النجيفي لـ «الشرق الأوسط»: العراق في مفترق طرق.. ولا توجد دولة.. والمالكي سبب الفشل

نائب الرئيس العراقي قال إن مبادرة خادم الحرمين الشريفين بمساعدة المهجرين تعبر عن صدق نية تجاه جميع العراقيين

أسامة النجيفي ({الشرق الأوسط})
أسامة النجيفي ({الشرق الأوسط})
TT

النجيفي لـ «الشرق الأوسط»: العراق في مفترق طرق.. ولا توجد دولة.. والمالكي سبب الفشل

أسامة النجيفي ({الشرق الأوسط})
أسامة النجيفي ({الشرق الأوسط})

لا تزال واقعة اجتياح المتظاهرين مبنى مجلس النواب الشهر الماضي تتفاعل وتزيد من تعقيد الأزمة السياسية في العراق، حيث البرلمان منقسم على نفسه، والكتلة الكردية منسحبة، والحكومة تضم وزراء لم يؤدوا اليمين الدستورية في ظل تصاعد انحسار في الوضع الأمني وسوء في الأوضاع الاقتصادية.
السياسي العراقي أسامة النجيفي، الرئيس السابق لمجلس النواب نائب رئيس الجمهورية (مع وقف التنفيذ)، رئيس كتلة تحالف القوى التي ينتمي إليها رئيس البرلمان الحالي سليم الجبوري، خرج عن صمته الإعلامي وتحدث عن كل تلك المظاهر في حوار مع «الشرق الأوسط». النجيفي حمّل رئاسة البرلمان والحكومة مسؤولية اقتحام البرلمان والاعتداء على بعض النواب، مؤكدا أن «موضوع مناقشة تغيير رئيس الحكومة ورئيس البرلمان ليست من المحرمات، رغم أن واشنطن وطهران تضغطان للإبقاء على الأمور مثلما هي حفاظا على مصالحها». وحول الانفلاتات الأمنية، قال النجيفي إن العراق يمر بأخطر مرحلة في تاريخه، بين يكون أو لا يكون، مشيرا إلى أنه لا توجد مظاهر للدولة حاليا بل سلطة متفككة. كما أشار إلى وجود 45 فصيلا مسلحا لا تخضع لسيطرة السلطة، وأن قسما كبيرا منها «منفلت»، مؤكدا وجود نحو 2500 مواطن بريء مختطفون من قبل «حزب الله» العراقي، ورئيس الوزراء لا يستطيع مناقشة الأمر. وشكر النجيفي خادم الحرمين الشريفين لمبادرته بتقديم المساعدة إلى المهجرين العراقيين، وقال: «هذه مبادرة إنسانية طيبة يشكر عليها وتعبر عن صدق نياته الحسنة تجاه كل العراقيين». وإلى تفاصيل الحوار ..
* نبدأ من حادثة اقتحام مبنى البرلمان من قبل المتظاهرين الشهر الماضي.. مَن المسؤول عن هذه الأحداث؟
- هذه الحادثة غريبة.. وأعتقد حصول نوع من التواطؤ.. الغاية هي تعطيل هذه المؤسسة، ولتعم الفوضى.. فقد تم فتح الأبواب وإزالة الحواجز الكونكريتية، والسماح لبعض الناس باقتحام البرلمان والاعتداء على النواب من دون أي ردة فعل أو محاولة لمنعهم. والمنع لا يعني مواجهتهم من قبل القوات المسلحة، فهناك وسائل كثيرة لمواجهة المتظاهرين، منها رش المياه عليهم، أو استخدام قوات مكافحة الشغب، هناك وسائل معروفة في العالم دون إيذاء المتظاهرين لمنع هذه الكارثة التي حصلت، بينما القوات الأمنية بقيت تتفرج أو تساعد المتظاهرين بشكل أو بآخر، وترحب بهم، وتركوا النواب يضربون ويعتدى عليهم أمام أعينهم. لهذا أنا أعتقد أن القضية مدبرة لتعطيل المؤسسة التشريعية والرقابية، لترك الأمور تسير من دون محاسبة أو رقابة.
