين.
وفي مخيم للاجئين خارج البلدة بين حقلين مزروعين بالبطاطس والكوسا، تقول لاجئة سورية شابة رفضت الكشف عن اسمها إنها اضطرت إلى دفن جنينها الذي ولد ميتا بالسر. وتروي كيف أن حارس إحدى المقابر في قرية قريبة رفض السماح لزوجها بدفن الجنين وقال له: «لا يسمح للسوريين بدفن أطفالهم هنا».
وافتتحت بر الياس الشهر الحالي مقبرة جديدة للبنانيين على أن يخصص جزءًا صغيرًا منها للسوريين.
ويقول مدير هيئة إغاثة اللاجئين السوريين التابعة لدار الفتوى في البقاع الشيخ وسام محمد عنوز، إن المقبرة الجديدة ستتضمن بين عشر إلى عشرين «حفرة مزدوجة (مدفن) لإخواننا السوريين».
ورغم ذلك، يقر عوز بأن هذا الحل يبقى مؤقتا. ويوضح أنه حاول وزملاء له في البقاع أن يجدوا قطعة أرض لتخصيصها للسوريين، إلا أن أحدًا لم يكن مستعدًا لبيع أرضه.
ويتابع: «إن كان سعر متر الأرض عشرة دولارات، يصبح خمسين دولارا بمجرد أن يعلموا أنها ستصبح مدفنا».
ويتمنى أحمد لو أنه لم يضطر للمجيء إلى لبنان أصلا. يقف بين الخيام التي باتت منازل اللاجئين السوريين في سهل البقاع، ويقول: «في سوريا لدينا أراض ومنازل ورزق، لكننا أجبرنا على الخروج فارغي الأيدي».
ويضيف بحسرة وباللهجة المحكية: «انهزمنا نطلع بروحنا.. بخلانين علينا بشقفة قبر؟».
بعد البحث عن أماكن للإقامة: اللاجئون السوريون في لبنان يبحثون عن أماكن للدفن
يسجل معدل الوفاة لدى السوريين نسبة أعلى من اللبنانيين كونهم عرضة أكثر للخطر
بعد البحث عن أماكن للإقامة: اللاجئون السوريون في لبنان يبحثون عن أماكن للدفن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة