انتخابات لبنان البلدية تفرز تحالفات جديدة تهدد بزعزعة قواعد معسكري 8 و14 آذار

الأحزاب تنخرط في الانتخابات لاسترداد شعبية مفقودة

ممثلو حركة أمل في بيروت قرب مكتبهم الانتخابي في مركز للانتخابات البلدية لجبل لبنان أمس (إ.ب.أ)
ممثلو حركة أمل في بيروت قرب مكتبهم الانتخابي في مركز للانتخابات البلدية لجبل لبنان أمس (إ.ب.أ)
TT

انتخابات لبنان البلدية تفرز تحالفات جديدة تهدد بزعزعة قواعد معسكري 8 و14 آذار

ممثلو حركة أمل في بيروت قرب مكتبهم الانتخابي في مركز للانتخابات البلدية لجبل لبنان أمس (إ.ب.أ)
ممثلو حركة أمل في بيروت قرب مكتبهم الانتخابي في مركز للانتخابات البلدية لجبل لبنان أمس (إ.ب.أ)

قرّبت التحالفات السياسية الجديدة في الانتخابات المحلية اللبنانية نهاية معسكري 14 و8 آذار السياسيين في لبنان، وأنتجت مواجهة جديدة بين الطبقة السياسية التي تمثل جميع الأحزاب والمجتمع المدني، فيما بدت مساعي الأحزاب للتأثير على الترشيحات في المدن والقرى اللبنانية محاولة «للإمساك بحاجات الناس، واحتكار تقديم الخدمات للحفاظ على دورها الذي يمتد منذ استقلال لبنان».
وخريطة التحالفات بدت مفاجئة للجميع، إذ جمعت مختلف الأحزاب والقوى السياسية بمواجهة المجتمع المدني في العاصمة اللبنانية، بينما جمعت الأحزاب المسيحية بمواجهة ميريام سكاف، أرملة الوزير السابق إلياس سكاف الذي يتمتع بحيثية شعبية واسعة في زحلة في شرق لبنان، في حين اجتمع التحالف الشيعي المتمثل في حركة أمل التي يترأسها رئيس البرلمان نبيه بري، وما يُسمى حزب الله، في تحالف انتخابي متماسك في شرق وجنوب لبنان.
وبدا أن الأحزاب، بانخراطها على هذا الشكل في الانتخابات المحلية، تحاول استرداد ما فقدته من شعبية، إثر الأزمات السياسية المتواصلة، والتمديد للمجلس النيابي، والفشل في حل أزمة النفايات التي استمرت 8 أشهر، فضلاً عن الفشل في تأمين الخدمات الأساسية للمواطنين، في حين تمثل الانتخابات البلدية فرصة للأحزاب لإعادة تقديم الخدمات للمواطنين، وتحسين شعبيتها.
ويقول نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي: «اعتادت هذه الطبقة منذ العام 1943 أن تكمش النظام من أعلاه إلى أسفله، وذلك كي تكون البلديات التي تمتاز بقدرتها على تقديم الخدمات، حلقة من حلقات استسلام المواطنين للسلطة»، معتبرًا أن «السياسي يلعب دوره كوسيط بين الدولة والشعب، وتسعى الأحزاب، من خلال البلديات، للحفاظ على هذا الدور كوسيط بين الطبقة السياسية والناس في موقعها المحلي»، ويضيف: «بهذا المعنى، لا تلعب البلديات دورها التاريخي بالإنماء، بل تكرس استسلام المواطنين للسياسيين، رغم أنها تقدم بعض الخدمات لمناصريها».
ويرى الفرزلي أن تلك الأدوار «تدفع السياسيين للهروب من اللامركزية الإدارية، كون الإدارة اللامركزية تحرر المواطن من التبعية للطبقة السياسية، وهو ما يتناقض مع مصالحها، لذلك أبقت الناس ممسوكة من قبل البلديات التي تعود مرجعيتها إلى وزارة الداخلية».