* قلتم إن المسألة فيها تواطؤ.. تواطؤ مِن مَن ومع مَن؟
- أنا أقول إن السلطة التنفيذية كان لها دور بالسماح بحادثة اقتحام البرلمان.
* تعني الحكومة.
- بالطبع.. الحكومة كانت قادرة على منع المتظاهرين ومقر رئاسة الحكومة على بعد أمتار قليلة من مبنى مجلس النواب، وقوات الجيش والأمن كانت موجودة بأعداد كبيرة وقادرة على منع الناس من الوصول إلى مبنى البرلمان. المظاهرات مشروعة ومسموح بها، لكن لا يمكن السماح بالاعتداء على مؤسسة تشريعية. أعتقد أن هذا الموضوع كان مرتبا، ولم يأت نتيجة أخطاء أمنية أو إدارية.
* لو كان المتظاهرون قد اتجهوا لاقتحام مبنى رئاسة الوزراء.. هل تعتقدون أن النتيجة كانت مشابهة لما حدث مع مبنى البرلمان؟
- لا.. لا طبعا، الحكومة وضعت حماية كبيرة لحماية مكتب رئيس الوزراء، في حين أن بناية البرلمان مجاورة لرئاسة الحكومة ولا توجد حماية.
* اعتبر كل من رئيس الوزراء حيدر العبادي ورئيس النواب سليم الجبوري حادثة اقتحام البرلمان بمثابة الاعتداء على هيبة الدولة.. أين هي الدولة؟
- الدولة في العراق مفقودة بمعاييرها الصحيحة أو حسب تعريفها عالميا، نحن لدينا سلطة ولم تستكمل بناء مؤسسات الدولة بعد 2003. عندما يكون هناك سلاح في الشارع خارج سيطرة السلطة أو الحكومة، وعندما تكون هناك محافظات ساقطة بيد تنظيم داعش الإرهابي، وعندما يكون هناك تعطيل للقوانين، وهناك أعداد كبيرة من الأبرياء في السجون ويُخطف الناس من الطرقات، فهذا يعني أنه ليست هناك دولة في العراق، وإنما هناك محاولات لبناء دولة. في العراق سلطة تنتهك كثيرا من القوانين النافذة والدستور.. الدستور في الحقيقة معطل بشكل وبآخر.
* تتحدث عن محاولات لبناء دولة، في حين أن البرلمان شبه معطل، هناك نواب يعدون رئاسته غير شرعية، والحكومة فيها وزراء لم يؤدوا اليمين الدستورية، ووزراء اعتبروا إقالتهم غير دستورية، وأنتم تقولون إن الدستور معطل، فعن أي محاولات بناء دولة تتحدثون؟
- قلت إن عندنا سلطة تحاول بناء دولة، رغم كل تلك المصاعب، لكن حقيقة فإنه وبوجود انحرافات كثيرة وخطيرة، يصعب معها إتمام هذه المهمة.. وهناك عوائق كثيرة. لا نستطيع بناء دولة تحظى باحترام الشعب العراقي أولا ومن ثم العالم، من دون إزالة تلك الانحرافات.
* 13 سنة ألم تكن كافية أمامكم لبناء دولة؟
- الوقت كاف جدا لو كان الأسلوب صحيحا، أنا لم آت منذ البداية، بل التحقت بالعمل السياسي في 2005، ولم نكن ضمن المعارضة العراقية السابقة في الخارج، وليست لدينا ترتيبات أو مشاركة مسبقة فيما حصل عند بداية التغيير، جئنا على وضع طائفي ومحاصصة، وحاولنا معالجة الأمور، وأن يكون لنا دور في تصحيح المسار، وأن نمثل أهلنا بطريقة مشرفة، لكن القوى التي تحكم والتي تتمثل في شخص رئيس الوزراء كانت دائما تعمل على تركيز السلطة بيد مجموعة معينة وبيد حزب واحد، وتحاول أن ترسخ وجودها بطريقة تمكنها من الاستحواذ على كل شيء، مما أدى إلى فشل المسيرة والفشل الأمني والسياسي والاقتصادي وعدم قناعة وثقة الشعب بهذه المسيرة. المسؤولية جماعية لكن القسم الأعظم يقع على من كان يتصدى لمسؤولية الحكومة والقوات المسلحة، وهو رئيس الوزراء الذي يتمتع بصلاحيات واسعة جدا وبصلاحيات القائد العام للقوات المسلحة.
