المسؤولية الطبية.. تشريعا وتطبيقا

ثمانية مجلدات تتناول طبيعتها وأبعادها

«المسؤولية الطبية» و«العقد الطبي»  -  المؤلف: د. قيس بن محمد آل الشيخ مبارك  - الناشر: دار الإيمان، الإمارات العربية المتحدة 2013
«المسؤولية الطبية» و«العقد الطبي» - المؤلف: د. قيس بن محمد آل الشيخ مبارك - الناشر: دار الإيمان، الإمارات العربية المتحدة 2013
TT

المسؤولية الطبية.. تشريعا وتطبيقا

«المسؤولية الطبية» و«العقد الطبي»  -  المؤلف: د. قيس بن محمد آل الشيخ مبارك  - الناشر: دار الإيمان، الإمارات العربية المتحدة 2013
«المسؤولية الطبية» و«العقد الطبي» - المؤلف: د. قيس بن محمد آل الشيخ مبارك - الناشر: دار الإيمان، الإمارات العربية المتحدة 2013

يتميز الفقه الإسلامي بواقعية الملاءمة بين التشريع والتطبيق؛ لأن مصدره هو الوحي من العالم بظروف البشر ومتغيرات أحوالهم وما يصلحهم، لذا فمن المؤكد أن الفقه الإسلامي يستوعب الحوادث والتطورات الزمنية والموضوعية، أي كل ما يتعلق بالفكر وجميع ما يتصل بمعاش الناس، كما لم يحرم الفقه الإسلامي في سائر عصوره من بزوغ نجم فقهاء رزقهم الله تميزا في مادة وأس هذا الفقه سعة فهم لموضوعه واستيعاب إدراك لدقائقه، وشمول إحاطة بمراميه وغاياته، فلعل ذلك يفسر كثرة كنوز الثروة الفقهية وتجدد اكتشافها في كل جيل.
وفي جانب آخر، يقال إن الاكتشافات الطبية التي تتجدد دوما ليست وليدة اليوم أو هذا العصر؛ فمنذ عرف الإنسان عرف الأسقام والأمراض وتعلم كيف يداويها بحسب قدراته والمتاحات أمامه، وربما لا أبتعد عن الصواب إذا قلت: إن معطيات البيئة حوله لا سيما الأعشاب ظلت، ولا تزال، المادة الأولى للعلاج المادي للأمراض وإنما طرأت تطورات علاجية تتعلق بالكيفية التي تناسب حاله والمتاحات أمامه في كل عصر.
وهنا يولد سؤال والسؤال يلد عدة أسئلة: ما طبيعة المسؤولية الطبية؟ وما أبعادها؟ وما ثمارها؟ وما تكييفها الفقهي الشرعي؟
من المؤكد أن إدراك مفهوم وحقيقة المسؤولية الطبية يعد ضرورة ملحة في عصرنا، فنجدها تنطلق في المجتمع غير المسلم من بواعث مهنية عند البعض وإنسانية عند البعض الآخر. أما في المجتمع المسلم فتنطلق من بواعث شرعية محروسة بزواجر تحميها من القصور في الفهم أو السلوك في ساحة تموج بالإمكانات وتتنازعها الجواذب. والطريق إلى هذه البواعث لا يسلك إلا بالتكييف الفقهي الصحيح للقضايا والمستجدات المعاصرة، فليس إلا الفقهاء لهذه المهمة، والمنهج الأسد - في رأيي - هو تشكيل بنى فكرية قادرة على تحفيز الإنسان معرفيا نحو تشغيل عقله وتفعيل مدركاته بالعلم الشرعي والفهم الصحيح لمقاصد النصوص؛ فالظروف المعاصرة رغم ما فيها من غلبة للجوانب المادية وقصور في بعض الجوانب الأخلاقية مهيئة لقبول هذا المنهج المعرفي وليست طاردة له كما قد يراه ذوو النظر المتعجل والأفق الضيق؛ لأن فقدان العناصر الإيجابية للبقاء يعني في الجانب الآخر تشغيل فطرة المقاومة عند الإنسان والاستعداد للبحث عن ما يروي ظمأه ويشبع نهمه بما يوافق فطرته السوية وهذا هو ما يحمله هذا المنهج المعرفي المتوازن.