واللافت أن دخول الأحزاب في معارك محلية، يزيد من العداوات عبر لعبها على التناقضات العائلية، وهو ما يثير أسئلة عن ضرورة الدخول في معارك مشابهة. ويقول الفرزلي: «في ظل وجود التيارات السياسية الكبيرة في الوقت الحالي، خلافًا لما كان الأمر عليه في الأربعينات والخمسينات، نلاحظ أن نفس التيار والحزب المنتشر على كل الأراضي اللبنانية، حين يدخل بصراع العائلات، يأكل نفسه بنفسه، إذ تفجره التناقضات على مستوى البلديات، وهو ما اعترف به النائب وليد جنبلاط الذي يمثل أفضل نموذج للتماسك الحزبي»، مؤكدا أن الحل الأمثل «يتمثل بإنجاز قانون للانتخابات، وفق القانون النسبي، يراعي تمثيل جميع القوى والعائلات، ويتيح ممارسة الشراكة في إدارة اللعبة المحلية».
وعما إذا كان الانخراط في هذه الانتخابات يعد تمهيدًا لقياس الأحجام الانتخابية في الانتخابات البرلمانية المقبلة، يقول الفرزلي: «ليست مقياسًا للأحجام، لأن المقياس هنا ظرفي وآني»، لافتًا إلى أن الفوز في الانتخابات «يعني الانقسام في القرى»، مشيرًا إلى أن الدخول في تناقضات العائلات والفعاليات الاجتماعية التي تنتمي إلى حزب واحد «ستنشأ عنها أضرار ناتجة عن صراع العائلات على خلفية تأييد شخص دون الآخر، ويكون الشخصان ينتميان إلى نفس الحزب»، مؤكدًا أنه «لا يمكن استرضاء كل الناس».
وتضاعفت حاجة الأحزاب للانخراط بشكل مؤثر في الانتخابات المحلية، بعد أزمة النفايات. ويعتبر أستاذ العلوم السياسية الدكتور سامي نادر أن الأحزاب اللبنانية «تعاني في هذه الأيام أزمة مشروعية سياسية، خصوصًا أنها بدأت تفقد التواصل مع قاعدتها»، مشيرًا إلى أن ذلك «تكشف بعد الحركة الاحتجاجية التي عمت لبنان في الصيف الماضي، على خلفية أزمة النفايات، وأظهرت أن هموم الشعب في مكان وهموم السياسيين في مكان آخر، حين يركز هؤلاء على اصطفافاتهم الإقليمية».
وإذ يشير نادر إلى أن «الانتخابات البلدية تحاكي حاجات المواطن»، يرى أن السياسيين «باتوا في مواجهة هذا النوع من الأزمة، مما اضطرهم للدخول إليها»، موضحًا أن «البعد السياسي للأزمات سقط في الصيف الماضي، وباتت اليوم الأحزاب تسعى لأن تتطلع إلى حاجات الناس، وتسعى لإعادة تأهيل نفسها أمام القاعدة الشعبية، واسترداد مصداقيتها مرة أخرى».
ويقول نادر إن «أزمة النفايات أثبتت إلى أي مدى فشلت الطبقة السياسية في الإحاطة بحاجات المواطنين، مما يدفعها لمحاولة استعادة هذا الدور عبر الانخراط في الانتخابات المحلية، ومحاولة التأثير فيها»، مشيرًا إلى أن أمام الطبقة السياسية اليوم استحقاقًا ناتجًا عن انخراط المجتمع المدني في المنافسة الانتخابية، بدليل ظهور لائحة «بيروت مدينتي» في العاصمة، أو لائحة زياد حواط في جبيل، أو لائحة جونيه، وهي لوائح خارج التشكيلات والإملاءات الحزبية.
وشهدت خريطة التحالفات في هذه الانتخابات تغييرات في الاصطفافات السياسية. ويقول نادر: «هذه التحالفات الجديدة بدلت الواقع السياسي في لبنان، وقد تشهد سقوط معسكري 14 و8 آذار، وأفرزت تحالفات جديدة مختلفة عما كان الأمر عليه منذ 12 عامًا».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.