* مَن تعني تحديدا؟
- كل من تصدى لإدارة العراق، سواء نوري المالكي سابقا أو العبادي الآن ومن قبلهم. والمالكي أكثر من يتحمل المسؤولية، والفشل في إدارة الأمور ما زال موجودا بوضعنا الحالي.
* كيف تنظرون إلى إدارة العبادي للحكومة اليوم؟
- لا أعتقده موفقا في قيادة البلد، هناك كثير من الإخفاقات والتنصل عن الاتفاقات ومخالفة الدستور وعدم القدرة على معالجة الأخطاء السابقة. لا ننكر بأنه تسلم تركة ثقيلة من الإخفاقات، لكن أيضا لم يتحرك ضمن ما خول له من صلاحيات، وما وقعه من اتفاقات وانقلابه على الشركاء، وصار يعمل وحده بعد أن أخذ الشرعية من القوى السياسية. وهذا هو الانحراف الذي حصل. كان عليه أن يلتزم ببنود الاتفاق السياسي الذي منحه الشرعية في رئاسة الوزراء، وأن يحافظ على مبدأ الشراكة الوطنية. لو التزم بذلك كان من الممكن أن يحقق النجاح، لكن للأسف تفرده بالسلطة قاده إلى هذه الهوة.
* ترأستم الدورة السابقة لمجلس النواب بنجاح حسب المراقبين السياسيين.. كيف تجدون اليوم رئاسة البرلمان العراقي انطلاقا من تجربتكم؟
- علينا أن نضع في الحسبان أن الظروف تغيرت، نحن عملنا من أجل الشعب العراقي وحل المشكلات التي يمر بها البلد، وتقاطعنا مع رئيس الوزراء السابق (المالكي) الذي حاول أن يهيمن على مجلس النواب ويجعله تابعا للسلطة التنفيذية، وتحرك بشكل واسع لتطويق صلاحيات البرلمان التشريعية والرقابية، وضغط كثيرا بصورة مباشرة في هذا الاتجاه. وقد دافعنا عن المجلس بكل قوة ولم نجامل الرجل، ولم نحاول أن نعقد أي صفقة على حساب ديمقراطية العراق، نعتقد أننا قمنا بواجبنا، وإن لم نستطع النجاح بمعالجة كل الأمور، لكننا قمنا بما نستطيعه. أما الوضع الحالي فهو مختلف. السلطة التشريعية لم تستطع أن تتصرف باستقلالية بموجب ما منحها لها الدستور، باعتبارها السلطة الأساسية، وأنها منبع السلطات وتراقب وتحاسب، بل في اعتقادي أصبحت السلطة التشريعية اليوم تابعة للسلطة التنفيذية، وهذا نتيجة سوء إدارة البرلمان وعدم التعامل مع المستجدات والاعتراض في الوقت المناسب. الأزمة الأخيرة هي نتيجة فشل رئاسة البرلمان في إدارة الأمور.
* هذا يعني أنكم تحملون رئاسة البرلمان مسؤولية الانقسامات واعتصامات عدد كبير من النواب والهرج والمرج الذي حصل في الجلسة الأخيرة داخل مجلس النواب؟
- أنا قلت إن قسما من هذه المشكلات سببه يعود إلى رئيس البرلمان، وقسما إلى طبيعة التحالفات داخل مجلس النواب، وعلاقة النواب مع الرئاسة ومع بعضهم.
