محكمة الحريري تعلّق جلساتها عقب مقتل بدر الدين.. وتطلب «إثباتات»

ريفي لـ«الشرق الأوسط»: وزارة العدل ستتعاون مع طلباتها بما فيها فحوص الحمض النووي

لبناني يحمل ابنه وبيده شعار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان (رويترز)
لبناني يحمل ابنه وبيده شعار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان (رويترز)
TT

محكمة الحريري تعلّق جلساتها عقب مقتل بدر الدين.. وتطلب «إثباتات»

لبناني يحمل ابنه وبيده شعار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان (رويترز)
لبناني يحمل ابنه وبيده شعار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان (رويترز)

لم تسلم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي تنظر في قضية اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري ورفاقه، بفرضية وفاة المتهم الرئيسي في القضية مصطفى بدر الدين، المسؤول الأمني لما يسمى «حزب الله» الذي أعلنت وفاته أواخر الأسبوع الماضي.
وأعلنت المحكمة أنها ستطلب من الدولة اللبنانية «إثباتات» على هذه الوفاة، ما قد يطرح أكثر من إشكالية في هذا الموضوع، بعد أن سارع الحزب إلى دفن بدر الدين. وقالت مصادر لبنانية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن وثيقة وفاة استخرجت من قبل عائلة بدر الدين لابنها، لكن إذا ما طلب الادعاء العام في المحكمة تأكيدا من «الحمض النووي» فهذا من شأنه أن يعقد الأمور لأنه سيتطلب إجراءات قد تكون مستحيلة التطبيق من الجانب اللبناني.
وعلقت المحكمة الخاصة بلبنان أمس، جلساتها المخصصة للاستماع إلى إفادات شهود الادعاء العام في قضية اغتيال رئيس الحريري، إلى حين التثبت من وفاة بدر الدين الذي يحاكم غيابيًا مع أربعة آخرين من كوارد أمن الحزب، وهم سليم عياش، أسد صبرا، حسن عنيسي وحسن مرعي بتهمة تدبير العملية وفق ما ورد في القرار الاتهامي.
وكانت المحكمة عقدت جلسة أمس، استهلّت بمداخلة لرئيسها القاضي ديفيد راي قال فيها: «إن الغرفة قرأت خلال الأيام الماضية تقارير إعلامية تحدثت عن مقتل المتهم مصطفى أمين بدر الدين وأوّل ما يجب فعله سؤال ممثل مكتب المدعي العام، الذي كان قد أودع الغرفة قرارًا اتهاميًا موحدًا، عن حقيقة الوضع فيما يتعلق بهذه الأخبار».
من جهته ردّ ممثل الادعاء غرايم كاميرون على استفسارات رئيس المحكمة بالقول: «هذه التقارير موثوق فيها من حيث الشكل، فيما يتعلق بوفاة السيد بدر الدين، وسيكون لذلك تداعيات مهمة على القضية المعروضة أمامكم إن صحّت وتأكدت هذه التقارير، وبسبب أهمية التداعيات سوف تطلب الغرفة بالطبع، الحصول على أدّلة رسمية حول وفاة بدر الدين». أضاف كاميرون: «لم يحصل الادعاء على تأكيد من الدولة اللبنانية بأي طريقة باعتباره مواطنًا لبنانيًا، ونتوقع الحصول على بعض المعلومات من الدولة اللبنانية حول هذه المسألة قريبا جدا، ولا يمكنني أن أقول أي شيء إضافي».
وهنا عقّب القاضي راي على كلام ممثل الادعاء، وذكّره بأن الغرفة «لا يمكنها متابعة الجلسات اليوم (أمس) حتى تحصل على تأكيد بطريقة أو بأخرى من خلال مكتب المدعي العام، ومن ثم ستطلبون تعديل القرار الاتهامي ووقف الإجراءات مؤقتا». فوافق كاميرون على كلام القاضي راي وقال: «هذه فرصة لمحامي الدفاع والادعاء كي يبدأوا بمجموعة من النقاشات، ابتداء من اليوم (أمس)، حول نموذج التأكيد الذي سوف نحصل عليه ومسائل أخرى أثيرت بشأن الحدث غير المتوقع». وردا على سؤال رئيس المحكمة عن المدة الزمنية المتوقعة للنظر بموضوع التأكد من وفاة بدر الدين والحصول على المستندات المطلوبة، قال كاميرون: «أتوقع أن نعيد النظر بالقضية غدا (اليوم) كي نوفر للغرفة معلومات أوضح». وعلى الأثر رفع القاضي راي الجلسة.
وزير العدل اللبناني المستقيل أشرف ريفي، أوضح أن «وزارة العدل لم تتلق بعد أي طلب من المحكمة الدولية بهذا الخصوص». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن الوزارة «ستتعاطى مع أي طلب يأتي من المحكمة بمسؤولية وستقّدم لها الأجوبة على كل الأسئلة والاستيضاحات». وقال: «كل ما سيصدر عن المحكمة بخصوص التثبت من وفاة أي متهم، سنقوم بالإجراءات اللازمة، حيث تُحال المراسلة على النيابة العامة التمييزية، للقيام بما يلزم وتكليف من تراه مناسبا إجراء فحص الحمض النووي اللازم وكل إجراء يخدم مسار كشف الحقيقة وتحقيق العدالة».
الناطقة باسم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وجد رمضان، أوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجلسات باتت معلّقة بانتظار جواب من المدعي العام الذي سيطلب إثباتات من الدولة اللبنانية حول خبر وفاة بدر الدين، وفق ما ورد في جلسة اليوم (أمس)». وردا على سؤال، أوضحت أن «مسألة التثبت من الوفاة وما سيكون عليه الوضع في المرحلة المقبلة من المحاكمة بحاجة إلى قرار قضائي يتخذه قضاة المحكمة». وقالت: «لا أستطيع أن أعلق في هذه المرحلة على الإجراءات والخطوات التي ستلجأ إليها المحكمة بالاستناد القرار القضائي الذي ستتخذه غرفة الدرجة الأولى».



