جنرالات إيرانيون يعدون لتصعيد عسكري قرب دمشق وحلب مع شهر رمضان

الهدن المحلية مكنت النظام من تحييد الغوطة مؤقتًا.. وفشلت في الشمال

مقاتل من «جيش السنة» التابع لـ«جيش الفتح» في لحظة استراحة في قرية عزيزة القريبة من خان طومان بريف حلب الجنوبي حيث تخوض المعارضة معارك مع النظام والقوات الإيرانية (رويترز)
مقاتل من «جيش السنة» التابع لـ«جيش الفتح» في لحظة استراحة في قرية عزيزة القريبة من خان طومان بريف حلب الجنوبي حيث تخوض المعارضة معارك مع النظام والقوات الإيرانية (رويترز)
TT

جنرالات إيرانيون يعدون لتصعيد عسكري قرب دمشق وحلب مع شهر رمضان

مقاتل من «جيش السنة» التابع لـ«جيش الفتح» في لحظة استراحة في قرية عزيزة القريبة من خان طومان بريف حلب الجنوبي حيث تخوض المعارضة معارك مع النظام والقوات الإيرانية (رويترز)
مقاتل من «جيش السنة» التابع لـ«جيش الفتح» في لحظة استراحة في قرية عزيزة القريبة من خان طومان بريف حلب الجنوبي حيث تخوض المعارضة معارك مع النظام والقوات الإيرانية (رويترز)