* ألم تكن هذه التحالفات هي ذاتها في الدورة السابقة؟
- لا.. اختلفت، في الدورة الماضية رشحتني الكتلة العراقية، وكانت أقلية بالنسبة لكتل كبيرة أخرى، لكننا استطعنا تشكيل نوع من التحالفات السياسية مع الكتلة الكردستانية والتيار الصدري والمجلس الأعلى، وبقي حزب الدعوة الذي يدعم رئيس الوزراء السابق بوصفه المعارضة في البرلمان، بينما هو يقود السلطة التنفيذية. هذا كان نتيجة جهود من رئاسة البرلمان ومن قيادات الكتل السياسية والبرلمانية وعدم رضا الزعماء السياسيين عن رئيس السلطة التنفيذية وقتذاك حتى إننا طالبنا بإقالة رئيس الوزراء وكان لدينا رقم مهم. اليوم الوضع مختلف تماما، هناك صراعات داخل الكتلة الشيعية وكذلك السنية والكتلة الكردية، وهذا أدى إلى انقسامات وتشوه المشهد السياسي وعدم قدرة رئاسة البرلمان على ضبط الإيقاع والتنسيق بين المواقف والكتل، مما أدى إلى تشويه الصورة بالكامل، وتجاوز بعض النواب على رئاسة المجلس وعدم الاحترام والالتزام الذي ساد في العلاقة، مما أدى إلى ما حصل في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب من فوضى. أنا لا أحمل كل المسؤولية لرئاسة المجلس، لكن عليها كثير من هذه المسؤولية، وكذلك تتحمل القوى السياسية بقية المسؤولية.
* رغم ذلك فإن كتلتكم السنية، «تحالف القوى»، ملتزمة ببقاء سليم الجبوري رئيسا لمجلس النواب ولم تؤيدوا إقالته من قبل النواب المعارضين له، هل هذا كونه قياديا في تحالفكم ومرشحا من قبل كتلتكم؟
- لا.. نحن نتحرك بوصفنا رجال دولة وندافع عن الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب والأصول القانونية، وما حصل كان محاولة الإطاحة به من قبل معارضيه النواب المعتصمين بطريقة غير قانونية وفوضوية، وتصدينا لها. لم يكن هناك طلب رسمي حسب النظام الداخلي، وتم بغياب الرئيس مع أنه كان موجودا في اجتماع داخل بناية المجلس، ولم يحصل نصاب قانوني، كل ما جرى هو أن تعقد مجموعة من النواب جلسة وتنتخب من بينها رئيسا مؤقتا، وتقرر إقالة الرئيس الأصلي من دون البحث في الأطر القانونية. لو كنا نسمح بهكذا طريقة لن يكون لأي رئيس مجلس قادم أي دور، وقد يسافر الرئيس ويعود ليجد عضوا آخر في مكانه، لهذا وقفنا ضد هذا الإجراء نحن وبعض القيادات السياسية، لكن هذا لا يعني أننا راضون عن إدارة مجلس النواب، وهذا الأمر لا بد أن يبحث بالتفصيل.
* هل تفكرون بترشيح عضو آخر لرئاسة البرلمان سواء من ضمن كتلتكم أو من كتلة أخرى؟
- هذا الأمر يبحث داخل «تحالف القوى»، وهو ليس من المحرمات، بل هو قيد الدراسة الآن، وهناك بعض القضايا يجب أن تبحث قبل أن يصدر موقف من هذا النوع، لا بد من حسم شرعية الجلسات والقضايا التي رفعت للمحكمة الاتحادية من قبل النواب المعتصمين ومن قبل رئاسة المجلس، وأيضا العلاقة بين رئيس المجلس والقوى السياسية، هذه الأمور ستكون مهمة في قرارنا الذي نبحثه، لكن حتى الآن الأمور باقية مثلما هي لحين اتخاذ قرار من قبل تحالفنا.