لا موعد لعودة هوكستين ولا مكان للتقدم لتطبيق الـ1701

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقبل المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين قبل اجتماعهما في مكتب رئيس الوزراء في القدس (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقبل المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين قبل اجتماعهما في مكتب رئيس الوزراء في القدس (د.ب.أ)
TT

لا موعد لعودة هوكستين ولا مكان للتقدم لتطبيق الـ1701

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقبل المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين قبل اجتماعهما في مكتب رئيس الوزراء في القدس (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقبل المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين قبل اجتماعهما في مكتب رئيس الوزراء في القدس (د.ب.أ)

الترويج لمعاودة الوسيط الأميركي آموس هوكستين تحركه بين بيروت وتل أبيب للتوصل لوقف النار يبقى في إطاره الإعلامي، ما دام رئيسا المجلس النيابي نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لم يتبلغا بموعد عودته ولا بتحقيق بعض التقدم في زيارته الأخيرة لإسرائيل، وإلا فلماذا اضطر للعودة إلى واشنطن بدلاً من أن يعرج على بيروت لإطلاعهما على الأجواء التي سادت اجتماعه برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو؟

وتقول مصادر سياسية إن مواصلته للوساطة الأميركية بين لبنان وإسرائيل للتوصل إلى وقف للنار تمهيداً لنشر الجيش اللبناني، إلى جانب قوات الطوارئ الدولية «يونيفيل» في جنوب الليطاني لتطبيق القرار الدولي 1701 بعد الاتفاق على آلية تنفيذه، تبقى عالقة على نتائج السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض بين الرئيس السابق دونالد ترمب ومنافسته كامالا هاريس، والتي ستظهر تدريجياً في الساعات المقبلة.

وساطة هوكستين وسباق الرئاسة الأميركية

وتؤكد مصادر سياسية لبنانية لـ«الشرق الأوسط» أن مصير الوساطة التي يتولاها هوكستين لنزع فتيل التفجير بين إسرائيل و«حزب الله» يتوقف على من سيحسم السباق الرئاسي الأميركي. وتقول إن انتخاب هاريس من شأنه أن يسهّل مهمته ويتيح له الاستقواء بوصولها إلى البيت الأبيض على نحو يمكّنه من وضع حد للابتزاز الذي يمارسه نتنياهو؛ لأنه سيكون في وسعها الاستعانة بالرئيس الحالي جو بايدن لوضع تطبيق الـ1701 على نار حامية، حتى قبل أن تبدأ ممارسة صلاحياتها الرئاسية في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، هذا في حال أنها حسمت أمرها وقررت إخراج الوساطة من المراوحة، أسوة بتلك التي أصابت مفاوضات غزة.

وترى المصادر ذاتها أن فوز ترمب بالرئاسة قد يؤدي إلى تمديد أمد المراوحة التي يحاول نتنياهو الإفادة منها لمواصلة تدمير القرى الأمامية التي لم تعد صالحة للإقامة فيها.