وفي ضوء هذه الإلماحات تأتي سلسلة دراسات وأبحاث معاصرة التي أصدرها الدكتور قيس بن محمد آل الشيخ مبارك عضو هيئة كبار العلماء السعودية وأستاذ الفقه في جامعة الملك فيصل بالأحساء، التي ضمت ثمانية مجلدات أنيقة الطباعة رائعة السبك، محكمة المعالجة الفقهية المنهجية، خصص الجزء الأول منها عن «المسؤولية الطبية» والثاني عن «العقد الطبي» في حين جال في الجزء الثالث بـ«مقالات وخواطر» ذات صبغة فقهية موجزة وميسرة التناول. أما الجزء الرابع فخصصه للتعمق في «آراء القاضي عبد الوهاب البغدادي الأصولية»، معرجا في الجزء الخامس على «الرشوة أركانها وطرق إثباتها» ودارسا في الجزء السادس دراسة مستفيضة «خيار المجلس» ومتناولا في الجزء السابع «الرقية تعريفها وصفتها»، مختتما سلسلته بـ«من فتاوى العصر في نوازله ومستجداته».
وفي هذه السطور وبما يسمح به حيز الإبداء حسبي إضاءات عن الجزأين الأولين من هذه السلسلة أجزم أنها لاتسمن ولا تغني من جوع لعمل علمي محكم بحجم هذه السلسلة. فعن «المسؤولية الطبية» تناول المؤلف بتكييف فقهي وأصولي تعريف المسؤولية الطبية ومشروعيتها وتعريف العمل الطبي ومراحله ومشروعية الطب وفضله وموجبات المسؤولية شارحا مفهوم العمد والخطأ في الطب في ضوء أصول المهنة الطبية وأنواعها وشروط اعتبارها وأحكام مخالفتها فقهيا وحكم ضمان الطبيب الغار وشروط وعلة إسقاط المسؤولية في ضوء معرفة الطبيب وأهليته والإذن له بالعلاج وعدم التعدي وما إلى ذلك مخصصا الجزء الأخير لـ«إثبات الموجبات والآثار المترتبة عليها». وفي رأيي أن هذا الباب هو ذروة سنام التكييف الفقهي لموضوعات الكتاب، حيث أشار إلى مشروعية الإثبات وحكم التداعي بين الطبيب والمريض مكيفا بمعالجة فقهية منهجية وسائل الإثبات والإقرار والشهادة والكتابة وأثر العمد والخطأ ومخالفة أصول المهنة أو الجهل بها أو تخلف إذن المريض أو ولي أمر المسلمين (الرخصة الطبية) وأثر الغرور (الغرر) أو رفض العلاج أو العلاجات المحرمة وأثر إذن المريض للطبيب بقتله أو مادون القتل، وأثر إفشاء ما تدعو الضرورة لستره من أسرار المريض وكذا ستر ما تدعو الضرورة لكشفه.
أما «العقد الطبي» أي أحكام الإذن الطبي الصادر من المريض للطبيب بمعالجته فيؤكد فيه المؤلف أن مابين المريض والطبيب عقد يأخذ الأحكام الفقهية المعتادة للعقود وله آثارها المترتبة. فتحدث عن تعريف الإذن الطبي ومصدره وأنواعه وأقسامه وأركانه، مفصلا القول في إذن المريض وإذن الشارع وإذن ولي الأمر «الرخصة الطبية» بالنظر إلى منشأ ومدى كل إذن، كما تحدث عن طبيعة العقد الطبي وشروطه بالنظر إلى النظريات الفقهية وحكم كل نوع وصيغة الإذن وأهلية الآذن (المريض) والولاية على المريض وأهميتها وأقسامها ومراتبها وولاية المرأة على نفسها وعلى غيرها بحكم الحضانة ومدى هذه الولاية، وضبط المؤلف بالقواعد الفقهية والتكييف المنهجي ما يتعلق بالمأذون له (الطبيب)، من حيث تخصصه العلاجي والتزاماته تجاه المريض ومسؤوليته، كما تناول فسخ عقد الإجارة على العمل الطبي من حيث اللزوم وللأسباب العادية أو لأسباب طارئة موضحا التكييف الفقهي للفرق بين الفسخ من قبل المريض والفسخ من قبل الطبيب.
وفي جملة القول، فإن المقصود هو التشويق لقراءة هذا العمل العلمي الرائع في موضوعه وفي منهجه وفي معالجته وفي صياغته بأسلوب مذهل في عسف وترويض الكلمات والجمل كي يستخلص منها القارئ معاني تدني إليه المفهوم والنتيجة من أيسر طريق. ويجدر التنويه إلى أن المؤلف التزم في تأليفه بما لدى المذاهب الفقهية الأربعة السنية المشهورة غير أن أمهات الكتب المالكية كان لها النصيب الأوفر بحكم ذائقة المؤلف الفقهية وحسنا فعل بإخراج كنوزها في هذه القضية المعاصرة المهمة.
* عضو اللجنة العلمية السعودية للدراسات الدعوية



مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).