* نسأل افتراضيا.. لو كنتم رئيسا لمجلس النواب كيف كنتم ستتصرفون مع حادثة الهجوم على البرلمان؟
- أنا بالتأكيد لم أكن أسمح باختراق بناية المجلس أو بالاعتداء على أي نائب، لا أقول إنني كنت سأستخدم القوة المسلحة، فهذا الأمر ليس من شيمي، لكن بالتأكيد أرتب مع رئيس الوزراء بطريقة تلزمه بحماية المجلس وعدم السماح باختراق المؤسسة، وأنقل الاجتماع إلى مكان آخر دون تردد، ولا أقبل أن يصوت المجلس في ظل وجود تهديد قائم، سواء من قبل جهة سياسية أو متظاهرين أو أي تهديد آخر. وحدث أن المجلس، عندما كنت رئيسا له، تعرض للتهديد ثلاث مرات، ولم يحصل أي شيء، لكن رئيس الوزراء السابق (المالكي) كان قد اختلف مع المجلس فأمر برفع الحواجز الكونكريتية بوصفها دعوة للمتظاهرين بالهجوم على المجلس، فقررت تعطيل المجلس، وأبلغت رئيس الوزراء بأننا لن نعود إلى الاجتماع إلا بعودة الحواجز وبالفعل تحقق ما أردناه.
* لو نعود إلى سبب الأزمة التي بدأت عندما قام رئيس الوزراء العبادي بتسليم رئاسة البرلمان مظروفا مغلقا يحتوي على أسماء الكابينة الجديدة، وخرج بعد أن ألقى الكرة في ملعب مجلس النواب وتخلص هو منها، هل تعتقدون أن هذا الإجراء كان دستوريا؟
- لا.. لكن رئيس الوزراء أدار الموضوع بذكاء وبحرفية وبإطار خارج الدستور، وأعطى رئيس البرلمان مظروفا مغلقا، ليس فيه طلب رسمي منه بوصفه رئيسا للوزراء بتغيير الحكومة، وكان على رئيس البرلمان أن يفتح المظروف بحضور رئيس الوزراء وأمام النواب، ويطلب من العبادي أن يقرأ أسماء المرشحين للوزارة، ليناقشها مباشرة مع النواب، لكن أن يتسلم المظروف ويخرج رئيس الوزراء، وبعد أن يتم فتح المظروف يجد فيه سيرا ذاتية لمرشحين للوزارات دون طلب رسمي، ويتم توزيع الأسماء على اللجان المختصة في البرلمان لمناقشتها؛ هذا الإجراء غير قانوني، والعبادي نقل المشكلة من الحكومة إلى البرلمان، مما أدى إلى هذه الفوضى والتصدع داخل المجلس، مع أن القضية تهم السلطة التنفيذية.
* هل تعتقدون أنه كان هناك تفاهم بين الجبوري والعبادي حول هذا الإجراء؟
- لا أعتقد أنه كان هناك تفاهم في هذه المسألة، لكن يجوز أنه حصل تفاهم لاحقا عندما تم تقديم أسماء جديدة ليست من الأسماء المقترحة سابقا، وحصل خلل من داخل الكتل التي قدمت أسماء غير متفق عليها.
* إذا حصل تغيير أو تعديل وزاري فهل ستشاركون بوصفكم كتلة برلمانية في الترشيح للحكومة أم سيكون هذا من حق رئيس الوزراء باختيار كابينته؟
- الموضوع أكبر من التعديل أو التغيير الوزاري، نعتقد أنه يجب أن تتم مراجعة وضع الحكومة ككل من قبل القوى السياسية في الفترة المقبلة، والنظر في مدى أهليتها وقابليتها على إدارة البلد، وهذه ليست من المحرمات. وبموجب الدستور فإن القوى السياسية هي من تشكل الحكومة بالأغلبية المريحة، كونها جاءت عن طريق الانتخابات، ويجب عدم عزلها عن اختيار الوزراء.
* اجتمعتم مؤخرا مع وفد من الإدارة الأميركية.. ماذا بحثتم؟
- هم يقولون إن البلد لا يتحمل الآن استبدال رئيس البرلمان أو الحكومة أو الجمهورية، باعتبار أن هناك معركة، وقلنا لهم ربما في هذه الأيام لا نفتح هذا الملف، لكن موضوع التغيير ليس من المحرمات. موضوع الحكومة ومجلس النواب يجب بحثه خلال الأسابيع المقبلة، لأن مصلحة ومستقبل العراق هي الأهم.