كشفت الهجمات العسكرية الأخيرة التي قادتها قوات النظام السوري ضد مناطق في غوطتي دمشق الشرقية والغربية، أن الاتفاقات المحلية التي توصلت إليها مع فصائل المعارضة بشكل جزئي ومستقل، أراد منها النظام تحييد المناطق المحيطة فيه بشكل مؤقت، ريثما يتفرغ لقتالها، وذلك خلافا لمنطقة الشمال التي «أظهرت ضعفه العسكري على الرغم من الضربات الجوية ومشاركة ميليشيات تقاتل إلى جانبه».
غير أن التحديات التي تواجه المعارضة الآن، تعد أكبر من احتمالات اقتحام النظام لمناطق الاتفاقات المحلية، وإنهائها بالقوة. ويؤكد عضو الائتلاف الوطني السوري أحمد رمضان لـ«الشرق الأوسط» أن الخطورة في المرحلة المقبلة «لا تتوقف على مناطق تشهد اتفاقات محلية فحسب، ذلك أن التهديد يحيط بكامل سوريا في الشهر المقابل»، كاشفا عن معلومات «عن نوايا النظام والحرس الثوري الإيراني للتصعيد في شهر رمضان المقبل في غوطتي دمشق الشرقية والغربية، وفي حلب أيضا».
ويوضح رمضان أن الخطة العسكرية الإيرانية والنظامية التي عرفت بها المعارضة «تقضي بشن هجمات بإشراف جنرالات يتبعون قيادة الحرس الثوري الإيراني والمرشد الأعلى علي الخامنئي مباشرة، ولا يتبعون الحكومة الإيرانية»، مشيرا إلى أن هؤلاء «يحتشدون الآن في محيط دمشق والغوطة الشرقية، كما يحتشدون في حلب ويخططون لتصعيد عسكري يبدأ في شهر يونيو (حزيران) المقبل بالتزامن مع بدء شهر رمضان». ويشير إلى «احتمالات كبيرة بانخراط الطائرات الروسية في الهجمات العسكرية المخطط لها، بذريعة عدم تحقيق تقدم في ملف الحل السلمي للأزمة السورية»، ويضيف: «تتم الاستفادة الإيرانية والروسية والنظامية الآن من حالة التعثر السياسي والتردد الأميركي حيال تنفيذ الاتفاقات والقرارات الدولية».
لكن احتمالات نجاح الخطة، لا تبدو مضمونة بالنسبة للمعارضة التي تؤكد أن القوة العسكرية في الشمال، قادرة على إيقاف هجمات من هذا النوع. يقول الشامي: «إن دخول جيش الفتح على محور حلب، غير المعادلة القائمة؛ حيث استطاعت قوات المعارضة التقدم وصد الهجمات»، مشيرا إلى أن النظام «نفذ 1174 غارة جوية على خان طومان منذ أسبوعين، ومع ذلك لم تستطع قوات النظام من التقدم على الأرض»، ويشير إلى أن قوة المعارضة في الشمال «منعت النظام من محاولة فرض أي هدنة أو اتفاقات محلية وجزئية في مناطقها».
ومنحت الاتفاقات المحلية للنظام فرص «التقاط الأنفاس»، عبر تحييد المناطق المحيطة بالعاصمة عن القتال، و«التسلل منها بطريق غير عسكرية»، بحسب ما يقول رمضان لـ«الشرق الأوسط»، مشددا على أن «الانقلاب على الهدن والاتفاقات واستغلالها، هو سلوك النظام المعروف بشكل مستمر، ولا يقتصر على الاتفاقات المحلية، بل على الاتفاقات الدولية».
وكان النظام حيَّد مناطق في جنوب دمشق والغوطتين الشرقية والغربية عن القتال، بموجب اتفاقات محلية رعاها وجهاء من تلك المناطق، لكن النظام سرعان ما خرقها بعد تسليم المعارضة لأسلحتها الثقيلة، وخصوصا في معضمية الشام وأحياء القدم وببيلا ويلدا في جنوب دمشق، وأحياء برزة والقابون والتل في الغوطة الشرقية. وتعرضت تلك المناطق لخروقات كبيرة، فضلا عن الحصار المفروض عليها، ولاسيما في معضمية الشام التي تعرضت لهجمات عسكرية مطلع العام الحالي، وانحسرت بموجب تفعيل للاتفاقات مرة أخرى.
ويقول معارضون سوريون إن النظام قدم تنازلات كبيرة في تلك المناطق «بغرض حماية المناطق المحيطة بدمشق والمحيطة بمناطق نفوذه في الساحل السوري»، بحسب ما يقول القيادي في «أحرار الشام» محمد الشامي لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن النظام «لا يهتم إلا للمناطق المحيطة بالعاصمة، فعرض المصالحات، وقدم تنازلات، وتوصل إلى الاتفاقات بغرض التفرغ للقتال في المناطق البعيدة وتأمين العاصمة».
وخلافا لمناطق جنوب دمشق، لم يتوصل النظام والمعارضة إلى اتفاق في الشمال، إلا في كفريا والفوعة مقابل الزبداني الواقعة في ريف دمشق، وبرعاية أممية. ويقول الشامي: «إن النظام لم يجرؤ على عرض اتفاقات في الشمال، نظرا إلى ضعفه العسكري، وعجزه عن التقدم باتجاه خطوة مشابهة»، ويوضح أن قوة المعارضة في الشمال «منعته من تنفيذ حصار على المناطق، وبالتالي منعته من استدراج الفصائل إلى اتفاقات محلية»، لافتا إلى أن الموقع الوحيد الذي ذهبت فيه المعارضة إلى اتفاق ورعته الأمم المتحدة، هي اتفاق «الزبداني - كفريا والفوعة».
ويشير الشامي إلى أن «جيش الفتح» في الشمال، وافق على التوصل إلى اتفاق كفريا والفوعة؛ بسبب «رغبته بعدم السيطرة على القريتين؛ كي لا يُستغل الموضوع في إعلام النظام على أنه سيطرة على مناطق شيعية، وكذلك منعا لاتهامات قد يطلقها النظام بأن المعارضة تجري تطهيرا طائفيا في الشمال»، علما بأن «(جيش الفتح) يحمي الدروز الذين يعيشون في جبل السماق في ريف إدلب، وطوق الخلاف الذي وقع قبل أكثر من عام وحاسب المسؤول عنه».
وكان الاتفاق الأخير الذي توصلت إليه المعارضة مع النظام في كفريا والفوعة مقابل عدم اقتحام النظام لمدينة الزبداني بريف دمشق، عرضة للانهيار مطلع الأسبوع الحالي، على ضوء القصف الجوي الذي استهدف بنش، وأسفر عن مقتل مدنيين في مناطق خاضعة لاتفاق الهدنة وتعد آمنة. حينها: «ردت قوات جيش الفتح بقصف كفريا، قبل أن تتدخل وساطات لحماية الاتفاق وحمايته من الانهيار».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.