فوز ترمب يمدد فترة تفلت نتنياهو

وتخشى المصادر نفسها أن انشغال ترمب في تشكيل إدارته بالبيت الأبيض سيؤدي حتماً إلى تمديد فترة «السماح» لنتنياهو لترتيب الوضع في القرى الأمامية الحدودية، ولكن على طريقته، بما يمكّنه من انتزاع موافقة الحكومة اللبنانية للتسليم بتفسيره لتطبيق القرار الدولي استباقاً لإعادة ترتيب الوضع في المنطقة، آخذاً بعين الاعتبار إطباق الحصار على إيران والقضاء على أذرعها، بدءاً بـ«حزب الله»، بقطع كل أشكال الإمداد العسكري والمالي له، بالتلازم مع استهدافه للبنية الاقتصادية، ليس للحزب فقط، وإنما للطائفة الشيعية، وهذا ما يفسّر تدميره للأسواق والمصانع والمؤسسات والمرافق الحيوية التي لا غنى عنها للنهوض مجدداً بهذه المناطق.

وفي هذا السياق، تسأل المصادر عمّا إذا كان وصول ترمب يشكل محطة لاختبار مدى جديته بإنهاء الحروب، بدءاً بإعادة الهدوء المستدام إلى الجنوب، انسجاماً مع وعوده التي قطعها في لقاءاته مع الاغتراب اللبناني. فهل يضغط على إسرائيل لتطبيق الـ1701 بكل مندرجاته؟

استعصاء نتنياهو

وتستغرب المصادر السياسية وضع اللائمة على لبنان بتحميله مسؤولية إضاعته للفرص التي أتيحت لتطبيق الـ1701، وتقول إن نتنياهو هو من يستعصي ويتمرّد على الإدارة الأميركية برفضه التجاوب مع الإطار العام الذي اتفق عليه هوكستين مع بري لتسهيل تنفيذ القرار، وذلك بمطالبته بإدخال تعديلات عليه غير قابلة للتنفيذ، من وجهة النظر اللبنانية، كونها تجيز له استمرار تحليق الطيران الحربي والاستطلاعي في الأجواء اللبنانية، وتعطيه الحق بالتوغل في منطقة جنوب الليطاني ولو من باب الشبهة، بذريعة أن هناك من يعدّ لتحرك يراد منه تهديد أمن إسرائيل.

وتكشف المصادر عن أن هوكستين كان قد أبلغ مسؤولين لبنانيين، وهو في طريقه إلى تل أبيب للقاء نتنياهو، أن الأجواء إيجابية وتفتح الباب أمام التوصل لوقف النار. وتقول إنه تحدث لاحقاً عن حصول تقدُّم بقي إعلامياً، مع أنه، كما نُقل عنه، أمهل نتنياهو بعض الوقت نزولاً عند رغبته، ما أوحى له بأن للبحث صلة على طريق إنهاء الحرب.

نتنياهو يسعى لترتيبات أمنية

لكن، تبين بحسب المصادر أن لا أساس للتقدم الذي تحدث عنه هوكستين، وإلا فلماذا يوسع نتنياهو تدميره وحرقه للقرى؟ ما يدعو للتساؤل عمّا إذا كان يود خوض المفاوضات على طريقته، وتحت النار، للضغط على لبنان للتسليم له بإدخال «ترتيبات أمنية» على الـ1701، يمكن أن تسمح له بتفريغه من مضامينه، مع أن لبنان أقر بأن لا مفر من تطبيقه على قاعدة الاعتراف بالاستعداد للدخول في مرحلة سياسية جديدة غير تلك القائمة حالياً، وأدت إلى تعطيل تنفيذ القرار.

وترى المصادر أنه لم يعد من مبرر للربط بين جبهتي غزة والجنوب، وأنه لا بد من الفصل بينهما لعدم توفير الذريعة لنتنياهو للتفلت من وقف حربه على لبنان بتطبيق الـ1701، مع أنه لم يكن من ضرورة لإسناد «حزب الله» لغزة، الذي شكل بتفرُّده بقرار السلم والحرب إحراجاً للحكومة عربياً ودولياً، باعتبارها صاحبة الصلاحية في اتخاذه، فيما افتقد الحزب إلى من يناصره، بخلاف وحدة الساحات التي يدعو لها محور الممانعة بقيادة إيران، وهذا ما ألقى عليه عبء المواجهة منفرداً.