* هل تعتقدون أن القيادة الكردية أسهمت في تعقيد المشهد السياسي من خلال تلويحها بالانفصال وسحب وزرائهم ونوابهم من بغداد؟
- العلاقة بين بغداد وأربيل اتسمت بالتشنج وعدم الثقة، ليس فقط بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية، بل بين مختلف القوى السياسية، وعدم الالتزام بالاتفاقات التي وقعت والتي تقع مسؤولية قسم منها على بغداد وقسم على أربيل بشكل أو بآخر، والقسم الأكبر من هذه المسؤولية يقع على عاتق الحكومة الاتحادية، مما أدى إلى عدم التعويل كثيرا على مستقبل مشترك، وهذا أمر خطير، والمسؤولية تقع على بغداد في دفع الكرد إلى اتخاذ قرارات بعيدة عن الوسط العراقي، وهذا يعتمد على تقديم تنازلات والوفاء بالتزامات مالية، وقسم منها عسكرية، وتحقيق نوع من الشراكة الحقيقية، لكننا نشعر بالإحباط، لأن الحكومة في بغداد لا تعمل من أجل مصلحة الجميع، بل ما زالت تعمل بروح الحزب الواحد والطائفة الواحدة، وهذا أدى إلى كثير من التصدع في علاقتها بأربيل، وكان آخرها قطع رواتب موظفي إقليم كردستان من قبل الحكومة السابقة حتى اليوم. وهذا نتيجة تراكمات أدت إلى أن يختار الأكراد حق الاستقلال كدولة، وهذا معلن من قبلهم، بينما الدستور يحدد طبيعة العلاقات، ويضع حلولا للقضايا الخلافية حول الأراضي والحقوق المالية والعسكرية، لكن عدم الالتزام بالدستور وغياب الثقة أديا إلى ما نحن عليه اليوم.
* تحدثتم عن الخلافات والانقسامات الشيعية والكردية، ماذا عنكم، أليست هناك خلافات في الكتلة السنية التي تمثلونها «تحالف القوى»؟
- لا أنكر أن هناك وجهات نظر مختلفة، لكن في الأزمة الأخيرة ظهرنا في موقف متماسك، ويمكن نحن أفضل من الآخرين، هناك محاولات لترتيب الصفوف وحل المشكلات، ولكن مثلما قلت هناك خلافات حول رئاسة مجلس النواب وطبيعة العلاقات مع القوى السياسية الأخرى، لكن بصورة عامة وضعنا أفضل من الأشهر أو السنوات الماضية.
* بعيدا عن الأمنيات، كيف ترون وضع البلد اليوم؟
- بالتأكيد الوضع صعب للغاية وقابل للتدهور، لكن ما زالت هناك فسحة من الأمل. ما زال هناك تواصل بين الكتل السياسية، والعالم حريص على دعم العراق ضد الإرهاب، وأهمية استقرار العراق تكتسب أهمية كبرى، لأنها تعني استقرار دول الجوار، وهذا الأمر يعطينا أملا بوجود حلول. لم نصل إلى مرحلة اليأس بعد، وأعتقد على أصحاب القرار في العراق أن يتحركوا بشجاعة لإنقاذ البلد. نعم هناك خرق للدستور وانتشار للسلاح خارج سيطرة الحكومة، ومشكلة مجلس النواب والعلاقات مع دول الجوار. تحقيق الحلول ليست مستحيلة، لكن يجب أن يكون هناك قرار شجاع، والضغط الشعبي مهم ومفيد، ليدفع أصحاب القرار إلى أن يراجعوا أنفسهم ويغيروا من أسلوبهم، ولكن ما زلنا في مرحلة الخطر والعراق في مفترق الطريق الآن.
* تطرقتم إلى أكثر من مرة للسلاح خارج سيطرة الدولة، ماذا تعني بذلك؟
- هناك قوى مسلحة كانت «مودوردة» منذ المعارضة العراقية، هناك أذرع عسكرية لأحزاب سياسية، وقسم من هذه الأذرع تم دمجه في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، والدستور لا يسمح بوجود السلاح خارج سيطرة الدولة، قسم من الأحزاب جمع أذرعه المسلحة وقسم آخر أبقى عليها، وبعد دخول «داعش» إلى الأراضي العراقية عادت هذه المجاميع المسلحة، واستحدثت أخرى، وتضخمت بشكل كبير، قسم من هذه القوى مسيطر عليها ضمن مؤسسة رسمية هي «الحشد الشعبي»، ومسيطر عليها ضمن قوانين، وهذه تقاتل دفاعا عن العراق، وقسم آخر هي مجاميع مسلحة منفلتة مرتبطة ببعض الدول، إذ يوجد أكثر من 45 فصيلا مسلحا في العراق، وقسم من هذه المجاميع تقتل وتختطف الناس. أمس تقدمنا نحن في «اتحاد القوى» بطلب إلى رئيس الوزراء لإطلاق سراح 2500 شخص تم اختطافهم في منطقة الرزازة، وهؤلاء الأبرياء بينهم نساء وأطفال، وكلهم من المكون السني تم اختطافهم من الطريق العام، وغالبيتهم ينحدرون من محافظتي الأنبار ونينوى، وكل من يمر من هذا الطريق يتم اختطافه من قبل «حزب الله» العراقي، وهي جهة معروفة اختطفت جنودا، وسيطرت على أسلحة بما فيها دبابات تابعة للجيش العراقي، والحكومة لا تستطيع أن تتدخل أو تطلق سراح هؤلاء الأبرياء، وهناك مناطق تم تحريرها من سيطرة «داعش» بمشاركة «الحشد الشعبي»، ومنع أهلها من العودة إليها، مثل جرف الصخر وسليمان بك ويثرب ومناطق في ديالى، هذا نوع من التمرد على السلطة القائمة والدولة وانتهاك لحقوق العراقيين. ونحن منذ فترات طويلة نطالب رئيس الوزراء بالتدخل لإطلاق سراح المختطفين، وفي بعض المرات يعلن صراحة بأنه لا يستطيع التدخل، وأنه مشغول بالمعركة ضد الإرهاب، وأن الأمر إذا فتح الآن فسيؤدي إلى خلخلة الوضع الحربي وما شابه ذلك، لكن هذا لا يبرئ رئيس الوزراء كونه مسؤولا عن حياة العراقيين المعتقلين والمختطفين والنازحين. من أخطر ما يواجه العراق هو وجود هذه المجاميع المسلحة المنفلتة، لأنه سوف يتسبب مستقبلا في مواجهات مسلحة بين هذه الفصائل والجيش، وهي حرب داخلية مؤجلة بسبب أجندات غربية.
* هل هذا يعني أن السنة العرب في العراق مستهدفون؟
- نعم هناك جهود من قبل بعض القوى السياسية لإضعاف السنة وتهميشهم وعزل جمهورهم عن قياداتهم، وإظهار هذه القيادات بمظهر الضعيف من خلال اضطهاد هذا الجمهور، وعدم إشراكهم في القرار الاستراتيجي وإبعادهم عن المناصب السيادية، واستهدافهم أمنيا وسياسيا.
* هل هناك دول تدعم السنة في العراق؟
- لا.. ليس هناك دعم بهذا المعنى سوى الدعم المعنوي أو السياسي، وأي دعم يتم عن طريق السلطة أو الحكومة.
* كيف استقبلتم مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بتقديم المساعدة إلى المهجرين داخل العراق؟
- هذا أمر يشكر عليه خادم الحرمين، وهي مبادرة إنسانية طيبة من دولة جارة وشعب شقيق، ولها إبعاد إنسانية مهمة تجاه الناس المظلومين في العراق، وهم بأشد الحاجة إلى هذه المساعدة، ونشكره عليها، وهذا موقف يعبر عن حسن نية المملكة العربية السعودية تجاه كل العراقيين والعراق.
* تكررون دائما أن معركة تحرير الموصل وشيكة.. هل هي وشيكة بالفعل؟
- بل هذه المعركة بدأت، والتحالف الدولي يقصف مواقع لـ«داعش»، و«الحشد الوطني» يشارك الجيش العراقي وأبناء العشائر في معارك برية، ونأمل أن تحسم قبل نهاية هذا العام.



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.